توفيق رباحي
آخر أخبار سورية متمنيا أن لا يخرج عليّ أحدهم ويصرخ في وجهي: وأنت اش دخلك فينا؟ أو ما يشبه هذه الجملة العابرة للقارات: استقالة المذيعة زينة اليازجي من تقديم الأخبار في قناة -العربية-.
دعوني أقول إن هذه السيدة هي أولى الضحايا الذين يوصفون بـ-الخسائر الجانبية- في الحرب التي تخوضها الحكومة السورية داخل (وعلى) غرف الأخبار بالمحطات الفضائية العربية والناطقة بالعربية.
إذا أراد أحدكم أن يعتبرها آخر الضحايا والقائمة مفتوحة، فله ذلك طبعا.
الأسبوع الماضي كتبت عن السيدة اليازجي بهذه الزاوية وقلت إنها -عميلة- لأنها لم تنفذ (بعد) وعدها بالاستقالة من قناة -العربية-، فراسلتني تنفي أن تكون قد روجت خبر استقالتها، ثم شرحت أنها تتعرض لضغوط هائلة بسبب موقفها ووضعها المهني، مفضلة عدم الخوض في التفاصيل.
لم ينقض أسبوع حتى أتت الضغوط أكلها واستقالت السيدة اليازجي بعد أن وصلت الى ما لا قدرة لها على تحمله، كما يبدو.
قبل أربع وعشرين ساعة من إعلان استقالة السيدة اليازجي كان زوجها الممثل عابد فهد في التلفزيون السوري يدافع عنها وعن حملة -النجمة الصفراء- ممن سُحلت كرامتهم وجنسيتهم ووطنيتهم في الأرض.
بيد أن صرخته المسكين لم تنفع، وأخشى أن القادم أسوأ.
لا أعرف هل سيحتفل تجار الوطنية، بالجملة والتفصيل، بهذه البشرى السارة.
يجب فقط أن نقول هنيئا لأصحاب دكاكين تسويق الوطنية والانتماء في سورية وغيرها لأن استقالة السيدة اليازجي ستكون نموذجا يحتذى في مدارس الدعاية والضغط النفسي على الخصم (أو -العملاء- من أبناء الوطن).
في بعض المواقع هناك من طالب بنزع الجنسية عن هذه السيدة اليازجي لأنها -عميلة- تشتغل في قناة فضائية -مأجورة- ضد بلدها ومصالحه، مثلها مثل بقية الصحافيين والمذيعين الذين لم يستقيلوا بعد، والذين أجدد دعوتي لهم بأن يضعوا نجمة صفراء على صدورهم كي يتسنى للناس معرفتهم وتصنيفهم.
هذا زمن أغبر فعلا.
أتمنى أن لا تنفتح شهية أصحاب الدكاكين فيطالبون بمحاسبة السيدة اليازجي أو على تأخرها في الاستقالة المشؤومة التي تتجاوز حدود الفرد وعلاقته بالجهة التي توظفه الى ما يشبه محاكم التفتيش.
لم نسمع أن مخابرات الحكومة الليبية أو التونسية أو اليمنية أو غيرها فعلت هذا مع مواطنيها.
صدق من أصدقائي وزملائي من جادلوني مرارا بالقول إن ما تفعله مخابرات الأسد يتجاوز -زنقة زنقة..
ودار دار- وأن -بابا معمر- أرحم.
2
عدد سكان سورية 23 مليونا.
ومع ذلك تتجند كتيبة من السياسيين والصحافيين اللبنانيين للدفاع عن النظام السوري في الشاشات، وخصوصا في التلفزيونات السورية.
تبدو مسألة بديهية للوهلة الأولى، لكنني أجدها لافتة للانتباه تدعو الى تأمل هذه العلاقة السحرية بين سورية وقطاع من الساسة والإعلاميين في بلد الأرز، التي تجعل أناسا ينعمون بكل أنواع الحرية في بيروت والمدن اللبنانية الأخرى، يستخسرون في السوريين قليلا من الحرية والهواء النقي.
ربما هناك اعتقاد أن الدفاع عن نظام الأسد، عندما يأتي من غير سوري، يلقى صدى أكبر ومصداقية أفضل.
