الديمقراطية و الوضع الداخلي المتأزم

  افتتاحية صوت الكورد*

مما لا شك فيه أن الوضع الداخلي المزري للشعب السوري اقتصاديا و اجتماعيا و سياسيا يشهد تأزما و تراجعا مع اشتداد الاتجاه السائد بممارسة الضغوط و تأزيم الأوضاع بدلا من البحث عن حلول للمنغصات وتداعياتها في حياة الشعب السوري بمختلف شرائحه و انتماءاته, حيث يشهد حالات من الفقر الشديد , و انتشار واسع للفساد الإداري و المالي المترافقين بعملية هدر للمال العام, و غياب للرقابة الدقيقة, مع تفاقم وتيرة الغلاء بشكل جنوني, بعد الارتفاع الهائل و المفاجئ لأسعار الوقود

 

مما ضاعف مأساة الشعب, و قلل من فرص خروجه من أزماته التي تقود إلى حالة هجرة داخلية و أخرى خارجية لتقوم السلطات بمحاولة منع الهجرة خاصة باتجاه العاصمة, بدلا من البحث عن حلول مبرمجة و استثمارات مجدية, و إنشاء للمعامل و المصانع و المؤسسات المنتجة و المفترض فيها أن تستوعب طاقات واسعة من السواعد و العقول المهاجرة قسرا و بحثا عن لقمة العيش, في ظروف استثنائية قاهرة, يمارس من خلالها كل أشكال التدجين و الترهيب بدلا من التماس الحلول الموضوعية الجادة و الفاعلة, في ظل أحكام عرفية تمثل غطاء لكل انتهاكات حقوق الإنسان, و قمع الأصوات المنادية بضرورة إعتاق الحالة الوطنية من أي مساس بحقها, و احترام حقوق الإنسان, و حفظ و صيانة قيم المواطنة الحرة, و عدم اللجوء إلى حالات الاعتقال الكيفي و ما ينجم عن ذلك من قمع للحريات العامة, و حرية التعبير عن الرأي كما حدث في الآونة الأخيرة, باعتقال أحد القادة البارزين في الحركة الكوردية ( الأستاذ محمد موسى ) الأمين العام لليساري الكردي الشقيق, بل وصل الأمر إلى أن تنادت مجموعات حقوق الإنسان العربية في سوريا و مصر, و منظمة ( Human rights ) في ضرورة الوقوف على ظاهرة سجن (صيدنايا ) و ضرورة إجراء تحقيق عادل و مستقل عن عدد القتلى و الجرحى و أسباب هذا الاعتداء السافر على حرية السجناء و حياتهم و أمنهم, و هي ظاهرة خطيرة تعاكس مسيرة الديمقراطية و حق الإنسان في التعبير و الكرامة الإنسانية, ذلك الحق الذي صانته الشرائع و القوانين الدولية, و نصت عليها مواثيق الأمم المتحدة إن المجتمع السوري بمختلف مكوناته و شرائحه و أطيافه, و اتجاهاته السياسية و الفكرية بحاجة إلى الشفافية و الانفتاح و الديمقراطية, و الاستفادة من تجارب الشعوب, و التطورات المتلاحقة في المجتمع الدولي و ضرورة مواكبة كل ذلك, و الخروج من ثقافة الإقصاء و الإلغاء و اعتماد سياسة التنكر و التجاهل لوجود مكونات أخرى غير المكون العربي, الذي يشكل محور السياسة السورية و ثمراتها و مكتسباتها, و ما يترك ذلك من آثار سلبية غير مجدية و متفاقمة مع الزمن, و مرسية لقواعد في العمل السياسي لم تعد تجدي مع تطور قضايا حقوق الإنسان, و بروزها في مختلف أرجاء الأرض نماذج يمكن أن تحتذى و تؤسس للانفتاح على مكونات النسيج السوري و بخاصة المكونين الرئيسيين العربي و الكوردي, حيث لم تعد تجدي السياسات التقليدية الخاطئة الممارسة بحق الشعب الكوردي ( من حزام و إحصاء و استعلاء عنصري وتنكر كامل