اصوات نسوية كردية في واجهة المجتمع

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة في العراق

   رغم كل الظلام المحيط بالمرأة في كردستان، و رغم ان مسلسل القتل و العنف متواصل، الا انه ثمة نافذة للامل و الاصوات النسوية المتمردة و الفاعلة بدأت بابراز صوتها في الاعلام و في مجالات الحياة الاخرى.

قرأت قبل ايام كتاباً عن الابداع النسوي الكردي في كردستان سوريا فانبهرت بهذه الاقلام التي استطاعت شق جبل التراكمات الاجتماعية و العادات الكردية المتهرئة لتعلن بكبرياء و بحق ثورتها و تمردها على المجتمع الرجولي.
   و في مهرجان (جگرخوين) المنعقد في اربيل يوم 10/2/2008 و ما تلاه من ايام تسنَّت فرصة ثمينة للقاء بمجموعة من المثقفات الكرديات اللواتي يثرن الاعجاب و الانبهار لما يمتلكنه من جرأة و قوة و صدقية و تراكم معرفي و تحصيل علمي، و قبل ذلك ارادة قوية للتغيير في مجتمع لا يقبل للمرأة دور الشراكة في القرار و المبادرة و الحرية و الاستقلال الاقتصادي و يحاول المستحيل لمواصلة تبعية المرأة للرجل، تلك التبعية التي تصل الى حد الغاء هويتها و دورها و حركتها و ابداعها.
   على مدى ايام كان لي تواصل مع طرح نسوي كردي في الحياة و الفكر و الشعر و السلوك الاجتماعي المتطور و المتحضر، و هذا ما يؤشر لحالة جديدة و يدشن مرحلة تغييرية لا يكون فيها نخبة من المثقفين الرجال مدافعين عن وجود و حقوق المرأة و مساواتها مع الرجل كلياً، بل و تنطلق اصوات نسوية مبدعة لتمارس هذا الفعل و الجهد الحضاري الذي يضع المجتمع الكردستاني كله على عتبة التطور، لاننا نجدد ما قلناه مراراً و تكراراً لا حياة لمجتمع يسير بساق واحدة و لا وجود لديمقراطية متكاملة و منتعشة بدون المشاركة الشاملة و الدائمة للنساء لاسيما و هنَّ اكثرية المجتمع ولم تعد مقولة المرأة نصف المجتمع صالحة في مجتمع اصبح الرجال اقل من النساء.

في اربيل التقيت المخرجة و الشاعرة و الناشطة النسوية (ڤيان مائى) مخرجة فلم (الحجل الابيض) و دعتني الى الاستوديو لمشاهدة الفلم الذي يتحدث عن الآثار النفسية التي لحقت بالاخ الذي قتل شقيقته في (دهوك).

و اذ هنأتها على افكارها و تطلعاتها فقد شعرت بالاسف لان العديد من المرافق الادارية في الاقليم بل و حتى بعض المثقفين الكرد التقليديين يتجاهلون ابداع هذه المرأة التي دخلت في سجال و نقاش محتدم مع بعض خطباء الجوامع في (دهوك) داعية أياهم للكف عن التحريض على قتل النساء و الكف عن تسويق و تسويغ العنف الذي يمارس بحقهن.
   اما الشاعرات أڤين شكاكي و ديا جوان و سلوى گولي و شيلان حمو فقد منحن الجملة الشعرية النسوية نكهة و رائحة أخرى فلم يعد الغزل و ابراز المشاعر و وصف الحب حكراً على الرجل، لان الحب اصلاً فعل مشاركة يرفض القسمة على واحد و لا وجود له في الحياة منذ الأزل الا مناصفة بين المرأة و الرجل.

و للشاعرة (كه ژال احمد) القادمة من السليمانية و الشاعرة (تريفا دوسكى) باع طويل في اقتحام هذا العالم الذي ظل ممنوعاً على المرأة الكردية و نعني المبادرة بالتغزل و اعلان مشاعر الحب، و عدم الانكفاء على الذات و الانطواء و انتظار القصائد الغزلية و العاطفية من الرجل الذي يريد احتكار اعلان الحب او عدم اعلانه باعتباره سيد الموقف.

هذا المشهد تغيرت معالمه و عاد الى وضعه الاكثر توافقاً مع الحياة و المنطق و الحقيقة، و الذي يقرأ الجمل الشعرية الرقيقة التي تنضج شوقاً و تقطر نرجساً و تذوب عشقاً للشاعرات اللواتي ذكرن آنفاً يدرك ان الشعر العاطفي لم يعد مملكة مسجلة حصراً باسم الرجال و هذا معلم تغييري في الادب الكردي سيتواصل حتماً مع تطور الحياة.

و لن انسى السيدة (نوڤين) التي تبوأت موقع عضوية مجلس محافظة ستوكهولم عاصمة السويد و التي حضرت الى مهرجان (جگرخوين) بشخصيتها الرائعة و افكارها المبدعة و طروحاتها الجديدة حول وضع المرأة الكردستانية.
  ان هذه الاصوات النسوية تجاوزت بجديتها و عصريتها و نقائها الهياكل النسوية الادارية في كردستان العراق التي مازالت الى حد كبير اسيرة الخطاب السياسي و العمل الاداري و النظرة التي مازالت مشوبة بالخوف من العادات البالية و عدم امتلاك زمام المبادرة لاجراء تغيير انعطافي جذري في نظرة المجتمع الى المرأة.

فالقوانين الصادرة في الاقليم حول المرأة لاتكفي اذا لم تتوفر ضمانات قضائية و اجتماعية لترجمتها الى واقع و الحقوق المنصوص عليها في القوانين تبقى عائمة غير مؤثرة او فاعلة اذا لم نوفر آليات تجسيد الحقوق الى واقع تطبيقي، اما وزارة المرأة في كردستان فانها لابد ان تكون وزارة مبادرة و مبدعة و مقتحمة و قادرة على الوقوف على قدميها بشجاعة و ارادة قوية و راسخة و الا فانها ستكون مجرد مرفق اداري آخر و صوت خافت و دائرة لتحشيد الموظفين و الموظفات و الحل ان وزارة المرأة في مجتمع كمجتمعنا لها مهمات تنشقُّ امام هولها الجبال و تنوء لحملها الاكتاف لانها الوزارة التي عليها نفض غبار مئات السنين و الغاء تراكمات اجتماعية متحجرة.

انها الوزارة التي عليها وضع النساء الكردستانيات في واجهة المجتمع و تطبيق كل مفردات اتفاقية منع كل اشكال العنف ضد المرأة، انها اذن وزارة سياسية اجتماعية هامة للغاية، فهل لها ان تصحو و تقف على قدميها و لا تنام و لا تتثاءب.
   تحية من القلب للاصوات و الاقلام النسوية الكردستانية التي تعاني و لكن تواصل العمل و تكتب فتبدع و تقول فتحفر في الارض اثراً و تبادر فتعطي للعالم مثالاً يحتذى.

انها فعلاً اصوات تقطر نرجساً و املاً لتغيير مجتمع طال امد سباته الاجتماعي.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…