كفاح محمود كريم
في مقال للكاتب والسياسي العراقي المعروف الدكتور كاظم حبيب وتحت عنوان:
(هل الموقف الخاطئ من القضية الكردية له عواقبه الوخيمة في العراق؟) نشر يوم 14 آب 2008 م، وصف فيها عملية التعاطي مع القضية الكوردية منذ سقوط النظام الدكتاتوري السابق وبناء النظام الديمقراطي التعددي الاتحادي الجديد ( كما ورد في الدستور العراقي الدائم في وصف نظام الدولة العراقية التي قامت على أنقاض نظام حزب البعث الشمولي) على حكم ثلاثة رؤساء حكومات بالتعاقب وهم:
في مقال للكاتب والسياسي العراقي المعروف الدكتور كاظم حبيب وتحت عنوان:
(هل الموقف الخاطئ من القضية الكردية له عواقبه الوخيمة في العراق؟) نشر يوم 14 آب 2008 م، وصف فيها عملية التعاطي مع القضية الكوردية منذ سقوط النظام الدكتاتوري السابق وبناء النظام الديمقراطي التعددي الاتحادي الجديد ( كما ورد في الدستور العراقي الدائم في وصف نظام الدولة العراقية التي قامت على أنقاض نظام حزب البعث الشمولي) على حكم ثلاثة رؤساء حكومات بالتعاقب وهم:
إياد علاوي وإبراهيم الجعفري ونوري المالكي، بالمناورة والمخاتلة والتآمر في موضوعة المادة 140 من الدستور الدائم وما عداها من حلول ومشاريع لحل العقد المستعصية منذ قيام الدولة العراقية مطلع القرن الماضي فيما يتعلق بالقضية الكوردية في العراق، إذ قال في هذا الصدد:
( يفترض الابتعاد عن المناورة والمخاتلة والتآمر في هذه القضية ويفترض الابتعاد عن التحالف مع إيران وتركيا لإلحاق الأذى بالكُرد , إذ أن النجاح الراهن لمن يمارس ذلك سيكون مؤقتاً وستكون له عواقب وخيمة على مجمل التطور في العراق.
)
وفي عودة تاريخية سريعة إلى الوراء قليلا كي نطلع على محطات التعامل مع هذه القضية في جزئها العراقي تحديدا ومنذ سقوط إمبراطورية آل عثمان وتقسيمها بين القوى الوارثة لأملاك ذلك (الرجل المريض)، كان الكورد ضحية ما أسماه الدكتور كاظم حبيب المناورة والمخاتلة والتآمر التي يمكن إدغامها جميعا بمصطلح اللعبة حيث تستوعب معاني الكلمات الثلاث مضافا إليها الكذب والحيلة والغدر، وقد كان ذلك جليا في مشكلة الموصل في الربع الأول من القرن الماضي والتي تعامل معها الكورد بمنتهى النبل والفروسية حينما وعدهم الآخرون بتحقيق مطالبهم مقابل اختيار الانتماء إلى الدولة العراقية التي تم تأسيسها حديثا، فمنحوا أصواتهم في استفتاء عراقية الموصل أو تركيتها إلى الخيار العراقي بينما أعطى معظم السكان الآخرون من غير الكورد أصواتهم لبقايا دولة آل عثمان التي أصبحت دولة آل طوران فيما بعد، بما فيهم أجداد من يزايدون اليوم على عروبة وعراقية الموصل(!).
وبدأت اللعبة المشبوهة من هنا حينما غدرت تلك الأطراف بكذبها ومكرها في تحقيق تلك الأهداف التي اتفق عليها بعد أن أصبحت الموصل جزء من دولة العراق الحديث، وبدلا من السير في تنفيذ وتحقيق مطالب الكورد وحقوقهم الإنسانية المشروعة مارست تلك السلطات والحكومات المتعاقبة كل أنواع المناورة والمخاتلة والتآمر مع قيادات هذا الشعب وفعالياته السياسية والاجتماعية، تارة بالحروب الوحشية التي كانت تشنها على شعب اعزل، وتارة في سياسة التشتيت والتفريق ومن ثم التهجير وإلغاء الذات والجذور في أبشع عمليات استبدال العرق ومنح الصفة القومية الجديدة فيما سمي بتصحيح القومية في عمليات التعريب العنصرية سيئة الصيت، وأيضا تارة أخرى باسم الدين واللغة التي يتحدث بها سكان الجنة وان اللغة المحلية هذه ويقصدون بها اللغة الكوردية لا تنفع لا في الحياة الدنيا ولا في الآخرة(؟) وعليه ليس هناك أي مبرر شرعي أو وضعي لاستخدام هذه اللغة حالها حال لغات الكفار وألسنتهم!؟.
