مقدمة لابد منها:
بدأت تركيا حرب المياه على سورية بتخفيض كميات مياه نهر الفرات القادمة الى سورية منذ أكثر من شهرين ،وتم إطلاق العديد من النداءات والتحذيرات من نقصان في مياه الشرب والطاقة الكهربائية وانتشار الجفاف.
وتعاني المناطق الشرقية والشمالية الشرقية السورية وخاصة على ضفاف نهر الفرات من شحّ المياه، بسبب حجز مياه نهر الفرات من الطرف التركي، مما يزيد المخاوف من انتشار الأوبئة والأمراض وخاصة بوجود فيروس كورونا.
استمرت معاناة سكان شمال شرق وشرق سورية، بمختلف مكوناتهم، منذ اندلاع الحرب السورية، والتي سببتها حكومة انقرة واستغلتها، لتنفيذ أجنداتها في المنطقة، وترحيل السكان الأصليين من الأكراد في تلك المناطق، حيث أطلقت عدة عمليات عسكرية ضدهم ،سقط بنتيجتها الالاف من الضحايا وتم تهجيرالالاف من المدنيين.
لقد قامت قوات الاحتلال التركية بممارسة كل أنواع الاعتداء والحقد والكراهية بحق الكورد السوريين وسكان شمال وشرق سورية، وأضافوا الى جرائمهم وانتهاكاتهم جريمة جنائية جديدة بقطعهم مياه نهر الفرات علاوة على كل اشكال القصف والخطف والقتل والتهجير و”التتريك ”وسرقة وتخريب المعالم الاثرية.
فقد تعمدت الدولة التركية خفض معدل مياه نهر الفرات بنسبة 60% من إجمالي الكمية التي تضُخ إلى الأراضي السورية على مدى عقود، مع ارتفاع درجات الحرارة وحلول الصيف حيث موسم زراعة البساتين والأراضي الزراعية، وتحولت ضفاف النهر ـ الذي تضُخ منه مياه الشرب إلى عشرات المدن والبلدات ـ إلى أرضٍ قاحلة منذ أكثر من شهريين، إذ تقلص عرض النهر من 4 كم إلى 2 كم من مدخل النهر للأراضي السورية بالقرب من مدينة جرا بلس الى كل حوض الفرات.
أن المبادئ التي ينظم القانون الدولي ملكية الموارد الطبيعية من خلالها هي:
-السيطرة الوطنية على الموارد الطبيعية، حسب نص المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية للدول لعام 1974م .
-السيطرة الوطنية المشتركة على الموارد: ويدعو هذا المبدأ إلى أن تتقاسم الدول الموارد المشتركة بينها طبقاً لطرق تتسم بالعدالة والمساواة، ويؤكد هذا المبدأ ما ورد في المادة الثالثة من ميثاق الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية للدول لعام 1974م.
أن القانون الدولي ينظم قواعد التعامل بين الدول في إطار احترام السيادة لكل منها ،وذلك في حالة عدم وجود اتفاقيات بين هذه الدول وهذا ما كان علية الحال بالنسبة للأنهار الدولية حتى ايار 1997عندما أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية دولية جديدة تنظم الاستخدامات غير الملاحية للمجارى المائية الدولية، وقواعد هلسنكي ، وإن المبادئ القانونية التي تحكم استغلال الأنهار الدولية بشكل منصف والتوزيع العادل لمياه شبكة الأنهار الدولية في غير شئون الملاحة، هي:
إقرار حق الدول التي يمر بها جزء من الأنهار الدولية في استخدام النهر بشرط ألا يضر هذا الاستخدام الدول الأخرى الشريكة في النهر.
تطبيق مبدأ المساواة في الحقوق.
الحرص على عدم إجراء أية تغييرات في نظام النهر بدون الاتفاق مع باقي دول النهر.
عند الاختلاف بين بلدان النهر الواحد يعرض النزاع للتحكيم الدولي.
أما طرق تقسيم المياه بين البلدان المتشاطئة، فقد تم الاستناد إلى وثائق الأمم المتحدة سواء فى المعاهدات أو الاتفاقيات التي تم عقدها بين الدول المعنية وحدد القانون الدولي مبادئ تحكم نظم المياه الدولية وهي :
للدول المتشاطئة حق السيادة في استخدام المياه بالحق المماثل لكل دولة.