يشبه هذا استعانة أنظمة الحكم العربية بصحافيين غربيين لإيصال رسائل الى الرأي العام الداخلي والخارجي.
لكن يبدو أن النظام السوري -قتلته الغربة- فقال: أعمش أفضل من أعمى! في غياب الغربيين من الأفضل الاكتفاء باللبنانيين.
3
أعود الى موضوع طرقته الأسبوع الماضي أيضا، أقصد دور الفنانين في ما تعيشه سورية.
يوميا، بين التاسعة والعاشرة بتوقيت لندن يبث في الفضائية السورية برنامج مباشر يحضره فنان من نجوم الدراما السورية ليدلي بخطاب الولاء للنظام ويعلن براءته الأزلية من الإرهابيين السلفيين المخربين المأجورين.
أين الحكومة؟ أين وزير الخارجية؟ فاروق الشرع؟ السفراء؟ الدبلوماسيون؟ أين الناس الآخرون غير -فحول- و-حريم- باب الحارة؟
تشعر كأنهم يقفون في طابور كلُ في انتظار دوره لأداء الواجب.
واحد في كل مرة من فضلكم لأن المكان لا يتسع ونحتاج للاستماع بوضوح وبدون تداخل أصوات أو صدى كلام.
الذي لا يعرف يقول إن هذا البلد يحكمه فنانون ومثقفون وشخصيات تلفزيونية، وليس حزب البعث والأسد والعائلة والأقربين.
قرأت مرارا أن كثيرين في سورية، يتقدمهم مسؤولون حكوميون وناطقون باسمهم، يعتبرون الدراما السورية -خطا أحمر- مثل القسم والعلم والرموز السيادية الأخرى، لا يجوز الاقتراب منها بالنقد أو التهجم لأنها تمثل سورية في الخارج.
عندنا في الجزائر مثل شعبي جميل يقول -اللي كلا دجاج الناس يسمّن دجاجه-.
الآن، كما يظهر، دقت ساعة الحساب للفنانين وصنّاع الدراما.
4
أبلغني زملاء سوريون بأن قناة فضائية سورية تخرج الى الشارع لاستطلاع آراء الناس العاديين في ما يحدث ببلدهم، وعليهم أن لا يخرجوا عن سياق المؤامرة والسلفيين الارهابيين والامبريالية.
هذا هو المأمول من استطلاع كهذا في الزمان والمكان والظروف التي تعرفون، ولا شيء غيره.
لهذا قررت المحطة، حسب بعض الزملاء، أن تقيد أسماء كل من أدلوا بكلام مخالف ويتحدث عن الحرية والديمقراطية وإسقاط النظام، لتسليمه الى..
الجهات الأمنية (مع احتفاظ القناة بعدم بث ما ترى أنه لا يتماشى مع المصلحة الوطنية العليا والذوق العام).
وعليه، قولوا معي: عاش التعاون التلفزيوني ـ الأمني ـ العربي السوري ـ السوري العربي.
5
نفس الأسباب تؤدي الى نفس النتائج: عندما تتشابه الديكتاتوريات، تتشابه معها الرغبة في الانعتاق، ويتشابه القمع.
وعندما تلتقي هذه المتشابهات تتوج بتشابه الخطاب الإعلامي والتلفزيوني.
الانسان العربي هو ذاته، في سورية كان أو في ليبيا أو اليمن.
صدّقوا أن رجلا تابع مسؤولا حكوميا يمنيا يتحدث في فضائية عربية فاعتقد أنه يقصد سورية.
كان لا بد أن يستمع عدة دقائق ليتأكد أن الرجل يتحدث عن اليمن وليس سورية.
كان الرجل يستعمل الخطاب نفسه عن -المخربين- و-المأجورين- و-دعاة الفوضى- و-السلفيين- وغيرها.
وكان يمارس نفس أساليب الدفاع عن نظام حكم بائد بائس لن يرى التاريخ اسوأ منه.
هو الخطاب ذاته بدأ قبل شهرين ونصف الشهر في ليبيا عن الإرهابيين و-القاعدة- و-إمارة درنة- على لسان القذافي الأب والابن.
