صلاح بدرالدين
في سياق العلاقات الوطنية وعلى ضوء مواقف الأطراف السياسية السورية من عربية ومكونات أخرى وبمختلف تياراتها القومية والإسلامية واليسارية من القضية الكردية السورية المتحفظة بمعظمها اما بعدم الاطلاع على جوهرها وتفاصيلها وأهدافها أو اتخاذ مواقف مسبقة غير واقعية ولاديموقراطية لاتختلف عن السياسة الرسمية للنظام ، كثيرا مانسمع ومن قبيل التساؤل ماذا عملت الأحزاب الكردية بهذا المجال والاجابة الفورية بالوقت ذاته بتحميلها المسؤولية في التقصير .
كما أرى فان التساؤل في محله ومن موقعي النضالي الممتد زمنيا أكثر من خمسين عاما عندما كنت على رأس حزب كان في مقدمة اهتماماته تعزيز العلاقات الكردية العربية ومع نظرائها في الجانب الآخر على الصعيدين الوطني والإقليمي والأوسع ومن موقعي المستقل الآن منذ قرابة العقدين المتابع لتلك العلاقات فكريا وثقافيا وسياسيا وعلى الصعيد العملي أقول بايجاز :
أولا – قبل كل شيء نعود الى بدايات استقلال سوريا فقد أغفل مشرعوا الدستور السوري الأول ومابعده الوجود الكردي وحقوقه وكذلك باقي المكونات والمشكلة بدأت من هناك وتعمقت بمرور الوقت .
ثانيا – نعم الى جانب مسؤولية الأحزاب الكردية في التقصير بل وقبلها فان المسؤولية الرئيسية بعدم تعريف الشعب السوري وتنوعه القومي والثقافي تقع على عاتق القوى الديموقراطية السورية وفي المقدمة الحزب الشيوعي السوري الذي كان يعتبر نفسه طليعة الجماهير والمدافع عن وجود وحقوق كافة الفئات والمكونات من واجباته كنهج أممي ( من حيث المبدأ ) يسعى حسب مبادئه الى تحقيق سلطة الشعب ولكن للأسف انحرف هذا الحزب عن خطه الاممي مبكرا وانقسم على نفسه بين تيارات قومية وليبرالية وبغالبيتها ملحقة بنظام البعث وكنا نجد معظم الأحيان في سياساتها الخاطئة تجاه الكرد والقضية الكردية صورة مطابقة لموقف النظام بل أحيانا مزايدة عليه وموغلة في الانكار .
ثالثا – لاتتوفر وثائق تشير الى علاقات سياسية كردية عربية على الصعيد الوطني خلال مرحلة ظهور حركة – خويبون – في أواخر عشرينات القرن الماضي حيث العامل الخارجي كان طاغيا وكل شيئ كان يتم باشراف سلطة الانتداب الفرنسي ولم يترك لنا التنظيم الكردي السوري الأول الذي ظهر أواسط الخمسينات ( الحزب الديموقراطي الكردستاني – سوريا قبل تحوله الى الكردي ) أية أوراق وجداول أعمال ومحاضر جلسات تشير الى علاقات عمل وتحاور مع القوى السياسية السورية باستثناء لقاءات فردية أو غير رسمية عابرة على مستوى المناطق وفي العشر سنوات الأولى من عمر الحزب الوليد كانت تنشط على الساحة السورية كما من الأحزاب بينها أحزاب البعث والشيوعي والاخوان المسلمون والحزب القومي السوري وحركة القوميين العرب والناصرييون .
