الجانب الكردي وأهمية التوليف بين الذاتي والموضوعي

نـوري بـريـمـو 
أعتقد بأنّ المهتمين بالشأن السياسي في كردستان سوريا يدركون تماماً مدى أهمية الربط الجدلي والتوليف بين المقوِّمات الذاتية والمناخات الموضوعية لدى التعامل مع أية قضية كقضيتنا الكردية العالقة منذ الأزمان، لكنْ هذا لا يعني أبداً أن نحصر أنفسنا في مربّعٍ ضيق ونتقيدّ بشكل أعمى بمكيال التوازن بين الأسس المكوّنة لمختلف العوامل والمعادلات رغم أهمية ذلك، بل ينبغي أن تكون هنالك مساحة حرّة للإختيار بين الأولويات في هذا المنحى أو ذاك، وذلك تبعاً لمقتضيات المصلحة الذاتية في ظل الظروف الخارجية، وتبعاً لداوعي بروز حالات خاصة قد تتطلّب معالجة فورية قد يتم التركيز فيها على جانب ما أكثر من الآخر بهدف إبقاء آليات التوافق سارية المفعول وفي متناول اليد، على أن يكون التحكُّم بمختلف المسارات عنصراً متوفراً ضمن الإطار المحدّد والمرشد للسياسة وللتوجهات المرسومة بما يُحقق الخيارات المتاحة مع الحفاظ على الثوابت المتوافَقْ عليها خدمةً للصالح العام.
ومن هنا تبرز أهمية حفاظ الجانب الكردي على توازن العوامل التي تحدّد المسار السياسي الذي ينبغي أن ينتهجه، ففي الحين الذي تولي فيه حركتنا الكردية مسألة الدفاع عن الحقوق القومية المشروعة لشعبنا اهتمامها الرئيسي، ينبغي أن تركّز بصورة أكبر على ضرورات توفير مستلزمات القوة الذاتية وفي مقدمتها إعادة ترتيب البيت الداخلي وتعزيزه وتحصينه وتعقيم أجوائه، انطلاقاً من بديهية مفادها أنَّ العقل السليم في الجسم السليم وأنّ الهيكلية المتماسكة هي ضمانة للنجاح، بصرف النظر عن ماهية الظروف المحيطة بنا.
وبالعودة لمراجعة الذات ولدى إجراء تحليل شفاف للخطاب السياسي لحركتنا الكردية نجده يعتمد العقلانية لكونه ينطلق في نسج خيوطه من ثوابت ذاتية قومية حقوقية مشروعة، ومن إعتبارات موضوعية جيوسياسية سورية ليس بالوسع التغاضي عنها، ومن عِبَر ودروس مُستساغة من واقع الحرمان والتنكّر الذي يُعاني منه الكرد تحت وطأة سياسة شوفينية نكراء، ومن تجربة مشاركتنا العملية في تفعيل وتنشيط الحراك السوري المعارض الهادف الى إجراء تغيير لصالح كل السوريين، ولذا فإنّ التركيز على ضرورات تعزيز وتطوير إمكانياتنا الذايتة لكونها العامل الحاسم لتحقيق أهدافنا، يبقى يشكّل حجر الزاوية لعناصر القوة الأخرى المحدّدة لحراكنا السياسي الممكن والفاعل على شتى الصعد والمستويات.
