هل بدأت محاسبة الفاسدين في… كردستان .؟

  ادريس عمر
Idris7@hotmail.de

   في حوار وجداني مع صديق لي – عندما كنا نزلاء سجن صيدنايا العسكري بدمشق- وكان هذا الصديق ينتمي إلى (لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا)  وحكم عليه بالسجن خمس سنوات من قبل محكمة أمن الدولة العليا في سوريا ضمن مجموعة تمت اعتقالها على إثر بيان بمناسبة الاستفتاء على دورة جديدة لرئيس الجمهورية الراحل حافظ الأسد عام 1991وهي التي فاز فيها الرئيس بـنسبة 99,99% .
وعلى اثر إصدار هذه المنظمة بياناً تشكك في نزاهة الإنتخابات تم اعتقال معظم أعضاءها وصدر بحقهم أحكام قاسية من ثلاثة إلى عشر سنوات.


أما نحن فمجموعتنا والتي تكونت من السادة الاخوة: بهزاد دياب وعدنان سليمان وكاميران خليل وأنا كنا محكومين أيضا بخمس سنوات مع تخفيف العقوبة سنة /أي أربع سنوات/ بتهمة “محاولة اقتطاع جزء من أراضي الوطن لصالح دولة أجنبية”.

وهذه التهمة كانت توجه إلى كل الأكراد الذين يتم اعتقالهم بالإضافة إلى تهم أخرى وهي “مناهضة أهداف الثورة” و”إثارة البلبة والشغب بين صفوف الجماهير”.

التهم كانت جاهزة، والمحاكمة كانت صورّية، والمحكمة بحد ذاتها استثنائية وليست دستورية.

ورئيس المحكمة السيد فايز النوري يأتيه الحكم من الفروع الأمنية ومهمته فقط تلاوة الأحكام على المتهمين.

   قال لي صديق بهدوء : ” هل تعلم ما أمنيتي التي أريد تحقيقها بعد أن أخرج إلى فضاء الحرية من هذا السجن اللعين “؟.

قلت له: ماهي .؟

قال : ان أزور المسجد الأقصى في القدس عاصمة فلسطين وأرى علم دولة فلسطين يرفرف فوق سمائه .قلت له : أن أمنيتك جميلة وليست صعبة التحقيق وخاصة أن مفاوضات السلام على المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي بدأت تتقدم وأتمنى أن تتحقق أمنيتك عاجلاً أم آجلا.

وسألني صديقي : وما هي أمنيتك أنت؟.

 أجبته بحسرة : أمنيتي هي ألا أشعر بخجل عندما يسألني أحد ما هذا السؤال : “مَنْ أنت ،ومن أي بلد أنت ؟ “.

ان اكون قادراً على أجابته بأني كردي من كردستان.


هذه هي أمنيتي مثل بقية البشر أن يكون لي وطن وأشعر بالفخروالاعتزاز للانتماء إليه.

   لقد خرجت من السجن في نهاية 1996وخرج صديقي 1997وحتى الآن لم نلتق ولكن أعتقد أن صديقي ترك العمل مع منظمته بعد خروجه من السجن بسنوات أي في 2003 من خلال قراءتي لمقالة كتبها أحد أعضاء القيادة في المنظمة الصديق عفيف مزهو في موقع “الحوار المتمدن”.

ولا أعرف هل مازال صديقي يحلم الحلمُ نفسه أم انه أصبحت لديه أحلام جديدة.

أما بالنسبة لي أعتبر بأن جزءاً من حلمي قد تحقق.

وهو تحقيق الفيدرالية في كردستان العراق (برلمان كردي وحكومة كردية ورئيس كردي وعلم كردي يرفرف فوق أعالي جبال كردستان الشماء).

وما شجعني على كتابة هذه المقالة في واقع الحال هي الكتابات العديدة عن مسألة الفساد الإداري في الإقليم الكردي.

وبعض هذه الكتابات تفوح منها رائحة كريهة وحاقدة على هذه التجربة الديمقراطية الفريدة في المنطقة وعلى رموزها وقيادييها.

كتاب هذه الكتابات لايتمنون الخير والتقدم لها.

أما بعض الكتابات الأخرى فإنها ناقدة ومبنية على مبدأ النقد البناء واصحابها يودون الخير لأهل كردستان وحريصون على هذه التجربة ويكتبون عن نواقصها لكي تتطور هذه التجربة نحو الأمام .

وبرأيي على الكرد في كل بقاع العالم دعم ومساندة فيدرالية إقليم كردستان، وحمايتها واجب يقع على عاتق الجميع، لأنها الأمل الوحيد بعد قرون من الكفاح والنضال و التضحية بآلاف الشهداء .

أما الفساد فهذه الظاهرة منتشرة في العالم ولا يكاد يخلو مجتمع أو نظام سياسي منها وبالأخص المجتمع الكردي في إقليم كردستان ذو البنية الإقطاعية العشائرية (القبيلة)، و الذي عانى كثيراً من الويلات والكوراث خلال قرن من الزمن من الأنظمة الديكتاتورية والشمولية.

ونتيجة الثورات التي قادها هذا الشعب ضد هذه الأنظمة والانتكاسات التي لحقت به .تعرض إلى الملاحقة والهجرة، وعدم قدرته على البقاء والاستقرار على أرضه، مما أدى إلى عدم تطور البنية التحية والفوقية للمجتمع.

وأدى هذا كله إلى بقاء المجتمع جاهلاً ومتخلفاً وانتشار البطالة وازدياد الفقر المدقع وقلة الوعي الحضاري.