رابعا – اعتبارا من عام ١٩٦٥ وبعد كونفرانس الخامس من أب وانتخاب ( القيادة المرحلية ) وضعنا في مقدمة خطة العمل نسج العلاقات والتواصل مع القوى والأحزاب والمنظمات العربية على الأصعدة السورية أساسا والمحيط العربي كخطوة تالية لشعورنا بوجود ثغرة بل فراغ سحيق ومن منطلق تعريف شعبنا وقضيتنا وحركتنا والبحث عن مشتركات وطنية لمواجهة حكومات ونظم الاستبداد والدكتاتورية وطرحنا على الجميع مشروعنا في ( الجبهة الوطنية الديموقراطية السورية ) – المنشورة في مذكراتي – ونظرتنا في السبيل الى حل القضية الكردية بسوريا وتركزت العلاقات بداية نحو الحزب الشيوعي قبل الانقسام ومن ثم مع فصائله المنقسمة على بعضها ( أجنحة بكداش – رياض الترك – مراد – فيصل يوسف ..الخ ) ثم انتقلنا الى التواصل مع حركة القوميين العرب وتجسيده التنظيمي بسوريا تحت مسمى الحزب الاشتراكي وتاليا مع الاتحاد الاشتراكي – د جمال الاتاسي ومع جناح عبد الغني قنوت لاحقا وبعض الجماعات الناصرية وفي الداخل السوري كان لنا لقاءات مع حركة فتح الوليدة ثم الجبهة الديموقراطية وبعد فترة تطورت العلاقات مع رابطة العمل الشيوعي في سوريا الى مستويات متقدمة .
خامسا – كنان نتوجه الى بيروت بين الحين والآخر بداية الستينات ونزور مكاتب الأحزاب والقوى السياسية وبعد الإقامة بين عام ١٩٧٢ و ١٩٨٣ وتعزيز وضع منظمة حزبنا – سابقا – هناك توزعت علاقاتنا وتطورت وتعززت مع الحزب الشيوعي اللبناني ومنظمة العمل الشيوعي والحزب الاشتراكي التقدمي بزعامة الشهيد كمال جنبلاط ثم شاركنا بتأسيس الحركة الوطنية اللبنانية وتواصلنا مع جميع أعضائها من مختلف التيارات السياسية وبطبيعة الحال كان من مهامنا شرح الوضع الكردي في سوريا والقضية الكردية السورية وكذلك تسليط الضوء على الحركة الكردية عموما بالمنطقة وقد كسبنا أصدقاء ومتضامنين مع شعبنا وقضيتنا ترجمت بالبيانات والبلاغات الثنائية المشتركة المعلنة بوسائل الاعلام وأتذكر اننا التقينا بمنظمة حزب البعث بلبنان جناح صلاح جديد واصدرنا بيانا مشتركا أصروا ان يتضمن دعم حق تقرير مصير الكرد السوريين هذا بالإضافة الى مساهماتنا في نشر المقالات بالمجلات والصحف التي كانت مزدهرة آنذاك .
سادسا – على الصعيد الفلسطيني وبتواجد مقر منظمة التحرير وجميع فصائلها بلبنان نسجنا علاقات صداقة مع الجميع وكان التجاوب أوضح من جانب حركة فتح وقادتها والجبهتان الشعبية والديموقراطية وكذلك الشيوعييون الفلسطينييون وفصائل أخرى وكان الأصدقاء الفلسطينييون يتفهمون قضايانا بسهولة وعن قناعة نابعة عن تشابه الوضعين ، علاقاتنا كانت رسمية مع المنظمة كحزب كردي سوري وكانت وسائلهم الاعلامية متاحة لنا مثل – مجلتي الحرية والهدف – نكتب فيها مانشاء .
سابعا – حينها كانت تستقر في بيروت العشرات من ممثلي حركات التحرر العربية والتركية والإيرانية والاميريكية اللاتينية والافريقية وحتى قوى ثورية يابانية والمانية معارضة وقد تواصلنا مع ممثلي حكومة اليمن الجنوبي وجبهة التحرير بالبحرين ومجاهدي خلق من ايران والحزب الشيوعي العراقي والحركة الثورية في تركيا وحزب العمال التركي والجبهة الشعبية الارتيرية وكنا نشرح للجميع قضيتنا الكردية السورية ومجمل أوضاع الحركة الكردستانية .
ثامنا– جنبا الى جنب العلاقات السياسية كانت رابطة كاوا للثقافة الكردية تصدر العشرات من الكتب المترجمة حول القضية الكردية وكذلك كتبي التي تدور حول كرد سوريا وقضيتهم وكنا نوزعها على الأحزاب والجمعيات والمؤسسات الإعلامية إضافة الى ارسالها عبر طرق التهريب الى سوريا كما كنا نزود سفارات الدول الاشتراكية والصديقة بكل ما يصدر من كتب وبيانات .
