دهام حسن
في يوم السبت، التاسع من تشرين الثاني ( نوفمبر)، من عام 1989، تهاوى جدار برلين، تحت ضربات معاول الألمان، في شطري برلين، فعد سقوط هذا الجدار، وهذا التاريخ، بداية النهاية للحرب الباردة، وفي شهر تشرين الثاني نفسه من العام التالي 1990 أعلن جورج بوش الأب، خلال زيارته لفرنسا، أعلن من باريس رسميا عن نهاية الحرب الباردة..
فماذا عنت الحرب الباردة ؟ وماهي أدوات وعتاد تلك الحرب ؟
فماذا عنت الحرب الباردة ؟ وماهي أدوات وعتاد تلك الحرب ؟
بداية، نقول أن الحرب الباردة كمصطلح، ابتكره، مستشار في مسائل السياسة الخارجية الأمريكية، وأحد أصحاب البنوك، اسمه ( برنا رد باروخ )، جرى تداول المصطلح في الصحافة، لكن الذي أرخ لهذا المصطلح، ووضعه موضع التنفيذ، هو الرئيس الأمريكي، ونستو ن تشرشل، في خطاب له في آذار من عام 1946، وعد هذا التاريخ بمثابة الإعلان الرسمي للحرب الباردة؛ امتدت الحرب الباردة مدة خمسة وأربعين عاما، غطت الفترة ، من نهاية الحرب العالمية الثانية، في عام1945،عندما وضعت الحرب أوزارها، إلى عام 1990 حيث دشن العالم نهاية الحرب الباردة .
كانت هذه الحرب، بمثابة صراع، أو مناضلة عقائدية، بين ( الشيوعية السوفييتية ) من جهة، والغرب ( أمريكا وأوربا) من جهة أخرى، بل عدها بعضهم: أنه صراع كوني، بين الشيوعية والديمقراطية، وبهذه النظرة، أو الرؤية، بدت الديمقراطية بعيدة عن العقيدة الشيوعية؛ في حين أني أرى ، طبقا لكلاسيكيي الماركسية: من أن الشيوعية تستلزم الديمقراطية، بل الشيوعية، هي مزيد من الديمقراطية، حسب تعبير غورباتشوف… وثمة من عارضوا هكذا توصيفات، فلم يروا فيها معركة عقائدية، بل رأوها صراعا عسكريا، وجغرسياسيا، بين الشرق والغرب، بين الاتحاد السوفييتي من جهة، وبين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، وكلا الطرفين منخرط, في معاهدة أو ميثاق مع منظومة من الحلفاء ..
توسلت الحرب الباردة، أسلحة جديدة، تمثلت بالحروب الاقتصادية، والحروب النفسية، الحصار الاقتصادي، ( الحصار الطويل على كوبا) الحروب العقائدية، الدعاية الإعلامية المضادة ضد الشيوعية، سباق التسلح، الذي استنزف أموالا طائلة، كان من الممكن، أن تغطي مجالات للتنمية، حيث الشعب بمسيس الحاجة إليها، الحروب المحلية، هنا وهناك،( حرب الثماني سنوات بين العراق وإيران، كمثال) تصدير الثورات، ــ غزو السوفييت لأفغانستان ــ الثورات المضادة، ـ الإطاحة بحكومة مصدق عام 1953 في إيران من قبل ايزنهاور، والقضاء على ثورته؛ وثمة أمثلة كثيرة لتلك الحالات، وكان طرفا الصراع ، كلا من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي ، ومن يدور في فلكهما من الدول، والمنظومات، كما بينا قبل قليل..
من المعلوم أن هزيمة هتلر في الحرب العالية الثانية، واندحار النازية الألمانية، والفاشية الإيطالية، والعسكرية اليابانية، هيأت أجواء ومناخات ملائمة، لانتشار الشيوعية، فضلا عن تأثير الدعاية الشيوعية، المتمثل بالنظام الاشتراكي السوفييتي، الناشئ، والواعد، بمستقبل حر زاهر، كما كان يتوقع أنصاره، ناهيك عن امتعاض الناس للاستعمار، بسبب التركة الثقيلة، التي خلفها ، عبر تاريخه الحربي الطويل، الذي وصم بالعار والشنار، لما ارتكبت من كوارث إنسانية..