ومنذ عودة الزعيم مصطفى البارزاني من الاتحاد السوفيتي بعد سقوط الملكية وقيام جمهورية العراق الأولى عام 1958 م وحتى يومنا هذا سلسلة من الألاعيب والمخاتلات والمؤامرات بدأت بالنكث والمماطلة في أوساط معروفة آنذاك جلهم من تجار الحروب والعنصريون الشوفينيون، أدت إلى هجمات عسكرية وحشية في السليمانية وغيرها من مدن كوردستان لإرهاب السكان وكسر شوكة الثورة والتمرد وتشويه القضية الكوردية بصناعة ما سمي بالجحوش من عملاء السلطة ومعتمدي أجهزة استخباراتها من تجار الحروب والمرتزقة، ومن ثم لتستمر بعد ذلك عمليات الإبادة المنظمة لشعب كوردستان وقواه الديمقراطية بعد انقلاب البعثيين الأسود في شباط 1963م وغدرهم وخيانتهم للكورد وقضيتهم المشروعة، والذي تمثل في عمليات كسب الوقت وادعاء الشروع بحل ( مشكلة الشمال ) كما كانوا يسمونها حتى عودتهم ثانية في تموز 1968 م والبدء بمناورة جديدة تمثلت في التوقيع على اتفاقية 11 آذار 1970 م التي كانت بالنسبة لهم لعبة ( فهلوية ) للالتفاف بها على قيادة الحركة التحررية الكوردية، وهم أنفسهم الذين اقترفوا واحدة من أبشع الجرائم بحق الإنسانية بعد سنة واحدة من انقلابهم في تموز 1968 م حيث احرقوا عشرات الأطفال والنساء اللاجئين في احد كهوف قرية ديكان في منطقة الشيخان يوم 18 آب 1969 م، وبدا ذلك واضح أيضا في عمليتهم المخزية بإرسال الوفد الديني إلى الزعيم مصطفى البارزاني بعد عدة أشهر من اتفاقية آذار في محاولة لاغتياله في مقره أثناء استقباله لذلك الوفد المزعوم، ومناورة لكسب الوقت ومن ثم التآمر على الثورة بأسلوب ميكافيلي بالتلاعب مع كثير من التناقضات السياسية في المنطقة وربما أبرزها اتفاقية 1975م مع إيران التي تنازل فيها النظام السابق عن الكثير مما له علاقة بالسيادة الوطنية في الأرض وفي المواقف مقابل إفشال وتدمير الثورة الكوردية، وقبلها التوقيع على الاتفاقية الإستراتيجية مع الاتحاد السوفييتي والتي سميت آنذاك بمعاهدة التعاون المشترك لتوريط الشيوعيين لاحقا في جبهة تكتيكية ضدهم وضد القوى الديمقراطية الأخرى في العراق.
لقد اعتمدت معظم الأنظمة السياسية هذا النمط من التصرف والسلوك مع واحدة من أهم قضايا العراق والشرق الأوسط بعد القضية الفلسطينية ألا وهي قضية الكورد هنا في العراق منذ تأسيسه مطلع القرن الماضي، وبسبب تلك السياسة المتخلفة والشوفينية البدائية خسر العراق فرصا تاريخية للنمو والتطور وبقيت واحدة من أجمل وأروع وأثرى مناطق العراق ساحات حرب وصراع مستمر بل وأرضا محروقة كما كان يفعل البعثيون وغيرهم فيها منذ 1963م ولغاية انتفاضة الربيع في آذار 1991 م ، حيث اقترفوا جرائم بحق الإنسانية في استخدامهم الأسلحة الكيماوية في حلبجة وكرميان وبهدينان ومن ثم عمليات الجينوسايد أو ما أطلق عليها النظام نفسه بــ ( الأنفال ) التي راح ضحيتها مئات الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ وأكثر من أربعة آلاف قرية أزيلت من على الأرض، كما راح مثلهم من ضحايا الانتفاضة الشعبانية وقبلها مئات الآلاف من الكورد في بغداد وأطرافها.
