محمد قاسم
ظننت أني لن اكتب عن مناسبة 12 آذار –الانتفاضة- لأني شعرت بان الكتابة عنها أصبحت مملة وروتينية-بالطريقة المألوفة كرديا- على شكل بيانات باهتة حزبية،وكتابات سطحية –في الغالب –من بعض كتاب لا يملكون تقنية التحليل والاستنتاج..
واقتراح الأفكار الملائمة..بقدر ما يعبرون عن مشاعر تنتابهم، وتفيض في وجداناتهم؛ بمناسبة يرون فيها تميزا وانعطافة في تاريخ النضال السياسي الكردي في سوريا..
سواء من حيث الشكل الذي تمت به الممارسة،أو بالنتائج التي أفرزته عبر اعترافات من أعلى هرم السلطة بالوجود الكردي القومي والسياسي..-وهم في ذلك محقون-.!
واقتراح الأفكار الملائمة..بقدر ما يعبرون عن مشاعر تنتابهم، وتفيض في وجداناتهم؛ بمناسبة يرون فيها تميزا وانعطافة في تاريخ النضال السياسي الكردي في سوريا..
سواء من حيث الشكل الذي تمت به الممارسة،أو بالنتائج التي أفرزته عبر اعترافات من أعلى هرم السلطة بالوجود الكردي القومي والسياسي..-وهم في ذلك محقون-.!
كنت آمل ان أن تبادر الأحزاب الكردية في سوريا الى مبادرة تتمخض عن تشكيل هيئة من المثقفين الحزبين والمستقلين –من ذوي التجربة، والتقنية الكتابية التعبيرية، وغزارة المعلومات ..لتناول الحادثة-12 آذار – التي فرضت نفسها كتسمية –انتفاضة –على الأدبيات الكردية الحزبية وغير الحزبية –على الرغم من محاولات غير موفقة ؛لإبقائها تحت عناوين صغيرة-فتنة،حدث- حدث دامي- أحداث القامشلي-أحداث قامشلو…الخ.
(ولا ادري لماذا قامشلو هذه.؟ فإن كانت تسمية القامشلي من القامش-النبتة التي تصنع منها بردعة الخيل،أو كانت تغطى بها الأسقف في المنازل الريفية ..-فربما تسمية ” قامش لي ” أو “قامشلي”هي الأصح والأدق ..تعبيرا عن -المكان الذي يحوي القامش-.! والبعض يعتبر كلمة قامش تركية،وهذا لا ينفي ان استعمالها كردي أيضا، ونرجح ان اللغة الكردية غالبة في أصالتها من اللغة التركية المستحدثة بمجهودات “كمالية”
أما ماذا تعني قامشلو؟
فبتقديري ليست سوى شكل تعبيري آخر، كان يرد على ألسنة بعض الناس مثلا قد يسأل أحدهم:
-أين تذهب يافلان؟
– سأذهب الى قامشلو..
وربما سرت هذه “الواو” لأنها داخلة في صيغة مختلف الكلمات التصغيرية أو التحقيرية في اللغة الكردية، ليس إلا..).فـ”محمد” يصغر الى “حمو”.
و”علي” الى “علو”.و”كمال” الى “كمو”…الخ.
والاختلاف على التسمية –بالذات- يعكس تخلف الذهنية النضالية لدى الأحزاب الكردية؛عن مسيرة الأحداث- فقد مرت أربعة أعوام حتى استقرت التسمية “انتفاضة”-هذا اذا كانت قد استقرت فعلا-.
وربما دل هذا على أن الجماهير تسبق في وعيها بالمسؤولية، واستجابتها للأحداث؛قبل بعض الأحزاب ان لم كلها..
وبمستوى عال من الشعور بالمسؤولية السياسية..! وهذا يستدعي من الأحزاب ان تعيد النظر في واقعها،وتصح الخلل في أساليبها،فهي –في النهاية –المسؤول الأول والأخير سياسيا عن جماهيرها-مهما كانت الظروف..!
