لن تنجح محاولات تشويه حزب العمال الكردستاني ( رداً على السيد نزار آغري )

رضا ولات

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، تقاسمت الدول المنتصرة آنذاك مناطق المصالح والنفوذ في الشرق الأوسط.

وعقدت اتفاقيات عديدة لترسيخ النظام العالمي الجديد في بدايات القرن العشرين، مثل سايكس – بيكو، سيفر، لوزان.

بالإضافة إلى الاتفاقيات الثنائية بين أطراف متعددة، أبرزها اتفاقيات تركيا – انكلترا في عام 1926 .

فتركيا التي أقامت علاقات وثيقة مع الاتحاد السوفييتي الحديث العهد، الذي كان يرفع شعار مناصرة حركات التحرر الوطنية، استطاع مصطفى كمال إقناع لينين من ثم ستالين بأن ما يقوم به هو حركة تحرر ضد الهيمنة الرأسمالية الانكليزية والفرنسية، بدليل الحرب التي يخوضها ضدهما.

وأن الثورات الكردية هي مدعومة من جانبهما، لتقويض كيانه الحديث.

وبهذه الوسيلة استطاع تقويض جمهورية كردستان الحمراء الواقعة بين أرمينية وأذربيجان في منطقة ناغورنوكراباغ، على تخوم القوقاز.

وبعد أن ضمن مصطفى كمال عدم مساندة الاتحاد السوفييتي لثورات الشعب الكردي، بدأ يوثق علاقاته مع الغرب الرأسمالي.

وخاصة انكلترا بشأن سياساته في المنطقة.

استمرت سياسة التقرّب من الغرب بعد وفاة أتاتورك أيضاً.

ونتيجتها انضمت تركيا إلى الحلف الأطلسي في بدايات الخمسينيات، وشاركت في الحرب الكورية دون أن يكون لها فيها ناقة أو جمل.


هذه السياسة المراوغة ومحاولة الابتعاد من بيئة وطبيعة شعوب تركيا الشرقية، أدت إلى فقدان ثقة الشعوب المجاورة لتركيا، بل تحولت تركيا إلى عنصر غريب بين الشعوب المحيطة بها.

وخاصة بعد تأسيس الحلف المركزي (السانتو) أو ما سمي بحلف بغداد.

فهي تعادي اليونان وتعتبرها عدواً تاريخياً، نظراً لماضي المجازر التي دارت بينهما في العهد العثماني، ثم في حرب التحرير التركية التي كان جزء منها ضد اليونان.

وكانت تعادي سوريا والعراق بسبب سياساتها التابعة للحلف الأطلسي والضغوط التي مارستها من أجل ضمهما إلى حلف بغداد.

وكانت تعادي أرمينيا، نتيجة المجازر التي أرتكبتها بحق الأرمن.

وتعادي الدول الأخرى في الاتحاد السوفييتي، لأن تركيا تحولت إلى قاعدة متقدمة للحلف الأطلسي في مواجهة الاتحاد السوفييتي.

وتعادي بلغاريا، نتجية الخلفية التاريخية الدموية للسلطنة العثمانية والمجازر التي ارتكبها العثمانيون بحق شعوب البلقان، ولكون بلغاريا عضواً في حلف وارسو السابق.

أي لم تكن هناك علاقات طبيعية لتركيا مع أحد من جيرانها، بسبب سلوك الدولة التركية وماضيها.

وكانت دائماً مركزاً للتآمر على محيطها.
بالمقابل تحولت القضية الكردية في تركيا إلى كابوس على الساسة الأتراك، نظراً للثورات المتكررة في شمال كردستان.

وكانت تخاف دائماً من أن يقوم أحد جيرانها بدعم هذه الثورات.

وعندما يكون الموضوع متعلقاً بالشأن الكردي، تبدي تركيا استعدادها لتقديم كافة التنازلات في سبيل القضاء على الثورة الكردية وعزلها عن العالم الخارجي.

بينما النظام العالمي الذي ترسَّخ في بداية القرن العشرين، لا يعترف بوجود الشعب الكردي.

وأي دعم أو مساندة لتحرره، هو خط أحمر لكافة القوى الدولية المهيمنة المتحكمة بالعالم.

وقد رأينا مثال ذلك في تأسيس وإزالة جمهورية كردستان في مهاباد سنة 1946 والتي ترأسها القائد الشهيد: القاضي محمد.

وكما ساهمت تركيا في القضاء على ثورة البارزاني في كردستان الجنوبية عام 1975.
حزب العمال الكردستاني الذي رأى هذا الوضع، تأسس على مبدأ الاعتماد على الذات مهما كانت تلك الإمكانيات ضئيلة.

وهكذا بدأ بكفاحه المسلح في عام 1984، دون مساعدة أو دعم أحد، أو الاستئذان من أحد.

ولم يكن هناك من يتوقع أو يصدق ذلك، وكيكف لجموعة من الشباب وطلبة الجامعات يقودهم طالب في كلية العلوم السياسية بأنقرة اسمه عبد الله أوجالان، أن يواجه الدولة التركية بجبروتها وترسانتها كثاني اكبر جيش في الناتو بعد أمريكا!؟.

كيف لهذه المجموعة من الشباب الثوار أن يواجهوا هذه الدولة ذات الإرث العثماني _ الطوراني _ الأتاتوركي الفظيع!؟.

ولكن هذه كانت ولا زالت الحقيقة الدامغة التي أثبتها حزب العمال الكردستاني بنضالاته ومقوماته التاريخية في السجون والجبال وبين أبناء الشعب الكردستاني.

