ماهين شيخاني
يبدوا استطاب للرئيس التركي رجب طيب إردوغان، لعبة الفوضى العالمية واستغلال ضعف دور الأمم المتحدة والخلافات البينية لبعض الدول الكبرى لتحقيق مآربه وحلمه بعودة السلطنة العثمانية بالتدخل في شؤون العديد من البلدان , حيث أعلن دعم بلاده الكامل لأذربيجان، وحسبما ذكرت بعض التقارير الصحفية أنه قد أرسل مرتزقة سوريين إلى أذربيجان لمساعدتها في حربها , داعياً إلى إنهاء ما أسماه بـ “الاحتلال” الأرميني, و يتفق الشعبان التركي والأذربيجاني في الديانة الإسلامية، رغم الاختلاف على المذهب، فالأولى سنية والثانية ذات غالبية شيعية، وكانت تركيا أول دولة تعترف بأذربيجان عام 1991، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي , و في أرمينيا يعتقدون كما تعتقد الدول العربية بأن تركيا لديها أحلام عثمانية جديدة، وتود شطب أرمينيا من على الخريطة”. ولهذا نرى أن “الدعم التركي لأذربيجان هو أخطر تهديد علينا. .
لكن حقيقة ما يتجاهله العالم بما في ذلك أذربيجان وأرمينيا الحديث عن قضية جوهرية في الصراع الأذري – الأرميني، وهي أن الحرب تدور بين الجانبين في منطقة “ناغورني قره باغ” هذا الجيب ذات غالبية سكانها من الكورد، حيث ألحقتها السلطات السوفياتية وهي منطقة في صلب العلاقات المتوترة بين البلدين , وكانت يوماً من الأيام المناطق التي شكلت فيها جمهورية تعرف بـ (كوردستان الحمراء)، فبعد اتفاقية سايكس بيكو السرية التي شاركت فيها كل من فرنسا و بريطانيا و روسيا القيصرية وذلك من أجل اقتسام ممتلكات الإمبراطورية العثمانية فيما بينهم, قسمت كوردستان إلى خمسة أجزاء وتم إلحاق كل جزء بدولة مجاورة سورية , العراق, تركيا علماً بأن قسم الشرقي من كوردستان كان تحت سيطرة إيران منذ عام 1514 , و في عام 1917 قامت الثورة البلشفية بقيادة لينين الذي كشف سر اتفاقية سايكس بيكو و بذالك خسرت روسيا معظم حصتها من شمال كوردستان التي ألحقت بالدولة التركية , و بقي جزء صغير تابع للاتحاد السوفيتي , و رداً على اتفاقية لوزان أعطت حكما ذاتياً لذلك الجزء الصغير في الاتحاد السوفيتي و سمي بكوردستان الحمراء و انتخب رئيساً لها السيد “حسين حاجيف ” و عاصمتها لاتجين , ومدن أخرى لها مثل كيلباجان , كوباتلي, زانغيلان, جليلابسكي, بدأت فرحة الكورد تقرع على طبول الرقص الكوردي مهللين بكوردستان الحمراء ولكن بعد وفاء لينين واستلام ستالين عرش الشيوعية بدأ الحكام الأتراك يشممون رائحة النفط إلى أنف ستالين و بدأ ستالين يتنازل لهم رويداً رويداً حتى اندلاع ثورة الشيخ سعيد بيران فهرب أتاتورك إلى أحضان ستالين وطلب منه أن يقضي على الكوردستان الحمراء لان الكورد في الشمال ينظرون إلى كوردستان الحمراء ويحاربون الأتراك دون هوادة لاستقلال كوردستان, فلبى طلبهم و لكن ضمن الشروط الذي حدده إليه الشيوعية و العمود الفقري للدول المضطهدة فبدأ ستالين يغضب من الكورد ويبحث عن حجج حتى يقضي على كوردستان الحمراء وفي عام 1929أعلن ستالين عن حلها، وذلك لأسباب كثيرة، منها الرفض المطلق لها من قبل أذربيجان، والمصالح التي تشكلت بين ستالين وأتاتورك على خلفية الموقف المشترك من الغرب وقتها، والمخاوف من تداعيات التواصل الذي نشأ بين هذه الجمهورية والثورات الكوردية التي كانت مندلعة في تركيا وإيران، حيث خشية هذه الدول مجتمعة من ولادة دولة كوردية في المنطقة، لكن الأخطر من كل هذا، هو لجوء ستالين بعد ذلك إلى تهجير الكورد من مناطقهم التاريخية إلى مناطق صحراوية ولاسيما كازاخستان، ومن ثم تسجيل كورد الاتحاد السوفييتي على أنهم أذربيجانيون أو كازاخستانيون
وأحد أهم أسباب التداخل الجغرافي بين جمهوريتي أذربيجان وأرمينيا، المؤدي إلى الصراع العسكري والسياسي، وديمومتها منذ تفكك الإتحاد السوفيتي وحتى الأن، هي تقسيم جغرافية جمهورية كوردستان الحمراء، وتوزيع مناطقها بينهما بشكل عشوائي، ومخطط سياسياً من قبل ستالين، بعدما قام بطمسها، لأسباب عدة: ومنها إرضاء لتركيا الكمالية، ومن ثم إزالتها في بدايات الحرب العالمية الثانية بتهمة التعاون مع ألمانيا النازية، وتهجير شعبها الكوردي بين الجمهوريات السوفيتية الشرقية، إلى درجة تم إسكان بعضهم في ريف جمهورية قرغيزيا في شمال الصين، وتم تشتيتهم حتى أصبح الاتصال بينهم شبه مستحيل.