وإذا استثنينا تلك الحالات المتجاوزة من حرق و تخريب..وغيرها،وهي جميعا نالت رموزا سلطوية، كانت تمثل في ذهنية هذه الجماهير تجاوزات إنسانية –معاملة مسيئة،تعذيب في دوائر أمنية،ابتزاز في دوائر…الخ..ونحن لا نؤيدها بطبيعة الحال، ولكنها طبيعية في مثل هذه الأحوال التي يهتاج فيها الجمهور..وقد حصل الأمر نفسه –في تلك المرحلة المتزامنة معها – في لبنان حيث تم إحراق بناء مؤلف من ستة طوابق يعود لوزارة الشؤون الاجتماعية… وغيره.وقد قتل البعض وجرح آخرون.
فماذا كان الموقف من الحكومة في كل من لبنان وفي سوريا..؟!
ما حصل في لبنان ان الحكومة تولت معالجة الجرحى والتعويض عن تعطيلهم..والتعويض عن القتلى…أما في الحكومة السورية فسجنت الجرحى واتخذت من جروح البعض دلالة على الاتهام بالمشاركة في الانتفاضة؛ لتسجنهم..
وسجنت كل من شارك –ولم يشارك بمجرد اعتراف تحت التعذيب،أو محاولة انتقامات اجتماعية….ومن الحط الحسن ان رئيس الجمهورية استدرك الأمر فأصدر –حينها – أمرا بالإفراج عن الكثيرين،وكانت خطوة معبرة لو أنها استمرت واستكملت..في اتجاهها..المأمول..!
مع ان هؤلاء المنتفضين لم يمدوا أيديهم الى مال، أو دار أحد من المواطنين –وفي هذا دلالة ينبغي ان تدرس كظاهرة ..- ولم يؤذوا مواطنا،ولم يمدوا اليد الى سرقة متاحة من أموال:نقدية أو عينية..!
لقد كان السلوك السياسي الراقي، يعيش في ذهنيتهم في تلك اللحظة؛ رغم صغر سن الكثيرين منهم..!!
إنها مفخرة للشعب الكردي (السوري) –وبدرجة ما للأحزاب أيضا – فهي – في النتيجة مصدر التربية السياسية أساسا..إضافة الى تطور الوعي الثقافي الذي بدا ينافس الوعي السياسي في الأحزاب؛ ما لم تتدارك أمرها، وتبدل في وسائلها: تطويرا وتوافقا للظروف المستجدة..!
غالبية الأحزاب على الساحة والتي جعلت ديدنها،تدبيج البيانات الرصينة، والمداخلات الهادئة إشعارا بمدى وعيها الحزبي..
السياسي، وكأنها نسيت ان الأدوات الحزبية الكلاسيكية لم تعد قادرة على التأثير، فكريا ونضاليا على الجماهير، في ظل وجود الإنترنت، والفضائيات، والخليوي والمواصلات السريعة..
وزيادة مستوى المعرفة بين أوساط الشعب والجماهير الكردية منه.
وليست الأحزاب وحدها هي المعنية بهذا التوضيح بل السلطات أيضا..فقد باتت وسائلها الإعلامية -غالبا – وسيلة ارتزاق لبعض المتهافتين على موائدها،ومقصورة على المرتبطين بها –طوعا أو كرها- إذ لم يعد احد يتابع هذه الوسائل ما لم يكن لقضية داخلية بحتة-مرسوم جمهوري، قرار وزاري،تعليمات بشان قضايا داخلية بحتة..وهذه حالة مؤسفة ..فبدلا من ان يثق الشعب بوسائل إعلامه،يهرب الى وسائل إعلام أجنبية..ولعل المضحك في الأمر ان تحاول جهات سلطوية ان تفرض متابعة وسائل إعلامها بالتخويف والاتهام..!!
عندما يسبق وعي الجماهير وعي السلطات-سواء أكانت تمثل الأحزاب او السلطة الحاكمة… فإن الحالة تصبح مزرية..!!
قوة متخلفة سياسيا-أيا كانت- تحتكم الى القوة المادية المباشرة، والتي بدأت الاتجاهات العالمية تختصر مهمتها في حالات خاصة جدا، قد لا يحتاجها ابدأ..كانفلات النظام أو احتلال أو ماشابه ..