بالطبع ومن البديهيات أن تقوم قوة تحررية بالاستفادة من التناقضات الإقليمية الموجودة أمامها إلى أقصى الحدود الممكنة.

وما دامت تركيا قد جعلت من نفسها عدواً لكل الشعوب المحيطة بها.

قام حزب العمال الكردستاني بالاستفادة من هذه التناقضات.

وخاصة مع هذه الشعوب التي لها تجارب مع الشعب الكردي عبر التاريخ .

وعندما رأت تركيا هذا الواقع، سارعت إلى تقديم كل التنازلات لكل من له علاقة بحزب العمال، من الجوار التركي ومن غيرهم.

ويكفي لكل طرف يريد تحقيق أية مصلحة أو منفعة من الدولة التركية، أن يلوّح أو يهدد بدعم أو مساندة حزب العمال، حتى تسارع الدولة التركية إلى ترضيته.

والأطراف التي حققت مكاسب من هذا الوضع كثيرة.

وتأتي ألمانيا وفرنسا في المقدمة.

بينما حزب العمال بريء من ذلك.

ونظراً لاعتماد حزب العمال الكردستاني على إمكانيات الشعب الكردي أولاً وأخيراً فهو يخوض ثورته على أرض كردستان، دفاعاً عن شعبه لا يمكن أن يزول أو أن يقضى عليه إلا إذا أراد الشعب الكردي ذلك.

أما الأطراف التي تحقق مكاسب من الدولة التركية، فهذا شأنها وشأن الدولة التركية.

وبالتأكيد تضرر حزب العمال الكردستاني من بعض المساومات والصفقات بين النظم الإقليمية وتركيا عليه بشكل مرحلي، كمثلما حدث في اتفاقية أضنا بين تركيا وسوريا، وفي المؤامرة الدولية على السيد أوجالان.

وهذا ليس ذنبه وإنما ذنب من يبتعد عن القيم الإنسانية والمبادئ.

ولكن حزب العمال باق ما دام الشعب الكردي يتمسك به ويراه طليعة لنضاله التحرري.

ويكفي الشعب الكردي فخراً أن حزب العمال الكردستاني استطاع تدجين الدولة التركية بالمقاومة البطولية التي خاضها ضد عجرفتها وعنجهيتها ووحشيتها على مدى عقود.

بينما لم تصمد أي من الثورات الكردية التقليدية أمام وحشية الدولة التركية سوى شهور.

يعود الفضل لناضال حزب العمال الكردستاني في إعادة تركيا إلى محيطها الطبيعي الإقليمي وتقديم التنازلات له، لتبحث عن سبل التعاون وحسن الجيرة والاعتراف بها، بدلاً من التعالي والعداء والاستقواء بالقوى المهيمنة الغريبة عن المنطقة وشعوبها.

أما الذهنية التي لا تفكر في الاعتماد على قوة وإمكانيات شعوبها، ولا ترى الخلاص إلا في الاعتماد على القوى الدولية، فإن منطقها المعلول أيضاً، لا يستطيع استيعاب أن حزب العمال يمتلك إرادته الحرة، ولا يمكن أن يكون تابعاً لأحد.

ولهذا تحاول هذه الذهنية، حسب منطقها، إلصاق تهمة التبعية بحزب العمال، مرة بسوريا وأخرى باليونان وثالثة بأرمينيا أو غيرها…
الدولة التركية التي تعرّفت مبكراً على حقيقة أن حزب العمال الكردستاني يمتلك إرادته الحرة، ويمثل إرادة الشعب الكردي، وبقاؤه واستمرار نضاله مرتبط بدعم ومساندة الشعب الكردي له، حاولت ولا زالت تحاول بشتى الوسائل ممارسة سياسة (فرق تسد) وزرع الشكوك بين أبناء الشعب الكردي.

وتجنّد لهذه الغاية كل إمكانياتها المادية والعسكرية، مستفيدة من نقاط ضعف بعض الأطراف والأشخاص من أصحاب النفوس الضعيفة لتحقيق مآربها.

ويُخشى أن يكون السيد نزار آغري أحد هؤلاء الذين لهم مصلحة فيما يكتبه، مستفيداً من كابوس الدولة التركية المتمثل في حزب العمال الكردستاني، للفوز بحصة مما تقدمه الدولة التركية لكل من يشتم حزب العمال الكردستاني أو يكيل له التهم ويسعى لتشويهه؟.

فهو يمدح سياسات أردوغان تارة، ويشتم حزب العمال تارة أخرى، ويحاول تلفيق الاتهامات والتشكيك في مسيرته، وأنه أضرّ بالأكراد، وأفاد أعداء الأكراد!… وقد تكون لهذه الإدعاءات والتشويهات تلقى صدى في الإعلام العربي أو الكردي، ولها من يتلقفها مع الأسف، لكن التاريخ والشعب الكردي على مرأى ومسمع من كل شيء، ولا يمكن أن يكون أصماً مغمض العينين في القرن الحادي والعشرين.

هؤلاء الذين يلوون عنق الحقائق، ولا يتورعون عن الافتراء والتحوير والدجل والتلطيخ عن علم وإدراك في سبيل منافعهم الوقتية سيمثلون أمام التاريخ وأصحاب الضمائر الحيَّة من مثقفي الشعب الكردي، ولن ينفعهم التدثّر بحرية التعبير عن الرأي.

لأن حرية التعبير عن الرأي، في نفس الوقت هي مسؤولية وطنية وقومية وثقافية وأخلاقية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
* سياسي كردي سوري

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…