شف يار
تركيا, هذه الجمهورية الشاسعة الأطراف , التائهة بين شرقيتها و غربيتها , علمانيتها و إسلاميتها , عسكريتها و مدنيتها , تسعى جاهدةً عبر علاقاتها التكتيكية الإقليمية و تحالفاتها الإستراتيجية الدولية إلى حماية الوجه الأتاتوركي للبلاد , في زحمة الايدولوجيات و الأفكار وموجات التغيير التي تشهدها المنطقة والعالم .
تركيا, هذه الجمهورية الشاسعة الأطراف , التائهة بين شرقيتها و غربيتها , علمانيتها و إسلاميتها , عسكريتها و مدنيتها , تسعى جاهدةً عبر علاقاتها التكتيكية الإقليمية و تحالفاتها الإستراتيجية الدولية إلى حماية الوجه الأتاتوركي للبلاد , في زحمة الايدولوجيات و الأفكار وموجات التغيير التي تشهدها المنطقة والعالم .
و الحقيقة هو أنه وضمن هذه الشبكة من التعقيدات و التناقضات الداخلية و الخارجية ما زالت تركية قائمة و حاضرة بقوة في استراتيجيات القوى العظمى و سياساتها , مستفيدةً في ذلك لأقصى الحدود من علاقاتها التاريخية – الإستراتيجية بتلك القوى و على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
إن تركية كانت إبان الحرب الباردة “ضرورة أمريكية” في المنطقة , لتقف بوجه التغلغل السوفييتي – الشيوعي جنوباً , ومنعه من التوسع بأريحية نحو المنطقة الأكثر حيويةً و إستراتيجيةً في العالم , و بذلك تحولت إلى قاعدة أمريكية بامتياز , تمارس دور الشرطي – إلى جانب إسرائيل و إيران الشاه – في الشرق الأوسط .
في العام 1979كانت تركية سعيدةً و هي ترى سقوط الشاه في إيران و قيام نظام جديد يناهض توجهات أمريكا ومصالحها و سياساتها في العالم ,لأنها وجدت في ذلك تعزيزاً لدورها و أهميتها و مزيداً من الدعم الاقتصادي و العسكري و السياسي لها .
و بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق و انتهاء ما كان يسمى بنظام القطبين و تأثيراته الإقليمية و الدولية ,اعتقد الكثيرون بأن الدور التركي قد زال أو هو في طريقه إلى الزوال, لأنه لم يعد لوجودها من مبرر بزوال الخطر الاشتراكي , و لكن التطورات والأحداث اللاحقة التي شهدها العالم و المنطقة أثبتت بأن هؤلاء كانوا مخطئين في قراءتهم و تحليلهم السياسي للوضع .
فتركية بقيت ذلك الحليف الذي لايمكن الاستغناء عنه , لا بل زاد أهميته في المرحلة الجديدة – المعاصرة حيث انقسم العالم إلى قطبين (الإرهابيون و مناهضو الإرهاب) فالدول التي أعلنت الحرب على الإرهاب تحتاج إلى مساعدات سياسية واستخباراتية وقواعد عسكرية دائمة تؤمن الدعم اللوجيستي اللازم لجيوشها المنتشرة في العالم .
وفي الحادي عشر من أيلول عام2001 جاءت الأحداث التي هزت أمريكا و العالم , وشكلت نقطة تحول كبرى في العلاقات الدولية , فبدأت تلوح في الأفق بوادر حرب عالمية جديدة و لكنها في هذه المرة حرب ساخنة و ليست باردة ,بين القوى الدولية المختلفة الساعية إلى حماية مصالحها الإستراتيجية و أمنها الوطني و بين قوى الشر و الظلام التي تزعمتها القاعدة و مَن ورائها , و سبقت تلك الأحداث تصريحاتٌ للرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش عقب طرد القوات العراقية من دولة الكويت والتي تضمنت الإعلان عن بدء ما أسماه النظام العالمي الجديد .
