افتتاحية جريدة آزادي- العدد 398
وإزاء هذه المساعي والجهود الحثيثة التي أثمرت عن مستجدات إقليمية توحي بتحولات وتطورات هامة ، ولاسيما بعد اشتداد الأزمات وتفاقمها وخصوصا على الساحتين اللبنانية والفلسطينية وما نتج عنها من مواجهات عسكرية واقتتال داخلي ، وكذلك ازدياد الشرخ في الصف العربي خصوصا عشية انعقاد القمة العربية العشرين في دمشق ، وما تبع ذلك من حملات إعلامية ضد بعضها البعض..
إزاء كل ذلك فإن أسئلة تراود فكر كل متتبع لمجريات الأوضاع والأحداث ، منها- ترى هل ما يجري هو حصيلة صفقة أمريكية إيرانية !! تنفذ بأجندة إقليمية هادفة إلى تقاسم المنطقة بين نفوذ الطرفين وعلى أن تظهر نتائجها فيما بعد حول تبدلات في المواقع والمواقف ، ومن دلالات هذا التساؤل هنا هو سرعة التجاوب وكأنها بأوامر مباشرة من أولياء الطاعة؟- أم أن الدبلوماسية العربية والإقليمية والدولية قد نجحت في فك الارتباط بين سوريا وإيران خاصة وأن نتائج المجريات والتوجهات تفضي إلى عزل هذا الأخير عن المحيطين العربي والإسلامي ذلك برفع ذرائع تدخله في المنطقة ، وتعود بسوريا إلى الصف العربي ؟- أم أن سوريا قد أصبحت وجها لوجه أمام احتدام مع المجتمع الدولي خاصة بعد ضرب الموقع العسكري (المفاعل النووي) السوري في أيلول 2007، ومقتل العماد مغنية في دمشق، وأن المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري صارت قاب قوسين أو أدنى ، وأن عقوبات دولية شديدة تعد بالاتفاق بين كل من ( أمريكا، بريطانيا، فرنسا ) وفي المقدمة منها فرض الحظر الجوي على جنوبها وشمالها بحجة منع إيران من إمداد حزب الله بالسلاح ، ربما كل ذلك حدا بسوريا إلى قراءة جيدة لما يجري وما يتم رسمه في الكواليس وتحاشيا لتكرار ما جرى في العراق عام 2003، رأت سوريا أن لا مناص من القبول والمساهمة في الحلول الممكنة للأزمات الإقليمية القائمة في لبنان وفلسطين والعراق وعملية السلام مع إسرائيل ، وتلقيها مباشرة بوادر استئناف العمل من أجل استكمال شروط التوقيع على اتفاق الشراكة السورية – الأوربية التي توقف العمل بشأنها منذ عام 2005 ..
الواقع أن مؤشرات ودلالات واضحة توحي بشكل من الجدية فيما تذهب أو ما تدعو إليه الفرقاء وأطراف الصراع أو النزاع وأبرزها تظهر في مفارقات جلية، منها أن اتفاقية دوحة لم تبتكر جديدا يستحق الذكر سواء ما يتعلق منها بالرئيس اللبناني المنتخب أو بتقاسم الحقائب الوزارية أو بقضايا الأمن والميليشيات ، سوى أن الظروف ربما اختلفت ، وهكذا بالنسبة لعملية السلام التي كانت تتعثر في كل مرة بدءا من أوسلو ومدريد وحتى لقاء جنيف ووديعة رابين وصولا إلى خارطة الطريق ومؤتمر آنابوليس، و رغم الجهود والمساعي الجادة للجنة الرباعية الدولية باستمرار، وكانت العراقيل والعقبات تبرز هنا وهناك في كل مرة وأهمها تتلخص في – مسألة الحدود ( أي الخلاف بين الحدود الدولية وخط الرابع من حزيران 1967)، جعل المنطقة السورية شرق الحدود منزوعة السلاح ، تقاسم مياه بحيرة طبريا مع إسرائيل، إلغاء قانون ضم جولان لعام 1981 والخلاف على زمن إخلاء المستوطنات بين خمس سنوات وعشر سنوات ، اشتراط إسرائيل قطع علاقات سوريا من كل من إيران وحزب الله وحركة حماس، وبالتالي تطبيع سوريا علاقاتها مع إسرائيل ..الخ – ورغم أن الخلافات تلك لم تزل قائمة بل هي على أشدها ومتصاعدة خصوصا بعد فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية الأخيرة وحروب إسرائيل وحزب الله وانتهاكات إسرائيل المتكررة للحدود والأجواء السورية ، نقول رغم كل ذلك فإن مظاهر التفاؤل بتحقيق السلام هذه المرة هي أقوى من كل ما سبق ، ربما تكون العوامل قد نضجت أكثر أو الشروط قد اكتملت أو أن الوسيط التركي محمل بالوعود الجدية لتحقيق العدل والوفاق ..
