رقية جمعة / كاتبة ومحامية
هرب مصطفى سليمي من حبل المشنقة التي أعدها له أعداؤه. ترى كم كان عدد هؤلاء، وكم استغرقوا من الوقت؟ هل كانت سعادتهم كبيرة، وهل كانوا يغنون ويرقصون وهم يعلمون بعد الانتهاء من هذا العمل سيتم شنق بطل كان يرهبهم حتى وهو قابع في سجونهم و ما كان السبيل للتخلص منه إلا بإعدامه؟
مصطفى سليمي قد لا يكون مميزا بذاته، لكنه كان واحدا من أولئك الأبطال الكرد الذين يتميزون بالبطولة والبسالة دون الإكتراث بشيء آخر، والمطالبة بحقوق الشعب الكردي أسوة بباقي شعوب الأرض، والدفاع عنها حتى الرمق الأخير.
هو لم يطالب بأرض غيره، بل طالب بتسمية الأرض التي يحيا عليها وإخوته الموروثة من أجداده ب (دولة كردستان).
هذه الأرض التي تشمخ عليها جبال جودي وزاغروس و آرارات، وينبع منها نهرا دجلة والفرات، وسهول واسعة ترعى فيها أغنامهم. الأرض التي دفن فيها ابطال بارزان و الأنفال، وفيها أضرحة مم و زين، وفرهاد وشيرين، وشيخ سعيد بيران. الأرض التي فجرت فيها انتفاضة قامشلو المباركة ودفن فيها الشهيد فرهاد، هي ذاتها التي عاش فيها جكرخوين و أوصمان صبري وغيرهم ….
هو لا يقبل التزييف والتجنس بجنسية أخرى سوى الجنسية الكردية، وجواز سفر كردستاني يسافر به إلى دول العالم… وعندما تطالبه المطارات به عند مداخلها، يهم بإخراجه بكل فخر ويقدمه لها قائلا: هذا هو جواز سفري، وأنا قادم من دولة كردستان.
هو لا يستظل ولا يريد الإحتماء إلا بالعلم الكردستاني مرفرفا على أرضه.
مصطفي سليمي -وبعبارة بسيطة- ينظر إلى نفسه كخلقة لخالق الكون، فيجدها على هيئة إنسان، فيطالب بحقوق تليق بإنسانيته ليرتقي بها.
لكن هذه الحقوق في قوانين أعداء الإنسانية تشكل كبرى الجرائم وتستوجب أشد العقوبات عليها.
لم أقرأ دساتيرهم، ولست على معرفة بقوانينهم الغير مرئية، تلك التي توضع في غرف الاجتماع على الإجرام من قبل كبارهم. لكني أكاد أجزم أن هناك قاعدة قانونية لابديل عنها والتي تنص على:
(من طالب بحقوقه عوقب بفقد حياته).
فكان هذا ذنب مصطفى وكانت هذه جريمته وسبب اعتقاله، وهذا ما استوجب الحكم بإعدامه. وكونه لا يؤمن بقوانينهم وأحكامهم الباطلة، و إنما بعدالة قضيته استطاع النفاذ من بين أجهزة دولة بكامل حراسها وعتادها.
نعم نفذ وهرب منهم والتجأ إلى من ظنهم إخوته، من كان يدافع عنهم، احتمى بمن سجن في سبيلهم منذ قرابة عقدين من الزمن ليستمتعوا هم بالحرية، لكنه سرعان ما اكتشف أن ذلك الأخ، الملاك المفترض تحول إلى شيطان.
هنا يحاول التأكد، فيفحص نظره ويتحسس جسده ما إذا كان بكامل وعيه. يلتفت إلى الخلف يرى عدوه، و ينظر أمامه فيجد أخاه(الوجه الآخر للعدو) فيرى الحقيقة ويتيقن أخيرا أن ذاك البساط الذي دعسه للدخالة على أخيه، إنما كان ممتدا من الأعداء، ولم يكلفهم ذلك أي عناء فما كان عليهم سوى سحبه وجره إليهم.
في بادئ الأمر هو كان معتقدا بأنه قد حرر رقبته من حبل المشنقة، ولم يخطر له الطعن من الخلف بخنجر أخيه المسموم.
أكاد أجزم ثانية، بأنه لم يشعر بالألم من لف ذاك الحبل القاسي حول عنقه، ولا حتى بضيق في التنفس كلما اشتد الحبل، إنما كان يتألم من سريان السم في شرايينه من غرزة خنجر أخيه المسموم في ظهره. لأن الوجع الأكبر يستغرق و يحتضن الوجع الأخف.
مشاهدة اللحظة الاخيرة، أو مجرد تخيلها، حالة لا أتمناها لأحد سوى المسببين لها.
هو يستعيد ذاكرته البعيدة و بطولاته ويتألم لنهايته الغير عادلة، وهم يفتخرون بالنصر الموهوم ، أما الأنذال ففرحون بمكافأة أسيادهم لهم .
دخل مصطفى سليمي التاريخ من أبوابه المرحبة وأخذ له مكانة بين الأبطال والأبرار، والآخرون سقطوا فوق سقطاتهم في قاع الرذيلة الملائم لهم.
———–
المقال ينشر بالتنسيق بين موقع ولاتي مه وجريدة القلم الجديد