تاسعا – قمنا بتشكيل جمعيات الصداقة بين الكرد والعرب كوسيلة للتعارف وتبادل القضايا والرؤا وتبادل الزيارات وكانت باكورتها جمعية الصداقة الفلسطينية – الكردية برام الله عام ١٩٩٩ برعاية الرئيس الراحل ياسر عرفات وجمعية الصداقة الكردية العربية باربيل عام ٢٠٠٠ برعاية الرئيس مسعود بارزاني وتشرفت برئاستها كما عقدنا باربيل ( منتدى الحوار الثقافي الكردي العربي ) عام ٢٠٠٤ بحضور نخب كردية وعربية ومناقشة العديد من القضايا المشتركة .
عاشرا – كنا الطرف الأول الذي اخترقنا الحواجز منذ أواسط ستينات القرن الماضي وتواصلنا مع الشركاء السوريين والأصدقاء العرب والامميين وطرحنا قضيتنا بمنتهى الشفافية : نحن شعب من السكان الأصليين نستحق حق تقرير المصير من حيث المبدأ في اطار سوريا الموحدة وكانت احدى شعارات صحيفتنا المركزية – اتحاد الشعب – ( الاعتراف المبدئي بحق تقرير المصير ) وأنه لايمكن فصل قضيتنا الخاصة عن القضية الديموقراطية في البلاد ومن الواقعي إيجاد صيغة للحل تتناسب مع خصوصيات قضيتنا والحالة السورية العامة أما مابعدنا وبعد – توالد الأحزاب – فمنها من استعار بعضا من موقفنا وليس كله ومنها من دخل بمناقصات مثل حزب اليمين الذي قدم ذرائع للبعض من الشوفينيين من أمثال – كيلو وكريدية – في رفض وجود شعب كردي بل – أقلية – وخلق انطباع لدى الأوساط الحاكمة ومن في فلكها اننا ( متطرفون .
حادي عشر – نعم لقد نجحنا بكل المقاييس في طرح قضيتنا في الاطار السوري خصوصا بمنتهى الوضوح ولأول مرة بالتاريخ السياسي لحركتنا وكذلك وكما ذكرنا على الأصعدة الإقليمية والاممية وكل ذلك دفع نظام الأسد ( الاب ) الى الاستنجاد بأجهزته الأمنية للانقضاض على حزبنا ليس لأنه أشعل ثورة مسلحة أو شارك بانقلاب عسكري أو اعلن استقلال الكرد بل لأنه بكل بساطة ( قاد مسيرة الطرح والتفصيل والتوضيح والتحاور ) وارسل – الأسد شخصيا – الضابط الأمني ( محمد منصورة ) الذي كانت مهمته واضحة ونجح فيها بشق ( الاتحاد الشعبي ) واستمالة بعض من ضعاف النفوس في قيادته بمنطقة الجزيرة
ثاني عشر – بعد اندلاع الثورة السورية الوطنية المغدورة شهدنا تقدما ملحوظا في تفهم القضية الكردية من جانب الحراك الوطني العام والكثير من تنسيقيات الشباب السوريين ولكنها اصطدمت بالواقع الكردي الحزبي المتناقض الذي أثار الشكوك وعدم الثقة بعد ان نقل بعض الأحزاب الوافدة آيديولوجيات من خارج الحدود ورفعت شعارات مغايرة للحقيقة والواقع وقزمت القضية الكردية السورية بكونها فقط ضد تركيا وليس النظام السوري والبعض منها يوالي المراكز الخارجية وينطلق من مصالحها والبعض منها يرى القضية الكردية في مؤخرة ( زهرة ) أو في بئر من النفط أو في منطقة جغرافية على مقاس جغرافيا المحتلين .
فقط وللأمانة أعاد حراك – بزاف – الحركة الوطنية الكردية السورية الى موقعها الحقيقي بعد أن عبثت بها الأحزاب نعم كل الأحزاب وان اردنا تصحيح المسار – وهو مانريده – علينا العمل الجاد لتوفير شروط عقد المؤتمر الكردي السوري الجامع بأسرع وقت .
أخيرا مرارا سمعنا من شركاء وأصدقاء ووجها لوجه المقولة التالية : ” قضيتكم مشروعة ولكن محاموها ليسوا بالمستوى المطلوب ” .