هذه الأسباب مجتمعة أدت إلى تشوه الإنسان الكردي ذو الخصال الحميدة وجعلته يفكر بمنافعه الشخصية الأنانية أكثر من تفكيره في مصلحته العامة، حيث إن ضعف الممارسة الديمقراطية وعدم المشاركة أسهما في تفشي هذه الظاهرة هذا ما ورثه الكرد من النظام الاستبدادي السابق.

إن واقع الكرد الحالي هو نتاج هذه الأنظمة الشمولية التي مارست الغازات السامة والإبادة الجماعية وعمليات الأنفال بحقهم .

  ولكن بعد الانتفاضة المجيدة 1991 أصبحت منطقة كردستان منطقة آمنة تحت حماية الولايات المتحدة وحليفتها بريطانية وتخلص الأكراد من سيطرة النظام الصدامي بعد أن سحب أجهزته الأمنية والإدارية وجرى تنظيم إدارة جديدة في كردستان من قبل أبناء الشعب الكردي، ومن ثم انتخب المجلس التشريعي، وتم تشكيل مجلس للوزراء بمعزل عن النظام الصدامي في بغداد.

واستمرت السلطات الكردية بتحسين أوضاع الإقليم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بالرغم من بعض العراقيل التي ظهرت نتيجة الاقتتال الأخوي الذي حصل بين الحزبين الكرديين الكبيرين، ولكني اعتقد انهما تجاوزا تلك المحنة بعد ان أصبحت هناك قناعة لدى الطرفين المتنازعين بأنه لا يمكن لطرف إلغاء الآخر وعليهم أن  يضعوا مصالح الشعب الكردي فوق كل المصالح الحزبية.

واستمر الكرد في إدارة إقليمهم بنجاح حتى بعد سقوط  نظام صدام وإجراء الإنتخابات في 2005 وكتابة دستور دائم يقر بعراق برلماني ديمقراطي (فيدرالي).

  ماجرى في الإقليم خلال هذه السنوات من تقدم غير مسبوق في ميادين البناء والعمران والتجارة بات يمنح مدن كردستان طابعاً عصرياً متمدناً.

وهناك حرية صحافة ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة لا تعد ولا تحصى وتبذل القيادة الكردية زرع ثقافة التعايش والتآلف والاعتدال ونسيان المآسي والذكريات الأليمة، وإلحاق الإقليم بالمدن العصرية في العالم.

في تصريح لرئيس الإقليم السيد مسعود البرزاني في لقاء له مع تلفزيون العربية قال “نحن جدد في السلطة وليست لدينا الخبرة الكافية في الإدارة و نحتاج إلى بعض الوقت لكي نحقق الكثير لشعبا”.

   إلى جانب هذه التطورات التي حصلت في الإقليم على المستويات كافّة استغل الكثير من المسؤولين مراكزهم ومواقعهم وأساؤوا استخدام السلطة بغية تحقيق مكاسب ومنافع شخصية باستخدام أساليب غير شرعية وغير أخلاقية للحصول على المال بطرق شتى فأصبحوا يملكون ثروات خيالية ويعيشون في قصور وأبراج عاجية بعيداً عن شعبهم الذي قدم التضحيات الجسام من أجل الوصول بكردستان إلى هذا المرحلة.

وفي أكثر من مناسبة أقر مسؤولون رفيعو المستوى بوجود الفساد الإداري والمالي في الإقليم وعلى رأسهم السيد نيجرفان البرزاني رئيس وزراء الإقليم والسيد برهم صالح والشخصية السياسية المعروفة الاستاذ نيشيروان مصطفى , وذكروا وجوب القضاء عليه.

 فالموضوعية والاعتدال عاملان مساعدان بل مهمان جداً في مسار التطور والانتقال من مرحلة إلى أخرى متقدمة.

والمكاشفة والعلنية والمحاسبة هي الآليات التي تعين المجتمع الديمقراطي المفتوح بالإنتقال من مرحلة المجتمع الشمولي المغلق .

مكافحة الفساد تستدعي الشفافية في عمل الدولة ومؤسساتها، والحكمة في استخدام الموارد وحسن اختيار السياسات الاقتصادية، والمساءلة القانونية للقائمين على إدارة شؤون الدولة، والمحاسبة الصارمة لمرتكبي الفساد.

ومن أجل تعزيز الاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بنجاح يجب توطيد شرعية النظام السياسي برمته من خلال الاستجابة لطموحات المواطنين وتطلعاتهم لحياة حرة كريمة تتيح لهم المشاركة في صناعة القرارات السياسية والاقتصادية وإخضاع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية للرقابة الوقائية والملاحقة والمحاسبة.

وبناء على ما تقدم يُفضّل لو أنّ رئيس الوزراء الشاب السيد نيجرفان البرزاني يبدأ بتشكيل لجنة نزاهة تضم  مسؤولين أقوياء من ذوي الأيادي البيضاء ويسلمهم هذا الملف لمحاسبة الفسادين والمتطفلين الذين ينهبون ثروات هذا الشعب المضحي، وللحد من هذا المرض الخطير الذي ربما يودي بالإنجازات التي تحققت في السنوات الخمس عشرة الماضية ويجعل مآلها الانهيار، ولكي يتمكن الأكراد من بناء جيل جديد يتربى على أسس الوفاء والإخلاص والنزاهة وحب الكردايتي، و حب الوطن والأهم من ذلك أن يترجم هذا الحب الى حب العمل.

جيل يعتمد على العلم والمعرفة وبجهده الذاتي يبني أسس دولة ديمقراطية تكون نموذجاً يحتذى به.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…