فوزي الاتروشي*
تركيا دولة تبحث عن دور لم يعد ممكناً وهو دور الدولة الاقليمية العظمى التي تتحرك دون حسيب او رقيب , في عصر الشراكة في القرار الاقليمي والتنمية المشتركة والتعاون الدولي لمجابهة التحديات الشاملة.
لتركيا عداء مستحكم مع القضية الكردية وتاريخ طويل في التعامل معها بالحديد والنار منذ تأسيس الدولة التركية عام 1923 , واذا كانت بعض الثغرات والشروخ قد برزت بين الحين والاخر في هذا الموقف فأن ذلك لم يصل الى حد الاعتراف بكون المشكلة الكوردية ذات جذر ديمقراطي سياسي ولا يمكن للحل الا ان يكون سياسياً .
الواقع ان الاتنخابات الاخيرة كان يجب ان تكون بداية توجه جديد لمجابهة المشكلة ومنع المزيد من الاستنزاف البشري والاقتصادي للدولة , فقد صعد حزب العدالة والتنمية بتوجهاته الاسلامية الى الحكم وكان صعوده ممكناً فقط لأن السكان في المناطق الكردية منحوه اصواتهم التي ادت الى ان يكون نحو سبعين من الكتلة البرلمانية لهذا الحزب من الاصول الكردية واذا اضفنا نحو (24) اخرين من حزب المجتمع الديمقراطي الموالي للمطالب الكردية , تكون بذلك قد تكونت كتلة كردية كبيرة كان يمكن للحزب الحاكم ان يوظفها للحل وليس لمزيد من التأزيم والانجرار وراء مطالب العسكر الذي يحاول سحب البساط من تحت اقدام الحزب الحاكم وحجب ثقة السكان الاكراد به .
لم يفعل الحزب الحاكم ذلك واستمر في التصعيد ولغة العسكر التي رغم كل الاجتياحات المتكررة لم تحصد شيئاً سوى المزيد من تأكل الرصيد المعنوي للدولة التركية اقليمياً ودولياً والمزيد من تعميق الجراح ومراكمة الخسائر .
والاجتياح الجديد لم يحقق ما لم تحققه الاجتياحات السابقة رغم صرف مليارات الدولارات التي كان يمكن ان تخصص للتنمية والازدهار في المناطق الكردية في تركيا .
أما هدف تقويض تجربة كوردستان العراق وقبرصة الاقليم الكردي العراقي فهو هدف لن يتحقق لتركيا على الاقل في المستقبل القريب , ودور حماية الاخوة التركمان لا يليق بها وغالبية التركمان غير مستعدين لتجاوز هويتهم العراقية لصالح دولة اقليمية لها مصالحها الخاصة بها ومعيار المصلحة هو المحرك الاساسي في السياسة , ولعل المؤتمر الذي دعت اليه غالبية التنظيمات التركمانية وانعقد في (اربيل) مؤخراً يؤكد صدق ما نقول .
اما شعب كوردستان العراق الذي لم يخضع لأ بشع حرب عنصرية بغيضة ابان النظام السابق فأنه لا يمكن ان يستسلم ويستكين اذا اصرَت تركيا وتمادت في العدوان .
اما اشاعة لفظ الارهاب على كل قوة كردية تطالب بما هو حق فأنها اسطوانة مشروخة , فالقضية الكردية في تركيا تحوز على اهتمام الاوساط الدولية في اوروبا وهي في مركز اهتمام المئات من منظمات المجتمع المدني والجالية الكردية النشطة التي نزلت هذه المرة كما في كل مرة الى شوارع اوروبا والمدن التركية تشكل قوة ضاغطة اخرى .
ثم هل انجزت تركيا ولو جزء يسيراً من المطالب الكردية وهل تحركت نحو الحوار وهل قبلت الحل السلمي ورفضه الاخرون ؟ هذا هو السؤال .
ثم ان القضية الكرديـــــة في تركيا اكبر من حزب العمـــال الكوردستــــاني فهي بالاساس قضية شعب وليست قضية حزب بحد ذاتــه وهذه هي الحقيقة الغائبـــة و بالاحرى المغيَبة في العقل التركي الحاكم .
ان تركيـــــا لها مصلحة في التعــــاون مع اقليم كوردستان والعمل على التنمية والعلاقـــــات الاقتصاديـــة البناءة مع اقليم يعمل فيه (67.) شركة تركيـــــة ولها مصلحة اكيدة في تفعيــــل اللجنة العراقية – التركية – الامريكية بمشاركة ممثلين عن اقليم كوردستان العراق لتعميق الحوار في جو هادئ بعيداً عن لغة المدافع التي تحصد الارواح ولا تزرع الحلول .
*وكيل وزارة الثقافة في العراق