المحمدون الثلاثة.. تداعيات وأمال

عبداللـه إمام

    اقترفت السلطة السورية في يوم 20/3/2008م  في مدينة قامشلو الكردية جريمة جديدة ضمن سلسلة جرائمها بحق الشعب الكردي وذلك في مساء عيد نوروز الذي كان الكرد يحتفلون به في كل أصقاع العالم ، فقد أقدمت عناصر هذه السلطة على إطلاق الرصاص الحي على مجموعة من الشبان الكرد المجتمعين حول شعلة من النار كانوا قد أوقدوها احتفالاً بعيدهم القومي نوروز، مما أدى إلى استشهاد ثلاثة منهم وجرح عدد آخر، بالإضافة إلى حالات الاعتقال الذي طال الكثيرين بهذه المناسبة..
   إن اسماء الشهداء الثلاثة (محمد زكي رمضان – محمد يحيى خليل – محمد محمود حسين) يثير لدينا بعضاً من التداعيات المؤلمة التي تحول مصادفة تشابه هذه الأسماء إلى حالة بعيدة عن الغرابة والمفاجأة:
– لقد غزا المسلمون الأوائل بلاد الكرد في القرن السابع الميلادي فقتلوا رجالهم وأطفالهم ونساءهم وهتكوا أعراضهم ودمروا معالمهم الحضارية ونتاجهم الروحي وكانت النتيجة أن دخل أغلب الكرد في الدين الإسلامي – مثلهم مثل باقي شعوب أسيا وإفريقيا – وكان القتل والإرهاب نصيب من أصرّ على البقاء على دينه الأصيل..

ثم تحول الإسلام مع الزمن إلى دين طوعي لهذه الشعوب وخاصة الكرد الذين وصل بهم الأمر إلى درجة تسمية مواليدهم بالأسماء العربية وخاصة اسم «محمد»، والتطوع لمحاربة الحملات الصليبية وإجبارها على العودة إلى أوروبا، وما يزال الأوربيون حتى اليوم يذكرون ذلك بشعور من الألم والعتب تجاه الشعب الكردي الذي يبحث اليوم عن صداقة معهم تنسي جراح الماضي وتفتح صفحة جديدة في تاريخ أوروبا والشرق الأوسط وتكون قاعدة لبناء هيلينستية العصر.
   هذا المولود الكردي المسمى «محمد» يقتل اليوم برصاص يطلقه عنصر تابع لسلطة تدعي الإسلام وتتخذ من النظام الإيراني الإسلامي حليفاً وحيداً وتدعم المنظمات الإسلامية المتشددة كحركة حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان..

وربما يكون العنصر الذي أطلق الرصاص يحمل اسم « محمد»..!!! من يعرف ذلك أو ينكره..؟؟
– جاء الترك إلى هذه المنطقة منذ عدة قرون وقد دخلوا في الإسلام ووجدوه مطية لبناء سلطنتهم العثمانية التي امتدت من حدود إيران شرقاً إلى مناطق البلقان والمغرب الأمازيغي – العربي غرباً ومن البحر الأسود شمالاً وحتى اليمن والسودان جنوباً، وكانت أغلب الحروب التي حققت لهم هذا التوسع يقودها ويشارك فيها الكرد الذين فعلوا ذلك من منطلق خدمة الدين، فكان في القرن السادس عشر الميلادي ضم العراق ومحاربة المماليك في سوريا ومصر وضمها والانتقال منها إلى شبه الجزيرة العربية واليمن…الخ حتى خروجهم من هذه الديار نتيجة الحرب العالمية الأولى واكتفائهم بضم القسم الشمالي من كردستان ، بينما بقيت سلالة الكردي محمد على آغا القولي حاكمة في مصر حتى عام 1952م.


   وإذا كانت الثقافة الممنهجة من لدن نظام البعث في بلدنا تعتبر الوجود العثماني ذاك احتلالاً رغم أنه لا يختلف دينياً عما قبله من الخلافات الأموية والعباسية وقبلها الراشدية..

إلا أن هذا النظام هو الوحيد الذي برر للجيش التركي والحزب الحاكم «المسلم» خرق سيادة العراق «المسلم» وقتل الكرد «المسلمين» الذين يحمل مسنوهم اسم «محمد» بكثرة.
– إن آذار الموت الذي ابتلع في مبتدئه القائد الخالد مصطفى البارزاني، وفي منتهاه القائد الخالد القاضي محمد, وبين المبتدأ والمنتهى كان له ابتلاع الفنان الكردي الخالد محمد شيخو في التاسع من أيامه، وكان له في منتصفه ابتلاع الآلاف من أبناء كردستان العراق وخاصة من أبناء مدينة حلبجة، وبين الثاني عشر والسادس عشر من أيامه ابتلع كوكبة من شهداء الانتفاضة الآذارية في كردستان سوريا..

آذار الذي ابتلع نوروزه شهيداً هو سليمان آدي قبل حوالي عشرين سنة..

ها هو ذا يبتلع ثلاثة شهداء جدد في نوروز هذا العام..

أفلا يكفيه كل هؤلاء الضحايا؟..
    إن نظرية الانفجار تحتم أن يشكل هؤلاء الشهداء بتراكمهم وانضغاطهم حالة تولد انفجار نوروز جديد..

هو اليوم الذي ينتظره الكرد جميعاً..

هو يوم حريتهم وخلاصهم من الظلم والطغيان.


ــــــــــــــــــــــــــــــــ
E – mail : baveroni@yahoo.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…