إنه تاريخ من الجرائم والمآسي لا بحق الكورد والعراقيون عموما بل بحق الإنسانية جمعاء، جاء نتيجة ثقافة عنصرية شوفينية دكتاتورية أدت إلى تدمير البلاد وتأخيرها عشرات السنين وربما أكثر عن ركب الحضارة والتقدم وبناء بلد حر ديمقراطي يحترم الإنسان ويقدس الحرية الفردية ويعمل من اجل السلام والأعمار ويناضل من اجل مكوناته وتطورها السياسي والاجتماعي والاقتصادي مهما صغرت في حجمها العددي، فهي بالتالي جزء من هذا البلد الذي يوفر لها البديل الإنساني للعيش المشترك.
لقد سقط النظام السابق وهو يلهث وراء العودة ثانية بعد انهيارهم وهزيمتهم المخزية في نيسان 2003 م متصورين إن حليفهم سائق القطار سيحملهم ثانية في عربات شحن الأمتعة إلى الحكم كما فعل في ستينات القرن الماضي على حد اعتراف قائد من قادتهم آنذاك والمعروف بــ ( علي صالح السعدي ).
وانتظروا لأجل ذلك عدة أشهر حيث رأى العراقيون مدى استقرار الأوضاع في كل العراق وبالذات في الموصل والرمادي وتكريت التي تمتعت بأمان لا مثيل له حتى في عهد قائدهم المظفر جدا صدام حسين، وهنا اذكر للتاريخ مدى العلاقة الوطيدة بينهم وبين الجنرال باتريوس قائد الفرقة المجوقلة الرابعة الأمريكية في الموصل ( قائد القوات المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط الآن) بعد سقوط النظام المخزي في نيسان 2003م، حيث عرف آنذاك في أوساط الأهالي من كثرة مودته للبعثيين بأنه محامي الدفاع عن الرفاق البعثيين أمام الشعب والقوى الديمقراطية(!)
وحينما أيقنوا هذه المرة بأن سائق القطار عازم على البقاء والاسترخاء ولا مجال لديه لحملهم على الأقل هذه الفترة إلى حيث يريدون، بدأوا حملاتهم الهمجية المعروفة في أنفلة الشعب العراقي برمته هذه المرة وليس شعب كوردستان لوحده، ليثبتوا لعرابهم أو لسائق القطار بأنهم الجديرون بحكم العراق وان باستطاعتهم إفشال أي نظام سياسي غيرهم، فاستقدموا الكثير من تنظيماتهم القومية المعدة لتحويل العراق إلى حفنة تراب(!) إضافة إلى شواذ الآفاق والأخلاق من السراق والمرتزقة والفاشلين والمنحرفين والمحكومين في بلدانهم مع مئات الآلاف من المجرمين الذين أطلقوا سراحهم من السجون العراقية قبل الحرب بعدة أشهر، ليعيثوا في العراق فسادا وتدميرا تحت يافطات كاذبة باسم المقاومة تارة وباسم الجهاد تارة أخرى في أبشع عملية تشويه للدين الإسلامي الحنيف بأسلوبهم الميكافيلي في استخدام أقدس المقدسات لمجرد وصولهم إلى السلطة كما استخدموا الدين في كل مراحل حكمهم للعراق منذ انقلابهم الأسود في 1963م حينما أشاعوا إن الشيوعية كفر والحاد وان محاربتها واجب وطني وقومي وديني، وحتى يومنا هذا وهم أبعد الناس عن الدين ومقدساته الحقيقية.
وكما شهدنا جميعا قبل انتخابات 2005 م هجمتهم الإعلامية وأبواقهم الدعائية في كل مكان وحتى في كثير من منابر الجوامع التي استخدموها لتحريض السكان على عدم المشاركة في الانتخابات وبالذات في مدينة الموصل وتكريت والرمادي وبعض مناطق ديالى، بل واتهموا من يشارك فيها بالكفر والعمالة للصهاينة والأمريكان، كل ذلك أمام الرأي العام المعلن أما ما خفي فقد كان مجاميع من المرشحين إلى مجلس النواب من خلال الكتل البرلمانية والأحزاب التي استطاعوا اختراقها ومن ثم العمل من خلالها، وهذا ما حصل فعلا وكشفته الأيام وبالذات بعد تشكيل لجنة صياغة الدستور الدائم والبدء بوضع الحلول الجذرية لمآسي العراق وشعبه عبر عشرات السنين وفي مقدمة تلك القضايا كيفية التعامل مع نتائج جرائم ذلك النظام في كوردستان ومدنها وبلداتها التي تعرضت للتعريب والجينوسايد، ابتداءً بقضية الكورد الفيلية وكركوك وسنجار وخانقين وكل المدن والبلدات التي تعرضت للتشويه في تركيباتها السكانية وحدودها وتبعيتها الإدارية وآلاف القرى التي أزيلت من على الأرض بمن فيها.
