العام الجديد: آمالٌ تنتظر التحقيق، وأخرى تتعثر في الطريق

جريدة الوحدة(YEKÎTÎ)

أطلّ علينا فجر عام جديد تاركاً وراءه أزمات وتعقيدات كثيرة على صعيد المنطقة كلها تنذر بمتغيرات كبرى.

ورغم أجواء التشاؤم السائدة عموماً  تبقى هناك العديد من المؤشرات التي تتعزّز من خلالها الآمال وينتصر  العقل وتسود الحكمة ويعم السلام… وفي سوريا نودّع عاماً آخر أثقلته الهموم، وفي مقدمتها هم التغيير الديمقراطي السلمي والانتقال باتجاه مستقبل سوري أفضل، لا مكان فيه للاستبداد والاضطهاد والحرمان ومصادرة الحريات، ينتهي فيه كابوس الفساد والفاسدين والمفسدين الذي أنتج غلاءً فاحشاً تفاقم بشكل خطير في العام الماضي

 

حيث ارتفعت فيه تكاليف المعيشة بأكثر من 10% مقارنة بالعام الذي سبقه، بقدر ما تدهورت فيه حرية الرأي والتعبير لدرجة احتلت فيه سوريا المرتبة 154 من بين دول العالم في الحريات الصحفية، بسبب الاستخدام الجائر لقانون الطوارئ وغيره من القوانين الاستثنائية، وتفشي أساليب القمع التي أقصتْ المواطن وغيّبت دوره وأشعرته باغتراب قاس عن الوطن وهمومه، وتلاشت آمال الإصلاح التي بقيت قيد التداول الإعلامي لفترة من الزمن شهدت خلالها جدلاً حول أولوياته الإدارية أحياناً، والاقتصادية أحياناً أخرى في محاولة للتهرب من استحقاقات الإصلاح السياسي المطلوب.

لكن أولويات الأمن ومواجهة الأخطار الخارجية كانت الابتكار الأبرز التي تفتّقت عنه عقلية السلطة، في محاولة اغتيال كل الآمال، اعتباراً من ربيع دمشق عام 2000 وحتى إعلان دمشق الذي يعيش هذه الأيام حالة ربيع آخر، استنفرت السلطة قواها القمعية والدعائية لإجهاضه، فبعد استدعاء واعتقال العشرات من أعضاء المجلس الوطني للإعلان والإبقاء على العديد منهم رهن الاعتقال، وفي مقدمتهم رئيسة المجلس الدكتورة فداء الحوراني، فإن ماكينتها الإعلامية تحاول إيهام الناس بأن سبب الاعتقال هو استقواء كوادر الإعلان بالخارج في محاولة لإثارة المشاعر الوطنية ، لكن الذي لا تدركه السلطة هو أن الحراك الديمقراطي الداخلي يشهد الآن أجواءً مشجعة، ويشهد الوعي الوطني العام تطوراً كبيراً، وأن قوى إعلان دمشق وغيرها من قوى المعارضة الداخلية تتمتع بحيوية ومناعة جيدة، وأنها مصممة على التقدم نحو تعزيز العملية الديمقراطية، وأنها أثبتت من خلال اجتماع المجلس الوطني في الأول من كانون الأول2007 بأنها القاعدة المناسبة للبديل الديمقراطي، وأن التغيير المنشود في حال إنجازه لن يؤدي إلى نشر الفوضى مثلما توحي به السلطة، بل سيساهم في بناء دولة الحق والقانون والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع مكونات النسيج الوطني السوري، بما فيها الشعب الكردي الذي أبرزَ الإعلان الموقعَ الطبيعي لقضيته القومية الديمقراطية وأدرجها بين قضايا الوطن الأساسية التي تستدعي حلاً عادلاً بعيداً عن اتهامات السلطة  لها وربطها بالخارج، تلك الاتهامات التي استخدمتها لتشويه صورة الحركة الكردية بين أوساط الرأي العام الوطني، مما تسبب في وقوعها أحياناً في مطب الانعزالية ليعود الجانب الكردي الآن من خلال إعلان دمشق للانخراط في الشأن الوطني العام ويعيد الثقة للترابط العضوي بين الديمقراطية وبين الحل العادل للقضية الكردية في سوريا، تلك القضية التي تبرّر وجودنا كحركة بكل أحزابها، مثلما تبرّر مساعينا جميعا،ً ليس فقط لتأطير نضالاتها، بل كذلك لتعميق صلاتها بالجماهير والفعاليات الكردية من خلال بناء المرجعية الكردية التي كثر الحديث عنها لكنها لا تزال تتعثر في الطريق لأسباب لم تعد خافية على أحد، تعود لإشكالات خاصة ببعض الأطراف تستمد جذورها من الصراعات الحزبية التي تجد تعبيراتها السلبية في ظاهرة المهاترات التي تخلق أجواءً مشحونة لا يمكن الحديث في ظلها عن حوار هادئ ومسؤول يكرس الثقة المتبادلة التي تعتبر شرطاً أساسياً لأي عمل مشترك، خاصة إذا كان ذلك العمل بمستوى أهمية بناء مركز للقرار الوطني الكردي ازدادت الحاجة له إثر التحديات التي أبرزتها الأحداث الدامية التي شهدتها المناطق الكردية في آذار 2004، وسارعت محاولات خلق بدائل خارجية  في المباشرة بإجراء حوارات لبنائها أثمرت عن مشروع رؤية مشتركة تصلح لتكون بمثابة برنامج عمل سياسي لتلك المرجعية التي تنبثق عن مؤتمر وطني كردي أثبتت الأحداث أن بالإمكان عقده، خاصة بعد أن نجحت تجربة إعلان دمشق في عقد مجلسه الوطني بملاك تجاوز الـ 160 عضواً بمختلف انتماءاتهم القومية والدينية والسياسية، وتمكنَ من انتخاب أمانة عامة تقود الإعلان، مما يشجع على إعادة الجهود وتجديد إرادة العمل من أجل تذليل الصعوبات أمام تحقيق هذه المهمة الوطنية الكردية التي سيكون إنجازها دليلاً على مستوى الوعي الديمقراطي الكردي وعلى جدية الحركة الكردية وعلى درجة شعورها بالمسؤولية في تحمل أعبائها الجسيمة، التي تفوق قدرة حزب أو إطار بمفرده، وعلى وفائها لأهداف شعبنا الكردي في إيجاد ممثل لإرادته ومعبّرٍ عن طموحاته ومخاطبٍ للرأي العام باسمه ولأداةٍ نضالية متطورة تحشد وتنظم طاقاته، وهو ما نتمنى تحقيقه خلال العام الجديد الذي نأمل أن يحمل معه تجديداً لإرادة الوحدة والتلاقي في الصف الوطنـي الكردي.

*-افتتاحية جريدة الوحدة (يكيتي) – العدد -173

* لقراءة مواد العدد انقر هنا    YEKTI 173

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…