ماعبرت عنه المقالة من نقد وموقف وبغض النظر عن هدف الكاتب وتوجهاته وظرفية الحدث ترتبط حسب تقديري بمسألة جوهرية أهم وأوسع يتناولها الكثيرون من الكتاب والاعلاميين والمثقفين والحزبيين الكرد على الدوام وكل بطريقته ألا وهي قضية العلاقات الكردية – الكردية أو الكردستانية أو البيت الكردي أو الاستراتيجية الكردية القومية وهي وان اختلفت تسمياتها تتجسد في قاسم مشترك واحد خضع لعوامل التاريخ والجغرافيا السياسية منذ قيام الامبراطورية العثمانية التي شملت الجزء الأكبر من الكرد وموطنهم وابرام اتفاقية سايكس – بيكو وترسيم الحدود الراهنة بين الحربين حيث أصبح التقسيم أمرا واقعا الذي دفع باتجاه احداث تعريف جديد على الهوية الكردية المتجسدة با الأقسام الملحقة بدول : تركيا والعراق وسوريا اضافة الى القسم الملحق بأيران مما أسس لمزيد من التباعد المجتمعي والاقتصادي والثقافي وحول الكرد الى – أكراد – متناثرين وفي خضم التطورات التاريخية هذه وفي أحشاء تحولاتها الجيوسياسية التي استمرت قرونا ولد الوعي القومي الكردي الجنيني وتفاعل صعودا وهبوطا نموا وجمودا مع نسق الواقع السائد وعلى مستوى وتيرة العوامل المؤثرة في حركة التطور التاريخي وحرية الشعوب ومواقع حركات التحرر والصراع مع الاستعمار في الشرق فعلى سبيل المثال خلال سنوات الحقبة العثمانية رغم ما اتسمت بها من ظلم وقمع تجاه الأقوام غير التركية كانت تجليات الحركة القومية الكردية في ذلك الزمان من جمعيات سياسية وثقافية ومؤسسات صحفية ونشطاء العائلات الوطنية وشعراء وأدباء وشخصيات دينية واجتماعية من استانبول الى السليمانية مرورا بدياربكر أقرب الى بعضها البعض وأكثر تعارفا وتفاعلا وانسجاما وأنشط في مجال التعامل مع الكرد القابعين تحت سلطة الصفويين في الشرق الذين لم يشعروا يوما بالغربة القومية والانعزال عن أشقائهم في الجنوب والغرب بعكس مرحلة ما بعد التقسيم المستمرة حتى الآن التي فرضت واقعا جديدا وأدت الى المغادرة القسرية للفكر الكردي من القومي العام الى القطري الخاص رغم المقاومة الثقافية – السياسية المستميتة المشهودة لحركة – خويبون – وتوزعه الثقافي بالتالي على حضارات ولغات وثقافات جديدة لها الغلبة بفضل سلطاتها الدولتية وامتيازاتها المستمدة من حاكميتها القومية السائدة المكسوة بعباءة الاسلام السني والشيعي .
رغم قساوة حكم الارادة الدولية بعصبتها وهيئتها ومنظومات أقويائها ذات الطابع العالمي وعسف خطوط الجغرافيا التي رسمها المستعمرون في نشوة انتصارهم وألغام الحدود المرسومة كان هناك دائما الحدود الدنيا من التواصل القومي بين الكرد الذي ظهر عفويا أو عن سابق تصميم انسانيا وعشيريا وعائليا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا ومن ثم سياسيا في نهاية المطاف الا أن جاءت ثورة أيلول بقيادة الزعيم الراحل مصطفى البارزاني في النصف الثاني من القرن العشرين لتشكل الرافعة الجديدة للملمة ماتبعثر من مقومات الحلم القومي المشروع نحو التحرر واستكمال شروط الهوية واعادة بناء أسس التعايش السلمي مع الشعوب والقوميات المتجاورة والمتشاركة في حضارة المنطقة منذ غابر الأزمان.
أهم ما أفرزته المرحلة التالية مابعد ثورة أيلول بشأن السياسة القومية ذلك الاصطفاف الثنائي لنهجين طبعا الحباة السياسية الكردستانية لنصف قرن (من منتصف ستينات القرن المنصرم وحتى نهايته عند ابرام اتفاقية واشنطن بين الحزبين الرئيسيين في كردستان العراق) أحدهما قومي ديموقراطي يمتاز بالأصالة التاريخية والقبول الشعبي والصدقية والأخر يعاني اشكالية حرق المراحل والالتباس في مسألة الصلات مع الأنظمة في البلدان المقسمة للوطن القومي والعلاقة مع الجماهير والحركة الديموقراطية لشعوب القوميات السائدة ولم يكن الصراع بين النهجين فكريا وسياسيا كما هو متعارف عليه في المجتمعات الحضارية فحسب بل اتخذ معظم الأوقات طابع المواجهات العنفية والاستهداف الشخصي والتخوين الى جانب تجييره واخضاعه لمداخلات أجهزة الأنظمة الشوفينية الحاكمة في البلدان الآربعة التي استثمرت ” شقاق الأمة ” وتناحر القبائل الحزبية الى أقصى الدرجات .
كان لابد من هذه المداخلة الاستذكارية من أجل فهم أسباب ونتائج الأزمة المستعصية التي تعاني منها العلاقات القومية والمستمرة منذ عقود وما تتخللها مشاهد كالتي أثيرت في مقالة – نفل – التي يمكن تأويلها بشتى المعاني بين قائل بنقص المعلومات وانعدام مقاييس المعرفة والجهل في التمييز بين الاتجاهات والتيارات السياسية وآخر باخراج الهم القومي من أولويات الأحزاب الكبيرة والصغيرة وثالث بتقصير المركز القومي في اقليم كردستان الفدرالي قي أداء مهامه ووظيفته التاريخية ورابع بتساوي جميع الأحزاب والمنظمات القائمة في الأجزاء الأربعة في وضع التزامات الشأن القومي العام على الرف وخامس بعجز العقلية الحزبية عن انجاز مهام – الكردايتي – في عصرنا والبحث عن بدائل مناسبة قد يكون من بين خياراتها الجيل الثاني من المثقفين المنحدرين من طبقات العوام وفئات الطبقات الوسطى أو العودة النقدية التجديدية الواعية الى الجذور واستحضار مفاهيم وتجارب ومدارس قومية غيرت مسار تاريخنا مثل مدرسة – خويبون – ونهج البارزاني على وجه الخصوص.