وإذا كانت المنطقة أمام ترتيبات جدية حقيقية ، ومنها سوريا تكون أمام مرحلة جديدة وهامة في تاريخها، فهل هذه الترتيبات الإقليمية المرتقبة ذات الطابع الدولي تمتد إلى طبيعة النظام السوري وتأخذ سبيلها إلى تغيير في طبيعته وخطابه السياسي وتغيير في أسلوب تعاطيه مع الآخر المخالف ؟ وهل تحمله هذه الترتيبات إلى مراجعة حساباته ووضع أسس وصياغات جديدة لسياساته ومواقفه القومية والوطنية ؟ هل يستطيع النظام أن يجمع قواه للإقدام بجرأة على فتح حوار جدي مع القوى الوطنية والديمقراطية على طريق حل قضايا الخلاف الوطني والانتقال إلى معالجة مجمل المشاكل والقضايا الوطنية العالقة ؟ هل يستطيع النظام أن يعلن التغيير من داخله ويلغي احتكاره للسلطة والثروة ؟ وهل يستطيع أن يقر ويعترف بالتعددية السياسية الحقيقية والتعددية القومية والدينية والمذهبية من خلال تأكيده على أن سوريا دولة تمتاز بفسيفساء جميل ينبغي استثماره كعامل قوة وجمال وليس العكس ؟ وإذا كان النظام جادا بشكل فعلي في منحى كهذا التوجه ينبغي أن تكون الترتيبات في الداخل السوري تسير في موازاة التحرك الخارجي ذاك ، وفي المقدمة منها البدء بإطلاق سراح سجناء الرأي والموقف السياسي ، وإلغاء قانون الطوارئ والأحكام العرفية ، وإلغاء المحاكم والقوانين والمشاريع الاستثنائية كافة ، وإطلاق الحريات الديمقراطية ، ووضع الأسس والمستلزمات الضرورية لبناء الحياة السياسية الجديدة ..
لكن ما يفعله النظام حتى الآن هو خلاف ذلك بل العكس زاد في اشتداد الخناق على المجتمع السوري تجويعا وتشريدا وقمعا وتنكيلا ، وإصداره قرارات أمنية قمعية جديدة بمنع التجمع والتظاهر ..الخ .
وإذا كانت المنطقة أمام ترتيبات كتلك التي ذكرناها ، وسوريا – جدلا- أمام مرحلة جديدة في تاريخها ، فأين هي حركة شعبنا الكردي وأين تقف من هذه التطورات الدراماتيكية المتلاحقة ؟ وهل تنتظر من ينوب عنها في تحمل المهام والمسؤوليات المرتقبة ؟ وأين هي من مساعيها الحثيثة في لم الشمل وجمع الصفوف ووحدة الكلمة ؟ أين هي من مسألة الرؤية المشتركة والمرجعية الكردية المنشودة ؟ بل أين هي من المشاريع الوحدوية والاستعدادات اللازمة بخصوص المرحلة المقبلة ومتطلباتها ومهامها المستجدة ؟ أسئلة نترك الإجابة عنها للقراء الكرام وللزمن المتسارع ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- العدد 398 لشهر حزيران 2008م
- جريدة يصدرها مكتب الثقافة والاعلام المركزي لحزب آزادي الكردي في سوريا
- للمراسلة: azadiparti@yahoo.com