المطلوب من الجميع أحزابا كردية،أحزابا عربية-سلطوية أو معارضة- سلطات..أن تمهد للبحث عن جديد -هو موجود في الثقافة البشرية المعاصرة – ولكنه يحتاج الى تخصيص وتأهيل للواقع الذي يعيشه كل مجتمع..-ودون اتخاذ هذه الخصوصية وسيلة تعطيل للحراك الاجتماعي والسياسي وفق المبادئ الأساسية لهذه الثقافة..ومن ثم إخضاع ذلك لمصطلحات أيديولوجية ذاتية تمكن لسلطات بعينها ان تفرض صيغا لا صلة لها بالواقع بقدر ما تتخذ وسيلة تحكم بها في الواقع، بأدوات غير صحيحة، وغير كفوءة، اثبت الواقع ذلك عبر انهيار المنظومات الأيديولوجية التي اعتمدت رؤى فلسفية -غلب فيها الذاتي على الموضوعي -..ودفعت البشرية من حياتها، وأعمار أبنائها، وخيرات الكون، ما كان يساعد على ان تعيش بها أكثر من بضع عقود – اذا لم نقل قرون- بمستوى عال من الرقي والرفاهية، لو أنها وضعت في خدمة الحياة البشرية دون الحروب، ودون الهدر، ودون اغتيال الطاقات..-وهي ملاحظة موجهة للقوى الحاكمة في العالم كله ..ألم تكن الحروب العالمية عبثية إذا احتكمنا الى العقل والمنطق..؟!
وأعود الى الأحزاب-الكردية خاصة- التي اعتادت ان تصدر البيانات بهذه المناسبات، أسالها:
ماذا تشكل هذه البيانات من قيمة على الواقع سوى أضعف الإيمان.؟!
.ولا اعني طلب إلغائها، بل اعني ان تكون البيانات مختصرة، معبرة، تنبه الى حدث أو أحداث معينة،ومن ثم تتبع -بدلا من ذلك- أساليب جديدة:
قراءة المعطيات والأحداث، وفهمها..
وتحليلها..
واستنتاج العبر والعظات منها..
واتخاذ ذلك وسيلة لنضال ذي طابع عملي منتج، بمعنى ما..!
والمطلوب –برأيي- هو تصرفات تعزز البيانات،وتعطيها قيمة واقعية على الأرض، كالإضراب أو التجمع السلمي،أو حتى التظاهر سلميا..إضافة الى ندوات مكثفة للتعريف بالقضية عموما وبالحدث خصوصا..والطرق على الأبواب..توزيع منشورات تتناول القضية، وتناول الحدث –أو الأحداث-..الخ.(تعزيزا للوعي عبر أنشطة مكثفة تنويريا،وفي أطر مناسبة لا تتدخل السياسة فيها مباشرة، لتستطيع الممارسة الحرة ان تفجر الطاقات، والإبداع في المجتمع على كل صعيد..!
أرى أن الانتفاضة كانت، شيئا عمليا يعكس وعي وإرادة الشعب النضالية..وبأفضل الطرق الراقية سياسيا في العالم..
لا أؤيد التخريب..لا أؤيد التهديم..لا أؤيد استفزازا مبرمجا ..
أما اذا وجدت السلطة السلوك النضالي السياسي السلمي ابتزازا فذلك شانها،وذلك تعبير عن :
– إما عدم وعيها –أو عدم اعتيادها-على الوسائل السلمية وهي المسؤولة –هنا –عن شانها.
– وإما هي واعية ولكنها ترى في ذلك وسيلة وعي لا تريدها ان تكون بين أوساط الشعب…!
وللمرة الثانية، هذا شأنها، وهي المسؤولة –أدبيا وأخلاقيا وإنسانيا..بل وسياسيا أيضا،عن مواقفها وسلوكها..فإذا شاءت ان تعيش سلطة متخلفة عن أدبيات السلوك والتفكير السياسيين المعاصرين ..فهي التي تحكم على نفسها بنفسها..وإن شاءت ان تبقى سلطة مقبولة من الشعب..
فالمطلوب الأول منها، وعي التطور الحاصل في المفاهيم والأداء السياسيين العالميين..وسواء أرضينا أم لم نرضى، فإن بعض الأفكار والثقافات تدخل خياشيمنا، ومسامات جلدن،ا بل وخلايا أدمغتنا ..-مهما حاولنا الوقوف في وجهها..!!
