بيان شخصي ضد ّالهجرة: (هنا الحسكة) في …. دمشق…!

إبراهيم اليوسف

منذ عدة أيام ، حدّثني أحد المعلمين قائلاً:
إنني لمتألم جداً، على أحد تلاميذي المتفوقين، فقد اضطرّ منذ أيام –فحسب- والعام الدراسي يكاد ينتهي ، أن يهجر مقاعد الدراسة ، ليذهب مع أسرته إلى إحدى المدن الكبيرة، من أجل تأمين لقمة العيش، وراح يصف بعض دقائق نبوغ هذا التلميذ ومدى تأثر زملائه به، وهم يودعونه…….!
أمام مثل هذا الموقف الأليم، دوماً أطلب من متحدثيّ – راجياً – ألا يتوغلوا المزيد في التفاصيل، لأنّني –حقاً أحسّ بكل سكاكين العالم ، تجتمع كي تقطع جسدي، إرباُ …..

إرباً، بيد إنني وإن فعلت ذلك ، إلا
إنني لم أفلح – قطّ – في لجم مخيّلتي, التي التصقت بها صورة ذلك التلميذ النّشيط, مستطرداً في التفكير بدرجة ألم أبويه وهما يقدمان على هذا القرار الخطير, لترك بيتهم,وربّما ليترك أبناء وبنات آخرون وأخريات لهم ، أو لغيرهم ، متفوقون  ومتفوقات، مقاعد الدراسة, كي يبقى كلّ ذلك محفوراً في بالي حتّى هذه اللّحظة التي أسكب فيها الحبر دمعات ساخنة على هذا القرطاس.

حقيقة ، ثمّة جوع حقيقي من حولنا, ولعلّ أبلغ صورة عنه, هو ما رواه لي أمس صديق شاعر, يمارس الرياضة,في الصباح الباكر,فرأى بأمّ عينيه كيف أنّ مواطناً ينبش في برميل القمامة ، يفرز بضاعته إلى أقسام، ليضعها في ذلك الصباح الباكر، و قبل استيقاظ نوّم المدينة وكسالاها، في أكياس مختلفة، لأغراض يجيد ها تماماً ، ف: الخضار لغنمته- أو بقرته – إن وجدتا والفتات وما حوله له، واللدائن والورق المقوّى وسوا هما للبيع ، بل الأمرّ من ذلك هو أن كلباً كان على مقربة أمتار من تلك الحاوية ينتظر دوره…….!
– لم لم تصوّر تلك اللّقطة ، إذاً ؟ سألت صاحبي
– يقيناً خشيت من ردّة فعل ذلك المواطن المغلوب على أمره.
هذه الصّورة كذلك ، لمّا تزل ترنّ في أذنيّ ، والمشهد لا يزال أكثر التصاقاً بالرّوح ، بيد أن الأمثلة ،  أكثر من أن تحصى، و ربّّما بتنا نتحاشى ذكر الأكثر إيلاماً منها, ولا سيّما إذا كان هناك طفل رضيع بلا حليب, أو أسرة لم يدخل إلى منزلها الرّغيف منذ أيام,أو مريض على حافة القبر ، دون دواء….!

مئات القرى في منطقة الجزيرة, باتت تفرغ -تدريجياً- من ساكنيها, الذين يتوجّهون إلى المدن الكبيرة, كي يسكنوا هناك،في أريافها أو ضواحيها ، في مخيمات, ربّما مستأجرة, دون أيّة خدمات, يعمل ساكنوها –وهم أبناء أغنى منطقة ليس في سوريا، بل في العالم العربي، و ربّما العالم كله، زراعةً، ونفطاً، ويداً عاملةً ، وطبيعة ً- هكذا مجتمعة ، مقابل تأمين الرّغيف اليوميّ, فحسب …!
وإذا كنا نتحدّث عن الهجرة الدّاخلية، فهل يجهل أحد منا أن هناك هجرة خارجية ، حيث آلاف شبابنا يهاجرون إلى الخارج ، كي يكونوا بذلك لقمة سائغة، لسماسرة مختصين ، يعملون أمام عيون الجميع ، ولهم شركاؤهم ممّن يسهلون لهم عملية الهجرة، فيقع هؤلاء الشباب المغتربون في وطنهم، ضحايا لمن يقلهم  أو يقتلهم  لا فرق – رسمياً – من المطارات ، أو عن طريق زوارق الصيد غير الصالحة للعمل ، مما يجعلنا نسمع أولا نسمع أنباءً عن غرقى جدد في كلّ مرّة ، أنباء لا تسرّ الخاطر عن كوكبة من شبابنا الذين تضيق بهم بلادهم ، بحثاً عن الدفء ، والرّغيف، والهواء، والاستقرار، في ظلّ افتقاد كلّ ذلك ، كي يصبح اسم “محافظة الحسكة” على جواز السفر، بمثابة “تهمة” لمن يحمل هذا الجواز ، وهو ما عرّضني شخصياً ولأكثر مرة للمعاملة الاستثنائية الصعبة، ككثيرين غيري، بالتأكيد ، من أبناء هذه المحافظة ،في أكثر من  مطار ، وهو معروف لكل ذي شأن…….!.

ولئلا أمضي مع الأمثلة الأكثر مرارةً ، فإنّ ثمّة طرفةً رواها لي أحد أصدقائي الظرفاء، وهي أن محافظ مدينة دمشق، اتصل مؤخراً بمحافظ الحسكة، سائلاً إياه أين أنت ؟، ليجيبه محافظ الحسكة : أنا في الحسكة، طبعاً، وعلى رأس عملي ، فردّ عليه محافظ دمشق:
 تعال، يا أخي، إلى دمشق، فكلّ محافظتك …….هنا……….!

وللحقيقة ، فإنه إزاء مثل هذا الواقع الأليم، لابدّ من تضافر جهودنا جميعاً، وبجديّة من أجل تسليط الضوء على حقيقة الواقع دون مواربة، وقد يكون في مقدم كلّ ذلك:
–  تحقيق شعار “وظيفة لكلّ عاطل عن العمل”
–  تأمين الضمان الاجتماعي لعامة المواطنين
–  فتح المعامل والمصانع في محافظة الحسكة، وإطلاق السوق الحرّة التي أوعد أحد المحافظين بها ، قبل أكثر من أربعة أعوام، على هامش اجتماع المحافظين بالسيّد الرئيس د.

بشار الأسد، وبناء على توجيهاته –- كما قال حرفياً – في حوار معه من قبل التلفزيون السوري – وارشيف التلفزيون على كل ّ
 ما أقول شهيد – كي يستفيد منها- كما قال – أربعة آلاف مواطن ، إلا أن قيادة فرع حزب البعث في الحسكة- آنذاك- وقفت ضدّ هذا القرار ،لأسباب سياسية، للأسف، وكنت قد خصصت لذلك أكثر من مقال ، نشر في جريدة قاسيون والمواقع الألكترونية
–  إطلاق الحريات العامة ، وقانوني الأحزاب والجمعيات ، والاعتراف بالكرد السوريين كثاني مكوّن رئيس في سوريا، وتأمين كافة حقوقهم .

طبعاً ، إنّ ماسبق ، وسواه ، من المطالب في ما لو تحققت ، فإنه سوف يضع حدّاً لوباء الهجرة الأليمة التي تتمّ ، كي يكون بلدنا قوياً بقوة ببنيه، يفوّت كل مؤامرة عليه، أياً كان نوعها ، وما أحوجنا إلى كلّ
ذلك……….!!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…