من هكذا منطلق وبالاعتماد على هكذا مكيال صحيح ونافع، ينبغي أن تشهد ساحتنا الكردية السورية حراكاً جماعياً لافتاً للأنظار في مجال العمل السياسي سواءً من أجل تأطير حركتنا ضمن إطار أوسع يُراكم النضال ويقوده في هذه المرحلة الحساسة للغاية، أو لجهة تعزيز تفاهماتها كأطراف متواجدة في ساحتنا، أو بهدف تنشيط دورها وأدائها اللذان باتا لا يتلاءمان مع خدمة القضية وفق المُراد، خاصة وأنها يُفترَض بها أن تكون حركة ليبرالية ديمقراطية قادرة على قيادة أوسع القطاعات والشرائح في شارعنا الكردي ولكونها تبقى الممثل والمدافع الأول عن مصالح أبنائه الذين يتطلّعون بترقّب وتفاؤل الى ما ستقوم به من دور إيجابي  يتوافق مع هذه المرحلة المهمة من الوضع الدولي الذي أضحى يشهد مستجدات ومتغيّرات كثيرة ومتلاحقة، حيث لا شك بأنَّ شعبنا الكردي المضطهَد من حقه أن يتطلّع إلى دور دبلوماسي أكبر وأكثر فعالية لحركته السياسية، لأن ذلك من شأنه توفير مقومات الإسهام المطلوب في مسيرة الدفاع اللاّعنفي التي ينبغي أن نخوضها جمعاً في هذه الحالة السورية الممجوجة بمختلف الفُرَص والمفاجآت.
ومن باب التذكير ليس إلاّ…، فإنَّ تفعيل حراكنا تنظيمياً وسياسياً وكذلك تمتين البنيان الداخلي لمؤسساتنا، من شأنه تعزيز وتقويم مواقفنا السياسية وإعطاؤها زخماً أكبر، وهو ما يعزز في الوقت نفسه إرادة الكرد وقدراتهم على التضحية وإيمانهم بأن حركتهم قادرة أن تشكل بفعلها الإيجابي التحدّي الأكبر في الوقوف ضد غطرسة الأعداء المتربصين بقضيتنا الكردية، وهنا يحق لنا الجزم بأنّ تفعيل دور المجلس الوطني الكردي عبر حقنه بدماء حزبية وإجتماعية جديدة ومتواجدة في الساحة هو مطلب محق و نابع عن حاجة ذاتية، وهو استجابة لا بديل عنها لتطورات المرحلة ولمقومات الحراك النشط الذي يفرضه واقعنا المحفوف بالمخاطر والمعيقات، وهو يبقى يشكل العامل الأهم في رفع سوية خطابنا السياسي، في حين أنّ سرّ قوتنا وعنوان صون كرامتنا وكسب ثقة شعبنا واعتزازه بنا كحركة مدافعة عن حق قومي مشروع يكمن في توسيع وتطوير هذا المجلس الملتزم بالكردايتي والسائر على نهج البارزاني الخالد، ولدى التوصل لهكذا جبهة أوسع وأكثر فاعالية سيكون بمقدور الجانب الكردي محاورة الآخرين انطلاقاً من شرعيته في تمثيل الكرد وفق منهجية معتمدة أساساً على الجَلَد الذاتي ووفق مبدأ “مرونة في الشكل وصلابة في الجوهر” وعلى ثقة وخبرات أبناء شعبنا وشخصيته الحضارية القادرة على الصعود والإبداع في كل الظروف للتوصل إلى حل عادل لقضيتنا القومية العالقة.
وطبيعي جداً أن نتطلّع كشعب كردي في سوريا نحو تفعيل أدائنا السياسي وضرورة كسب واستثمار عامل الوقت لصالح خَيار العمل المنتج والمفيد، والتخلص من الجمود والخوف والتردد والتبعية والمراهنات بكل أشكالها وأنواعها ومن مختلف الظواهر السلبية المؤثرة على الانطلاق في مسيرة تلاقي وتوحيد الصفوف التي من شأنها إن تحققت أن تضع النظم والضوابط المطلوبة للعمل نحو مناخ توافقي متعدد، وذلك لا ولن يتم ما لم يكن الجانب الآخر أي الجوار العربي مستعداً لتفهم وقبول حقيقة وجود الكورد كثاني أكبر قومية في سوريا، والتعامل مع الملف بمنطق الشراكة عبر الدخول مع قيادة الحركة الكردية في حوار مفتوح وحضاري يخدمنا كافة السوريين.
24-4-2020

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…