ثقافة التسامح ، ثقافة الطلقة

 بلند حسـن

مدينة قامشلي استقبلت غروب يومها الأخير من العام الكردي وهي تتهيأ كعروس في ليلة زفافها ؛ الورود ، والشموع ، والزغاريد الكثيرة ، حيث يستعدّ أبناؤها لعيدهم الكبير ، رأس سنتهم الجديدة ، الشباب يقيمون حلقات الدبكة والأغاني ، فرحين بقدوم عيدهم .

في هذا الأثناء كان الكثير من المثقفين والكتاب ، عرباً وكرداً وأشوراً ، ووو..

يتوجّهون إلى المركز الثقافي بالقامشلي لحضور أمسية فكرية ، مع المفكر  د .

أحمد برقاوي ، ليسمعوا جديده حول (ثقافة التسامح) بين المجتمعات البشرية ، لكنّهم فوجئوا بإلغاء المحاضرة ، دون اعتذار مسبق ، تجمعوا على باب المركز ، لم يكونوا على علمٍ مسبق بأنّ ثقافة الرصاص الحيّ ، ثقافة الطلقة الهمجية قد حلّت محل ثقافة التسامح في الطرف الآخر من المدينة ، حيث تنهمر الرصاصات الحية القاتلة على رؤوس الكرد خبط عشواء ، كرسالة قوية لهم ولغيرهم ،تفيد بأنّ لا ثقافة تعلو على ثقافة الطلقة ، ولا حوار مع الآخر إلا حوار القتل والقمع ،…
التسامح في مفهومه العام يعني الاعتراف بالآخر ، بوجوده ، وبثقافته ، واختلافه القومي ، والديني ، والفكري والسياسي ، ومخالفة هذا المفهوم هو الاستبداد بعينه ، وثقافة التسامح في إطار وطنٍ واحد ، تدعو إلى إشراك واشتراك الجميع ، باختلاف مشاربهم وانتماءاتهم ، وأعراقهم ، لبناء الوطنٍ ، رغم تعدّد الثقافات والقوميات والأديان ، أما ثقافة القتل المتعمّد فتدعو إلى تدمير الوطن ، من خلال تدمير أبنائه ، وزعزعة استقرارهم السياسي والحياتي ، وتهدف ثقافة الطلقة إلى زرع فتنة كبيرة – قد لا ينجو مهندسوها ومنفذوها من آثارها – بين أبناء الشعب ، بين العرب والكرد ، لا يستفيد منها أحد ، لا يخرج أحدٌ منتصراً ، بل سيصبح الكلُّ مغلوباً على أمره ، الفتنة بين المجتمعات والشعوب ، تأكل الأخضر واليابس ، وتحرق الوطن قبل حرق الناس .


ويبدو من خلال هذه الأحداث أنَّ ثقافة التسامح غير قابلة للاخضرار والانتشار بل هي في انهيار ، أمام ثقافة الطلقة الزاحفة بعنجهية أعمى ، وباتت تغيّم على عقول الشوفينيين ، الذين لا يحلو لهم سوى مشاهد الدم المراق على عتبات الطرف الآخر ، فهم ليسوا سعداء إلا بسواد الحزن الدامع في أعين الكرد ، ولا ينامون قريري الأعين والكرد يحتفلون بعيدهم المزركش .

ثقافة الطلقة تزرع أعمالاً مشينة في قلب الوطن وتقتل الناس على الهوية ، ولا تبني المحبة والثقة بين أبنائه ، ولا تقوّي من عزيمة الوطنية ، ثقافة القتل ، ولّتْ أزمانُها ، وأسبابُها ، رغمّ أنها مازالت طاغية في عقول بعضهم .


——
تنويه :

تفادياً للتشابه ، ودفعاً للالتباس ، أؤكد أنَّ ما نشر وما ينشر باسم المدعو ( بلند حسين ) لا علاقة لي به ، فهو اسمٌ مختلف ، ونرجو من القارئ التمييز بين الاسمين ).

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…