لكن علينا أن نستدرك، ونذكر من أن الحرب لم تكن بهذا الرجس، والقبح، والفظاعة، حتى في أواخر القرن التاسع عشر؛ بل فقد وجد كثيرون، ممن يمجدون الحرب في تلك الحقبة.! كونها، وصاية إلهية، وعدوها من الفضائل العليا للإنسان الحاكم، ورأوها ضرورية للتقدم الإنساني، كما رأوا فيها، السبيل الحتمي والوحيد، لتسوية الخلافات..
إن الحرب الباردة، عززت مواقف قادة الكرملين من جهة إفراطهم في المركزية الصارمة؛ فالحصار الذي فرضه النظام الرأسمالي، برر لهؤلاء القادة القابعين في الكرملين، من تشديد قبضتهم على المجتمع السوفييتي، والتلويح له بحرب وشيكة، وما كان يؤكد هذا الجانب، ما بشر به بعض الساسة الأمريكان، من نشوب حرب وشيكة، بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية، من جانب آخر، كانت أمريكا نفسها، تخوف الدول الأوربية من هجوم المعسكر الشيوعي، وهذه الدول أيضا كانت، تأخذ بالحسبان القلاقل الداخلية، التي ستسببها الأفكار والمفاهيم الشيوعية، وربما تفضي ، إلى قلقلة بنى تلك الدول، والإطاحة بالتالي بنظمها، ومازالت نتائج الحرب العالمية، بما حملت من ويلات، وما آلت إليه الحالة من هلاك وكوارث ودمار، ظلت ماثلة شاخصة أمام أنظارهم؛ كل هذا دفعت تلك الدول، لتلوذ، وتحتمي بترسانة السلاح الأمريكي، وجبروته…
جاءت البيروسترويكا، كحاجة ضرورية وملحة، لمعالجة حالة مستعصية من التفاقم المرضي، اعترى الجسد السوفييتي، وكانت البلاد ـ كما يبدو ـ مقبلة على أزمة أكيدة، تشمل جوانب الحياة المختلفة، من سياسة، واقتصاد، ومجتمع، والحزب؛ فمنذ السبعينيات، من القرن العشرين، رانت على المجتمع السوفييتي حالة من الركود في التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، وكانت الفرملة في عجلة التقدم والتطور؛ تخيل.! حصل هذا، تزامنا مع الثورة العلمية والتكنولوجية، تلك الثورة التي اخترقت الجدر المصمتة، لتنفتح آفاق رحبة للتقدم الاجتماعي… في الاجتماع الكامل للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي، الذي انعقد في نيسان ( أبريل) من عام 1985 توصل المجتمعون إلى القول : إن البلاد على أبواب أزمة، فكان لا بد من الانعطاف نحو البيروسترويكا، وكان غورباتشوف الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي، المنتخب في مؤتمر الحزب المنعقد في آذار من عام 1985، أبدى عدم رغبته في دعم سياسة أسلافه التقليديين، واعتبر البيروسترويكا، إبداعا من خلق الجماهير، وليست بدعة جاد بها عقل مفكر، أو زعيم؛ كما اعتبرها ثورة ضد الركود، ودعوة للتسريع في التنمية، في سائر المجالات، السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والحزبية؛ كما ركز، على المكاشفة، والديمقراطية، فلا شرعية لأية حكومة ـ برأيه ـ من دون ديمقراطية، وبالمقابل، فإن الديمقراطية، لا يمكن لها، أن توجد، وتتطور، دون شرعية، تعتمد عليها الديمقراطية بغية إرساء أسسها..