و بالعودة إلى تركية , فقد شهد العام 2003 فتوراً في علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية بسبب امتناعها عن المشاركة في الحرب التي أعلنتها قوات التحالف الدولي لإسقاط نظام صدام حسين و تحرير الشعب العراقي من تسلطه و دكتاتوريته , لا بل منعت استخدام أراضيها و أجوائها في تلك الحرب , وهذا ما دفع بعض المحللين – مرة أخرى – للاعتقاد بأن أمريكا ستتخلى نهائياً عن تركية و ستبدأ رحلة البحث عن حلفاء جدد لها في المنطقة و قد رشحوا إقليم كردستان للقيام بهذا الدور مستقبلاً , و لكنهم أخطئوا مرة أخرى , فتركية فعلت كل ذلك – و قد تفهمتها أمريكا – لاعتباراتها الوطنية و الإقليمية, وهي :
1- خوفها من أن يتحول إقليم كردستان – العراق, إلى دولة مستقلة أو شبه مستقلة , فذلك سيؤثر على معنويات أكرادها العشرين مليوناً , الذين سيطالبون حينها بنفس الحقوق و الامتيازات و هذا ما ترفضها بقوة .
2- خوفها من أن يتحول العراق الجديد- المحرّر- إلى حليف لأمريكا و قاعدةً له في المنطقة , و ذلك سيكون على حساب تركية بالضرورة .
3- خوفها من سيطرة الأكراد العراقيين على كركوك (أغنى منطقة نفطية في العالم) , و بالتالي استحواذهم على الاهتمام الدولي , و خاصةً القوى الكبرى , وسيكون ذلك بمثابة المفتاح نحو بحث قضيتهم على مستوى الشرق الأوسط ككل .
4- خوفها من أن تعرّض شبكة علاقاتها الإقليمية (العربية) و الإسلامية للخطر , وخاصةً الاقتصادية منها .
5- خوفها من أن تستهدفها (القاعدة) إن شاركت مباشرةً في الحرب ضد العراق (دولة مسلمة) إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية و حلفائها ( الصليبيون) .
إن الولايات المتحدة قد(تفهّمت) حساسية الموقف التركي , كما قلنا , فمضت في حربها , دون أن يكون لها دور يذكر, مع إعطائها تطمينات جديّة حول العراق و مستقبله و خاصةً فيما يتعلق بالوضع الكردي, لأنها لم تكن تحتاج إلى المزيد من المعارضين لهذه الحرب , ولكن ذلك لم يمنع من دخول علاقاتهما مرحلة من الخمول و البرود هي الأولى بهذا الشكل في تاريخ البلدين .
مؤخراً , أرادت تركية إعادة الأمور إلى مجاريها وإزالة ذلك الفتور الذي أصاب علاقاتها مع أمريكا , فافتعلت أزمة حزب العمال الكردستاني , رافقتها معممة إعلامية و سياسية كبيرة , مصورةً نفسها و مدنييها ضحية الإرهاب الكردي , و ممهدةً لاجتياحٍ عسكري كبير داخل الأراضي العراقية لملاحقة مقاتلي الحزب كونهم ينطلقون من قواعد ثابتة داخل الأراضي العراقية (إقليم كردستان !!) لشن هجمات على تركية , و قد حملت تلك المعمعة في طياتها تهديداً مبطناً للأمريكيين يقضي بأنّ هذا التوغل سوف يعكّر صفو الاستقرار و الأمن في العراق و بخاصةٍ في إقليم كردستان, أكثر المناطق استقراراً و أمناً , و بالتالي سيلحق أفدح الأضرار بمصالح أمريكا وحلفائها , ويشكل ضغطاً إضافياً على جيوشها المنهمكة في حربٍ صعبةٍ و معقّدةٍ و لا تحتاج للمزيد من المشاكل و المتاعب.