التوزيع العادل والمعقول للحياة بالنسبة للدول المتشاطئة.
إذا قررت الدول المتشاطئة تغيير نظم المياه الدولية أن تعطى الفرصة للدول الأخرى لرفض هذا التغيير، وتمتنع الدولة في التغيير إلا بالاتفاقية .
أما أهم المبادئ العامة للقانون الدولي والتي يمكن تطبيقها على الأنهار الدولية :
-مبدأ حُسن الجوار بين الدول.
-مبدأ حُسن النية في التعامل بين الدول.
-مبدأ عدم الإضرار بالدول الأخرى.
-مبدأ تنفيذ الالتزام التعاقدية المصادق عليها.
-مبدأ عدم التعسف في استعمال الحق .
-مبدأ حل المنازعات بالطرق السلمية .
-مبدأ اللجوء إلى المفاوضات فى حالة الاختلاف.
نقطة أخيرة في هذه المقدمة الضرورية ،تتعلق بالسدود التركية وأثارها الكارثية على سورية والعراق استنادا على رؤية عدد من الباحثين والخبراء ، وهي: ” أن مناطق السدود التركية هي منطقة نشاط زلزالي قديم، وإذا انهار سد تركي أو أكثر من سد عملاق من السدود التركية سيؤدي إلى دمار شامل لشرق سورية وغرب العراق وقد يصل الجدار المائي الطوفاني كما يسميه الخبراء إلى الخليج العربي جارفا معه مدنا وقرى كاملة، لأن سد أتاتورك فقط يخزن قرابة 50 مليار متر مكعب من المياه وهذا يعادل الإيرادات المائية لدجلة والفرات حاليا لمدة عام كامل…”……..” …إن الخطر الزلزالي ، كان كافيا لرفع شكوى ضد تركيا وإلزامها بعقد اتفاقية لتقاسم المياه وتحمل مسؤولية أية كارثة قد تحدث، ولكن الحكومات السورية والعراقية رفضت طوال العقود الماضية أن تدول الموضوع حتى الآن…”.
“….ان تناقص المياه الواردة الى سورية إلى أقل من الربع هذه الأيام، وإلى ما دون ذلك إلى العراق ،يدفع الى التساؤل الكبير: لماذا لم تقرر حكومتا سورية والعراق تدويل قضية مئات السدود التركية طوال العقود الماضية ، كونها تشكل تهديدا وجوديا ؟ …”.
القسم الأول
المدخل القانوني:
لقد صنف القانون الدولي العام الأنهار إلى نوعين ؛ النوع الأول يتمثل : بالأنهار الوطنية والنوع الثاني يتمثل : بالأنهار الدولية والتي تعُرف بأنها : )تلك الأنهار التي تمر أحواضها بين إقليم أكثر من دولة ، أو تلك التي تفصل بين إقليم دولتين(، ويعد نهرا دجلة والفرات من الأنهار الدولية، وتشكل تركيا المصدر الرئيسي لتغذية نهر الفرات بالمياه من خلال روافدها إلى جانب مياه الأمطار والثلوج وهذا ما حدا بتركيا إلى التحكم في مجراه الأعلى ومنابعه حيث قامت بإنشاء العديد من السدود والخزانات والمشاريع المائية مما اثر سلباً على نوعية وكمية مياه نهر الفرات حيثُ قل منسوب مياه النهر وارتفعت مستويات التلوث وحصلت زيادة بدرجات حرارة مياهه وذلك بسبب المشاريع الكهرومائية التركية …في الحقيقة لقد حاولت تركيا استغلال مياه نهر الفرات بشكل كبير جداً وفي العديد من المجالات حيث خططت لاستثمار مساحات واسعة من الأراضي الزراعية على نهر الفرات تقدر بحوالي 1,440,000 مليون وأربعمائة وأربعين إلف دونم ، فضلا عن إنها تخطط لبيع المياه لدول الشرق الأوسط من خلال مشروع أنابيب السلام ، فتركيا لا تعترف بدولية النهرين ) دجلة والفرات ( وتعتبرهما حوضا واحدا وتراهما “نهران تركيان وطنيان” يخضعان للسيادة التركية ، وتطلق عليهما تسمية ) مياه ما وراء الحدود( ، في حين تعاني سورية العراق اليوم من أزمة مائية كبيرة بسبب السياسات المائية التركية فضلاً عن مشكلة التغيير المناخي والتي نجم عنها ارتفاع كبير في درجات الحرارة وتراجع كبير أيضاً في كميات هطول الأمطار ، مما أدى إلى وجود عدد كبير من المناطق المعرضة للجاف وهذا ما أدى إلى دخول سورية العراق إلى مرحلة يمكن وصفها بالمتأزمة والخطرة.
