إلا أن المعالجات السياسية لبؤر التوتر كلبنان وفلسطين والعراق مازالت تحتاج حزم الموقف وعدم المهادنة حتى تأخذ طريقها الفعلي والعملي ، فاتفاق الدوحة مثلا الخاص بالوضع اللبناني قد أفضى جزئيا إلى الحل ولم يحسم المشكلة .
وما يجري اليوم من اقتتال وتصادم في الموقف السياسي ، وتعذر تشكيل الحكومة ، يفسر أن جذر مشاكل الشرق الأوسط يمتاز ببنية عميقة ترجع إلى التركيبات المعقدة التي نتجت عن الصراعات الدولية من جهة ، وبسبب التدخلات الإقليمية في مسار تلك المعالجات من جهة أخرى.
ويؤكد الاجتماع هنا على طابع الاصطدام الدائم بين المشروعين الدولي والإقليمي بسبب تضاد أهداف المشروعين ، على الرغم من الخلط الظاهري للأوراق السياسية ، وتبعات ذلك على التحليل السياسي واستقراء الأوضاع والظروف والمسارات ، وبالتالي فإن المواقف السياسية يشوبها الخلل والتخبط في أكثر الأحيان .
ورأى الاجتماع أن ما سميت بالتهدئة على الجبهة الفلسطينية ، ومحاولات إجراء المصالحة بين حماس والرئاسة الفلسطينية في هذا الوقت الحرج هو جزء من المعالجات السياسية التي يتطلبها مستوى الاحتقان والتعقيد التي وصلت إليه الحالة الفلسطينية ، وإلا فإن المآسي والويلات ستكون المصير المنتظر ، تماما كما جرى في العراق في الشهرين الأخيرين ، من حيث فرض سلطة الدولة ، وما قد خطى العراق أشواطا مهمة في استقرار الوضع واستتباب الأمن ، إلا أنه ورغم أهمية ذلك ، فإن العثرات ما زالت كثيرة أمام بناء الديموقراطية وحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الرهيبة .
فالوضع هناك مازال بحاجة ماسة إلى إنجاز المصالحة الوطنية ، وبناء الثقة بين مكونات الشعب العراقي ، وتنفيذ المادة 140 من الدستور المتعلقة بمنطقة كركوك .
كما ننوه هنا إلى دور القيادة السياسية الكردية في إدارة الوضع الكردستاني بالحكمة والسوية اللازمتين، ونمو البنية التحتية ، وتفعيل المؤسسات الدستورية ، ودرء أخطار التدخلات العسكرية التركية والإيرانية، وكذلك العلاقات الحيوية مع الحكومة المركزية.
أما على الصعيد الوطني ، فقد رأى الاجتماع في المفاوضات غير المباشرة بين النظام في بلدنا وإسرائيل وعبر الوسيط التركي ، على أنه أحد مخارج النظام من عزلته الدولية والإقليمية ، والتي قد لا تؤدي في ظل الشروط المعلنة والمخفية إلى أية نتيجة مثمرة ، والأرجح أن النظام يهدف من هذه المفاوضات التهرب من استحقاقات الوضع الداخلي ، حيث ما زالت الاعتقالات جارية على قدم وساق وتطال كافة القوى السياسية والمواطنين على حد سواء ، كما حدث مؤخرا لعدد من الإخوة الكرد منهم : قيس أحمد علي ، بهروز شريف يوسف ، حسين بيرو ملا درويش ، وليد محمد على حسين ، و آخرين ممن مضى على اعتقالهم ما يقارب السنة أمثال الاخوة: عبد القادر سيدو أحمد ، جهاد صالح عبدو ، حسين حميد محمد ، صالح محمد عبدو ، إضافة إلى حالات منع السفر بحق معظم القادة السياسيين والعاملين في مجال حقوق الإنسان نذكر منها ما جرى للرفيق خير الدين مراد سكرتير حزبنا حيث طاله المنع من ثلاث جهات أمنية مما اضطر للخروج من البلاد عبر دولة مجاورة.
