الإدارة الأمريكية وكرد العراق هل انتهى شهر العسل ؟؟

    عمر كوجري

           رغم التهويش والتهويل الذي قام به بعض الإعلام العربي في إثارة الموضوع الكردي، بخصوص العراق، والذي تجلى في إلصاق تهمة سير الكرد في الركب الأمريكي، وامتطائهم «دبابة المحتل» وتوافق المشروعين عند نقطة إزالة النظام العراقي السابق، إلا أن كرد العراق لم يدخلوا في معركة تحرير العراق بصورة مباشرة، ولم يقدموا دعماً لوجستياً لقوات التحالف الدولي الذي جاء إلى المنطقة بدعوى امتلاك النظام البعثي لأسلحة الدمار الشامل، ووجوب إزالته لخطره على السلم والسلام في المنطقة والعالم.
الكرد على الحياد الإيجابي:

       لم يفتح الكرد إقليمهم لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة رغم إغلاق تركيا لسمائها وأرضها في وجه تلك القوات، وبقي الكرد على موقف الحياد مع أنهم باركوا بهذا الشكل أو ذاك تصميم المجتمع الدولي على التخلص من صدام حسين الذي دب الرعب والقتل والتنكيل بحق الشعب العراقي والجوار عموماً، وبحق الكرد على وجه التحديد  لأكثر من ثلاثة عقود.
      ربما تلاقت المصلحة الكردية في كردستان العراق مع أمريكا «وليس مشروعها» إبان الهجرة المليونية التي تعرض لها الكرد في أوائل التسعينات من القرن الماضي، واستصدار قرار من مجلس الأمن، وبضغط أمريكي بتشكيل منطقة جغرافية يحرم على الطيران العراقي بالتنزه فوقه، وأيضاً بتقديم المجتمع الدولي برئاسة الولايات المتحدة لمعونات إنسانية للكرد المهجرين من قراهم وقصباتهم، والذين تعرضوا لحملة إبادة منظمة من الجيش العراقي الذي كان يتعقب فلولهم التعبة من أطفال وشيوخ ونساء حتى مشارف الحدود بين تركيا والعراق في الجبال، والترسيمة الجغرافية الجديدة شكلت منطقة آمنة للكرد، وشعروا بالأمان للمرة الأولى منذ سنوات طويلة.

وقد استمر ذلك طيلة الحصار الدولي على العراق، وانسحاب الموظفين العراقيين بأمر من صدام شكل لحظة تاريخية للكرد ليقرروا مصيرهم بعيداً عن الإرهاب.

  الأجندات المستجدة والمصالح: 

      اليوم، وبالتأكيد الأجندات تختلف، فأمريكا لم تأتِ إلى المنطقة كرمى لعيون أي طرف إنما ما يحركها مصالحها الاقتصادية، والاستراتيجية في المنطقة، وبالتالي صار على الكرد أن يعرفوا جيداً مالهم وما عليهم، وصار عليهم أن يتقنوا اللعبة بإتقان، ليكون لهم دور في مسرح الأحداث المتلاطمة في المنطقة وإلا ضاعوا بين الأرجل « كما يقول المثل الكردي»
اليوم، أمريكا تغلِّب مصالحها على كل العلاقات الودية، والدليل أنها انضمت إلى القافلة التركية العسكرتارية التي تدعو إلى القضاء على حزب العمال الكردستاني قضاء لا قومة له بعدها، وبالتالي القضاء على الحلم الكردي في كل مكان، وعلى وجه التخصيص في كردستان العراق أي أن كرد العراق هم أيضاً مرشحون إذا تغيرت الظروف قليلاً لتغض أمريكا الطرف عنهم، وتتخلى عنهم لصالح حكومة عراقية تقدم للمشروع الأمريكي إمكانية الديمومة، والنجاح في المنطقة، وربما هذا التخوف حدا بالحكومة الكردستانية في كردستان العراق لتطلب من أمريكا ضمانات مكتوبة فيما يخص الشأن الكردستاني، والعديد من الاتفاقيات التي لا تقبل تصريحاً من بوش أو أحد إدارته حول أن الكرد في العراق في أمان، وأمريكا لن تتجاوز موضوع حمايتهم وحماية مصالحهم في ضوء ما يلوح في الأفق بأن مشروع الحل التركي العسكرتاري لمعاقبة حزب العمال ما هو إلا لعبة مكشوفة ورخيصة تمارسها تركيا لتضحك على ذقن المجتمع الدولي، والمطلوب الحقيقي ليس حزب العمال بل المشروع الكردستاني في كردستان العراق، وإحباط، وتخريب تجربته الديمقراطية التي ازدهت بفعل دماء الشهداء.

 كوندي القارصة والرئيس الحكيم:

      واليوم تأتي الآنسة كوندي وزيرة الخارجية الأمريكية إلى كركوك في زيارة غير معلنة، وتصرح للإعلام بأن لأمريكا وتركيا والعراق مصلحة كبرى في دحر العمال الكردستاني وتبارك بصلافة توغل الجيش التركي إلى عمق أراضي كردستان العراق، هذا التوغل الذي أحدث قلقاً كبيراً في نفوس أبناء المنطقة الذين هجروا مناطقهم أملاً بمناطق أكثر أماناً، وفي هذا التوقيت الشتائي السيء، وتتباهى القيادة التركية أمام المجتمع الدولي بأن أمريكا هي التي أعطت الضوء الأخضر للتوغل التركي الأخير، والذي لا نتوقعه أخيراً.
 وكما كان متوقعاً، فقد وصف الرئيس مسعود البارزاني عملية الجيش التركي الأخيرة بالوحشية والجبانة، وألغى لقاءه المرتقب مع سيدة الدبلوماسية الأمريكية احتجاجاً على تصريحاتها بشأن المستجد على ساحة الصراع بين تركيا والكرد عموماً، وفكَّر كعادته بعقلية واعية مدركة لكل الأخطار في وقت يتهافت رؤساء على عيار كبير من الأهمية طلب ودِّ السيدة الأمريكية.
إذاً:  يبدو أن أمريكا تفضل صداقة الجونتا التركية على حساب الكرد، وهذا مكمن الخطأ الفاحش في إدارتها لمصالحها في المنطقة.

إذ ما يمكن أن يلعبه الكرد في المرحلة المقبلة حسب تقديري يفوق على ما ستلعبه تركيا المفلسة، والتي تنوء تحت ضغط اقتصاد متهاوٍ، وتهافت غير مجد على الكعكة الأوربية، واستجداء مخز من الكونغرس الأمريكي لطي ملف مذابح الأرمن، وكذلك تصاعد النضال على الساحة الكردية ضد المشروع التركي العنصري والقاضي بتركيا «التركية الصرفة والخالصة» … ومشاكل لا حصر لها.
      هل بدأ شهر العسل بين القيادة الكردستانية، والإدارة الأمريكية بالزوال والأفول ؟؟ وهل بدأت النحلة الأمريكية تقرص بدلاً من إنتاج العسل في وقت تدار المنطقة على صفيح ساخن لا أحد يدري ، ويخمن كيف ستستقر الأمور؟؟ في ظل تحديات حقيقية على ماتؤول إليه الأجندات، والخرائط، ومشاريع المنطقة عالمياً وإقليمياًَ، وتضارب المصالح، والاستراتيجيات.
  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…