كان غورباتشوف يدرك قبل غيره، فداحة الإرث الثقيل، في الحالة السوفياتية، فرغم مضي نحو سبعين عاما على ثورة أكتوبر، غدا بعيدا الحلم الذي تاق إليه، وحلم به البلاشفة، أما الديمقراطية التي ينبغي أن تلازم المجتمع الاشتراكي، أصبحت في خبر كان؛ وتنبه فريق العمل لمدى خطورة مشكلاتهم الاقتصادية، بل إن اقتصاد المنظومة الاشتراكية جميعها، على درجة من الخلل والاعتلال، أنظمة جوفاء، ذات اقتصاد ضعيف، مهزوز، مما حدا أحد المؤرخين الأمريكان الكبار من القول:( إن الشيوعية باتت عقيدة تمشّى فيها الضنى) كما أن الشعب السوفييتي، بسبب الاقتصاد المنهك المهزوز، ما عاد يؤخذ بسحر وجاذبية النظام القائم، ولا عاد تنطلي عليه أكاذيب المسؤولين من الحكام لتجميل صورة الواقع المزري؛ انظروا معي إلى هذه المقاربة، إلى هذه المعادلة: كانت ألمانيا الشرقية( الديمقراطية) ــ أحيانا، أقول بيني وبين نفسي، لماذا اقترن اسمها بالديمقراطية، مع غياب الديمقراطية فيها، كان ذلك، تميزا عن ألمانيا الغربية، فالأخيرة رغم علاتها، كانت أكثر ديمقراطية؛ أعود لأدعو إلى الإمعان في هذه المقاربة أو المقارنة.! لقد كانت مستويات المعيشة في كل من ألمانيا الشرقية، وهنجاريا، وتشيكوسلوفاكيا، قبيل انهيارها، كما يقول أحد المصادر، أعلى بقليل من مثيلاتها، في فرنسا،! وبريطانيا، في عام 1939 أي عشية الحرب العالمية الثانية، فلو! دققنا النظر، وتأملنا، لأدركنا حجم الكارثة التي جلبها هؤلاء السلطويون لشعوبهم….
ما بين الحرب الباردة ، وبين البيروسترويكا، ماذا كانت النتيجة، والمآل ؟ فتزامنا، مع سقوط جدار برلين، تهاوت المنظومة السوفياتية، وأفلت نجومها، واحدا تلو الآخر، وعد هذا التواري، نقلة نوعية كبيرة، في الصراع الدائر بين قطبين، والذي دام طويلا، ليسفر عن نهاية الحقبة الثنائية في هذا الصراع، ثم تسيد القطب الواحد، هو القطب الأمريكي، وساد تفاؤل من جانب الذين راحوا يستبعدون، نشوب حرب كونية جديدة ، في ظل الأسلحة التدميرية المتطورة..
في الواقع الجديد..
يرى بعضهم أن الزمن سيشهد حقبة جديدة من التنافس، وهذه المرة، سيكون التنافس بين أمريكا واليابان، وأيضا بين أمريكا وأوربا،لأن الأخيرة، لم تعد بحاجة على إخافتها وحمايتها من ( البعبع ) الشيوعي..
كما أنه في غياب الكابح السوفييتي، تجرأت أمريكا أكثر من التدخل في مناطق مختلفة من العالم؛ بسبب تغير الموقف السوفييتي، الحالي عن السابق، ففي أزمة الخليج.! وجدنا شيفاردنازدة وزير الخارجية الروسية، يؤيد السياسة الأمريكية المعتمدة على الحرب؛ كما لاحظنا تحسّن العلاقات، بين روسيا والدول العربية المحافظة، كما تحسنت علاقاتها مع إسرائيل، ففتحت باب هجرة اليهود للانتقال إلى فلسطين، كما مارست ضغوطا على منظمة التحرير الفلسطينية، لتعديل مواقفها السياسية حيال إسرائيل، في حين أن إسرائيل كان من قبل، عدوها اللدود…
أما ! بالنسبة لتركيا الدولة الأطلسية الجارة، فقد فقدت أهميتها الجغرسياسية، في الصراع الذي كان قائما في حقبة الحرب الباردة، فراحت تبحث عن دور جديد لها في القضايا الدولية، لاسيما بعد أن قوبلت بالرفض من المجموعة الأوربية، وما إصرارها اليوم على تجاوز الحدود العراقية، بذريعة ملاحقة حزب العمال الكردستاني إلا ضربا من هذه السياسة الهوجاء، مستغلة الظروف الإقليمية خاصة …
في منطقتنا العربية، ازداد نمو الشعور في النزوع نحو الديمقراطية، عند الشعوب العربية، لكن ! مازال التباطؤ والتعثر، له مفاعيله الحائلة دون تحقيق ذلك، لكن ذلك لم ولن يثبط من همة هذه الشعوب ، فسوف تواصل النضال والضغط على القابعين في السلطة، للانفراج والانفتاح نحو الديمقراطية، وإما التنحي جانبا،عندما يكون هؤلاء عاجزين على تحقيق مثل هذا الانفراج ..