–هذه طبيعة الحياة..وهذه طبيعة التطور..وعلينا ان نحسن كيف نتعامل معها بما لا يضعنا في مهب الريح –ليس بوسائل سياسية أيديولوجية،إنما بوسائل ثقافية وإبداعية ضمن مناخ كاف من الحرية اللازمة ..منفتحة..
تستوعب، وتحسن التأثير عبر الاستيعاب..
فلسنا الشعوب الوحيدة التي تجاوزها التطور –رضينا بها أم لا – ولن نكون الشعوب الأخيرة أيضا..لذا فإن العيش –دوما –في الماضي وما أضفنا إليه من تخيلات؛ قد لا تكون صحيحة ..وليس هو الحل في الدخول الى العالم المعاصر..ومقتضيات العيش فيه –العولمة..
المعاصرة ..
العالم الجديد..الشرق الأوسط الجديد..الخ.
ولا اعني البتة أنني موافق على ان ترسم أمريكا للعالم ثقافتها الخاصة، وتطبع العالم بها..
ولكني اعني أن ثقافة الأقوى تكون مؤثرة –شئنا ذلك أم أبينا..وعلينا اتخاذ ما يمكننا لتفاعل بأقل الخسائر ..!
وحيدة هي الثقافة المؤثرة الفاعلة، التي تحسن الحفاظ على الخصوصية ضمن التطور الذي لا بد منه..وبالثقافة عاشت أمم أكثر من السياسة واليونانيون ربما المثل الأبلغ،بل إن الثقافة الإسلامية بلسانها العربي، ساهمت في إغناء ثقافات المحتلين في جوانب منها..
فقد تُحتلُّ بلاد عسكريا، ولكنها تَحتل مُحتليها ثقافيا-اذا جاز التعبير-.
هناك –دوما –معطيات واقعية لا يمكن تجاوزها،وإن تجاوزها لهو من الخطل والعبث ..!
ففي وجودنا –كبشر-لسنا أحرارا الى النهاية- الحرية ليست مطلقة-..بل إن حريتنا محدودة بعوامل مختلفة، علينا ان نقدرها في حسابات التعامل، والتفاعل مع الآخرين-أصدقاء وأعداء- عبر عن شيء من هذا المعنى، السيد مسعود البار زاني في مقابلة له مع صوت أمريكا –القسم الكردي –وكنت استمع إليه،قال ما معناه:
“نحن امة ظلمها التاريخ،ولسنا أقل شأنا عن الأمم العربية والتركية والفارسية..ولكننا نعيش واقعا لا بد من مراعاة معطياته..صحيح نحلم بدولة كردية مستقلة تضم الأجزاء الكردستانية كلها،ولكن الصحيح أيضا أن السياسات العالمية المهيمنة لا تريد ذلك الآن، ولا نستطيع تجاوز مشيئتها…فليرى كل جزء ما يناسبه ضمن جغرافية الدولة التي تعيش فيها، وتختار الوسائل النضالية التي تناسبها..!
(ولا ادري لماذا قامشلو هذه.؟ فإن كانت تسمية القامشلي من القامش-النبتة التي تصنع منها بردعة الخيل،أو كانت تغطى بها الأسقف في المنازل الريفية ..-فربما تسمية ” قامش لي ” أو “قامشلي”هي الأصح والأدق ..تعبيرا عن -المكان الذي يحوي القامش-.! والبعض يعتبر كلمة قامش تركية،وهذا لا ينفي ان استعمالها كردي أيضا، ونرجح ان اللغة الكردية غالبة في أصالتها من اللغة التركية المستحدثة بمجهودات “كمالية”
أما ماذا تعني قامشلو؟
فبتقديري ليست سوى شكل تعبيري آخر، كان يرد على ألسنة بعض الناس مثلا قد يسأل أحدهم:
-أين تذهب يافلان؟
– سأذهب الى قامشلو..
وربما سرت هذه “الواو” لأنها داخلة في صيغة مختلف الكلمات التصغيرية أو التحقيرية في اللغة الكردية، ليس إلا..).فـ”محمد” يصغر الى “حمو”.
