الواقع الكردي في سوريا و الحاجة الى حوار جديد

  زيور العمر

في النقاش الدائر حالياً حول الحالة السياسية الكردية في سوريا, لا يحتاج المرء الى فطنة فكرية و سياسية خارقة حتى يثبت العطالة السياسية و التنظيمية التي تغرق فيها الأحزاب الكردية في سوريا , فالشواهد اليومية على ممارسات هذه الأحزاب تكفي بحيث حتى فاقد النظر و السمع يستطيع أن يراها و يشعر بها.
سواءاً المشكلة تكمن في مرحلة التأسيس أو فيما بعدها , فإن النتيجة و احدة, و ظاهرة , كرؤية الشمس في وضح النهار .

هذه الأحزاب فقدت مقومات الحياة , و أضحت جثث هامدة , و الجمهور الكردي بدأ يقرف من رائحتها , و راحت تخشى من الطاعون .

كنت شاهداً عن قرب لأكثر من 20 عاماً , في داخل الوطن و خارجه , لممارسات و جرائم أرتكبت بحق شعبنا من قبل هذه الأحزاب و قياداتها, تكاملت مع جرائم النظام القمعي.

لهذا لا تمت للمسؤولية و الأخلاق في شئ , محاولات تشخيص الموت على أنه مرض يمكن معالجته.

هذا هراء بات من الضروري الإنفكاك عنه , و العيش خارجه , عندها ربما يستعيد المرء قدراً من إحترامه لنفسه و بعض من روح المسؤولية التي تؤهله للتفكير بجدية عن مخرج من هذه العدمية و العبثية الماثلة أمامنا.
حتى لو لم يجد المرء بركة نظيفة , فإنه لا يتوجب عليه أن يسبح في مستنقع مائي ملئ بالأمراض .

النضال من اجل الشعب يستوجب وجود أطر تتوفر فيها , فكر و سياسة و تنظيم , و هي صفات لا تتوفر في أحزابنا الكردية.

من المؤسف أن  يجد المرء نفسه مضطراً , إزاء هذا الواقع, ان يطلق صفة «القيادة» على أناس لا تتوفر فيهم المؤهلات السياسية و التنظيمية لقيادة مجتمع , ناهيك عن تدني منسوبها من الأخلاق و روح المسؤولية , و النتائج التي تمخضت عن ممارساتها و سلوكياتها صارخة و تفقع العين التي تأبى رؤيتها.
لهذا من العبث حرق دمنا على إكذوبة تشخيص أزمة الأحزاب الكردية بغية معالجتها, في الوقت الذي   تحول فيه النقاش حولها الى ساحة رقص, حرص كل من لم توجه له الدعوة, و من لا يستحق شرف توجيه الدعوة له , أن يخلق الفوضى و الإرباك , بدلاً من الإنسجام.
لأكثر من نصف قرن لم تتعلم هذه الأحزاب سوى كيفية تحطيم مجتمعها, و بث الفرقة فيها , وزرع بذور الشقاق و الإنقسام في بنيانها , حتى بات تاريخ الحركة الكردية في سوريا, مجرد تواريخ و فصول من الإنقسامات المتوالية , و النتيجة أكثر من دزينة أحزاب صغيرة متناحرة , تقودها آغوات و مخاتير, همها الوحيد ترضية بشاواتها , متوزعة في ولاءاتها و خدماتها بين حصون و قلاع معادية .
من الخطأ الإعتقاد المطلق بأهمية التاريخ , و لعل من المفيد في حالتنا أن نجهل التاريخ .

البناء الذي شيد في عام 1957 كان أساسه هشاً, مواده مغشوشة, عواميده و سقوفه , آيلة في اي وقت للسقوط , و يبقى سؤال مهم : هل ننتظر ذلك اليوم الذي يسقط فيه البناء على أصحابه فتكون كارثة, أم نحذر ساكنيه و نطلب منهم المغادرة فوراً, لأننا سنقوم بتفجيره , لتشيد بناء جديد , عصري و تتوفر فيه مقومات الحياة ؟
إذا كان الإنسان بدافع الفطرة و الغريزة يصبو الى المعرفة و الحياة الأفضل فإن شعبنا يستحق وفق هذا المبدأ أن ينتظم في بناء سياسي , اساسه و مقوماته قوية و صلبة , داخله و خارجه من حيث التخطيط , ينسجم مع المقاييس العالمية الراهنة .
إذا كان الإنقسام الكردي في سوريا متجذر في معادلة مركبة من الإصطفافات المتعددة , فإنه من المهم , اليوم , أن نحصر هذا الإنقسام وفق محورين إثنين لا ثالث لهما , بين من يريد الإستمرار في مراهنته على الأحزاب الكردية الراهنة, و يرى في محنتها مجرد أزمة وقتية عابرة , تنقضي بمجرد حدوث تقارب بين القيادات الكردية, و تشكيل مرجعية سياسية للكرد في سوريا , تمثلهم في المحافل الدولية , و تعمل على تحقيق مطالبهم و انتزاع حقوقهم من النظام القمعي , أو في إطار نظام ديمقراطي لا بد و أنه قادم كما يدعون, و بين من يرى أن الواقع الراهن سوف يستمر دونما تغيير, و إن السقف الحالي للمستوى السياسي و التنظيمي الكردي الراهن في سوريا هو, أعلى مستوى يمكن الوصول إليه في ظل الأحزاب الكردية , التي تسببت في إنغلاق سياسي مطبق , يكمن المخرج الوحيد منه, في العمل على تأسيس بديل ديمقراطي كردي جديد, خارج المنظومة السرطانية الحزبوية الراهنة, منسجم مع روح العصر و متطلباته, نشطائه و كوادره و قياداته برائين من الولاء السلطوي و العشائري و الحزبوي  و غيرها من الموروثات القاتلة, يضعون مصالح شعبهم فوق كل الإعتبارات, و يستمدون شرعيتهم من قبول الشعب الكردي في سوريا لبرامجهم السياسية و تحركاتهم الميدانية.

إن السكة الحالية أضحت قديمة تالفة, لا تصلح سوى للعربات التي إستخدمتها لأكثر من نصف قرن, يحتاج الأمر منا , سكة جديدة , و عربات حديثة حتى , نصل الى المحطة المرجوة.

دعوة لحوار جديد, مع العلم أن البطاقات محصورة للنفوس النظيفة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…