تجمع الملاحظين: كاوار خضر
فيما سبق، في مقالنا «الشائع في روزآفا…» تناولنا باختصار الدور السوفيتي عموما في مرحلة تعايشه السلمي، ولمحنا باقتضاب تأثيره المضر على قضيتنا. وبيّنا أنه لم يكن هم السوفييت مساعدة العمال، ولا تحرير الشعوب من ظلم حاكميهم؛ وإنما كان همه اقتطاع الدول من المعسكر الغربي، وجرّها إلى معسكره، مهما كان نظام الحكم فيها ظالما ومستبدا لشعبه. واتخذ الاتحاد السوفيتي دور المُخَدِّم لتلك الدول، أي تزويدها بالخدم، وكانت أحزابه الشيوعية مكلفة بهذه المهمة “الإنسانية والشريفة”، رغم معاناتها من النظام أيضا.
أدت الاحزاب الشيوعية في الدول المقتسمة لكردستان مهمة التخدير بنجاح، بل غسل الدماغ باليسارية المحولة سوفيتيا إلى خدم للأنظمة المستبدة. على أساس هذا التخدير بدأنا نتنازع فيما بيننا على برامج متقاربة من بعضها؛ ولم تتعدَ خلافتنا فيها إلى الاختلافات لتصل إلى حد الانشقاقات. لكن، طالما أن الخدم ملزمون بأوامر من النظام إلى جعل الخلافات اختلافات، فتوالت انشقاقاتنا، في أكثرها بين تياراتنا المنادية باليسارية. وكان نصيب المهادنين منا مع النظام من الانشقاقات أقل وأخف.
ربما يكون مفهوما انشقاقات المُتَمَيْسِرِيْن (من الميسرة. نقصد بها اليساريين) كونهم عقائديون، وتأويل المقولات العقدية حمالة الأوجه؛ لذا كانت الانشقاقات بينهم تحدث بسهولة، خاصة إذا كان هناك من يذكي نارها. والحالة هذه ما بال المتهادنين ينشقوا؟ عندما كانت انشقاقات المُتَمَيْسِرِيْن تتجاوز حدا معينا كان قسم من قاعدتهم تتحول إلى طرف المتهادنين، وبعد موجة من الانشقاقات كان المنسوب يرتفع لدى المتهادنين، وهذا الارتفاع لم يكن مسموحا به لدى أمن النظام، فيقوم بشقه.
والفرق بين منشقي الطرفين أن المُتَمَيْسِرِيْن اتهموا منشقيهم بالعمالة للمخابرات؛ في حين المتهادنين، لم يقولوا ذلك عن منشقيهم، وإنما وصموهم بالتفرد والدكتاتورية والجمود… المهم إن كان الانشقاق من هذا الطرف أو ذاك حلّ وبالا على قضيتنا، وألهانا عن تطوير وعينا، حيث لم يعد لنا مجال في تَذَكُّر ما حصل لنا عبر تاريخنا البعيد والقريب من المآسي والكوارث، لتكون دافعا قويا لوحدتنا وتماسكنا، ومحفزا رصينا لتطويرنا لذاتنا.
هذا الانشغال الداخلي راكم في عقلنا الباطن الإحباط دون وعي منا، ورسخ العداوة والبغضاء بيننا إلى الآن. وذاته منعنا من الإحاطة بخلافاتنا؛ كيلا تتطور إلى الاختلافات بيننا تلقائيا، ونفسه حتم علينا ألا نهتم بمقاييسنا الاتهامية لبعضنا البعض، وحرمنا من مناقشتها، وجعلنا معتبرينها حقيقة ثابتة لا تدحض. في حين هناك حقائق يجب علينا معرفتها مهما كانت مرة علينا، لكن هذه المقاييس المرسخة في أعماقنا لا تسمح لنا الإفصاح عنها، حتى لا ننتقل إلى مراحل أعلى.
إلى لقاء قادم.
rawendkurd3@gmail.com