وتستمد هذه الجريمة أسبابها، إضافة إلى دافع الانتقام والحقد الشوفيني، من محاولات السلطة لافتعال الحدث المطلوب لتبرير تطبيقات حالة الطوارئ، وتحويل اتجاه الاحتقان السائد نتيجة تعميق أزمة النظام وعزلته الخارجية والداخلية، وتفاقم الوضع المعاشي، وتفشي الغلاء واتساع دائرة الفقر وخداع الرأي العام الوطني، وإيهامه بوجود خطر كردي مزعوم، إضافة إلى محاولة النيل من الحضور الكردي في إعلان دمشق بعد أن نفذت ولا تزال حملتها القمعية ضد كوادر ورموز الإعلان من المكونات السياسية الأخرى، وتوجيه رسالة إلى القوى والفعاليات الوطنية وأنصار الديمقراطية وحقوق الإنسان في البلاد مفادها إن القمع هو مصير أي تحرك او نشاط ديمقراطي معارض للنظام ومطالب بالتغيير المنشود .
أمام هذه الجريمة ودوافعها والظروف المحيطة بها والتداعيات التي يمكن أن تترتب على ارتكابها، أجمعت الحركة الكردية في سوريا على ضرورة التحرك بشعور عال من المسؤولية لتفويت الفرصة على مراميها التي نعتقد أنها سعت لجر الجانب الكردي إلى القيام بأعمال غير محسوبة قد تدفع باتجاه تهديد السلم الأهلي، مثلما حصل بشكل ما في عام 2004 وأرادت السلطة تكراره عبر تحريك الميلشيات البعثية في شوارع القامشلي ليلة 22 آذار 2008 ، ومن هنا جاء قرار الحركة بإلغاء احتفالات نوروز هذا العام حداداً على أرواح الشهداء واستنكاراً لهذه الجريمة النكراء وتجنبا لفتنة جديدة ستكون نتائجها خطيرة على الوطن، وعلى أواصر التعايش المشترك بين الكرد وبقية المكونات، التي يتم تعبئة قطاعات واسعة منها وتشحينها ضد الحركة الكردية من خلال استثمار أعمال وشعارات غير مسؤولة، تشجعها السلطة أصلا لتشويه حقيقية وعدالة القضية الكردية، ولتشكك بها في الولاء الوطني الكردي …
ولما كانت هذه الجريمة تعني الشعب الكردي في جميع مناطق تواجده، فإن الحركة الكردية رأت أن يكون الحداد شاملاً لتأكيد المشاعر الوطنية الموحدة والالتزام العام بقضية واحدة، وتجنب ردود أفعال من جهة، وقطع الطريق أمام ذرائع الأجهزة الأمنية في ارتكاب جرائم أخرى مفتعلة، من جهة ثانية، كما أن هذه الحركة تعتقد إن التآمر لا يزال مستمراً وان السلطة لا تزال تصر على التعامل مع الشأن الكردي بالاستهتار والقمع، بدلاً من الحوار والتفاهم، ومن هنا، فإنها تتحرك باتجاه فضح هذه الجريمة على مختلف المستويات، وتدعو إلى إجراء تحقيق عادل لمحاسبة المسئولين عنها، وتعتبر أن الرد المناسب عليها هو تصعيد النضال الديمقراطي السلمي، وتعريف الرأي العام الوطني السوري بالحقيقة الكردية وتوسيع قاعدة الانفتاح على المكونات الأخرى القومية والسياسية والدينية لانجاز هذه المهمة الضرورية، وتطوير عمل قوى إعلان دمشق وتفعيلها لتحقق أهدافها في التغيير الديمقراطي السلمي، الذي تؤكد مثل تلك الجرائم ضروراته، وتزداد الحاجة له كل يوم، خاصة بعد أن تصاعدت التحديات الداخلية، وتعمّقت الأزمة الاقتصادية التي يمكن أن تؤثر في الاستقرار الأمني والاجتماعي والسياسي ، حيث ارتفعت نسبة البطالة إلى 20% وارتفعت معها نسبة الفقر المدقع إلى 11% من السوريين اللذين يعيشون تحت مستوى الفقر، وترتفع هذه النسبة في بعض المناطق إلى 50% ، وإذا كانت الحكومة لا تزال تتردد في رفع الدعم عن المازوت، فان الارتفاع الجنوني للأسعار سبقها في ذلك، إضافة الى تراجع الإنتاج البترولي من 600 إلى 400 ألف برميل يوميا، مقابل ارتفاع الطلب على الطاقة، حيث يتجاوز الاستهلاك معدلات نمو الإنتاج الإجمالي من الطاقة .