يتسم الماء بكونه ) حق ( لكل إنسان ولهذا فقد ذهبت اغلب الدساتير الوطنية إلى تنظيم
هذه الثروة وبيان أحكام ملكيتها واستغلالها وحمايتها من خطر التلوث والاستنزاف ،
كما أن أهمية المياه تزداد مع زيادة عدد السكان ومتطلبات التقدم العلمي والتكنولوجي الذي فتح أفاقاً جديدة في مجالات استخدام مياه الأنهار في غير شؤون الصيد والزراعة والملاحة ؛ كما أصبح للمياه دور كبير في نطاق العلاقات الدولية المعاصرة ، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تنتقل من الحقبة النفطية إلى الحقبة المائية ، فقد أزاح الماء البترول وأضحى من يسيطر على المياه يستحوذ على حياة البشرية ويهدد وجودها كما انه سيؤدي دوراً في المستقبل القريب في توزيع خريطة القوى السياسية في منطقة الشرق الأوسط.
وعليه فإن مسألة تكييف الطبيعة القانونية للأنهار بصورة عامة ونهر الفرات بالتخصيص تعد ضرورية حيث تمكننا هذه الطبيعة من إعطاء الوصف القانوني السليم للأنهار لكي يتسنى لنا تحديد طبيعة حقوق سورية والعراق في مياه نهر الفرات.
الأنهار والقانون الدولي:
تعُدّ المصادر المائية من الثروات الطبيعية والضرورية لاستمرار الحياة الإنسانية ولوجود الكائنات الحية كافة، ويرُمز بها اليوم إلى سيادة الدولة وسلطانها.لكن المياه العذبة القابلة للاستخدام من قبل سكان الكرة الأرضية لا تؤلف سوى ما يعادل 1% فقط من المصادر المائية المتوافرة، والباقي مياه محيطات وبحار مالحة وكتل جليدية توجد في مناطق شبه خالية من البشر، كما تعاني كثير من الدول ، من التوزيع غير المتساوي للمصادر المائية العذبة، وانعدام المساواة الفعلية في تقسيم المياه، وقساوة الظروف المناخية الناتجة من مشكلات القحط والجفاف شبه الدائمة، وظاهرة الاختيار غير المدروس بعناية لنمط معين من التنمية المبذرّة لكميات كبيرة من المياه، والتوسع السكاني المتزايد والتمدن العشوائي وعدم فعالية نظام السقاية وضعف الصيانة وتفاقم مشكلة التلوث المائي. وهذا ما أدى أحياناً إلى ظهور عدد من المنازعات بين الدول من أجل السيطرة على مجرى المياه العابر والمجاور لأراضيها. وقد مرَّ القانون الدولي المنظم لاستخدامات الأنهار الدولية،عبر تطوره التاريخي الطويل بمرحلتين مهمتين: فقد انبثق أصلاً من قاعدة تكريس حرية الملاحة النهرية بالنسبة إلى المجاري المائية القابلة للملاحة، ثم انتقل فيما بعد إلى الاهتمام على نحو رئيسي بموضوع تنظيم استخدامات المجاري المائية الدولية لغايات أخرى غير الملاحة )زراعة، صناعة، توليد طاقة كهربائية(.
يقصد بالنهر بصورة عامة تلك ” الوحدة المائية التي تتكون من منابع النهر ومجاري المياه وما يتصل بها من بحيرات ، وما يسير به مجراه يكون حوضاً واحداً ينتهي في بحر أو بحيرة داخلية تسمى المصب ، ويدخل فيه مجاري المياه التي تسير تحت الأرض وتكون متصلة بالنهر “أي المياه الجوفية.
