إطمئنوا…. وطمئنونا عنكم*……!

إبراهيم اليوسف
 

لا أخفي سرّا ً، إنني صعقت، على نحو استثنائي ، مروّع ، وأنا أقرأ نصّ الوثيقة التي نشرت على بعض مواقع الأنترنت1(متمنّيا ً في قرارتي أن يكون ما قرأته مفبركاً لا حقيقياً) وكيف لا، وهو ينصّ صراحةً، وتحت توقيع السيد وزير الدفاع السوري ، على إن رئيس الموساد الإسرائيلي قد زار  كردستان ، والتقى في مقرّ رئاسته بالكرد، وإنه أحضر معه أجهزة هاتف خلوية ، مرتبطة بالقمر الصناعي الإسرائيلي ، وقد تعمل هذه الهواتف حتّى في وضع الإغلاق ، وإن عناصر حزبي يكيتي والاتّحاد الديمقراطي  الكرديين ،سيتولون مهمّة إدخالها إلى أراضي بلدنا، سوريا ، ومن هنا فإن الوثيقة تهيب بضباط الجيش أن يتيقظوا ويتنبهوا لذلك ، خاصة وإن قوى عسكرية محدّدة ، تسميها الوثيقة مستهدفة، في النهاية……!
قبل أن أناقش هذه الوثيقة ، أتمنّى ثانيةً ، وثالثةً، بل ومليون مرّة ، ألا تكون هذه الوثيقة صحيحة ، خاصة وأن لها أبعاداً جدّ مؤلمة وطنياً ، وإن من شأنها أن تفتك- للأسف- بعرى العلاقة التاريخية بين أبناء البلد الواحد،   وتقرع أجراس الخطر ، واضعةً الكرديّ ، ضمن دائرة الرّيبة والشّك ّ، وهو انتقاص كبير لوطنيته التي لا غبار عليها ، ولتفتح الأبواب أمام كلّ مغرض ضدّه ، كي ينظر شزرا ًإليه ، ويكون مادة ًومحوراً لتقارير شفاهية ، أو مكتوبة ، مهدداً  بالأذى ، والمساءلة- وما أمرّهما حين يكون المرء بريئاً….!- مظلوماً ، مكذوبا ًعليه ،وهو بالتالي ما سينعكس على العلاقة الجوهرية بين الفرد وأخيه ، في ساحات الوغى، أو الثكنات العسكرية، لتتوسع إلى الشارع السوري، مع إنّهما – معاً- كتفاً إلى كتف- و يدافعان- ومعهما كل أبناء بلدهما ، عن تراب الوطن الغالي……!
أؤكّد أنّ أعداء بلدنا لا يألون جهداً في التربص بنا أجمعين، وإن أجهزة الموساد المشار إليها في الوثيقة ، هدفها الأول والأخير زرع البلبلة والفتنة بين أبناء البلد الواحد، وذلك ربّما من خلال إطلاق الإشاعة، عبر أزلامها، لتحقيق مآربها ، وتقويض العلاقة الوطنية المنشودة ، التي يصبو كلّ وطنيّ غيور لأن تكون في صورتها الأبهى، ولاسيّما إن سيادة رئيس الجمهورية د .

بشار الأسد، وعبر مقولته الشهيرة التي قالها في الحادي من أيار 2004 ، لوأد دابر الفتنة  ضدّ الكرد، والتي كانت صفعة ًعلى وجه كلّ من خطّط من أجل استمراراستمراء نهش لحم الكرديّ- حفيد صلاح الدين الأيوبي وإبراهيم هنانو- لخلخلة أيّ رباط وطني جامع ..!  
 
طبعاً إن “صفحة” الكردي في سوريا “بيضاء” ناصعة، وطنياً، تدعو للفخار ، إذ لا شائبة تشوبها البتّة، والكرديّ دافع عن تراب بلده ، في كلّ المراحل والعصور ، ولا أريد أن ألجأ إلى استعراض أسماء الأبطال   الوطنيين الكرد الذين دافعوا عن ثرى بلدهم، بل وفي فلسطين، ولبنان، والعراق، جنباً إلى جنب مع سائر الوطنيين، كي تصنع دماؤهم ملاحم وأسفاراً رائعة من النضال، فلا توجد معركة وطنية ، إلا واستبسل فيها الكردي على أحسن صورة ، بل و لم يكشف التأريخ عن مجرّد حالة “خيانية” من قبل الكردي، مضرب المثل لدى كل قادته العسكريين ، وهناك آلاف الأمثلة المشرّفة في الذاكرة الوطنية السورية، سمعها السوريون خلال العقود الماضية من عمر الجيش السوري……!
 