و”علي” الى “علو”.و”كمال” الى “كمو”…الخ.
والاختلاف على التسمية –بالذات- يعكس تخلف الذهنية النضالية لدى الأحزاب الكردية؛عن مسيرة الأحداث- فقد مرت أربعة أعوام حتى استقرت التسمية “انتفاضة”-هذا اذا كانت قد استقرت فعلا-.
وربما دل هذا على أن الجماهير تسبق في وعيها بالمسؤولية، واستجابتها للأحداث؛قبل بعض الأحزاب ان لم كلها..
وبمستوى عال من الشعور بالمسؤولية السياسية..! وهذا يستدعي من الأحزاب ان تعيد النظر في واقعها،وتصح الخلل في أساليبها،فهي –في النهاية –المسؤول الأول والأخير سياسيا عن جماهيرها-مهما كانت الظروف..!
وإذا استثنينا تلك الحالات المتجاوزة من حرق و تخريب..وغيرها،وهي جميعا نالت رموزا سلطوية، كانت تمثل في ذهنية هذه الجماهير تجاوزات إنسانية –معاملة مسيئة،تعذيب في دوائر أمنية،ابتزاز في دوائر…الخ..ونحن لا نؤيدها بطبيعة الحال، ولكنها طبيعية في مثل هذه الأحوال التي يهتاج فيها الجمهور..وقد حصل الأمر نفسه –في تلك المرحلة المتزامنة معها – في لبنان حيث تم إحراق بناء مؤلف من ستة طوابق يعود لوزارة الشؤون الاجتماعية… وغيره.وقد قتل البعض وجرح آخرون.
فماذا كان الموقف من الحكومة في كل من لبنان وفي سوريا..؟!
ما حصل في لبنان ان الحكومة تولت معالجة الجرحى والتعويض عن تعطيلهم..والتعويض عن القتلى…أما في الحكومة السورية فسجنت الجرحى واتخذت من جروح البعض دلالة على الاتهام بالمشاركة في الانتفاضة؛ لتسجنهم..
وسجنت كل من شارك –ولم يشارك بمجرد اعتراف تحت التعذيب،أو محاولة انتقامات اجتماعية….ومن الحط الحسن ان رئيس الجمهورية استدرك الأمر فأصدر –حينها – أمرا بالإفراج عن الكثيرين،وكانت خطوة معبرة لو أنها استمرت واستكملت..في اتجاهها..المأمول..!
مع ان هؤلاء المنتفضين لم يمدوا أيديهم الى مال، أو دار أحد من المواطنين –وفي هذا دلالة ينبغي ان تدرس كظاهرة ..- ولم يؤذوا مواطنا،ولم يمدوا اليد الى سرقة متاحة من أموال:نقدية أو عينية..!
لقد كان السلوك السياسي الراقي، يعيش في ذهنيتهم في تلك اللحظة؛ رغم صغر سن الكثيرين منهم..!!
إنها مفخرة للشعب الكردي (السوري) –وبدرجة ما للأحزاب أيضا – فهي – في النتيجة مصدر التربية السياسية أساسا..إضافة الى تطور الوعي الثقافي الذي بدا ينافس الوعي السياسي في الأحزاب؛ ما لم تتدارك أمرها، وتبدل في وسائلها: تطويرا وتوافقا للظروف المستجدة..!
غالبية الأحزاب على الساحة والتي جعلت ديدنها،تدبيج البيانات الرصينة، والمداخلات الهادئة إشعارا بمدى وعيها الحزبي..
السياسي، وكأنها نسيت ان الأدوات الحزبية الكلاسيكية لم تعد قادرة على التأثير، فكريا ونضاليا على الجماهير، في ظل وجود الإنترنت، والفضائيات، والخليوي والمواصلات السريعة..
وزيادة مستوى المعرفة بين أوساط الشعب والجماهير الكردية منه.
