القمة العربية الأخيرة قراءة أولية من الحصاد

دهام حسن

من المعلوم أن القمم العربية عامة، لم ترق إلى مستوى الطموح في يوم من الأيام، ولا يؤمل منها ذلك من قبل ومن بعد، فهي تمضي بوتيرة واحدة عموما، وبمستوى متدن من الفعالية..

أما المسائل الشائكة، فهي ترحل دوما للقادم من الأيام، بغية النظر فيها لاحقا؛ والمؤتمرون فقط يجدون في الجانب الإسرائيلي مرتعا خصبا لهجوم مسهب، واتفاق في المواقف، دون عناء خلاف أو اختلاف، أما غير ذلك فلا ..!
إذا كانت القمم العربية عموما بهذه الصورة فإن القمة العربية الأخيرة تميزت خصوصا.

بمقاطعة علنية مقصودة وصريحة لبعض قادة وملوك العرب، بمن فيهم زعيما الدولتين الكبريين (السعودية  ومصر)، غلبة الفتور والانكماش على من حضروا، كأداء  لنافلة لا تأدية لفريضة ، دعوة وزير الخارجية الأيراني وظهوره، كنوع من التحدي لدى فريق، وإفهام الفريق الآخر عن وجوب حضور إيران، كجار وشريك في كل مسألة عربية، حتى لو كره الكارهون، وكانت الرسالة الصريحة للعرب من أن الجزر الثلاث المتنازع عليها بين الإمارات وإيران هي فارسية، ويبدو أنه تم تفادي من إثارة هذه النقطة حتى لا تثار الجارة أيران ..

والأنكى من هذا كله حديث الرئيس الليبي السيد معمر القذافي الذي فاجأ المؤتمر بقدومه مستغلا غياب بعض القادة العرب..

وكان حضوره للمؤتمر دعما للموقف السوري، كما ترجم حديثه كمغازلة للجانب الإيراني عندما قال عن غالبية سكان الخليج بأنهم من الفرس..

فقد أراد أن يثير حفيظة بعض العرب الخليجيين من جانب كأخوة أعداء، وأن يكسب بالتالي ودّ إيران، علّه في حديثه هذا تطوى صفحة المساءلة والمطالبة بمصير الإمام موسى الصدر من قبل اللبنانيين الذين يطالبون الجماهيرية الليبية عن ملابسات اختفائه في ليبيا  ويبدو أنه استأمن هذا الجانب…
أما المسألة اللبنانية فقد جاء من يحول دون بحثها، طالما أصحاب القضية غائبون، هكذا كانت الذريعة….المؤتمر تجاهل إدانة أعمال العنف والإرهاب في العراق، تحسبا من أن المعني بها ربما تشار إلى دول محددة وبضمنها  إيران هكذا يبدو لي…
الارتكابات والاتنهاكات من جانب السودان لقضايا تتعلق بحقوق الإنسان في السودان، تركت لأصحاب الشأن الحكام في السودان، فهم أدرى بشعاب السودان، وبالتالي هم أصلح لمعالجة ما أفسدته التدخلات الخارجية، إذن..لا يجوز التطرق للشؤون الداخلية لأية دولة، فالغاية مراضاة الحكام لا الشعوب….!
مهمة أمين الجامعة العربية السيد عمرو موسى ممالأة الجميع، وعدم إغضاب أحد، وعدم فصل الأمور، ليقوم بالتالي بعد انفضاض المؤتمر برحلات مكوكية لا تنتهي، محملا بقضايا عديدة تنتظر حلولا ومعالجات، وفي الغالب دون جدوى..!
الحصاد….هو فشل المؤتمر بامتياز برأي كثير من المحللين، وهو فشل دأبت عليه المؤتمرات العربية السابقة، فلم يعد الفشل بدعة، بل هي حالة ملازمة للقمم العربية للأسف..

كما يبدو لي نجاح القوى الراديكالية الظاهري في التحكم في مسار المؤتمر ومقرراته، وإخفاق قوى الاعتدال في فرض أجندتها،  وسعيها لتأجيل المؤتمر، أو نقله إلى دولة أخرى، المهم أن لا ينعقد في دمشق، لكن خاب مسعاها….
ما بعد المؤتمر سيوسع من شـق الخلافات باعتقادي، وظهرت في الإعلام بوادر هذه الخلافات منذ الأيام الأولى من المؤتمر، وسيظهر ذلك بقوة على لسان الساسة المسؤولين في غضون أيام على ما يرجح..