وإذا كانت هناك بعض الأسباب الموضوعية الخارجية التي تسهم في استشراء الغلاء، مثل ارتفاع أسعار النفط واليورو والتحولات التي تصيب تجارة المواد الغذائية، خاصة القمح عالمياً، فان استمرار وتفاقم حالة الفساد ونهب المال العام واحتكار الثروة يلحق أضراراً بالغة بالاقتصاد الوطني ويشكل المزيد من الضغوط على كاهل المواطنين ويبعدهم عن الشأن العام لينغلقوا على التفكير، ليلاً نهاراً، بحاجاتهم المعيشية .
وعلى المستوى الدولي والإقليمي، فإن انعقاد مؤتمر القمة العربية العشرين في دمشق، بمواصفات ومستويات مشاركة منخفضة وتحضيرات لا توفر فرصا للنجاح في أعماله، سوف تكون له تداعيات، قد تمهد لصياغة نظام إقليمي جديد، وتسفر عن جولة جديدة من الصراع، لان غياب دول مثل السعودية ومصر والأردن وغيرها من الدول الموصوفة بالاتزان، وتباين التمثيل والحضور بين دول الخليج، وغياب لبنان ودعوته لاجتماع وزاري خاص لمناقشة الخلاف مع سوريا التي لا تزال ترفض المحكمة الدولية، وتهدد بعدم الرضوخ لمطالبها، وكذلك ترفض ترسيم الحدود والتبادل الدبلوماسي، وتمتنع عن تسهيل مهمة انتخاب رئيس جديد، كلها أمور في غاية الأهمية، وسوف تكون لها بعد القمة تأثيرات على موازين القوى، وقد تدخل إسرائيل على هذا الخط لاستثمار هذا الارتباك في التضامن العربي الذي يشهد أدنى مستوياته على الإطلاق لمواصلة مساعيها من أجل إقناع الإدارة الأمريكية لفتح باب التفاوض مع سوريا، وتحويل مكانه إلى موسكو، لأنها ترى في عزلة النظام في سوريا، التي ستزداد عربياً ودولياً بعد القمة، فرصة لتحسين شروط هذا التفاوض الذي تدخل أهدافه في إطار فك ارتباطه بالنظام الإيراني، وإلغاء الدور السوري اللوجستي كحلقة وصل بين إيران وحزب الله، والى حد ما حركة حماس، خاصة بعد أن تراجعت مراهناتها على القوة العسكرية بعد حرب تموز 2006.
أما على الصعيد العربي، فان السياسية السورية المعتمدة قبل القمة والقائمة على التحالف مع إيران المتهمة من دول الاعتدال العربي بأنها تقحم نفسها كشريك طامع غير مقبول في شؤون بلدان عربية أخرى، لا تستطيع أن تنقذ القمة من الفشل، ويبدو أن السلطة السورية، التي لا يهمها في القمة سوى مجرد انعقادها، سوف تحاول تحويل الاهتمامات العربية عن القضية اللبنانية باتجاه القضية الفلسطينية التي أصبحت، بالنسبة للأنظمة الساعية إلى الهرب من مسؤولياتها الوطنية والإقليمية الملحّة ملجأً للتهرّب وساحة للمناورة وورقة للضغط، وسوف يكون من شان الفشل الذي تميزت به القمة تعميق الشرخ في مفهوم التضامن العربي، ولذلك يبقى لبنان بأزمته المستعصية مرشحاً لمزيد من الاحتقان وتصفية الحسابات الإقليمية، خاصة من جانب إيران التي تنظر بعين القلق إلى ما يجري الآن في بغداد وجنوب العراق من إصرار عراقي على تصفية المليشيات المرتبطة بطهران، بإسناد أمريكي، وكذلك ما جرى قبل أيام في كردستان العراق من انسحاب الجيش التركي بضغط أمريكي واضح وتصميم كردي عراقي على وقف عدوانه.
