الشعوب ترسم مستقبلها بإرادتها

عبدالحليم سليمان عبدالحليم *

لا أقول أن البو عزيزي أشعل فتيل ثورة الشعوب في المنطقة بل أقول أنه أضحى منارة لهذه الشعوب؛ تهديها على طريق التحرر والشفاء من أمراضها النفسية لا الجسدية المتمثلة بالخوف و بقادة ظنوا أنهم عظام لكنهم لم يكونوا سوا مستبدين و غاصبين للأرض بما فيها وعليها .

هذا الطريق هو طريق التغيير ، مفاده أن الشعب يريد إسقاط النظام، النظام بكل ما تعنيه الكلمة من معنى أي إسقاط نظام الفساد ونظام الاستبداد و نظام المحسوبيات و نظام التمييز ونظام الانتخابات المزورة ونظام الرئيس والقائد الواحد الأوحد الذي يعتقد أن الله لم يخلق لهذه الدولة أو تلك سواه ليكون وصياً وحاكماً ، وكأنه يحكم مجموعة من ملايين قاصرة لا تفهم في السياسة أو الاقتصاد أو المهام العسكرية أو أن الجميع أطفال صغار يحتاجون إلى الحليب وبعض الحلوى و سوا ذلك لا يفهمون ما يدور من حولهم.

هذا النمط من التفكير و الاعتقاد ولى لأنه ببساطة تغيرت العقلية الموجودة لدى الشعوب التي كانت تقود إلى الخنوع والتستر و الحيطة والحذر، ومِن مَن؟ ، من أشخاص يقال لهم أنهم ولاة أمورهم : وهل ولي الأمر – يجب بالضرورة – أن يكون جزاراً ونصاباً وغاصباً لرعيته .
بحكم الزمن وحركته وتفتح عقول الناس ومعرفة تجارب الأمم الأخرى يتساءل الناس المقموعون : لمَ لا نكون كغيرنا نعيش في رغد وهناء وبكرامة ، لمَ لا نرَ مستقبلنا مشرقاً ولمَ نعيش في خوف دائم على كل شيء حتى على عائلاتنا وهم في أحضاننا ؟؟..
التكنولوجيا أيضاً لها دور في هذا التغيير فهي الوسيلة والتأثير معاً في صنع هذه العقلية الجديدة ، فكثيراً ما كان ولاة الأمور يتمنون أن تبقى رعيتهم جاهلة وبعيدة عن هذه التكنولوجيا و في المقابل التكنولوجيا مصدر جديد لثروة جديدة يدخلها الولاة إلى بلادهم فتتراكم لديهم الأرصدة الخيالية من جراء استعمالها من قبل الرعية ولكن مصدر الثروة هذه أصبحت وبالاً على الظالمين ونخرت أركان حكمهم والمصيبة الكبيرة لهؤلاء الولاة أنهم كانوا يستهزؤون بمستخدمي هذه التكنولوجيا ولا يحسب لهم أي حساب على غرار أنهم إما مدمنون في الدردشة الخلاعية أو ماهرون في حركات البلاي استاشن لكن المفاجأة كانت لا هذا ولا ذاك بل طلاب للحرية ومقاتلون شرسون من أجل الكرامة والحياة الحرة الكريمة.
هذا التغيير في العقلية لشعوب المنطقة كانت نتيجة حتمية لكم وكيف متراكم من التفكير في الانعتاق من الاستبداد و ردة فعل على ممارسة القمع والتنكيل على مر سنين طويلة من الخداع و المواربة والرياء : شعارات فضفاضة ورنانة، حزب واحد، انتخابات شكلية، تعديلات وزارية ، إلى أخره من شكليات لا تمس الجوهر بشيء إلى جانب كل القيود والقوانين المكبلة لحياة العباد على أرض الولاة.
نعم صدقت الآية الكريمة التي تقول ” إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ” وها هي الشعوب لم تتغيّر حالها وأحوالها إلا بعدما غيّرت ما في أنفسها وأزاحت حاجز الخوف من طريقها وآمنت أنها ليست عدوانية تجاه نفسها ولا تجاه الشعوب الأخرى ومدركة لفهما الجمعي للحياة والتاريخ والثقافة وحتى السياسة .
فالخيارات باتت واضحة لها والشعوب تعرف ماذا تفعل وماذا تريد لا طائفية كما كانت تتلقى من وعيد ولا انقسام والأهم لا استبداد ولا طغيان بل سيادة القانون الحق والصحيح و الدستور الواضح و العصري و دولة مدنية تحترم الخصوصية الثقافية و الاقتصاد الصحي السليم و حرية تحترم حرية الآخرين و مسؤولة وجماعات ضغط نزيهة لا جماعات متنفذة وفاسدة ومؤسسات حقيقية يتفق عليها في إطار ديمقراطي ، فالمستقبل عندما ترسمه الشعوب بإراداتها لا بد أن يكون واضحاً  وجلياً و جميلاً بالتأكيد.

·  صحفي كردي سوري

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…