المنطقة برأيي مقبلة على مرحلة حساسة تحمل في تضاعيفها بعض المحاذير؛ لا ننسى زيارة ديك تشيني نائب رئيس الولايات المتحدة جورج بوش قبل انعقاد المؤتمر بأيام، أعقبتها زيارة لكونداليزارايس ترافقت مع انعقاد المؤتمر، وكانت هذي هي الزيارة الثانية  في غضون أقل من شهر..وما علينا إلا أن نأخذ كل هذا بالحسبان؛ وألا ننظر إليها نظرة بريئة، أو نظرة مصادفة…..

تشبث فريقي آذار اللبنانيين ـــ المعارضة والموالاة ـــ بمواقفهما ومناكفتهما الإعلامي المستمر، وما تشكل هذه المناكفة من خلق بؤر للتوتر، قد تسبب في أزمة تلهب المنطقة…..
العدو الإسرائيلي ما زال كالموتور، ربما يبغي الثأر لضعفه الذي تبدى واضحا في حرب تموز 2006 وعدم جنوحه للسلم، وقد تجلى ذلك في رفض إسرائيل وعدم التفاتتها للمبادرة العربية التي أطلقتها العرب في قمة بيروت……..
الشيء الذي كان غائبا في القمة هو الشعوب العربية، وهذا ما يتفق عليه الزعماء العرب قاطبة…..أي عدم البحث في الحريات ومسائل حقوق الإنسان، والقمع، والاعتقالات، والفساد إلخ
هذه هي لوحة المشهد السياسي التي تتفرع في مسارات عديدة ومختلفة، والمثقلة بجملة من القضايا ومسائل شائكة، والمثخنة بجراح وآلام  الأوطان والمواطنين…

ما هو المآل بعد هذا، لا أستطيع إلا أن أقف هنا متأملا مشتتا علّ أشهر الصيف الحارة والمقبلة تحمل في ثنايا أجوبة لكل هذا التشتت…!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في عالم السياسة، كما في الحياة اليومية عندما نقود آلية ونسير في الشوارع والطرقات ، ويصادفنا منعطف اونسعى إلى العودة لاي سبب ، هناك من يلتزم المسار بهدوء ، وهناك من “يكوّع” فجأة عند أول منعطف دون سابق إنذار. فالتكويع مصطلح شعبي مشتق من سلوك السائق الذي ينحرف بشكل مفاجئ دون إعطاء إشارة، لكنه في السياسة يكتسب…

إبراهيم اليوسف توطئة واستعادة: لا تظهر الحقائق كما هي، في الأزمنة والمراحل العصيبةٍ، بل تُدارُ-عادة- وعلى ضوء التجربة، بمنطق المؤامرة والتضليل، إذ أنه بعد زيارتنا لأوروبا عام 2004، أخذ التهديد ضدنا: الشهيد مشعل التمو وأنا طابعًا أكثر خبثًا، وأكثر استهدافًا وإجراماً إرهابياً. لم أكن ممن يعلن عن ذلك سريعاً، بل كنت أتحين التوقيت المناسب، حين يزول الخطر وتنجلي…

خوشناف سليمان ديبو بعد غياب امتدّ ثلاثة وأربعين عاماً، زرتُ أخيراً مسقط رأسي في “روجآفاي كُردستان”. كانت زيارة أشبه بلقاءٍ بين ذاكرة قديمة وواقع بدا كأن الزمن مرّ بجانبه دون أن يلامسه. خلال هذه السنوات الطويلة، تبدّلت الخرائط وتغيّرت الأمكنة والوجوه؛ ومع ذلك، ظلت الشوارع والأزقة والمباني على حالها كما كانت، بل بدت أشد قتامة وكآبة. البيوت هي ذاتها،…

اكرم حسين في المشهد السياسي الكردي السوري، الذي يتسم غالباً بالحذر والتردد في الإقرار بالأخطاء، تأتي رسالة عضو الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي، السيد سليمان أوسو، حيث نشرها على صفحته الشخصية ، بعد انعقاد “كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي “، كموقف إيجابي ، يستحق التقدير. فقد حملت رسالته اعتذاراً صريحاً لمجموعة واسعة من المثقفين والأكاديميين والشخصيات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني،…