إن تركية سعت من وراء تلك الضجة الإعلامية و السياسية والعسكرية, بحشد الآلاف من جنودها على الحدود, و الحصول على الترخيص البرلماني اللازم للقيام بعملية التوغل, – و أعتقد أنها ستقوم فعلاً بعمليات برية محددة الزمان و المكان – إلى لفت انتباه أمريكا للجلوس معها على طاولة التفاوض و النقاش , بعد مدةٍ من الفتور السياسي والدبلوماسي بينهما, وهي تعرف مسبقاً , بأن الإدارة الأمريكية سوف تحاول إقناعها – خلال المفاوضات – بالعدول عن قرار الاجتياح , أو على الأقل القيام به تحت إشرافها , وتعرف أيضاً بأنّ مثل هذا الطلب لن يكون مجاناً, فقد عملت و خططت لتحقيق أهدافها وحماية مصالحها الداخلية , و في العراق الجديد بعد أن أصبح واقعاً , و قد تمت الأمور كما رسمها الأتراك , فقد عادت العلاقات بينها و بين الولايات المتحدة إلى دفئها السابق, و من خلالها حققت أهدافها السياسية والأمنية وبمساعدة أمريكية , مقابل تخليها عن فكرة التدخل في العراق , وهذه الأهداف هي :
1- بالنسبة لموضوع كركوك , فقد طلبت تركية من الولايات المتحدة العمل في اتجاه منع عملية التصويت على مصيرها, خوفاً من وقوعها بأيدي الأكراد كما قلنا, و بالرغم أنّ هذا الطلب أحرجها باعتبارها – عملية التصويت- وردت في الدستور كمادة أساسية, فقد عمدت الولايات المتحدة إلى الأخذ بمبدأ وسط وهو تأجيل مسألة التصويت الذي كان مقرراً نهاية العام الماضي, أثناء زيارة الوزيرة رايس الأخيرة لبغداد , وليس إلغائها.
2- إظهار نفسها للعالم بأنها ضحية للإرهاب , و تتحمل جزءً من الحرب عليه , من خلال عملياتها العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني الإرهابي (على حد زعمها طبعاً) , في الداخل و الخارج , و تصوير الكفاح الكردي المشروع و العادل بأنه إرهاب تمارسها جماعات خارجة عن القانون, للحصول على تعاطف دولي معها.
3- الحرص على أن لا تتعامل الدول الكبرى وخاصةً الولايات المتحدة مع أكراد تركية كما تتعامل مع أكراد العراق , والحصول على صمتها , فيما يتعلق بطريقة معالجتها الصارمة للقضية الكردية في تركية , أما فيما يتعلق بالاتحاد الأوربي , فتركية أرادت توجيه رسالة إليها مفادها بأن ما يسميه الأوربيون, حالة حقوق الإنسان غير المحترمة , ليست إلا مشاكل متفرقة لحفنة من القتلة و الإرهابيين , ولا داعي لأن تعارض انضمامها إلى الاتحاد الأوربي بسببهم , والحرب التي تستعد تركية لشنها ما هي إلا دفاعٌ مشروعٌ تقره المواثيق الدولية , على حد تعبيرها , وبتعبير أدق قطع الدعم الدبلوماسي و القانوني عن الأحزاب الكردية و خاصةً pkk على الساحة الدولية .
4- الحصول على مساعدات أمريكية تقنية في حربها على مواقع pkk داخل العراق , و بالفعل قامت الاستخبارات الأمريكية بتصوير تلك المواقع و القواعد بالأقمار الصناعية و سلمتها للجيش التركي ,و قد قصفت الطائرات الحربية التركية بموجبها تلك المواقع و الأهداف , ملحقةً خسائر مدنية و بشرية فادحة بها , و بالقرى الآمنة القريبة فأوقعت عشرات القتلى و الجرحى من المدنيين الكرد .
5- توجيه رسالتين إلى المسئولين الأكراد في إقليم كردستان – العراق , أولهما بأن الدولة التركية تراقب التطورات في كردستان العراق عن كثب , و بأنها لن تسمح لهم بتحقيق ما يطمحون إليه (دولة كردستان) وثانيهما بأنّ تركية ما زالت الحليف الذي لا يمكن الاستغناء عنه من قبل الولايات المتحدة , و بأنهم – أكراد العراق – بعيدون جداً عن لعب هذا الدور كما كان يشاع .
