حوار الحاضر والمستقبل

موسى زاخوراني

    أعتقد بأن المخاوف التي تنتاب الطائفة المسيحية بسوريا إزاء التغير الذي ينشده السوريون بتظاهراتهم واحتجاجاتهم , هي مخاوف مشروعة بدرجة كبيرة , خاصةً ونحن نرى هنا وهناك ـ في دول عربية عدة ـ بروز شعارات وتيارات وقوى إسلامية متطرفة عنفية أو متزمتة متعارضة أشد التعارض , ليس مع منطق العصر والتطور والتنمية فحسب , بل مع الوفاق والوئام والسلام بين الأطياف.

وفي مجمل الأحوال فإن الكرة هي في ملعب قوى التغيير , إذ من غير المعقول والإنصاف معا مطالبة طيف سوري بالسعي للتغيير والمساهمة فيه وهو أي هذا الطيف متأكد أو على الأقل متخوف من تراجع في أوضاعه أو انتقاص من حقوقه , حال حدوث التغيير,
 فالأمر يحتاج أن تدرك المكونات السورية كافة وبالملموس ويدرون أن الهدف هو بناء سورية حرة ديمقراطية وأن الثورة ستكون رافعة حقيقية لأوضاع وحريات الجميع وبدون استثناء .

ولتحقيق ذلك لا بد من خطوات وآليات وسلوكيات وفعاليات ناشطة وشاملة تزرع الأمل والتآلف والآمان , وتزيل فعلا لا قولا كل تلك المخاوف , بل والتصورات وتؤكد بأن سورية الغد ستكون للمسيحيين بالقدر الذي هي للمسلمين وللكرد مثلما هي للعرب أو سواهم.

وبالطبع فإن من الغباء السياسي والفكري معا أن نأمل من أية طائفة أو فئة سورية , أن تكون جميع أفرادها وعناصرها مع الثورة والتغيير وهذا ينسحب على كل المكونات , إذ لا بد من وجود أو بقاء عناصر غرر بهم أو ارتبطت مصالحهم بشكل أو بآخر مع مصالح النظام كما ويجب التأكيد على أن أية تصرفات فردية مهما كانت درجتها لا يمكن ولا يجوز سحبها على طيفه بالكامل ومن المفيد القول أن الجميع والجميع على الإطلاق مسؤولون في الإسراع لتطويق تلك التصرفات وكشفها والحد منها وفق سلوكيات جدية وعصرية ونافعة مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك العديد ومن مختلف الأطياف السورية دخلوا سجون النظام وجاهدوا وناضلوا عبر منظمات وأحزاب عدة من أجل سوريا لكل السوريين , سوريا تحتضن أبناءها جميعا ودون أي استثناء بسبب الجنس أو العرق أو الدين ونحو دولة مدنية دستورية تساوي بين كل مواطنيها وتراعي خصوصياتهم الدينية والقومية , لأن المساواة بين الموطنين حقوقا وواجباتا من أهم وأقوى دعائم الوحدة والوفاق والتقدم والتنمية ومن المعلوم أن تاريخ سوريا يحفظ في ذاكرته أسماء كثيرة ممن عملوا وناضلوا من أجل رفعة الوطن ودافعوا عنه فكرا وممارسة , مسيحيين ومسلمين , كردا وعربا , فأبناء سوريا بحاجة ماسة اليوم وغدا إلى ما يوحد صفوفهم وأهدافهم ويزرع في نفوسهم جميعا فلسفة الحب تجاه شريكهم ومحبة الأطياف السورية لبعضها البعض والتواصل فيما بينهم واعتماد الكفاءات بالدرجة الأساس ستوصل بنا إلى سورية السوريين ….

وخلاف ذلك لا يمكن تصور جسم أو مكون سوري سليم وقابل للتطور والاستقرار.

   ولن أنسى أن فكر البعث ودسائس وخطط أعداء البلاد هي السبب الأساسي وإن لم يكن الوحيد فيما حصلت وتحصل بين المكونات من تنافر وحذر وتشكيك , وسوء ظن , وعلى رجال التغيير وحدهم وأيا كانت مواقعهم وانتماءاتهم تقع مهمة التأكيد على مسؤولية السلطات في العلاقات السلبية بين أطياف البلاد , وإن أعظم وأغلى هدية وإنجاز وحقوق مشروعة لأي مكون سوري هي الأمان والسبيل الوحيد إلى مستقبل أفضل وزاهر .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…