للوجود الدستوري ) و التي أثبتت العقود المتواصلة من الزمن إفلاسها و فشلها مع تعاظم القضية الكردية و انتشارها في المنطقة و العالم, حيث لم يعد ممارسة كل أشكال الحرمان مفيدا, بل مضاعفا للحالة العامة التي يعانيها الكورد مع سائر مكونات المجتمع السوري, مع غياب الممارسة الديمقراطية الممنهجة, و ما يتبعها من سياسات الإلغاء و القمع و التنكر و ما يرافقها من قمع للحريات, و تنكر للحقوق, و هدر للطاقات و الإمكانات كما ذكرنا.إن الشعب السوري بكل مكوناته و شرائحه حريص حرصا بالغا على وطنيته و مصداقية هذه الوطنية, و وضوحها في الساحة السياسية, و عدم التفريط بها مطلبا أساسيا في بناء دولة عصرية, دون أن يعني ذلك أي تفريط في المجال الديمقراطي و تبعاته, و ما يستلزم ذلك من حرص بالغ على توفير مستلزمات الوحدة الوطنية, مقرونة إلى كرامة المواطن و صيانة موارده و الحرص على ثروة بلاده, و حسن توجيه الطاقات العامة و الذخائر و الثروات المستكنة, و الأخرى المستثمرة, بحسن إدارتها و إنتاجها و تسويقها, ووضع معايير فاعلة و عملية لتحقيق التوازن المطلوب بين الطاقة الشرائية عامة و قيمة المستهلك المطلوب كحد أدنى يحفظ معيشة المواطن و يسهر على راحته و حياته العصرية اللائقة في التعليم و الصحة و الخدمات العامة, و سبل الارتقاء الممكنة بمسالك و طرق تواصله مع هذه الحياة المعاصرة, و الانفتاح على المجتمع الدولي, و تحقيق التوازن المطلوب بين الحقوق العامة و الواجبات و حسن تكاملهما.
إن الدعوة إلى الديمقراطية و الحرص البالغ على تمكين المواطن السوري من العيش الر غيد و الأمن و الازدهار و رفع الغبن و المعاناة عن كاهله, لا يمكن أن يتحقق إلا في ظل ديمقراطية تتيح منبرا حرا من حرية الرأي و الصحافة و تكوين الأحزاب و الدعوة إلى إفساح المجال للنقد الموجه و الهادف, و توفير تكافؤ الفرص, و توفير الإمكانات و التوافقات اللازمة و الضرورية لتأخذ الطاقات المبدعة دورها في بناء هذه التجربة, و إبعاد شبح الحكر السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي عن الممارسة في ظل هذا المنهج المفترض و الذي لا يمكن وقف حالات التدهور الاقتصادي و الترهل الاجتماعي, و التباين الحاصل بين طبقة مترفة وصلت إلى إثراء فاحش و أخرى بلغ بها خط الفقر نسبة عالية لا يمكن احتمالها, و وقف آثارها الاجتماعية المتلاحقة و الخطيرة, مع غياب ملامح التطور و التغيير الجوهري على الرغم من النداءات المتواصلة و الملحة من الهيئات و الأحزاب و الشخصيات الوطنية بضرورة تدارك تلك الآثار مع استشراء البيروقراطية و الفساد و الهدر و المحسوبية, و المحاولات المتكررة للجم مثل هذه الظاهرة, بانتظار أن تسفر الجهود الوطنية الخيرة عن تحقيق قيم و مستلزمات الحالة الوطنية المنشودة لتحقيق فرص التكافؤ و العدل و الديمقراطية و المساواة, و هو ما نجنح إليه و نؤكد على ضرورة صيانته و إعلائه .
——
الجريدة المركزية للبارتي الديمقراطي الكردي – سوريا / العدد (327) تموز 2008

لقراءة مواد العدد انقر هنا  dengekurd327

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…