احتاج الليبيون الى أكثر من شهر لكي يتأكدوا أن العالم لم يصدّقهم وأن عليهم أن يغيّروا الرواية فغيّروها، فهل يحتاج السوريون الى مدة أطول؟
تبدو الفضائية السورية ثابتة وواثقة من نفسها وهي تتحدث عن -المجموعات الإرهابية المسلحة-، من دون المغامرة في التفاصيل حتى إذا قال قائل ان قلتم مرارا لا إرهابيين ولا قاعدة عندنا، قالوا: لم نقل يوما إنها -القاعدة-!
الأسبوع الماضي كتبت عن السيدة اليازجي بهذه الزاوية وقلت إنها -عميلة- لأنها لم تنفذ (بعد) وعدها بالاستقالة من قناة -العربية-، فراسلتني تنفي أن تكون قد روجت خبر استقالتها، ثم شرحت أنها تتعرض لضغوط هائلة بسبب موقفها ووضعها المهني، مفضلة عدم الخوض في التفاصيل.
لم ينقض أسبوع حتى أتت الضغوط أكلها واستقالت السيدة اليازجي بعد أن وصلت الى ما لا قدرة لها على تحمله، كما يبدو.
قبل أربع وعشرين ساعة من إعلان استقالة السيدة اليازجي كان زوجها الممثل عابد فهد في التلفزيون السوري يدافع عنها وعن حملة -النجمة الصفراء- ممن سُحلت كرامتهم وجنسيتهم ووطنيتهم في الأرض.
بيد أن صرخته المسكين لم تنفع، وأخشى أن القادم أسوأ.
لا أعرف هل سيحتفل تجار الوطنية، بالجملة والتفصيل، بهذه البشرى السارة.
يجب فقط أن نقول هنيئا لأصحاب دكاكين تسويق الوطنية والانتماء في سورية وغيرها لأن استقالة السيدة اليازجي ستكون نموذجا يحتذى في مدارس الدعاية والضغط النفسي على الخصم (أو -العملاء- من أبناء الوطن).
في بعض المواقع هناك من طالب بنزع الجنسية عن هذه السيدة اليازجي لأنها -عميلة- تشتغل في قناة فضائية -مأجورة- ضد بلدها ومصالحه، مثلها مثل بقية الصحافيين والمذيعين الذين لم يستقيلوا بعد، والذين أجدد دعوتي لهم بأن يضعوا نجمة صفراء على صدورهم كي يتسنى للناس معرفتهم وتصنيفهم.
هذا زمن أغبر فعلا.
أتمنى أن لا تنفتح شهية أصحاب الدكاكين فيطالبون بمحاسبة السيدة اليازجي أو على تأخرها في الاستقالة المشؤومة التي تتجاوز حدود الفرد وعلاقته بالجهة التي توظفه الى ما يشبه محاكم التفتيش.
لم نسمع أن مخابرات الحكومة الليبية أو التونسية أو اليمنية أو غيرها فعلت هذا مع مواطنيها.
صدق من أصدقائي وزملائي من جادلوني مرارا بالقول إن ما تفعله مخابرات الأسد يتجاوز -زنقة زنقة..
ودار دار- وأن -بابا معمر- أرحم.
2
عدد سكان سورية 23 مليونا.
ومع ذلك تتجند كتيبة من السياسيين والصحافيين اللبنانيين للدفاع عن النظام السوري في الشاشات، وخصوصا في التلفزيونات السورية.
تبدو مسألة بديهية للوهلة الأولى، لكنني أجدها لافتة للانتباه تدعو الى تأمل هذه العلاقة السحرية بين سورية وقطاع من الساسة والإعلاميين في بلد الأرز، التي تجعل أناسا ينعمون بكل أنواع الحرية في بيروت والمدن اللبنانية الأخرى، يستخسرون في السوريين قليلا من الحرية والهواء النقي.
ربما هناك اعتقاد أن الدفاع عن نظام الأسد، عندما يأتي من غير سوري، يلقى صدى أكبر ومصداقية أفضل.
يشبه هذا استعانة أنظمة الحكم العربية بصحافيين غربيين لإيصال رسائل الى الرأي العام الداخلي والخارجي.
لكن يبدو أن النظام السوري -قتلته الغربة- فقال: أعمش أفضل من أعمى! في غياب الغربيين من الأفضل الاكتفاء باللبنانيين.
3
أعود الى موضوع طرقته الأسبوع الماضي أيضا، أقصد دور الفنانين في ما تعيشه سورية.