6- الحصول على تعاون عراقي من بغداد , على المستويات السياسية و الدبلوماسية و الإعلامية , في موضوع إدانة pkk وتسميته بالمنظمة الإرهابية, والطلب منه بمغادرة الأراضي العراقية والكف عن مهاجمة الجارة الشمالية , خاصةً أن الدستور العراقي يمنع استخدام الأراضي العراقية لتهديد دول الجوار .
وأخيراً يمكن القول, بأنّ الصراع الداخلي, مهما كان محتدماً بين أقطاب النظام التركي فانه لايتعدى حدود التنافس و الاختلاف البرنامجي فيما بينها , أمّا الحفاظ على النزعة الطورانية والأتاتوركية في البلاد هو القاسم المشترك لجميعها, وفي حالات (الطوارئ!!) حيث تكون المصالح العليا للدولة التركية في خطر فان كل الفعاليات التركية السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية تظهر متجانسةً و متحالفةً استراتيجياً .
في العام 1979كانت تركية سعيدةً و هي ترى سقوط الشاه في إيران و قيام نظام جديد يناهض توجهات أمريكا ومصالحها و سياساتها في العالم ,لأنها وجدت في ذلك تعزيزاً لدورها و أهميتها و مزيداً من الدعم الاقتصادي و العسكري و السياسي لها .
و بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق و انتهاء ما كان يسمى بنظام القطبين و تأثيراته الإقليمية و الدولية ,اعتقد الكثيرون بأن الدور التركي قد زال أو هو في طريقه إلى الزوال, لأنه لم يعد لوجودها من مبرر بزوال الخطر الاشتراكي , و لكن التطورات والأحداث اللاحقة التي شهدها العالم و المنطقة أثبتت بأن هؤلاء كانوا مخطئين في قراءتهم و تحليلهم السياسي للوضع .
فتركية بقيت ذلك الحليف الذي لايمكن الاستغناء عنه , لا بل زاد أهميته في المرحلة الجديدة – المعاصرة حيث انقسم العالم إلى قطبين (الإرهابيون و مناهضو الإرهاب) فالدول التي أعلنت الحرب على الإرهاب تحتاج إلى مساعدات سياسية واستخباراتية وقواعد عسكرية دائمة تؤمن الدعم اللوجيستي اللازم لجيوشها المنتشرة في العالم .
وفي الحادي عشر من أيلول عام2001 جاءت الأحداث التي هزت أمريكا و العالم , وشكلت نقطة تحول كبرى في العلاقات الدولية , فبدأت تلوح في الأفق بوادر حرب عالمية جديدة و لكنها في هذه المرة حرب ساخنة و ليست باردة ,بين القوى الدولية المختلفة الساعية إلى حماية مصالحها الإستراتيجية و أمنها الوطني و بين قوى الشر و الظلام التي تزعمتها القاعدة و مَن ورائها , و سبقت تلك الأحداث تصريحاتٌ للرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش عقب طرد القوات العراقية من دولة الكويت والتي تضمنت الإعلان عن بدء ما أسماه النظام العالمي الجديد .
و بالعودة إلى تركية , فقد شهد العام 2003 فتوراً في علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية بسبب امتناعها عن المشاركة في الحرب التي أعلنتها قوات التحالف الدولي لإسقاط نظام صدام حسين و تحرير الشعب العراقي من تسلطه و دكتاتوريته , لا بل منعت استخدام أراضيها و أجوائها في تلك الحرب , وهذا ما دفع بعض المحللين – مرة أخرى – للاعتقاد بأن أمريكا ستتخلى نهائياً عن تركية و ستبدأ رحلة البحث عن حلفاء جدد لها في المنطقة و قد رشحوا إقليم كردستان للقيام بهذا الدور مستقبلاً , و لكنهم أخطئوا مرة أخرى , فتركية فعلت كل ذلك – و قد تفهمتها أمريكا – لاعتباراتها الوطنية و الإقليمية, وهي :
1- خوفها من أن يتحول إقليم كردستان – العراق, إلى دولة مستقلة أو شبه مستقلة , فذلك سيؤثر على معنويات أكرادها العشرين مليوناً , الذين سيطالبون حينها بنفس الحقوق و الامتيازات و هذا ما ترفضها بقوة .
