نوري بريمو
معظم الدلائل السياسية والتحركات العسكرية على أرض الواقع تشير إلى أنّ الولايات المتحدة الأمريكية لن تغادر لا منطقة شرقي نهر الفرات ولا شرقي البحر الأبيض المتوسط، ويبدو أنها ستتشبَّثْ بمواقعها وتعززها ريثما تستحوز مزيداً من الإستحقاقات في هذه المنطقة الإستراتيجية التي كانت وستبقى حبلى بالمشاكل والقضايا العالقة، وبناء على هكذا مؤشرات يمكننا التكهُّنْ بما قد يحصل في سوريا السائرة نحو المزيد من صفقات تقاسم مناطق النفوذ بين الأطراف (الدولية والإقليمية) المنتصرة على أنقاض ما سميَ بالـ “الربيع العربي” الذي إندلع في تونس وتمدّد نحو بلدان شرق أوسطية عديدة ليحلَّ أزمات بعضها وليُبقي على الأخرى متخبطة وسط الخلافات بإنتظار المجهول المتربِّصْ بالديار.
وبناءً عليه فمن المرجَّح أن يبحث الأمريكان عن حلفاء ميدانيين للدفاع عن مصالحهم ولمؤازرة حليفتهم إسرائيل التي تبقى تشكل موضع الإهتمام الأول لدى أمريكا التي تجد نفسها مضطّرّة في هذه الأيام لإصلاح علاقاتها التي أصابها نوع من التصدُّع الشيخوخي مع حليفتها التقدليدية تركيا التي أن كانت تُسمّى فيما مضى بـ “الشرطي الأمريكي”، وذلك في مسعى أمريكي ملحوظ للإستنجاد بتركيا ولحثها على الإصطفاف معها لمواجهة أعباء كثيرة واقعة على أمريكا وإسرائيل اللتان تبحثان عن حلفاء جدد لتعزيز جبهة التمكُّنْ من تفكيك مكوِّنات المحور الإيراني الذي يعتبره الأمريكان مصدر خطر يقلقهم ويهدّدهم، وحتى تتحقق هذه الغاية تقوم أمريكا بين الحين والآخر بإطلاق اليَدّْ الطولى للآلة العسكرية الإسرائيلية التي توجه ضربات مباغتة وموجعة للمقرات الأيرانية في سوريا ولمواقع حزب الله وباقي الجماعات المسلحة التابعة لنفس المحور، ويبدو أنّ لعبة كسب الوقت أو بالأحرى دوّامة العنف هذه قد تستمر ريثما تتحضّر الدول الحاضرة في المشهد السوري للبدء بعملية التقاسم الفعلي للكعكة السورية.
وبما أنّ التحضيرات الأمريكية قد باتت تجري في الساحة على قدم وساق، فمن الطبيعي أنْ تولي أمريكا إهتماماً ملحوظاً بالكرد كحلفاء جُدُدْ وقيد الإختبار إنْ شئنا أم أبينا!، بإعتبارهم يشكلون ثاني أكبر قومية في سوريا ولأنّ مناطقهم غنية بالثروات كالنفط والغاز والمياه العذبة وغيرها، ولكونهم شعب مسالم ويسعى لنيل حقوقه المشروعة ويبحث عن حليف لنصرة قضيته القومية ويتوق للتحرر وللعيش بأمان وينبذ الإرهاب ومستعد أنْ يكافحه أينما وُجِدْ وحيثما حلّ، وبناء عليه يبدو أنّ أمريكا محتاجة لدور كردي مؤيد لسياساتها في هذه المرحلة.
ولعلّ الشواهد الأكثر دلالة على أنّ الأمريكان لن يغادروا سوريا في الأمد القريب، هي كثيرة، أبرزها:
– التوافق مع روسيا التي يبدو أنها لاعب أساسي في إدارة الملف السوري بمعية كل من أمريكا وإسرائيل شريطة ضمان البقاء الروسي في الساحل السوري بمقابل تدجين الروس للنظام وتحييدهم لتركيا ودفعها للوقوف ضد المحور الأيراني.
– عدم ترك الشأن العراقي رغم أنه شأنٌ عصيٌّ عليهم ولكنهم يجدون أنفسهم مجبَرون على فعل ذلك لقطع الطريق البرية الممتدة بين طهران وبغداد ودمشق وبيروت.
– إبرام إتفاقية “المنطقة الآمنة” مع تركيا التي تتنفس الصعداء وتخطط لتضرب عدة عصافير بحجرة واحدة وتعطي الحق لنفسها بالزحف لداخل الأراضي السورية بعمق أكثر من 30 كم لتضمّ كافة مناطق كردستان سوريا.
– عدم التخلّي عن قوات (قسد) التي تستخدمها في الحرب ضد إرهاب داعش وغيره.
– الإصرار على لعب دور الوسيط والراعي للتقريب بين المجلس الوطني الكردي وحزب (ب ي د) وللتبعيد بين الجانب الكردي والنظام السوري.
– البدء بتشكيل مليشات مسلحة تابعة لها من العشائر العربية في جنوب الحسكة وديرالزور وحتى الحدود العراقية.
وأخيراً وليس آخراً فإنّ هذه المعطيات وغيرها من شأنها أن تعزِّز الإعتقاد السائد بأنّ الأمريكان والروس قد باتوا متفقون فيما بينهم حول ضرورة التحكم بحاضر ومستقبل سوريا، وينسقون مع جارتيها الجنوبية إسرائيل والشمالية تركيا ومع بعض الدول العربية، ويسوقون الأمور فيها كما يشاؤون وكما تشاء مصالحهم وكما يقتضيه أمنهم القومي، وهم يمضون قُدُماً في مسعاهم الجدّي لبسط نفوذهم بقوة كي يتثنى لهم أن يضربوا الإرهابيين ويقتلعوا جذور الإرهاب الذي كان وقد يبقى يهدِّد أمنهم وإستقراهم في عقر دارهم.
(26-4-2020)