واليوم وبعد خمس سنوات من السقوط الإداري للنظام وعذرا إن استخدمت هذا المصطلح الذي يبدو غريبا إلى حد ما، إلا انه يمثل مع كل الأسف حقيقة ما جرى ويجري منذ نيسان 2003 م وحتى يومنا هذا، إذ إن ثقافة وألاعيب ومخاتلة ومؤامرات حزب البعث وعقليته العنصرية ما زالت تعشعش في أدمغة وأفكار كثير ممن يتبؤون مواقعا ذات قرار في عراقنا اليوم وهم يتعاملون مع جراح أربعين عاما بعقلية من تسبب في تلك الجراح وأحدثها، فكيف سيعمل على علاجها !؟
إنهم سقطوا إداريا وتنفيذيا لكنهم بقوا كممارسة وسلوك في كثير من مفاصل دولتنا الجديدة، بل وطوروا تلونهم وتكيفهم للضروف الحالية والمرحلة الراهنة كما يقولون هم أنفسهم في تعاملهم الليلي مع سائق القطار الذي اقلهم ذات ليلة مدلهمة، وفي ما يطرحونه من حشيشة وأفيون الشعارات التي أتقنوا توليفتها منذ عقود طويلة وأدمنوا عليها قطاعات واسعة من مسطحي العقول وشواذ الآفاق هنا وفي كثير من البلدان العربية التي تعاني من عقدة نقص الديمقراطية في دمائها السياسية والأخلاقية؟
إنهم يعملون ليل نهار من اجل إفشال النظام السياسي والاجتماعي الجديد للعراق بمختلف الوسائل ومها كانت درجة نظافتها أو تلوثها فهم قد أدمنوا قراءة الميكافيلية حتى أصبحت واحدة من أدبياتهم وممارساتهم عبر حكمهم، مستهدفين كل مكتسبات الشعب العراقي ومكوناته من خلال نافورات الدم التي أشعلوها ويديموها في كل أنحاء البلاد من تفجير ونسف وتخريب واغتيالات واختطاف وكل ما يمت بالجريمة بصلة لإيقاف عملية بناء عراق ديمقراطي تعددي اتحادي، تارة بما يسمى بالمقاومة وتارة باسم الجهاد وأخرى من اجل عروبة الموصل وعراقية كركوك وتعديلات الدستور والتقسيم إلى آخر ألاعيب وشعارات أهل الحيلة المكر والمخاتلات التي أصبحت واحدة من أهم مواصفاتهم في الحياة.
( يفترض الابتعاد عن المناورة والمخاتلة والتآمر في هذه القضية ويفترض الابتعاد عن التحالف مع إيران وتركيا لإلحاق الأذى بالكُرد , إذ أن النجاح الراهن لمن يمارس ذلك سيكون مؤقتاً وستكون له عواقب وخيمة على مجمل التطور في العراق.
)
وفي عودة تاريخية سريعة إلى الوراء قليلا كي نطلع على محطات التعامل مع هذه القضية في جزئها العراقي تحديدا ومنذ سقوط إمبراطورية آل عثمان وتقسيمها بين القوى الوارثة لأملاك ذلك (الرجل المريض)، كان الكورد ضحية ما أسماه الدكتور كاظم حبيب المناورة والمخاتلة والتآمر التي يمكن إدغامها جميعا بمصطلح اللعبة حيث تستوعب معاني الكلمات الثلاث مضافا إليها الكذب والحيلة والغدر، وقد كان ذلك جليا في مشكلة الموصل في الربع الأول من القرن الماضي والتي تعامل معها الكورد بمنتهى النبل والفروسية حينما وعدهم الآخرون بتحقيق مطالبهم مقابل اختيار الانتماء إلى الدولة العراقية التي تم تأسيسها حديثا، فمنحوا أصواتهم في استفتاء عراقية الموصل أو تركيتها إلى الخيار العراقي بينما أعطى معظم السكان الآخرون من غير الكورد أصواتهم لبقايا دولة آل عثمان التي أصبحت دولة آل طوران فيما بعد، بما فيهم أجداد من يزايدون اليوم على عروبة وعراقية الموصل(!).