      وما دام أن الكردي ، ابن المكان، وحاميه ، فهو- في المقابل – لم يتوان عن المطالبة ، بكامل حقوقه ، غير منقوصة ، ضمن حدود بلده، غير مستقو بأحد، معتمداً دوماً على مشروعية مطلبه الذي هو وطني، في صميمه……!
ومن المؤلم ، هنا، أن يخشى الكرديّ- مرةً أخرى- وهو يحمل البندقية ، يخدم علم وطنه ، من أن يبطش به غدراً، من الوراء ، وينظر إليه كجاسوس ، مزروع ، منقوص الانتماء ، وهو ينضح بسالةً ، ووفاء، وحبّا ً لأهله وبلده، من أقصى سوريا إلى أقصاها ، لأن مصيره مرتبط بمصائر أبناء سوريا ، وإنّ رصاصة الإسرائيلي ، لا تميز- أخيراً- بين أحد منهم البتة دون غيره…………!ً 
 
أجل، إن المصلحة الوطنية العليا لتتطلب من أولي الأمر – في بلدنا- لتناول الأمر بحكمة كبرى- لتفويت الفرصة على الأعداء الحقيقيين، ولمنع إنجاح المخطط اللئيم ضدّ أبناء سوريا أجمعين، فما أصعب على الأسرة الكردية أن ترسل فلذة كبدها إلى خدمة العلم ، وهي خائفة عليه ، ليس من عدوه، بل من أخيه في الخندق الواحد……..!
 
وأخير اً، أؤكّد من موقعي كصحفي كرديّ سوريّ، أنه لايمكن للكردي أن يخون وطنه، ويكون أداة تجسس لأعداء بلده، وهو ما يرتّب على أخوته في الوطن إعادة النظر في أسئلته الملحّة، التي لا تتقبل التسويف ، بكلّ جوانبها ورفع الظلم التاريخي عنه، قوميّاً، وسياسّياً، وثقافيّاً، واجتماعّياً، كابن حقيقيّ منتم إلى هذا المكان…..

مكانه………كما هو مكان شركائه……!
 
   ومن هنا، فإنّ مهمّة الدّفاع عن حقّ الكرديّ ، لتقع في المقام الأول على كاهل شقيقه العربي- ما دام أن الكردي لم –  ولن –  يقصّر في الذّود عن شقيقه البتّة – وهذا تحديداً –  ما من شأنه أن يكون بمثابة ضربة لمخططات أية قوى متربّصة بهما، لا تريد الخير لكليهما، بل هي تلهث في المقام الأول ، من أجل مصالحها ، لتحقق كل ما تريد على جثث كل أبناء الوطن على حد سواء ، ولنا من دروس الحاضر آلاف العبر ، فهل ننتبه……؟!
 
15-1-2008
 

* العنوان حرفياً مأخوذ من عنوان مادة للأديب الراحل ممدوح عنوان نشرها في منتصف تسعينيات القرن الماضي على صفحات جريدة “صوت الشعب ” للحزب الشيوعي السوري، مبيناً فيها موقف الكتاب الوطنيين من التطبيع الثقافي

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

بيمان حسين ما حدث في 8 ديسمبر من عام 2024، على قدر جماله وروعته، كان شيئا غير متوقع على الإطلاق. فحلم الانعتاق والتحرر من نير النظام القمعي كان حلما تطلب تحقيقه مهرا غاليا من التضحيات اللامتناهية. في أعرافنا وثقافاتنا، نربط الأشياء غير المفهومة بالقدرة الإلهية، ولكن في هذا الموضوع بالتحديد، هناك رغبات وقدرات أخرى غير إلهية كان لها التأثير الأكبر…

المهندسِ باسل قس نصر الله في زمنٍ مضى، كانتْ سوريّٞةَ تصنعُ رجالاً لا تصنعُهمُ ٱلظروفُ، بلْ يصنعونَ ٱلظروفَ ذاتَها. فارسُ ٱلخوريِّ كانَ واحداً منْ هؤلاءِ: معلماً، ومشرِّعاً، ورجلَ دولةٍ يعرفُ أنَّ الوطنَ ليسَ شعاراً يُرفعُ عندَ ٱلحاجةِ، بلْ عقدَ شرفٍ يُمارسُ كلَّ يومٍ. فارسُ ٱلخوريِّ لمْ يُعرفْ بطائفتِه ولا بمذهبِه، بلْ بسوريّتِه المطلقةِ. وقفَ في وجهِ الانتدابِ الفرنسيِّ،…

جلسة حوارية منظمة من قبل منصة ديفاكتو الحوارية حول مفهوم الإعلان الدستوري في سوريا في فندق الشيراتون . حاضر فيها الاستاذ أحمد سليمان نائب سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا والأستاذ معن الطلاع مدير قسم البحوث العلمية في مركز عمران للدراسات و بتيسير من الأستاذ خورشيد دلي بمشاركة عدد من المثقفين و المهتمين بالشأن السياسي السوري. تمحورت الجلسة حول…

إبراهيم اليوسف نيسان واعد بعد نسيان وتناس خرجت إلى السطح، ومن جديد، في أعقاب مؤتمر السادس والعشرين من نيسان عام 2025 في مدينة قامشلي، الذي شكل علامة فارقة في تاريخ الكرد السوريين، أصوات ما فتئت منذ سنوات تنفث أحقادها ضد الكرد باسم قضايا زائفة. كما اعتادت هذه الأصوات أن تختبئ وراءه. إذ لم يعد الأمر مقتصرًا على معاداة”…