وليست الأحزاب وحدها هي المعنية بهذا التوضيح بل السلطات أيضا..فقد باتت وسائلها الإعلامية -غالبا – وسيلة ارتزاق لبعض المتهافتين على موائدها،ومقصورة على المرتبطين بها –طوعا أو كرها- إذ لم يعد احد يتابع هذه الوسائل ما لم يكن لقضية داخلية بحتة-مرسوم جمهوري، قرار وزاري،تعليمات بشان قضايا داخلية بحتة..وهذه حالة مؤسفة ..فبدلا من ان يثق الشعب بوسائل إعلامه،يهرب الى وسائل إعلام أجنبية..ولعل المضحك في الأمر ان تحاول جهات سلطوية ان تفرض متابعة وسائل إعلامها بالتخويف والاتهام..!!
عندما يسبق وعي الجماهير وعي السلطات-سواء أكانت تمثل الأحزاب او السلطة الحاكمة… فإن الحالة تصبح مزرية..!!
قوة متخلفة سياسيا-أيا كانت- تحتكم الى القوة المادية المباشرة، والتي بدأت الاتجاهات العالمية تختصر مهمتها في حالات خاصة جدا، قد لا يحتاجها ابدأ..كانفلات النظام أو احتلال أو ماشابه ..
المطلوب من الجميع أحزابا كردية،أحزابا عربية-سلطوية أو معارضة- سلطات..أن تمهد للبحث عن جديد -هو موجود في الثقافة البشرية المعاصرة – ولكنه يحتاج الى تخصيص وتأهيل للواقع الذي يعيشه كل مجتمع..-ودون اتخاذ هذه الخصوصية وسيلة تعطيل للحراك الاجتماعي والسياسي وفق المبادئ الأساسية لهذه الثقافة..ومن ثم إخضاع ذلك لمصطلحات أيديولوجية ذاتية تمكن لسلطات بعينها ان تفرض صيغا لا صلة لها بالواقع بقدر ما تتخذ وسيلة تحكم بها في الواقع، بأدوات غير صحيحة، وغير كفوءة، اثبت الواقع ذلك عبر انهيار المنظومات الأيديولوجية التي اعتمدت رؤى فلسفية -غلب فيها الذاتي على الموضوعي -..ودفعت البشرية من حياتها، وأعمار أبنائها، وخيرات الكون، ما كان يساعد على ان تعيش بها أكثر من بضع عقود – اذا لم نقل قرون- بمستوى عال من الرقي والرفاهية، لو أنها وضعت في خدمة الحياة البشرية دون الحروب، ودون الهدر، ودون اغتيال الطاقات..-وهي ملاحظة موجهة للقوى الحاكمة في العالم كله ..ألم تكن الحروب العالمية عبثية إذا احتكمنا الى العقل والمنطق..؟!
وأعود الى الأحزاب-الكردية خاصة- التي اعتادت ان تصدر البيانات بهذه المناسبات، أسالها:
ماذا تشكل هذه البيانات من قيمة على الواقع سوى أضعف الإيمان.؟!
.ولا اعني طلب إلغائها، بل اعني ان تكون البيانات مختصرة، معبرة، تنبه الى حدث أو أحداث معينة،ومن ثم تتبع -بدلا من ذلك- أساليب جديدة:
قراءة المعطيات والأحداث، وفهمها..
وتحليلها..
واستنتاج العبر والعظات منها..
واتخاذ ذلك وسيلة لنضال ذي طابع عملي منتج، بمعنى ما..!
والمطلوب –برأيي- هو تصرفات تعزز البيانات،وتعطيها قيمة واقعية على الأرض، كالإضراب أو التجمع السلمي،أو حتى التظاهر سلميا..إضافة الى ندوات مكثفة للتعريف بالقضية عموما وبالحدث خصوصا..والطرق على الأبواب..توزيع منشورات تتناول القضية، وتناول الحدث –أو الأحداث-..الخ.(تعزيزا للوعي عبر أنشطة مكثفة تنويريا،وفي أطر مناسبة لا تتدخل السياسة فيها مباشرة، لتستطيع الممارسة الحرة ان تفجر الطاقات، والإبداع في المجتمع على كل صعيد..!
أرى أن الانتفاضة كانت، شيئا عمليا يعكس وعي وإرادة الشعب النضالية..وبأفضل الطرق الراقية سياسيا في العالم..
لا أؤيد التخريب..لا أؤيد التهديم..لا أؤيد استفزازا مبرمجا ..