يوميا، بين التاسعة والعاشرة بتوقيت لندن يبث في الفضائية السورية برنامج مباشر يحضره فنان من نجوم الدراما السورية ليدلي بخطاب الولاء للنظام ويعلن براءته الأزلية من الإرهابيين السلفيين المخربين المأجورين.
أين الحكومة؟ أين وزير الخارجية؟ فاروق الشرع؟ السفراء؟ الدبلوماسيون؟ أين الناس الآخرون غير -فحول- و-حريم- باب الحارة؟
تشعر كأنهم يقفون في طابور كلُ في انتظار دوره لأداء الواجب.
واحد في كل مرة من فضلكم لأن المكان لا يتسع ونحتاج للاستماع بوضوح وبدون تداخل أصوات أو صدى كلام.
الذي لا يعرف يقول إن هذا البلد يحكمه فنانون ومثقفون وشخصيات تلفزيونية، وليس حزب البعث والأسد والعائلة والأقربين.
قرأت مرارا أن كثيرين في سورية، يتقدمهم مسؤولون حكوميون وناطقون باسمهم، يعتبرون الدراما السورية -خطا أحمر- مثل القسم والعلم والرموز السيادية الأخرى، لا يجوز الاقتراب منها بالنقد أو التهجم لأنها تمثل سورية في الخارج.
عندنا في الجزائر مثل شعبي جميل يقول -اللي كلا دجاج الناس يسمّن دجاجه-.
الآن، كما يظهر، دقت ساعة الحساب للفنانين وصنّاع الدراما.
4
أبلغني زملاء سوريون بأن قناة فضائية سورية تخرج الى الشارع لاستطلاع آراء الناس العاديين في ما يحدث ببلدهم، وعليهم أن لا يخرجوا عن سياق المؤامرة والسلفيين الارهابيين والامبريالية.
هذا هو المأمول من استطلاع كهذا في الزمان والمكان والظروف التي تعرفون، ولا شيء غيره.
لهذا قررت المحطة، حسب بعض الزملاء، أن تقيد أسماء كل من أدلوا بكلام مخالف ويتحدث عن الحرية والديمقراطية وإسقاط النظام، لتسليمه الى..
الجهات الأمنية (مع احتفاظ القناة بعدم بث ما ترى أنه لا يتماشى مع المصلحة الوطنية العليا والذوق العام).
وعليه، قولوا معي: عاش التعاون التلفزيوني ـ الأمني ـ العربي السوري ـ السوري العربي.
5
نفس الأسباب تؤدي الى نفس النتائج: عندما تتشابه الديكتاتوريات، تتشابه معها الرغبة في الانعتاق، ويتشابه القمع.
وعندما تلتقي هذه المتشابهات تتوج بتشابه الخطاب الإعلامي والتلفزيوني.
الانسان العربي هو ذاته، في سورية كان أو في ليبيا أو اليمن.
صدّقوا أن رجلا تابع مسؤولا حكوميا يمنيا يتحدث في فضائية عربية فاعتقد أنه يقصد سورية.
كان لا بد أن يستمع عدة دقائق ليتأكد أن الرجل يتحدث عن اليمن وليس سورية.
كان الرجل يستعمل الخطاب نفسه عن -المخربين- و-المأجورين- و-دعاة الفوضى- و-السلفيين- وغيرها.
وكان يمارس نفس أساليب الدفاع عن نظام حكم بائد بائس لن يرى التاريخ اسوأ منه.
هو الخطاب ذاته بدأ قبل شهرين ونصف الشهر في ليبيا عن الإرهابيين و-القاعدة- و-إمارة درنة- على لسان القذافي الأب والابن.
احتاج الليبيون الى أكثر من شهر لكي يتأكدوا أن العالم لم يصدّقهم وأن عليهم أن يغيّروا الرواية فغيّروها، فهل يحتاج السوريون الى مدة أطول؟
تبدو الفضائية السورية ثابتة وواثقة من نفسها وهي تتحدث عن -المجموعات الإرهابية المسلحة-، من دون المغامرة في التفاصيل حتى إذا قال قائل ان قلتم مرارا لا إرهابيين ولا قاعدة عندنا، قالوا: لم نقل يوما إنها -القاعدة-!
-القدس العربي-