شاهين أحمد
بدون أدنى شك أن أنظار شرائح مهمة وواسعة من الشعب السوري تتجه هذه الأيام نحو جنيف حيث اجتماعات اللجنة الدستورية التي سيتم من خلالها إذا شاءت الأقدار وتقاطعت مصالح الكبار أن تخرج – هذه اللحنة – بمسودة دستور لسوريا في محاولة خجولة لوضع حد لمأساة السوريين ، ودفع الامور بإتجاه الخروج من المقتلة ووضع حد لها. وهنا من الأهمية بمكان الإقرار بأن هناك اختلافاً كبيراً بين أعضاء اللجنة المذكورة حول شكل الدولة السورية المستقبلي، وطبيعة نظام الحكم فيها، وكذلك هوية سوريا الحقيقية …إلخ. ولانفشي سراً بأن الفدرالية (الاتحادية) كشكل مقترح للدولة السورية بعد طي حقبة البعث تعتبر أحد أهم المواضيع إثارة وإشغالاً للمهتمين ، ويعتبر هذا الطرح – الفدرالية – ليس مرفوضاً من جانب النظام وحلفائه وغالبية أطراف المعارضة العربية السنية فحسب بل تحول إلى نوع من الـ ” فوبيا ” في الأوساط المذكورة، وتقوم تلك الأطراف الرافضة بشحن حواضنها الشعبية بصورة سلبية تجاه هذا الطرح النبيل !.
وبالرغم من أن الانقسام في سوريا هو واقع يعيشه السوريون، كون سوريا فعلياً مقسمة إلى ثلاث مناطق نفوذ رئيسية بين الأدوات المحلية واللاعبين الدوليين والاقليميين المتدخلين في الشأن السوري، ومع ذلك نسمع ونقرأ يومياً عشرات المقالات والتصريحات الصادرة هنا وهناك ومن مختلف الجهات، سواءً من النظام وحلفائه، أومن المعارضات وأتباعها ، وكذلك من جانب اللاعبين المتورطين في المستنقع السوري، والتي تجمع جلها على الحرص النظري الزائد على سوريا ووحدة أراضيها وسيادتها واستقلالها !. وهنا يجد المرءُ نفسه أمام أسئلةٍ محيرةٍ تؤرقه ومنها : هل سوريا فعلياً موحدة أم أنها مقسمة رسمياً إلى ثلاث مناطق ، الأولى لروسيا وإيران والنظام ومختلف الميليشيات الشيعية الوافدة ، والثانية لـ أمريكا وحلفائها الغربيين مع قوات سوريا الديمقراطية ، والثالثة لـ تركيا وحلفائها من الفصائل المسلحة العربية الإسلامية السنية ؟. ألا يدفع السوري الداخل من مناطق إدلب أو ماتسمى (بالمحرر) إلى مناطق النظام أو قسد وبالعكس ضريبة للجمارك والحواجز ؟. أليس لكل منطقة من مناطق النفوذ المذكورة إداراتها وحكوماتها وجيشها وأمنها وقوانينها ورموزها وأعلامها ؟. وهل حقاً الجهات المذكورة المتباكية على وحدة وسلامة وسيادة سوريا وشعبها ، حريصة عليها وعلى شعبها ؟. هل تلك الأطراف عملت طوال مرحلة الأزمة السورية من أجل الحفاظ على وحدة سوريا واستقلالها وسلامة شعبها ، أم أن كل طرف حاول ومازال يحاول على توسيع نفوذه وزيادة حصته من الكعكة السورية ؟. أليس الانقسام واقع يعيشه السوريون؟. من يقف وراء تغييب السوريين عن عملية تقرير مصيرهم ؟. ولنكن واقعيين ، كل هذا الاحتقان الذي عملت عليه مختلف الجهات المذكورة المحلية والإقليمية والدولية ومازال ، ألا يعني بأن مسألة استمرارية التعايش بين المكونات السورية المختلفة في دولة مركزية أصبحت صعبة إن لم تكن مستحيلة؟. نتذكر جيداً أنه بعد نجاح النظام في عملية حرف الثورة وجرها إلى مستنقع العسكرة ، ودخول الأطراف الدولية والإقليمية على خط الأزمة السورية بصورة مباشرة خدمةً لمصالحها ، ولجوء النظام إلى لعبة أمنية خبيثة من خلال زرعه للعناصر الأمنية والراديكالية في صفوف الحراك الشبابي ، وبمساعدة بعض أجنحة الأسلمة السياسية التي ركبت الثورة وسيطرت لاحقاً على المفاصل الأساسية لمؤسساتها ، هذه العملية التي أدت إلى تشكل لوحة سورية منقسمة ومحتقنة وملتهبة ، لن يقبل فيها العربي السني بعد اليوم أن يعيش تحت حكم العلوي مهما كلفه ذلك من ثمن ، ولن يُسلم العلوي السلطة للسني لأنه يدرك تماماً المصير الكارثي الذي ينتظره، ولن يرضى الكوردي أو التركماني بعد اليوم أن يعيش مهمشاً محروماً من حقوقه كما كان خلال حقبة البعث الشوفيني ، ولن يسمح الإزيدي ولا الدرزي ولا المسيحي ولا الآشوري بأن يتحكم فيهم الجهادي الإسلامي الراديكالي بإسم الدين . هنا يجد المرءُ نفسه مجدداً في مواجهة سؤال كبير : هل نريد أن نعيش سوياً في بلد واحد من جديد ، والجواب سيكون بالإيجاب قطعاً ، إذاً ماهو شكل الدولة السورية المستقبلي ” مركزية ، إتحادية ، لامركزية سياسية ، لامركزية إدارية …إلخ “، وكذلك ما طبيعة نظام الحكم الذي سيمثل كل السوريين ، ويراعي للمكونات حقوقها وخصوصياتها ، ويقطع الطريق مستقبلاً أمام سيطرة مكون على مقاليد السلطة بإسم الدين أو القومية أو الأكثرية ؟. بكل بساطة هناك خيار واحد و” وحيد ” يمكن أن يحقق ماتم ذكره لجهة الحفاظ على سوريا موحدة، وذلك من خلال صياغة مشروع وطني سوري جامع يأخذ بعين الاعتبار وجود وحقوق جميع المكونات القومية والدينية والمذهبية ، ويقطع الطريق على الذين يحاولون ” إعادة إنتاج ” منظومة الاستبداد وتكرار تجربة البعث الشوفيني بلون طائفي آخر، ويؤسس لـ سوريا مدنية ديمقراطية تعددية فدرالية ، يتم فيها الفصل بين السلطات، ويتكون برلمانها من مجلسين، الأول نيابي يعتمد مبدأ النسبية في تمثيل مكونات الشعب، والآخر مجلس ” توافقي ” للمكونات، وبيد الأخير القرارات السياسية والمصيرية داخلياً وخارجياً .