2- خوفها من أن يتحول العراق الجديد- المحرّر- إلى حليف لأمريكا و قاعدةً له في المنطقة , و ذلك سيكون على حساب تركية بالضرورة .
3- خوفها من سيطرة الأكراد العراقيين على كركوك (أغنى منطقة نفطية في العالم) , و بالتالي استحواذهم على الاهتمام الدولي , و خاصةً القوى الكبرى , وسيكون ذلك بمثابة المفتاح نحو بحث قضيتهم على مستوى الشرق الأوسط ككل .
4- خوفها من أن تعرّض شبكة علاقاتها الإقليمية (العربية) و الإسلامية للخطر , وخاصةً الاقتصادية منها .
5- خوفها من أن تستهدفها (القاعدة) إن شاركت مباشرةً في الحرب ضد العراق (دولة مسلمة) إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية و حلفائها ( الصليبيون) .
إن الولايات المتحدة قد(تفهّمت) حساسية الموقف التركي , كما قلنا , فمضت في حربها , دون أن يكون لها دور يذكر, مع إعطائها تطمينات جديّة حول العراق و مستقبله و خاصةً فيما يتعلق بالوضع الكردي, لأنها لم تكن تحتاج إلى المزيد من المعارضين لهذه الحرب , ولكن ذلك لم يمنع من دخول علاقاتهما مرحلة من الخمول و البرود هي الأولى بهذا الشكل في تاريخ البلدين .
مؤخراً , أرادت تركية إعادة الأمور إلى مجاريها وإزالة ذلك الفتور الذي أصاب علاقاتها مع أمريكا , فافتعلت أزمة حزب العمال الكردستاني , رافقتها معممة إعلامية و سياسية كبيرة , مصورةً نفسها و مدنييها ضحية الإرهاب الكردي , و ممهدةً لاجتياحٍ عسكري كبير داخل الأراضي العراقية لملاحقة مقاتلي الحزب كونهم ينطلقون من قواعد ثابتة داخل الأراضي العراقية (إقليم كردستان !!) لشن هجمات على تركية , و قد حملت تلك المعمعة في طياتها تهديداً مبطناً للأمريكيين يقضي بأنّ هذا التوغل سوف يعكّر صفو الاستقرار و الأمن في العراق و بخاصةٍ في إقليم كردستان, أكثر المناطق استقراراً و أمناً , و بالتالي سيلحق أفدح الأضرار بمصالح أمريكا وحلفائها , ويشكل ضغطاً إضافياً على جيوشها المنهمكة في حربٍ صعبةٍ و معقّدةٍ و لا تحتاج للمزيد من المشاكل و المتاعب.
إن تركية سعت من وراء تلك الضجة الإعلامية و السياسية والعسكرية, بحشد الآلاف من جنودها على الحدود, و الحصول على الترخيص البرلماني اللازم للقيام بعملية التوغل, – و أعتقد أنها ستقوم فعلاً بعمليات برية محددة الزمان و المكان – إلى لفت انتباه أمريكا للجلوس معها على طاولة التفاوض و النقاش , بعد مدةٍ من الفتور السياسي والدبلوماسي بينهما, وهي تعرف مسبقاً , بأن الإدارة الأمريكية سوف تحاول إقناعها – خلال المفاوضات – بالعدول عن قرار الاجتياح , أو على الأقل القيام به تحت إشرافها , وتعرف أيضاً بأنّ مثل هذا الطلب لن يكون مجاناً, فقد عملت و خططت لتحقيق أهدافها وحماية مصالحها الداخلية , و في العراق الجديد بعد أن أصبح واقعاً , و قد تمت الأمور كما رسمها الأتراك , فقد عادت العلاقات بينها و بين الولايات المتحدة إلى دفئها السابق, و من خلالها حققت أهدافها السياسية والأمنية وبمساعدة أمريكية , مقابل تخليها عن فكرة التدخل في العراق , وهذه الأهداف هي :
1- بالنسبة لموضوع كركوك , فقد طلبت تركية من الولايات المتحدة العمل في اتجاه منع عملية التصويت على مصيرها, خوفاً من وقوعها بأيدي الأكراد كما قلنا, و بالرغم أنّ هذا الطلب أحرجها باعتبارها – عملية التصويت- وردت في الدستور كمادة أساسية, فقد عمدت الولايات المتحدة إلى الأخذ بمبدأ وسط وهو تأجيل مسألة التصويت الذي كان مقرراً نهاية العام الماضي, أثناء زيارة الوزيرة رايس الأخيرة لبغداد , وليس إلغائها.