وفي الحالتين فان التصدي للنفوذ الإيراني يبقى الهدف الأكثر إلحاحاً، فجيش المهدي بات يشكل الرهان الأساسي للتدخل الإيراني في شؤون العراق الداخلية، ولم يعد بإمكان الحكومة العراقية إثبات شرعيتها ومعاني وجودها بسيطرة هذه الميلشيات على البصرة وغيرها، وتحكّمها بتهريب النفط، كما أن الانسحاب المهين للجيش التركي لم يحدث لمجرد المقاومة التي أبداها مقاتلو PKK ، بل كذلك نتيجة لتصميم برلمان وحكومة إقليم كردستان على المقاومة وضغط الإدارة الأمريكية وخشيتها من أن يلحق العدوان التركي أضراراً بسياستها الرامية لتشجيع تركيا لإيجاد حل للقضية الكردية هناك، بعيداً عن PKK الذي تعتبره عدواً مشتركاً، في حين تدعم فرعه الكردستاني في إيران PJK للضغط على نظام طهران في إطار الصراع الأمريكي الإيراني، كما تدخّلت المصلحة الاقتصادية، كعامل هام، في إنهاء الأزمة عسكرياً، فتركيا لها مصالح متشعبة مع إقليم كردستان إذ تعمل فيه نحو 670 شركة تركية، وينعكس ذلك على انتعاش المناطق الكردية في تركيا اقتصادياً، ولعبت في ذلك أيضاً المحاولات التركية لترطيب الأجواء مع الاتحاد الأوربي لإبراز الالتزام بمعايير الانضمام إلى صفوفه، والتي تتعلق بعضها بالقضية الكردية حيث تم رفع الحظر نسبيا بموجب ذلك، عن اللغة الكردية، وهناك دراسة لفتح قناة فضائية كردية مرخّصة، مما يشير إلى تزايد فرص التعامل السياسي مع القضية الكردية في تركيا، خاصة بعد التجربة العسكرية الفاشلة في جبال كردستان العراق بضوء أخضر من البرلمان التركي، مما قد يؤدي إلى ارتفاع الأصوات المطالبة بضرورة تراجع الجيش إلى الثكنات وعدم التدخل في الشأن السياسي، وإفساح المجال أمام إصلاحات اقتصادية ودستورية يسعى حزب العدالة والتنمية لإجرائها .
وعلى صعيد الحركة الكردية في سوريا، فإنها باتت مطالبة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بمراجعة مسئولة لشروط العضوية فيها وبتوحيد خطابها السياسي والعمل على توحيد نضالاتها، والبحث عن قنوات اتصال مع كافة المكونات الشريكة، لتفويت الفرصة على السياسية الشوفينية التي أثبتت قدرتها على حقن الأجواء السياسية بالشكوك والقلق وعدم الثقة، وكذلك على محاولات تحويل الاهتمامات إلى خارج دائرة الخصوصية الكردية السورية، ولذلك فقد كان قرار الهيئة العامة في التحالف والجبهة صائباً في الاتصال مع مختلف الفعاليات الاجتماعية والدينية والثقافية، إضافة إلى القوى السياسية داخل الجبهة الحاكمة وخارجها، لإعلامها بأن السلطة، ومن خلال جريمة نوروز الأخيرة، أكّدت أن خيارها في التعامل مع الشأن الكردي هو القتل والقمع، بدلاً من الحوار المسئول، وذلك لتوسيع مساحة التعريف بالقضية الكردية وشجونها وأهدافها وحقيقة ما تجرى وتحاك من فتن وتآمر منذ آذار 2004 لإجهاضها والسعي لانتزاع الاعتراف بالوجود والدور والحقوق الكردية، وتوسيع دائرة القرار السياسي الكردي، عبر إشراك ممثلي الفعاليات الكردية المستقلة على كافة الصعد، وتطوير تجربة المجلس العام للتحالف الديمقراطي الكردي في سوريا، ومواصلة جهود التنسيق داخل الأطر القائمة وخارجها للسير بخطى موزونة نحو عقد مؤتمر وطني كردي لإنجاز مهمة بناء ممثليه كردية تواصل مهام الدفاع عن القضية العادلة لشعبنا الكردي في سوريا.
في 30/3/2008
اللجنة السياسية