قراءة في بيان المتهجمين على التقارب الكوردي

شاهين أحمد
نشر بتاريخ الـ السابع من حزيران الجاري 2020 على صفحات التواصل الاجتماعي المختلفة وكذلك على بعض المواقع الإلكترونية بيان موجه إلى الرأي العام وموقع ” من شخصيات وتشكيلات سورية في المنطقة الشرقية بخصوص تفاهمات الأحزاب الكردية على مستقبل الجزيرة السورية ” ، حيث تناول البيان اللقاءات بين المجلس الوطني الكوردي ENKS وحزب الاتحاد الديمقراطي pyd وبرعاية الولايات المتحدة الأمريكية ، وبدعم غالبية الدول الغربية مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا وكذلك الإخوة في قيادة إقليم كوردستان العراق وخاصة الرئيس مسعود البارزاني .
بداية من الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه نزولاً عند رغبة بعض الإخوة قمت بحذف بعض الفقرات من هذه المساهمة ، حيث تطرقت فيها إلى فصول من ماضي بعض الموقعين على البيان ، والذين خدموا البعث ونظامه وأجهزته الأمنية وكانوا في مراكز القرار، وفي قمة الهرم التنظيمي للوزارات والمؤسسات الكبيرة ، وشاركوا في إضطهاد شعبنا لا بل في قتل أبنائه أيضاً ، وذلك أملاً في إعطاء هؤلاء فرصة أخرى لمراجعة أنفسهم ، ولنبدأ ببعض فقرات البيان .
ورد في البيان ”  بينما يبذل الشعب السوري التضحيات الجسام من أجل الوصول إلى دولة ديمقراطية…….. تستغل بعض أطرافه معاناته وانشغالاته، لتجري تفاهمات منفردة على مستقبل بلاده، مستقويةً عليه في ذلك بالظروف والتدخلات الدولية… ” .
بمعنى أن الطرفان الكورديان –  ENKS  و PYD – يستقويان بالتدخلات الدولية في سوريا !. السؤال هنا من الذي يستقوي بالتدخل الخارجي ويرفع رموزه وأعلامه داخل سوريا ؟. من الذي قام بتأمين الغطاء السياسي والدعم اللوجستي لعشرات الآلاف من المتطرفين الطائفيين من منتسبي تنظيم القاعدة وفروعه وأدخلهم إلى سوريا ، ووفر لهم الحاضنة الشعبية الدافئة ، وقدم لهم المال والسلاح والرجال من داعش والنصرة وأخواتهما ؟. من الذي سلم الغوطتين ونصف مدينة دمشق ومضايا وزبداني ونصف مدينة حمص وريفها الشمالي والغربي وثلثي مدينة حلب …..إلخ للنظام دون مقابل ؟.
 ومن المؤسف أن من بين الموقعين على البيان العشرات من الأسماء المعروفة ممن تصدروا المشهد المعارض في منصات المعارضة المختلفة التي يشارك فيها الكورد من خلال أحزابهم وأطرهم وخاصة المجلس الوطني الكوردي الذي يعتبر نفسه جزءاً من المعارضة الوطنية السورية ، وشاركت أحزابه وجماهيره في مختلف فعاليات الثورة منذ اليوم الأول لإنطلاقتها . ومن المفارقات المحزنة أن تلتقي مواقف بعض الشركاء الذين نعول عليهم الكثير فيما يتعلق بالشراكة المستقبلية وبناء سوريا الجديدة المختلفة عن سوريا البعث مع مواقف أفراد طائفيين عنصريين لديهم توجهات معادية تماماً للشعب الكوردي في سوريا ووجوده وحقوقه وقضيته العادلة ، لذلك كان البيان مشبعاً بنزعته المناطقية والطائفية ، ويؤكد من خلال مضمونه إفتقار القائمين على صياغته للرؤية الوطنية السورية الجامعة.