وبدأت اللعبة المشبوهة من هنا حينما غدرت تلك الأطراف بكذبها ومكرها في تحقيق تلك الأهداف التي اتفق عليها بعد أن أصبحت الموصل جزء من دولة العراق الحديث، وبدلا من السير في تنفيذ وتحقيق مطالب الكورد وحقوقهم الإنسانية المشروعة مارست تلك السلطات والحكومات المتعاقبة كل أنواع المناورة والمخاتلة والتآمر مع قيادات هذا الشعب وفعالياته السياسية والاجتماعية، تارة بالحروب الوحشية التي كانت تشنها على شعب اعزل، وتارة في سياسة التشتيت والتفريق ومن ثم التهجير وإلغاء الذات والجذور في أبشع عمليات استبدال العرق ومنح الصفة القومية الجديدة فيما سمي بتصحيح القومية في عمليات التعريب العنصرية سيئة الصيت، وأيضا تارة أخرى باسم الدين واللغة التي يتحدث بها سكان الجنة وان اللغة المحلية هذه ويقصدون بها اللغة الكوردية لا تنفع لا في الحياة الدنيا ولا في الآخرة(؟) وعليه ليس هناك أي مبرر شرعي أو وضعي لاستخدام هذه اللغة حالها حال لغات الكفار وألسنتهم!؟.
ومنذ عودة الزعيم مصطفى البارزاني من الاتحاد السوفيتي بعد سقوط الملكية وقيام جمهورية العراق الأولى عام 1958 م وحتى يومنا هذا سلسلة من الألاعيب والمخاتلات والمؤامرات بدأت بالنكث والمماطلة في أوساط معروفة آنذاك جلهم من تجار الحروب والعنصريون الشوفينيون، أدت إلى هجمات عسكرية وحشية في السليمانية وغيرها من مدن كوردستان لإرهاب السكان وكسر شوكة الثورة والتمرد وتشويه القضية الكوردية بصناعة ما سمي بالجحوش من عملاء السلطة ومعتمدي أجهزة استخباراتها من تجار الحروب والمرتزقة، ومن ثم لتستمر بعد ذلك عمليات الإبادة المنظمة لشعب كوردستان وقواه الديمقراطية بعد انقلاب البعثيين الأسود في شباط 1963م وغدرهم وخيانتهم للكورد وقضيتهم المشروعة، والذي تمثل في عمليات كسب الوقت وادعاء الشروع بحل ( مشكلة الشمال ) كما كانوا يسمونها حتى عودتهم ثانية في تموز 1968 م والبدء بمناورة جديدة تمثلت في التوقيع على اتفاقية 11 آذار 1970 م التي كانت بالنسبة لهم لعبة ( فهلوية ) للالتفاف بها على قيادة الحركة التحررية الكوردية، وهم أنفسهم الذين اقترفوا واحدة من أبشع الجرائم بحق الإنسانية بعد سنة واحدة من انقلابهم في تموز 1968 م حيث احرقوا عشرات الأطفال والنساء اللاجئين في احد كهوف قرية ديكان في منطقة الشيخان يوم 18 آب 1969 م، وبدا ذلك واضح أيضا في عمليتهم المخزية بإرسال الوفد الديني إلى الزعيم مصطفى البارزاني بعد عدة أشهر من اتفاقية آذار في محاولة لاغتياله في مقره أثناء استقباله لذلك الوفد المزعوم، ومناورة لكسب الوقت ومن ثم التآمر على الثورة بأسلوب ميكافيلي بالتلاعب مع كثير من التناقضات السياسية في المنطقة وربما أبرزها اتفاقية 1975م مع إيران التي تنازل فيها النظام السابق عن الكثير مما له علاقة بالسيادة الوطنية في الأرض وفي المواقف مقابل إفشال وتدمير الثورة الكوردية، وقبلها التوقيع على الاتفاقية الإستراتيجية مع الاتحاد السوفييتي والتي سميت آنذاك بمعاهدة التعاون المشترك لتوريط الشيوعيين لاحقا في جبهة تكتيكية ضدهم وضد القوى الديمقراطية الأخرى في العراق.
