وصلت النزعة العدوانية التركية إلى محاربة الكرد في المريخ

برزو محمود

في الوقت الذي تؤيد الحكومة التركية استقلال كوسوفو، تأتي تصريحات رئيس الوزراء التركي رجب أوردكان بأنه سيحارب الكيان الكردي أينما كان، حتى لو وجد هذا الكيان في المريخ.

مما لا شك فيه أن تأييد أوردكان لإستقلال كوسوفو ليس لآنه يؤيد حق الشعوب في تقرير مصيرها، بل نابع عن نزعة شوفينية باعتبار الشعب الكوسوفي ينتمي إلى العنصر التركي أو أنهم من أرومة واحدة.

وما تصريح أوردكان هذا سوى نتيجة منطقية لتاريخ أجداده الذي يعد سجلاً حافلاً بالأعمال الهمجية والبربرية وسفك الدماء وقتل الشعوب.
في الحقيقة أن مثل هذا التصريح يشير بوضوح إلى ماهية النوايا التركية في حربها القائمة حالياً، وأنها إعلان حرب ضد الشعب الكردي في كل مكان، في الوقت الذي لا نجد صوتاً واحداً من الحكومات الاوربية والعربية والاسلامية، وخاصة تلك التي تتبجح بحقوق الانسان ليعلن عن موقف يدين هذه الحرب العدوانية التي تشنها البربرية التركية ضد حقوق الانسان.

وهي لا تهدف فقط إلى القضاء على حزب العمال الكردستاني، بل تحارب من أجل محو الهوية القومية الكردية، والنيل من حقوقه المشروعة أينما كان.

ولكن الأمر الذي يثير الاستغراب والاستهجان هو أن يتفوه أعلى مسؤول في الهرم الحكومي بتعبير صلف وذلك في (محاربة الكرد العزل حتى في المريخ)، فأن هذا لا ينم إلا عن حقد دفين وشوفينية بغيضة  تجاه القومية الثانية في تركيا، دون أي احترام لمشاعر الكرد القومية، مع أنه رئيس حكومة تتبجح بالديمقراطية، وتصنف نفسها ضمن المجتمع المتمدن على أساس احترام حقوق الانسان، أليس هذا نفاق بعينه.

ألا يخجل الشعب التركي وخاصة مثقفيه من هكذا تصريح لرئيس يرغب في الانضمام إلى المجتمعات المتحضرة!! أين هي الحضارة من هكذا تصريح في محاربة حقوق الانسان!! ومن ناحية أخرى فأن تصريحه هذا يعبر بجلاء عن نزعة إرهابية ونية عدوانية واضحة تنم عن عنجهية طورانية وشوفينية معادية لكل القيم الانسانية والحضارية، فأنها بمثابة إعلان صريح بمحاربة طموحات الشعب الكردي المشروعة في التمتع بحقه كشعب يرغب في العيش بكرامة تحت حكم ذاتي يحكم نفسه بنفسه، ويناضل من أجل التحرر والانعتاق من قيود الاستعباد التركي والعربي والفارسي المقيت، شعب يناضل من أجل تحقيق الاعتراف بحقه في تقرير المصير، من أجل أن يقرر مصيره بنفسه، من أجل حق التعلم والتعليم بلغة الام وفي مدارسه الكردية، مثله مثل أي شعب أخر في هذه المعمورة كالعرب والترك والفرس … وغيرهم من الشعوب.

فالحكومة التركية تعمل بكل الوسائل من أجل اضطهاد واستغلال الشعب الكردي، وها هي تستخدم  آلتها العسكرية وتحشد جيوشها إلى داخل حدود كردستان العراق، متجاوزة بذلك الحدود الدولية، لتهاجم مقاتلي حزب العمال الكردستاني جواً وبراًً، وتحرق الاخضر واليابس، اذ تدمر الجسور والقرى الكردية الواقعة ضمن كردستان العراق، كل هذا من أجل قمع الشعب الكردي والنيل من عزيمته وإرادته القومية، وهذه ليست إلا مقدمات عملية تحاول تركيا من خلالها القضاء على قوات حزب العمال الكردستاني أولاً، لتخطو خطوتها الثانية، وهي الإطاحة بالحكومة الكردية في كردستان العراق.


في الحقيقة لم يبق أمام الكرد في كل أجزاء كردستان، شعباً وأحزاباً ومثقفين، إلا أن يتحدوا ويتكاتفوا ضد هذه الهجمة التركية التي تنم عن عداء واضح وصريح، فقد كشر العدو عن أنيابه وكشف عن عدوانيته وحقده ضد الشعب الكردي في كل أجزاء كردستان.

وما مسألة محاربة مجموعة من مقاتلي حزب العمال الكردستاني المتواجدين في جبل قنديل سوى ذريعة تتشبث بها الحكومة التركية لتحقيق أهدافها الاسترتيجية في إزالة الكيان الكردي الأمن في كرستان العراق من الوجود، وإحداث انتكاسة كبيرة في مسيرة الحركة الكردية، وعرقلة تقدمها لتتحول إلى حركة ضعيفة غير قادرة على تحقيق طموحات الشعب الكردي ليس في كردستان العراق في حكم فدرالي يحكم نفسه بنفسه فحسب، بل في عموم كردستان، وبالتالي تتراجع المسألة الكردية في كافة أجزاء كردستان، وتتحول إلى حركة هزيلة بيد الحكومات الاقليمية، لا حول لها ولا قوة سوى أن ترضخ لأوامر هذه الحكومات المغتصبة لكردستان، كما تأتي قضية كركوك في مقدمة التنازلات التي ترمي اليها الحكومة التركية، بالكف عن ضمها إلى كردستان العراق، ولاسيما هنالك أصوات عديدة في الحكومة العراقية تؤيد هذا الهدف، وتتأمر على القضية الكردية بالعمل على تقزيمها، وتفريغها من عوامل القوة، لتصبح حكماً كردياً هزيلاً تابعاً للمركز.

فالمسؤلية التاريخية تتحتم على الكرد في كل مكان مجابهة الحرب التركية هذه، دون هوادة، وتسخير كل طاقاتها السياسية والدبلوماسية والاعلامية واللوجستية لصد هذه الهجمة الوحشية وافشال مخططات حكومة أردوكان، إلى جانب أن الشعب الكردي في تركيا أصبح الآن أمام امتحان كبير، ليس أمامه سوى القيام بانتفاضة شعبية عارمة تغطي عموم كردستان تركيا لكسر شوكة العدو وافشال هذا المخطط التأمري الذي تتحرك فيه مصالح اقليمية ودولية عديدة.

وعلى القيادة الكردية في كردستان العراق أن تكون واعية بخيوط اللعبة السياسية وأن تدرك جيداً مسؤوليتها القومية والتاريخية وطبيعة مهمات المرحلة الحالية والظرف الدقيق الذي تمر فيه، وأن لا تنجر وراء مصالح فئوية أنية لا تمتلك مقومات الديمومة والعمر الطويل.

وأن انتصار الكرد في هذه الحرب هو انتصار للمسألة الكردية في عموم كردستان.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…