كانت هذه الحرب، بمثابة صراع، أو مناضلة عقائدية، بين ( الشيوعية السوفييتية ) من جهة، والغرب ( أمريكا وأوربا) من جهة أخرى، بل عدها بعضهم: أنه صراع كوني، بين الشيوعية والديمقراطية، وبهذه النظرة، أو الرؤية، بدت الديمقراطية بعيدة عن العقيدة الشيوعية؛ في حين أني أرى ، طبقا لكلاسيكيي الماركسية: من أن الشيوعية تستلزم الديمقراطية، بل الشيوعية، هي مزيد من الديمقراطية، حسب تعبير غورباتشوف… وثمة من عارضوا هكذا توصيفات، فلم يروا فيها معركة عقائدية، بل رأوها صراعا عسكريا، وجغرسياسيا، بين الشرق والغرب، بين الاتحاد السوفييتي من جهة، وبين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، وكلا الطرفين منخرط, في معاهدة أو ميثاق مع منظومة من الحلفاء ..
توسلت الحرب الباردة، أسلحة جديدة، تمثلت بالحروب الاقتصادية، والحروب النفسية، الحصار الاقتصادي، ( الحصار الطويل على كوبا) الحروب العقائدية، الدعاية الإعلامية المضادة ضد الشيوعية، سباق التسلح، الذي استنزف أموالا طائلة، كان من الممكن، أن تغطي مجالات للتنمية، حيث الشعب بمسيس الحاجة إليها، الحروب المحلية، هنا وهناك،( حرب الثماني سنوات بين العراق وإيران، كمثال) تصدير الثورات، ــ غزو السوفييت لأفغانستان ــ الثورات المضادة، ـ الإطاحة بحكومة مصدق عام 1953 في إيران من قبل ايزنهاور، والقضاء على ثورته؛ وثمة أمثلة كثيرة لتلك الحالات، وكان طرفا الصراع ، كلا من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي ، ومن يدور في فلكهما من الدول، والمنظومات، كما بينا قبل قليل..
من المعلوم أن هزيمة هتلر في الحرب العالية الثانية، واندحار النازية الألمانية، والفاشية الإيطالية، والعسكرية اليابانية، هيأت أجواء ومناخات ملائمة، لانتشار الشيوعية، فضلا عن تأثير الدعاية الشيوعية، المتمثل بالنظام الاشتراكي السوفييتي، الناشئ، والواعد، بمستقبل حر زاهر، كما كان يتوقع أنصاره، ناهيك عن امتعاض الناس للاستعمار، بسبب التركة الثقيلة، التي خلفها ، عبر تاريخه الحربي الطويل، الذي وصم بالعار والشنار، لما ارتكبت من كوارث إنسانية..
لكن علينا أن نستدرك، ونذكر من أن الحرب لم تكن بهذا الرجس، والقبح، والفظاعة، حتى في أواخر القرن التاسع عشر؛ بل فقد وجد كثيرون، ممن يمجدون الحرب في تلك الحقبة.! كونها، وصاية إلهية، وعدوها من الفضائل العليا للإنسان الحاكم، ورأوها ضرورية للتقدم الإنساني، كما رأوا فيها، السبيل الحتمي والوحيد، لتسوية الخلافات..