لقد اعتمدت معظم الأنظمة السياسية هذا النمط من التصرف والسلوك مع واحدة من أهم قضايا العراق والشرق الأوسط بعد القضية الفلسطينية ألا وهي قضية الكورد هنا في العراق منذ تأسيسه مطلع القرن الماضي، وبسبب تلك السياسة المتخلفة والشوفينية البدائية خسر العراق فرصا تاريخية للنمو والتطور وبقيت واحدة من أجمل وأروع وأثرى مناطق العراق ساحات حرب وصراع مستمر بل وأرضا محروقة كما كان يفعل البعثيون وغيرهم فيها منذ 1963م ولغاية انتفاضة الربيع في آذار 1991 م ، حيث اقترفوا جرائم بحق الإنسانية في استخدامهم الأسلحة الكيماوية في حلبجة وكرميان وبهدينان ومن ثم عمليات الجينوسايد أو ما أطلق عليها النظام نفسه بــ ( الأنفال ) التي راح ضحيتها مئات الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ وأكثر من أربعة آلاف قرية أزيلت من على الأرض، كما راح مثلهم من ضحايا الانتفاضة الشعبانية وقبلها مئات الآلاف من الكورد في بغداد وأطرافها.
إنه تاريخ من الجرائم والمآسي لا بحق الكورد والعراقيون عموما بل بحق الإنسانية جمعاء، جاء نتيجة ثقافة عنصرية شوفينية دكتاتورية أدت إلى تدمير البلاد وتأخيرها عشرات السنين وربما أكثر عن ركب الحضارة والتقدم وبناء بلد حر ديمقراطي يحترم الإنسان ويقدس الحرية الفردية ويعمل من اجل السلام والأعمار ويناضل من اجل مكوناته وتطورها السياسي والاجتماعي والاقتصادي مهما صغرت في حجمها العددي، فهي بالتالي جزء من هذا البلد الذي يوفر لها البديل الإنساني للعيش المشترك.
لقد سقط النظام السابق وهو يلهث وراء العودة ثانية بعد انهيارهم وهزيمتهم المخزية في نيسان 2003 م متصورين إن حليفهم سائق القطار سيحملهم ثانية في عربات شحن الأمتعة إلى الحكم كما فعل في ستينات القرن الماضي على حد اعتراف قائد من قادتهم آنذاك والمعروف بــ ( علي صالح السعدي ).
وانتظروا لأجل ذلك عدة أشهر حيث رأى العراقيون مدى استقرار الأوضاع في كل العراق وبالذات في الموصل والرمادي وتكريت التي تمتعت بأمان لا مثيل له حتى في عهد قائدهم المظفر جدا صدام حسين، وهنا اذكر للتاريخ مدى العلاقة الوطيدة بينهم وبين الجنرال باتريوس قائد الفرقة المجوقلة الرابعة الأمريكية في الموصل ( قائد القوات المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط الآن) بعد سقوط النظام المخزي في نيسان 2003م، حيث عرف آنذاك في أوساط الأهالي من كثرة مودته للبعثيين بأنه محامي الدفاع عن الرفاق البعثيين أمام الشعب والقوى الديمقراطية(!)
وحينما أيقنوا هذه المرة بأن سائق القطار عازم على البقاء والاسترخاء ولا مجال لديه لحملهم على الأقل هذه الفترة إلى حيث يريدون، بدأوا حملاتهم الهمجية المعروفة في أنفلة الشعب العراقي برمته هذه المرة وليس شعب كوردستان لوحده، ليثبتوا لعرابهم أو لسائق القطار بأنهم الجديرون بحكم العراق وان باستطاعتهم إفشال أي نظام سياسي غيرهم، فاستقدموا الكثير من تنظيماتهم القومية المعدة لتحويل العراق إلى حفنة تراب(!) إضافة إلى شواذ الآفاق والأخلاق من السراق والمرتزقة والفاشلين والمنحرفين والمحكومين في بلدانهم مع مئات الآلاف من المجرمين الذين أطلقوا سراحهم من السجون العراقية قبل الحرب بعدة أشهر، ليعيثوا في العراق فسادا وتدميرا تحت يافطات كاذبة باسم المقاومة تارة وباسم الجهاد تارة أخرى في أبشع عملية تشويه للدين الإسلامي الحنيف بأسلوبهم الميكافيلي في استخدام أقدس المقدسات لمجرد وصولهم إلى السلطة كما استخدموا الدين في كل مراحل حكمهم للعراق منذ انقلابهم الأسود في 1963م حينما أشاعوا إن الشيوعية كفر والحاد وان محاربتها واجب وطني وقومي وديني، وحتى يومنا هذا وهم أبعد الناس عن الدين ومقدساته الحقيقية.
