طريقة تعامل السلطات السورية مع الاحتجاجات والتظاهرات الجماهيرية الشعبية السلمية، التي خرجت في عدد من المدن والمحافظات السورية، للمطالبة بالحرية والديمقراطية وإنهاء حالة القمع والظلم والاضطهاد والاستبداد ومحاربة الفساد وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين…، أكدت وبما لا يدع أي مجال للشك، بأنها – السلطات – لا تزال تتعاطى مع الأحداث والتطورات الجديدة الناشئة في المجتمع السوري وكذلك مع حقوق المواطنين وحرياتهم وقضاياهم ومشاكلهم المختلفة، بنفس العقلية القديمة، عقلية السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، القائمة على الإلغاء والإقصاء والتهميش… وعلى التضليل الإعلامي والاستخفاف بعقولهم والاستهتار بمشاعرهم…،
أن كل ما ذكرناه أنفاً، يدل بوضوح شديد وكما قلنا سابقاً على نهج النظام وتمسكه وإصراره في المضي قدماً على خطى سياسته القديمة السيئة الصيت القائمة على التفرد بالسلطة وتهميش الجماهير وإقصائهم وشطبهم من الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية… ومصادرة إرادتهم وحريتهم…، وإذا كنت لم أكن أعول كثيراً على الخطاب (الهام) الذي قيل بأن رئيس الجمهورية سيدلي به في مجلس الشعب السوري يوم 30 آذار بخصوص الأحداث والتطورات التي شهدتها البلاد، وما رافقتها من عمليات عنف ودموية في تعامل السلطات الحكومية معها، رغم ما سبقه من كلام على لسان كبار المسؤولين السوريين ومنهم نائب رئيس الجمهورية فاروق الشرع، بأن هذا الخطاب سيتضمن نقاط وأفكار وإصلاحات… كفيلة بأن تسر المواطنين السوريين جميعاً، فأنني لم أكن أتوقع أن يكون الخطاب المذكور، مخيباً إلى هذه الدرجة الكبيرة، ومحبطاًً للآمال ولتطلعات المواطنين السوريين جميعاً، وخالياً من أي برنامج أو توجه حقيقي للإصلاح…، وخالياً أيضاً من تحديد أي سقف زمني حتى للإجراءات التي أعلنت عنها بثينة شعبان قبل هذا الخطاب بأيام قليلة، مثل دراسة إلغاء حالة الطوارئ والأحكام العرفية ودراسة إلغاء المادة الثامنة من الدستور السوري وأيضاً دراسة إصدار قانون للأحزاب السياسية وقانون للإعلام…، كما أنه – خطاب الرئيس – كان مليئاً بعبارات التخوين واتهام المواطنين السوريين بالارتباط مع الخارج، وكان أيضاً خطاباً حربياً في لغته إلى حد كبير فيه من التهديد والوعيد… الشيء الكثير، ليضع بذلك سوريا والسوريين جميعاً على مفترق طرق خطيرة وخطيرة جداً، فأما العيش في ظل حالة القمع والذل والخنوع والمهانة…، وأما الوقوع في دوامة العنف وإراقة الدماء الذي لا يمكن لأحد التكهن بمداها ومخاطرها ونتائجها…
وفي الحقيقة فإن الأزمة التي تمر بها سوريا الآن وتعصف بها، تفرض على السلطة السياسية الحاكمة بالدرجة الأساسية، ضرورة التعامل معها بحكمة وتعقل والتحرك الفوري والعاجل لإنقاذ البلاد من مخاطر جدية، والفرصة لا تزال قائمة وكبيرة، للعمل على تحقيق الإصلاحات الحقيقية في جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية…، والعمل على إلغاء حالة الطوارئ والأحكام العرفية والمحاكم والقوانين الاستثنائية وإنهاء الهيمنة السياسية والاستفراد بالسلطة والثروة، والإقرار بالتعددية في المجتمع، وإغلاق ملف الاعتقال السياسي نهائياً، وضمان سيادة القانون وفصل السلطات واستقلالية القضاء، وإطلاق الحريات الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير وحرية التظاهر وحق الاعتصام والاحتجاج والإضراب…، وإصدار قانون عصري للأحزاب والجمعيات ينظم الحياة السياسية والمدنية في البلاد، وأيضاً إصدار قانون جديد ومتطور للإعلام والمطبوعات… وصياغة قانون للانتخابات العامة يضمن العدالة لكل مكونات المجتمع السوري، والعمل على إفساح المجال أمام كافة الاتجاهات والتيارات السياسية والفكرية والحقوقية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية… في البلاد، لممارسة نشاطاتها وفعالياتها والتعبير عن آرائها وتوجهاته وتمكينها من ممارسة دورها الوطني، وصياغة دستور جديد للبلاد، يستند على المبادئ الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، ينتفي بداخله الاحتكار والهيمنة، ويحمي الحقوق ويضمن المساواة التامة بين كافة الأفراد وكل مكونات المجتمع السوري، ويقر بالتعددية القومية والسياسية، ويعترف بالمكونات الأساسية للمجتمع السوري كشركاء أساسيين والإقرار بحقوقهم…، والعمل على إلغاء سياسة التمييز والاضطهاد القومي بحق الشعب الكردي في سوريا وإفرازاتها السلبية من المشاريع والقوانين العنصرية والإجراءات والتدابير الاستثنائية المطبقة بحقه، والإقرار بحقوقه القومية الديمقراطية.