ورد في البيان ” تشير المعلومات المسربة عن التفاهمات ما بين المجلس الوطني الكردي وميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي إلى توافق ما بين الطرفين على إبقاء الإدارة الذاتية – المفروضة بالقوة على السوريين – كحالة أمر واقع، من أجل تطويرها إلى فيدرالية أو حكم ذاتي يهدد وحدة سورية ؛ وعلى الاحتفاظ بالقوات العسكرية والأمنية الكردية لـPYD – YPG مع إشراك – لم يحسم مقداره – لقوات بشمركة روج أفا، وعلى ضمان ذلك مع امتيازاتٍ أخرى في الدستور … فإننا نحن الموقعين أدناه – الممثليين لطيف واسع من أبناء المنطقة الشرقية – نستنكر هذه التفاهمات ونرفض مخرجاتها… ” .
طالما أنه حتى هذه اللحظة لم يصدر بشكل رسمي لا من الطرفين الكورديين المتحاورين ( المجلس والاتحاد الديمقراطي ) ، ولا من طرف الجهة الراعية المتمثلة بالولايات المتحدة الأمريكية أية وثيقة رسمية ، لماذا ترفضون المخرجات قبل أن تعلن بصورة رسمية ، كي تدرسوها ومن ثم تتخذوا الموقف منها ؟. لماذا هذا الاستباق والتسارع والتزاحم وهذه الأحكام المسبقة المليئة بالحقد والعنصرية والمناطقية والطائفية تجاه مايجري ؟!.
ورد في البيان بشكل واضح بأنكم ( أيها الموقعون ) ضد الفدرالية والحكم الذاتي والإدارة الذاتية للكورد في سوريا المستقبل ، وكذلك ضد القوات العسكرية للطرفين الكورديين ، هذه القوات التي شاركت في قتال الإرهاب الداعشي الأسود وقدمت آلاف الشهداء من خيرة أبناء وبنات شعبنا ، وحررت مساحات واسعة من الوطن من رجس هذه القطعان الإرهابية ، والسؤال هنا طالما أنكم ترفضون كل تلك الأشكال –  الفدرالية والحكم الذاتي والإدارة الذاتية  – ماذا بقي لديكم من حلول لقضية الشعب الكوردي في سوريا الذي يعيش على أرضه التاريخية ويعد القومية الثانية عددياً بعد القومية العربية كي نشارككم في سوريا المستقبل ؟.
لماذا لم نر مثل هذا البيان عندما كنتم تتسابقون وتتقاتلون للسفر إلى أستانا وسوتشي منفردين لكي تسلموا المناطق المحررة بدماء الشرفاء للنظام دون مقابل ، وتركبون الباصات الخضر وتتوجهون نحو المناطق الكوردية في الشمال السوري كي تطردوا منها سكانها الأصليين وتستوطنوا فيها؟. أين موقفكم من مايجري في عفرين وتل أبيض ( كري سبي ) ورأس العين ( سري كاني ) من قبل فصائلكم المسلحة من أعمال تتنافى مع أبسط القواعد الأخلاقية للإنسان من خطف ونهب وسرقة وقتل وحرق المحاصيل وقطع الأشجار …. إلخ ؟. أين مشروعكم الوطني السوري الجامع والشامل الذي يأخذ بعين الاعتبار وجود وحقوق كافة المكونات القومية والدينية والمذهبية للشعب السوري ؟. لماذا لم نسمع أصواتكم حول آلاف السوريين الذين يتم بيعهم في البازارات ويتم سوقهم وزجهم في محارق ليبيا ؟!.