وكما شهدنا جميعا قبل انتخابات 2005 م هجمتهم الإعلامية وأبواقهم الدعائية في كل مكان وحتى في كثير من منابر الجوامع التي استخدموها لتحريض السكان على عدم المشاركة في الانتخابات وبالذات في مدينة الموصل وتكريت والرمادي وبعض مناطق ديالى، بل واتهموا من يشارك فيها بالكفر والعمالة للصهاينة والأمريكان، كل ذلك أمام الرأي العام المعلن أما ما خفي فقد كان مجاميع من المرشحين إلى مجلس النواب من خلال الكتل البرلمانية والأحزاب التي استطاعوا اختراقها ومن ثم العمل من خلالها، وهذا ما حصل فعلا وكشفته الأيام وبالذات بعد تشكيل لجنة صياغة الدستور الدائم والبدء بوضع الحلول الجذرية لمآسي العراق وشعبه عبر عشرات السنين وفي مقدمة تلك القضايا كيفية التعامل مع نتائج جرائم ذلك النظام في كوردستان ومدنها وبلداتها التي تعرضت للتعريب والجينوسايد، ابتداءً بقضية الكورد الفيلية وكركوك وسنجار وخانقين وكل المدن والبلدات التي تعرضت للتشويه في تركيباتها السكانية وحدودها وتبعيتها الإدارية وآلاف القرى التي أزيلت من على الأرض بمن فيها.
واليوم وبعد خمس سنوات من السقوط الإداري للنظام وعذرا إن استخدمت هذا المصطلح الذي يبدو غريبا إلى حد ما، إلا انه يمثل مع كل الأسف حقيقة ما جرى ويجري منذ نيسان 2003 م وحتى يومنا هذا، إذ إن ثقافة وألاعيب ومخاتلة ومؤامرات حزب البعث وعقليته العنصرية ما زالت تعشعش في أدمغة وأفكار كثير ممن يتبؤون مواقعا ذات قرار في عراقنا اليوم وهم يتعاملون مع جراح أربعين عاما بعقلية من تسبب في تلك الجراح وأحدثها، فكيف سيعمل على علاجها !؟
إنهم سقطوا إداريا وتنفيذيا لكنهم بقوا كممارسة وسلوك في كثير من مفاصل دولتنا الجديدة، بل وطوروا تلونهم وتكيفهم للضروف الحالية والمرحلة الراهنة كما يقولون هم أنفسهم في تعاملهم الليلي مع سائق القطار الذي اقلهم ذات ليلة مدلهمة، وفي ما يطرحونه من حشيشة وأفيون الشعارات التي أتقنوا توليفتها منذ عقود طويلة وأدمنوا عليها قطاعات واسعة من مسطحي العقول وشواذ الآفاق هنا وفي كثير من البلدان العربية التي تعاني من عقدة نقص الديمقراطية في دمائها السياسية والأخلاقية؟
إنهم يعملون ليل نهار من اجل إفشال النظام السياسي والاجتماعي الجديد للعراق بمختلف الوسائل ومها كانت درجة نظافتها أو تلوثها فهم قد أدمنوا قراءة الميكافيلية حتى أصبحت واحدة من أدبياتهم وممارساتهم عبر حكمهم، مستهدفين كل مكتسبات الشعب العراقي ومكوناته من خلال نافورات الدم التي أشعلوها ويديموها في كل أنحاء البلاد من تفجير ونسف وتخريب واغتيالات واختطاف وكل ما يمت بالجريمة بصلة لإيقاف عملية بناء عراق ديمقراطي تعددي اتحادي، تارة بما يسمى بالمقاومة وتارة باسم الجهاد وأخرى من اجل عروبة الموصل وعراقية كركوك وتعديلات الدستور والتقسيم إلى آخر ألاعيب وشعارات أهل الحيلة المكر والمخاتلات التي أصبحت واحدة من أهم مواصفاتهم في الحياة.