2- إظهار نفسها للعالم بأنها ضحية للإرهاب , و تتحمل جزءً من الحرب عليه , من خلال عملياتها العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني الإرهابي (على حد زعمها طبعاً) , في الداخل و الخارج , و تصوير الكفاح الكردي المشروع و العادل بأنه إرهاب تمارسها جماعات خارجة عن القانون, للحصول على تعاطف دولي معها.
3- الحرص على أن لا تتعامل الدول الكبرى وخاصةً الولايات المتحدة مع أكراد تركية كما تتعامل مع أكراد العراق , والحصول على صمتها , فيما يتعلق بطريقة معالجتها الصارمة للقضية الكردية في تركية , أما فيما يتعلق بالاتحاد الأوربي , فتركية أرادت توجيه رسالة إليها مفادها بأن ما يسميه الأوربيون, حالة حقوق الإنسان غير المحترمة , ليست إلا مشاكل متفرقة لحفنة من القتلة و الإرهابيين , ولا داعي لأن تعارض انضمامها إلى الاتحاد الأوربي بسببهم , والحرب التي تستعد تركية لشنها ما هي إلا دفاعٌ مشروعٌ تقره المواثيق الدولية , على حد تعبيرها , وبتعبير أدق قطع الدعم الدبلوماسي و القانوني عن الأحزاب الكردية و خاصةً pkk على الساحة الدولية .
4- الحصول على مساعدات أمريكية تقنية في حربها على مواقع pkk داخل العراق , و بالفعل قامت الاستخبارات الأمريكية بتصوير تلك المواقع و القواعد بالأقمار الصناعية و سلمتها للجيش التركي ,و قد قصفت الطائرات الحربية التركية بموجبها تلك المواقع و الأهداف , ملحقةً خسائر مدنية و بشرية فادحة بها , و بالقرى الآمنة القريبة فأوقعت عشرات القتلى و الجرحى من المدنيين الكرد .
5- توجيه رسالتين إلى المسئولين الأكراد في إقليم كردستان – العراق , أولهما بأن الدولة التركية تراقب التطورات في كردستان العراق عن كثب , و بأنها لن تسمح لهم بتحقيق ما يطمحون إليه (دولة كردستان) وثانيهما بأنّ تركية ما زالت الحليف الذي لا يمكن الاستغناء عنه من قبل الولايات المتحدة , و بأنهم – أكراد العراق – بعيدون جداً عن لعب هذا الدور كما كان يشاع .
6- الحصول على تعاون عراقي من بغداد , على المستويات السياسية و الدبلوماسية و الإعلامية , في موضوع إدانة pkk وتسميته بالمنظمة الإرهابية, والطلب منه بمغادرة الأراضي العراقية والكف عن مهاجمة الجارة الشمالية , خاصةً أن الدستور العراقي يمنع استخدام الأراضي العراقية لتهديد دول الجوار .
وأخيراً يمكن القول, بأنّ الصراع الداخلي, مهما كان محتدماً بين أقطاب النظام التركي فانه لايتعدى حدود التنافس و الاختلاف البرنامجي فيما بينها , أمّا الحفاظ على النزعة الطورانية والأتاتوركية في البلاد هو القاسم المشترك لجميعها, وفي حالات (الطوارئ!!) حيث تكون المصالح العليا للدولة التركية في خطر فان كل الفعاليات التركية السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية تظهر متجانسةً و متحالفةً استراتيجياً .
15-2- 2008