أما اذا وجدت السلطة السلوك النضالي السياسي السلمي ابتزازا فذلك شانها،وذلك تعبير عن :
– إما عدم وعيها –أو عدم اعتيادها-على الوسائل السلمية وهي المسؤولة –هنا –عن شانها.
– وإما هي واعية ولكنها ترى في ذلك وسيلة وعي لا تريدها ان تكون بين أوساط الشعب…!
وللمرة الثانية، هذا شأنها، وهي المسؤولة –أدبيا وأخلاقيا وإنسانيا..بل وسياسيا أيضا،عن مواقفها وسلوكها..فإذا شاءت ان تعيش سلطة متخلفة عن أدبيات السلوك والتفكير السياسيين المعاصرين ..فهي التي تحكم على نفسها بنفسها..وإن شاءت ان تبقى سلطة مقبولة من الشعب..
فالمطلوب الأول منها، وعي التطور الحاصل في المفاهيم والأداء السياسيين العالميين..وسواء أرضينا أم لم نرضى، فإن بعض الأفكار والثقافات تدخل خياشيمنا، ومسامات جلدن،ا بل وخلايا أدمغتنا ..-مهما حاولنا الوقوف في وجهها..!!
–هذه طبيعة الحياة..وهذه طبيعة التطور..وعلينا ان نحسن كيف نتعامل معها بما لا يضعنا في مهب الريح –ليس بوسائل سياسية أيديولوجية،إنما بوسائل ثقافية وإبداعية ضمن مناخ كاف من الحرية اللازمة ..منفتحة..
تستوعب، وتحسن التأثير عبر الاستيعاب..
فلسنا الشعوب الوحيدة التي تجاوزها التطور –رضينا بها أم لا – ولن نكون الشعوب الأخيرة أيضا..لذا فإن العيش –دوما –في الماضي وما أضفنا إليه من تخيلات؛ قد لا تكون صحيحة ..وليس هو الحل في الدخول الى العالم المعاصر..ومقتضيات العيش فيه –العولمة..
المعاصرة ..
العالم الجديد..الشرق الأوسط الجديد..الخ.
ولا اعني البتة أنني موافق على ان ترسم أمريكا للعالم ثقافتها الخاصة، وتطبع العالم بها..
ولكني اعني أن ثقافة الأقوى تكون مؤثرة –شئنا ذلك أم أبينا..وعلينا اتخاذ ما يمكننا لتفاعل بأقل الخسائر ..!
وحيدة هي الثقافة المؤثرة الفاعلة، التي تحسن الحفاظ على الخصوصية ضمن التطور الذي لا بد منه..وبالثقافة عاشت أمم أكثر من السياسة واليونانيون ربما المثل الأبلغ،بل إن الثقافة الإسلامية بلسانها العربي، ساهمت في إغناء ثقافات المحتلين في جوانب منها..
فقد تُحتلُّ بلاد عسكريا، ولكنها تَحتل مُحتليها ثقافيا-اذا جاز التعبير-.
هناك –دوما –معطيات واقعية لا يمكن تجاوزها،وإن تجاوزها لهو من الخطل والعبث ..!
ففي وجودنا –كبشر-لسنا أحرارا الى النهاية- الحرية ليست مطلقة-..بل إن حريتنا محدودة بعوامل مختلفة، علينا ان نقدرها في حسابات التعامل، والتفاعل مع الآخرين-أصدقاء وأعداء- عبر عن شيء من هذا المعنى، السيد مسعود البار زاني في مقابلة له مع صوت أمريكا –القسم الكردي –وكنت استمع إليه،قال ما معناه:
“نحن امة ظلمها التاريخ،ولسنا أقل شأنا عن الأمم العربية والتركية والفارسية..ولكننا نعيش واقعا لا بد من مراعاة معطياته..صحيح نحلم بدولة كردية مستقلة تضم الأجزاء الكردستانية كلها،ولكن الصحيح أيضا أن السياسات العالمية المهيمنة لا تريد ذلك الآن، ولا نستطيع تجاوز مشيئتها…فليرى كل جزء ما يناسبه ضمن جغرافية الدولة التي تعيش فيها، وتختار الوسائل النضالية التي تناسبها..!
ويبدو ان هذا الاتجاه هو السائد في الثقافة السياسية الكردية الآن.