المجلس الوطني الكوردي موقفه واضح تماماً في كل مايتعلق باللقاءات الجارية بينه وبين حزب الاتحاد الديمقراطي ، ويعرف الأخير وتحالفاته وإرتباطاته جيداً ، وكل مايجري يتم وفق محددات وثوابت وطنية واضحة تماماً ، وأكد المجلس من خلال منشوراته ولأكثر من مرة على هذه الثوابت ، وبأن المخرجات ستأتي ضمن المشروع الوطني السوري التغييري الشامل ، وبأن أي إتفاق سيكون داعماً للصف المعارض وقوةً لخندقه ، وأساساً لإتفاق أوسع بين جميع مكونات المنطقة ، وتجريداً للنظام من أوراقه الوهمية المتعلقة بحماية المكونات الأقل عدداً في سوريا ، وعلى اساس احترام الجوار الإقليمي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ، ومرةً أخرى نتسائل طالما أن طرفي المعادلة – المجلس و الاتحاد الديمقراطي – لم يعلنا بشكل رسمي حتى هذه اللحظة عن أي اتفاق أو وثيقة ، لماذا كل هذا الضجيج وهذه الاتهامات؟. أليس المنطق وآداب الحوار والاعتراض تقتضي الإطلاع على الصيغة النهائية لأي اتفاق أولاً ومن ثم إبداء الرأي وإطلاق الأحكام؟. ألا يحق للمجلس الوطني الكوردي أن يضع إشارات استفهام أمام ” غالبية ” هؤلاء الموقعين على البيان ؟. توسمنا خيراً بعد إنطلاقة الثورة ببزوغ العديد من المنصات المدنية والثقافية والمنابر والمواقع الإعلامية وعشرات التنسيقيات ورفعها شعارات وطنية ترافقت بترك العديد من الشخصيات الخادمة للنظام صفوفه والالتحاق بصفوف الشعب ، إلا أنه وبكل أسف المشهد الذي نراه اليوم لا يبعث إطلاقاً على التفاؤل، وهناك تراجع واضح ويشوبه الارتباك، يبدو أن التحالفات التي حصلت بين بعض أجنحة الإسلام السياسي مع الوافدين من الأجهزة الأمنية للبعث والمتسللة إلى جسد المعارضة ومؤسساتها المختلفة قد فعلت فعلها في شرائح واسعة من شعبنا!. كون الحراك الشبابي الثوري كان يفتقر للخبرة والتنظيم والقيادة الثورية الموحدة، والذي شكل ثغرةً كبيرةً بقيت في مسيرة الثورة طوال مراحلها المختلفة، هذه الثغرة التي بدأت من خلالها المنظومتان المذكورتان من ضخ سمومهما الفكرية “الهدامة” من جديد، مستهدفة ماتبقى من المرتكزات الثورية لمكونات شعبنا السوري .
وما نتلمسه من خلال البيان بكل أسف هو سقوط  لنخب وطنية شاركت بعضها في الحراك المعارض ، ومن المفارقات المحزنة أن تلتقي مواقف بعض الشخصيات التي لها تاريخ مشهود في مناهضة الدكتاتورية ومقارعة الاستبداد مع مواقف النظام الدكتاتوري ومناصريه وأعداء شعبنا!. يبدو أن الذهنيات المشوّهة التي بناها البعث العنصري باقية رغم المأساة، ولن تتحمل مسؤولياتها في الدفاع عن قضايا السوريين عامة، عقد كامل من المخاض لم ينجح في تغيير تلك الذهنيات المريضة ، ولا في ظهور ولادات جديدة مختلفة عن البعث والإسلام الراديكالي!. مع أنه من المسلمات أن الثورات عادة “تهدم” البنى الفكرية والثقافية والسياسية والأمنية للمنظومات الحاكمة كي تؤسس على أنقاضها بنى جديدة مختلفة، إلا في حالة ثورتنا السورية مازالت النخب تردد نفس اسطوانة التيار القومي الشوفيني والسلفي الديني المتطرف؟. نحن نعي تماماً أن نشوء تعبيرات سياسية – تنظيمية جديدة في مجتمع عاش حقبة طويلة في ظل الاستبداد والشمولية والتصحر السياسي تستغرق الكثيرمن الوقت، وتتطلب المزيد من الوعي والجهود والإمكانات، ولكن المشهد مازال حالكاً ولا يبشر بالخير . ويبدو أن حالة الانقسام التي تعيشها حركتنا التحررية الكوردية في سوريا تفتح قريحة الشوفينيين مما يضع المخلصين من أبناء شعبنا أمام مسؤوليات قومية ووجدانية كبيرة لبذل جهود استثنائية مضاعفة، ودعم أية خطوة من شأنها تحقيق التقارب بين أطرافها، لوضع حد ولو نسبي لحالة الضعف والتشرذم ، لأن القادم سيكون مليئاً بالتحديات والمتاعب.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…