إن الحرب الباردة، عززت مواقف قادة الكرملين من جهة إفراطهم في المركزية الصارمة؛ فالحصار الذي فرضه النظام الرأسمالي، برر لهؤلاء القادة القابعين في الكرملين، من تشديد قبضتهم على المجتمع السوفييتي، والتلويح له بحرب وشيكة، وما كان يؤكد هذا الجانب، ما بشر به بعض الساسة الأمريكان، من نشوب حرب وشيكة، بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية، من جانب آخر، كانت أمريكا نفسها، تخوف الدول الأوربية من هجوم المعسكر الشيوعي، وهذه الدول أيضا كانت، تأخذ بالحسبان القلاقل الداخلية، التي ستسببها الأفكار والمفاهيم الشيوعية، وربما تفضي ، إلى قلقلة بنى تلك الدول، والإطاحة بالتالي بنظمها، ومازالت نتائج الحرب العالمية، بما حملت من ويلات، وما آلت إليه الحالة من هلاك وكوارث ودمار، ظلت ماثلة شاخصة أمام أنظارهم؛ كل هذا دفعت تلك الدول، لتلوذ، وتحتمي بترسانة السلاح الأمريكي، وجبروته…
جاءت البيروسترويكا، كحاجة ضرورية وملحة، لمعالجة حالة مستعصية من التفاقم المرضي، اعترى الجسد السوفييتي، وكانت البلاد ـ كما يبدو ـ مقبلة على أزمة أكيدة، تشمل جوانب الحياة المختلفة، من سياسة، واقتصاد، ومجتمع، والحزب؛ فمنذ السبعينيات، من القرن العشرين، رانت على المجتمع السوفييتي حالة من الركود في التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، وكانت الفرملة في عجلة التقدم والتطور؛ تخيل.! حصل هذا، تزامنا مع الثورة العلمية والتكنولوجية، تلك الثورة التي اخترقت الجدر المصمتة، لتنفتح آفاق رحبة للتقدم الاجتماعي… في الاجتماع الكامل للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي، الذي انعقد في نيسان ( أبريل) من عام 1985 توصل المجتمعون إلى القول : إن البلاد على أبواب أزمة، فكان لا بد من الانعطاف نحو البيروسترويكا، وكان غورباتشوف الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي، المنتخب في مؤتمر الحزب المنعقد في آذار من عام 1985، أبدى عدم رغبته في دعم سياسة أسلافه التقليديين، واعتبر البيروسترويكا، إبداعا من خلق الجماهير، وليست بدعة جاد بها عقل مفكر، أو زعيم؛ كما اعتبرها ثورة ضد الركود، ودعوة للتسريع في التنمية، في سائر المجالات، السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والحزبية؛ كما ركز، على المكاشفة، والديمقراطية، فلا شرعية لأية حكومة ـ برأيه ـ من دون ديمقراطية، وبالمقابل، فإن الديمقراطية، لا يمكن لها، أن توجد، وتتطور، دون شرعية، تعتمد عليها الديمقراطية بغية إرساء أسسها..
كان غورباتشوف يدرك قبل غيره، فداحة الإرث الثقيل، في الحالة السوفياتية، فرغم مضي نحو سبعين عاما على ثورة أكتوبر، غدا بعيدا الحلم الذي تاق إليه، وحلم به البلاشفة، أما الديمقراطية التي ينبغي أن تلازم المجتمع الاشتراكي، أصبحت في خبر كان؛ وتنبه فريق العمل لمدى خطورة مشكلاتهم الاقتصادية، بل إن اقتصاد المنظومة الاشتراكية جميعها، على درجة من الخلل والاعتلال، أنظمة جوفاء، ذات اقتصاد ضعيف، مهزوز، مما حدا أحد المؤرخين الأمريكان الكبار من القول:( إن الشيوعية باتت عقيدة تمشّى فيها الضنى) كما أن الشعب السوفييتي، بسبب الاقتصاد المنهك المهزوز، ما عاد يؤخذ بسحر وجاذبية النظام القائم، ولا عاد تنطلي عليه أكاذيب المسؤولين من الحكام لتجميل صورة الواقع المزري؛ انظروا معي إلى هذه المقاربة، إلى هذه المعادلة: كانت ألمانيا الشرقية( الديمقراطية) ــ أحيانا، أقول بيني وبين نفسي، لماذا اقترن اسمها بالديمقراطية، مع غياب الديمقراطية فيها، كان ذلك، تميزا عن ألمانيا الغربية، فالأخيرة رغم علاتها، كانت أكثر ديمقراطية؛ أعود لأدعو إلى الإمعان في هذه المقاربة أو المقارنة.! لقد كانت مستويات المعيشة في كل من ألمانيا الشرقية، وهنجاريا، وتشيكوسلوفاكيا، قبيل انهيارها، كما يقول أحد المصادر، أعلى بقليل من مثيلاتها، في فرنسا،! وبريطانيا، في عام 1939 أي عشية الحرب العالمية الثانية، فلو! دققنا النظر، وتأملنا، لأدركنا حجم الكارثة التي جلبها هؤلاء السلطويون لشعوبهم….