وكذلك حالات الاستجواب المتكررة للكثير من القيادات السياسية العربية والكردية ونذكر منها ما جرى للرفيقين مصطفى أوسو ولقمان أوسو عضوي اللجنة السياسية لحزبنا أيضا، إضافة إلى سلسلة من الاجراءات والمواقف الشوفينية تجاه شعبنا وحركتنا الكردية ، وآخرها قرار مكتب الأمن القومي القاضي بتخصيص منع تجمعات ونشاطات الكرد والأحزاب الكردية ، بينما كان المفروض أن يصار إلى الحل الفوري لمشكلة المجردين من الجنسية نتيجة الإحصاء الاستثنائي الجائر لعام 1962 والبدء بحوار ديموقراطي مع الحركة الكردية من أجل إيجاد حل سياسي حضاري لقضية شعبنا الكردي كقضية أرض وشعب .
أي أن الحصار الداخلي يشتد يوما بعد آخر على القوى الوطنية السورية بعربها وكردها في الوقت الذي يكون فيه بلدنا أحوج إلى الوحدة الوطنية أكثر من أي وقت مضى.
أما بالنسبة إلى ما يتوجب عمله في هذه الفترة الحساسة التي يمر بها شعبنا في ظل السياسة الشوفينية العدائية من السلطات وتصرفاتها الرعناء باستمرار في قتل أبناء شعبنا الكردي ، فإن وحدة الموقف الكردي أصبح ضرورة ملحة تتطلبها الظروف السياسية التي فرضت على الجميع بمستويات عالية من المسؤولية أن تصحح وتصوب من فهمها وإدراكها لواقع الحال الكردية والوطنية ، وتعزز من مواكبتها للمرحلة الراهنة ، وترتيب البيت الكردي ، بدءا بوقف الصراع الكردي – الكردي ، وتصحيح الآليات التي أدت إلى التفكك والتشرذم في الساحة الكردية، وتجاوز قضايا الخلاف في الحركة الكردية أو ممارستها بشكل حضاري، وفي هذا السياق لابد من الإعراب عن الأسف الشديد لما جرى في التحالف الديمقراطي الكردي في سوريا وما يقتضي من جهود تسوية أو مصالحة بين أطرافه دون تمييز أو انحياز لأحد، وإمكانية تشكيل مجلس سياسي كردي انتقالي يهئ الأرضية المناسبة لوحدة عملها النضالي ، وصولا إلى بناء المرجعية السياسية التي ينادي بها الجميع ، واستعصت على الانبثاق جماعيا ، كما ينبغي تحقيق مبدأ وحدة الخطاب السياسي، والانطلاق في هذا الصدد من الرؤية الكردية المشتركة للحل الديموقراطي للقضية الكردية في سوريا والتي أقرت في الاجتماعات السابقة بين لجنة التنسيق والجبهة والتحالف، رغم أن الكثير من المسائل التي بدت في حالة الانجاز في فترة ما ، قد غدت في حالة العقم بسبب مواقف أطراف بعينها.
أما بالنسبة إلى الوضع التنظيمي والحزبي فقد جرى الوقوف عليه بجدية ومسؤولية بهدف تطوير آليات عمله وتفعيل دوره النضالي بمراجعة شاملة للأخطاء التي وقعت و تلافيها، وتثمين التوجهات السياسية التي مكنت الحزب وقوت من دوره ، والالتزام الدقيق بقرارات المحطات التنظيمية ، إضافة إلى توفير إمكانيات العمل والحركة وفق آليات تنسجم مع الظروف الحالية وتؤدي إلى ديناميكية في التعاطي السياسي ، وتحسين العلاقات بين الأطراف الكردية بضوابط وثقة عالية في التعامل ، إن لجهة تحسين شروط عمل لجنة التنسيق الكردية ، أو بالنسبة للأطراف الكردية الأخرى ، وتفعيل مبادرة الحزب السابقة في هذا المجال والعمل على إنجاحها ما أمكن .
أواخر حزيران 2008
الهيئة القيادية