وبقيت الإشكالية مطمورة بينهما في حكم النظام السوفيتي، وبرزت الخلافات في بدايات انهيار الدولة القوية، حينها طالبت منطقة ناغورني قره باغ بالاستقلال عن أذربيجان، دعمتها أرمينيا، وتكتمت روسيا عن دعمها غير المباشر، ورغم تمكنها من مواجهة أذربيجان، وهجر أغلب الأذريين منها، لكنها لم تحظى بالاعتراف الدولي، لمعارضة أذربيجان وعدم موافقة أرمينيا وروسيا، وظلت منطقة تابعة لجمهورية أرمينيا، ولكن كلما تتجدد الخلافات عليها، تعلن أرمينيا؛ أنها على وشك الاعتراف بها كجمهورية مستقلة تحت أسم جمهورية ناغورني قره باغ أو ما تسمى في أرمينيا بـ آر تساغ، ومعناها غابة آر، أي غابة إله الشمس، لإدراكها أن موقعها الجغرافي في وسط جمهورية أذربيجان الحالية تجعلها هدف لتهديدات مستمرة من قبل أذربيجان وتركيا.
ورغم أن إشكالية مقاطعة ناختشيفان الأذربيجانية، ذات الحكم الذاتي، الواقعة ما بين جمهورية أرمينيا وتركيا، أقل إثارة لأن أرمينيا لا تطالب بها، علما أن جزء من جغرافيتها كانت ضمن جمهورية كوردستان الحمراء في بدايات تشكيلها، ولا يستبعد أن تثار في المستقبل الإشكاليات حولها فيما إذا استمر الصراع بين الجمهوريتين، رغم أن تركيا متشددة في دعمها لجمهورية أذربيجان، وهي المنطقة الجغرافية الوحيدة التي توفر الاتصال الحدودي بنيها وبين أذربيجان والتي تقدر بـ (18) كم فقط، مقارنة بحدودها مع أرمينيا البالغة (328) كم. إلى جانب هاتين المنطقتين هناك مناطق أخرى متداخلة بين الجمهوريتين، مدن وضواحيها تابعة لأحداها تقع في جغرافية الأخرى.
وتقول الصحفية” ناني سهاكيان “على الرغم من أنهما دولتان مختلفتان، حيث تتحدث النخبة في أذربيجان باللغة الروسية أكثر من التركية، بينما يتحدث العامة اللغة التركية، فضلا عن أن باكو لم تجر أي انتخابات ديمقراطية، لكن تركيا دولة ذات تقاليد انتخابية جيدة إلى حد ما، فإن تركيا تعتبر أذربيجان هي “الأخ الأصغر” الذي يعاني من سوء الاقتصاد ومشاكل داخلية “”. كما ترى “أن قضية الإبادة الأرمينية هي شيء صغير مقارنة بخطط وأحلام الأتراك الكبرى وتوضح سهاكيان “هم يحبون أن يقولوا إنهم أمة واحدة ودولتان، بالرغم أنه عندما كانت أذربيجان جزءا من الاتحاد السوفيتي، لم تكن علاقاتهما قوية، لكنهما الآن أكثر ارتباطا.
ويحذر الخبراء من أن يتحول إقليم ناغورني قره باغ إلى نقطة مواجهة جديدة بين موسكو وأنقرة كما هو الحال في سوريا وليبيا، بعد أن أعلنت تركيا دعمها الواضح لأذربيجان، فيما تدعم روسيا أرمينيا
فهل تصبح ناغورني قره باغ ساحة حرب إقليمية بين روسيا وتركيا؟..وتكون الحرب عبر الوكلاء .