ما بين الحرب الباردة ، وبين البيروسترويكا، ماذا كانت النتيجة، والمآل ؟ فتزامنا، مع سقوط جدار برلين، تهاوت المنظومة السوفياتية، وأفلت نجومها، واحدا تلو الآخر، وعد هذا التواري، نقلة نوعية كبيرة، في الصراع الدائر بين قطبين، والذي دام طويلا، ليسفر عن نهاية الحقبة الثنائية في هذا الصراع، ثم تسيد القطب الواحد، هو القطب الأمريكي، وساد تفاؤل من جانب الذين راحوا يستبعدون، نشوب حرب كونية جديدة ، في ظل الأسلحة التدميرية المتطورة..
في الواقع الجديد..
يرى بعضهم أن الزمن سيشهد حقبة جديدة من التنافس، وهذه المرة، سيكون التنافس بين أمريكا واليابان، وأيضا بين أمريكا وأوربا،لأن الأخيرة، لم تعد بحاجة على إخافتها وحمايتها من ( البعبع ) الشيوعي..
كما أنه في غياب الكابح السوفييتي، تجرأت أمريكا أكثر من التدخل في مناطق مختلفة من العالم؛ بسبب تغير الموقف السوفييتي، الحالي عن السابق، ففي أزمة الخليج.! وجدنا شيفاردنازدة وزير الخارجية الروسية، يؤيد السياسة الأمريكية المعتمدة على الحرب؛ كما لاحظنا تحسّن العلاقات، بين روسيا والدول العربية المحافظة، كما تحسنت علاقاتها مع إسرائيل، ففتحت باب هجرة اليهود للانتقال إلى فلسطين، كما مارست ضغوطا على منظمة التحرير الفلسطينية، لتعديل مواقفها السياسية حيال إسرائيل، في حين أن إسرائيل كان من قبل، عدوها اللدود…
أما ! بالنسبة لتركيا الدولة الأطلسية الجارة، فقد فقدت أهميتها الجغرسياسية، في الصراع الذي كان قائما في حقبة الحرب الباردة، فراحت تبحث عن دور جديد لها في القضايا الدولية، لاسيما بعد أن قوبلت بالرفض من المجموعة الأوربية، وما إصرارها اليوم على تجاوز الحدود العراقية، بذريعة ملاحقة حزب العمال الكردستاني إلا ضربا من هذه السياسة الهوجاء، مستغلة الظروف الإقليمية خاصة …
في منطقتنا العربية، ازداد نمو الشعور في النزوع نحو الديمقراطية، عند الشعوب العربية، لكن ! مازال التباطؤ والتعثر، له مفاعيله الحائلة دون تحقيق ذلك، لكن ذلك لم ولن يثبط من همة هذه الشعوب ، فسوف تواصل النضال والضغط على القابعين في السلطة، للانفراج والانفتاح نحو الديمقراطية، وإما التنحي جانبا،عندما يكون هؤلاء عاجزين على تحقيق مثل هذا الانفراج ..
على العموم: إن الخارطة الجغرسياسية، في مناطق واسعة من العالم، في ظل الأوضاع الراهنة، وغير المستقرة، آيلة إلى التبدل والتغيير، وهي بدأت بالفعل في بعض أرجاء العالم، لنشهد بالتالي عالما جديدا مغايرا، له معالم حديثة مواكبة لتسارع التطور المضطرد، وبمفاهيم وقيم جديدة، ستشهدها الشعوب، ولو بعد حين، لكن.! غير بعيد ..!