الياسمين في قاهرة المعز

عمر كوجري



فاح عطر الياسمين الذي صنعه جسد الشهيد محمد البوعزيزي التونسي في شوارع وأزقة القاهرة، وباقي الشوارع المصرية من أقصاها إلى أقصاها التي أصبحت تلتهب، وتذكر العالم بحيوية ودينامية، بل وعظمة الشعب المصري العريق والذي يزخر بأفياء حضارة تصل إلى سبعة آلاف عام.

والذين راهنوا أن أصداء حريق البوعزيزي سترد في جنبات تونس الخضراء فحسب، ولن يكون لن أي وقع في الشوارع العربية، بل في كل شارع يئن تحت نير الاستبداد، بات عليهم مراجعة حساباتهم، فقد قرؤوا الواقع والمعطيات والبيانات ومنسوب الاحتمالات خطأً، وكانت تحليلاتهم ضحلة، ولم تشفعهم كثرة القراءات وتشابه الوقائع هذه المرة ، وفاتهم أن يتعمقوا أكثر في ذاكرة الشعوب المسحوقة التي عندما تقرر أن تنزل للشارع” الشارع العظيم..

 

 الشارع الذي يبث رسائل الرعب في قلوب ممتهني الكرامات والضمائر” وتضع أرواحها على أكفها غير آبهة بالموت تتزلزل الأرض من تحت قدميها قرؤوا الواقع خطأ، وعندئذ تقول الشعوب كلمتها، وللـ كن..

فيكون!!

لقد ظن هؤلاء العجزة الذين لم يروا أكثر من أرنبة أنوفهم إن حريق البوعزيزي طال شين العابدين فقط، وما الأعمال والانتحارات ” هكذا وصفوا تصرف الشباب الغاضبين في مصر وموريتانيا والجزائر وغيرها”  إلا اجترار لحادثة ” سيكون مرتكبها خالداً مخلداً في سعير الله” وما هذه الأعمال إلا عبث في عبث، ويستوجب طاعة الحاكم التي هي من طاعة الله.
لكن الحريق..

العطر..

الياسمين الذي صنعته أجساد أربعة شبان مصريين غاضبين وجدت أصداءها البارحة وقبلها، ولم ينسَ الشعب المصري العظيم رسائل هؤلاء الذين اختاروا أقسى تعذيب لأجسادهم كي يوقظوا الشعب من سباته، ويعلن البارحة جمعة الغضب في كل الأرجاء، وقد أدرك  أن إشعال نيرانه التي ستحرق إن لم يكن اليوم ففي الغد أو بعده بالتأكيد،  جدو الدكتاتور..

العجوز الذي” يوغل في العقد التاسع، وتتوالى أجيال مصر فلا ترى غير وجهه المرمم بعناية فرعونية، وتدهسهم أقدار الموت المستعجل في العبارات والقطارات، وعلى أرصفة الدم، وتحيطهم البطالة والفقر و(عيشة) المقابر، ويقرؤون، ويسمــــعون أرقامـــاً فلكية لثروات لا يعرف أحد كيف تكونت”
إذاً: الغضب الساطع انطلق من قاهرة المعز، ولا أحد يعلم متى سيخبو، ويبدو أنه قرر أن يظل مشتعلاً لأن الآخرين الجالسين في ” الفوق، الفوق جداً، تأخروا كثيراً..

تأخروا جداً حتى تفوهوا بكلمة: فهمناكم يا شعوبنا التي استعبدناها، وهرقنا شرفها على قارعات الطرق، وأهدرنا حسّها الوطني لشدة ما ضيقنا الخناق عليها، فباتت تفضل الشيطان علينا ..

نحن الأتقياء الورعين الصالحين الموعودين بجنان الله وبالحوريات الساحرات الكثيرات والمتعة الأبدية هنا..

وهناك أيضاً.
فهمتكم يا شعبي ..

نطقها شين العابدين البارحة، واليوم ينطقها مبارك الطاعن في الحكم منذ أكثر من ثلاثة عقود، ويقول: قررت أن أقيل الحكومة، وليس أمامنا من سبيل لتحقيق طموحاتنا غير العمل والكفاح، وأعدكم بأنهار العسل واللبن، لكن عودوا إلى بيوتكم، واتركوني رئيساً إلى أن يأخذ الله أمانته.
طموح أيه..

وعمل وكفاح إيه يا راجل..

أنت بتخرف!!
الآن تذكرت الشباب المصري الذي يهرب من البلد يومياً بحثاً عن لقمة مغمسة بالدم لأن البطالة تفتك فتكاً بهم، والفساد ينخر عظام مؤسسات الدولة والمحسوبية والرشوة والاستزلام وووو!!
الآن تخاطبه، وتنعت المنتفضين بالأشقياء والمخربين، وقد غاب في عهدك الأمل، وأغلقت النوافذ والهواء عن رئات شعبكم، وأصبحت مصر مطوّبة بخيراتها الكثيرة ونيلها العظيم وحضارتها وأهراماتها باسمكم أو باسم علائكم وجمالكم ..

وحرمكم المصوووون.
وهاهي الملايين – كما توقع الفيتوري ابن النيل من جهة السودان – تفيق من كراها..

وما تراها ملأ الأفق صداها..

خرجت تبحث عن تاريخها..

بعد أن تاهت في الأرض وتاها..”

لقد فات الأوان، وعلى مبارك أن يزود طائرته بوقود كثير قبل أن يقلع بها لئلا تسقط على الأرض لنفاد وقودها وهو يبحث عن ” ملاذ آمن”  مثل الشين بن علي من ” عصيان وتمرد وشغب وتخريب الشعب المصري” العظيم الذي قرر أن يعيش بحرية وكرامة، وقال: كفى..

كفىىى.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…