قبل الولوج في التصنيف القانوني الدولي للأنهار لابد من الإشارة إلى أن فكرة التميز بين النهر الوطني والنهر الدولي لم تكن معروفة أو متداولة قبل نشوء وظهور مفهوم السيادة ، وأن القانون الدولي العام صنف الأنهار إلى نوعين وذلك حسب مركزها القانوني ، ولاسيما أن لكل نوع من هذين النوعيين قواعد خاصة يخضع لها سواء من حيث الملكية أو الاستغلال أو الملاحة
النوع الأول : الأنهار الوطنية
تعرف الأنهار الوطنية بكونها تلك الأنهار التي ) لها مجرى مائي يقع من منبعه إلى مصبه في إقليم دولة واحدة كنهر بردى في سورية ونهر البارد في لبنان ونهر السين في فرنسا ونهر التايمز في إنكلترا( . ويخضع النهر الوطني لسيادة الدولة التي يجري في إقليمها وعليه فأنها وحدها لها حق تنظيم الاستفادة من مياهه وفقا لما تفتضيه متطلبات التنمية الاقتصادية.
النوع الثاني: الأنهار الدولية
لقد برزت أولى الإشارات إلى مفهوم النهر الدولي في معاهدة باريس للسلام والتي عقدت بتأريخ 30/5/1814 حيث أوردت تعريف له على أساس أنه ذلك : ) النهر الذي يفصل أو يخترق أقاليم دولتين أو أكثر( . فقد ارتكزت المعاهدة على المعيار الجغرافي والسياسي ، إلا أن هذه الفكرة لم تستمر بل توالت بعد ذلك المحاولات الدولية لتحديد مفهوم النهر الدولي ، حيث عقد مؤتمر ف يّينا عام 1815 والذي كان بمثابة حجر الأساس ولاسيما انه وضع الأحكام العامة القابلة للتطبيق على كل الأنهار الدولية حيث أجمعت الدول المشتركة فيه على ضرورة تنظيم الملاحة في الأنهار المشتركة بين أكثر من دولة وذلك عن طريق الاتفاق المشترك فيما بين الدول المتشاطئة كما أكد المؤتمر على حرية الملاحة فضلاً عن أن هذا المؤتمر تم من خلاله تحديد مبادئ إدارة مياه نهر الراين ما بين الدول المتشاطئة ، واستمر الاهتمام الدولي بقضية المياه المشتركة ، وفي القرن العشرين تم البدء بالاهتمام باتجاه التركيز على معايير أخرى غير الجغرافية والسياسية بل أضحى المعيار الاقتصادي للنهر يحتل مركز الصدارة بالاهتمام ، وهذا ما يمكن الاستدلال عليه من خلال بيان أستوكهولم لعام 1961، وتوصيات سالزبورغ لعام 1961، وقواعد هلسنكي لعام 1966، وإعلان ريودي جانيرو لعام 1992، وتقرير لجنة القانون الدولي لعام 1994 وصولاً إلى اتفاقية استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية الصادرة عن الأمم المتحدة لعام 1997 والتي ورد فيها تحديد لمفهوم المجرى المائي وذلك من خلال الفقرة )أ( من المادة) 2( حيث نصت على أن المجرى المائي عبارة عن : )شبكة من المياه السطحية والجوفية التي تشكل بحكم علاقتها الطبيعية ببعضها البعض كلاً واحداً وتتدفق عادة صوب نقطة وصول مشتركة(.
وقد حددت نفس المادة بالفقرة )ب( مفهوم المجرى المائي الدولي والمراد به ” أي مجرى مائي تقع أجزاءه في دول مختلفة.”
أما مفهوم دولة المجرى المائي فان المراد بها ” الدولة التي يوجد في إقليمها جزء من مجرى مائي دولي أو مستودع للمياه الجوفية عابرة الحدود.” ان للقانون الدولى المتعلق بالأنهار مصادر عديدة على الشكل الاتي:
اولا – المعاهدات:
ان مجموع الاتفاقيات التى تناولت الانهار الدولية عديدة، ولعل اول معاهدة تناولت هذا الموضوع هى المعاهدة الموقعة بين هولندا والمانيا وهدفها تنظيم الاستعمال المشترك للحقوق المتعلقة بالانهار بين الدول المبرمة لها بتاريخ2/ 8/ 1785 ، تلتها بعد ذلك معاهدة باريس الموقعة بين فرنسا والمانيا بشان الملاحة فى نهر الراين المؤرخة فى 30/ 5 / 1814 ، اما بشأن نهر الدانوب فقد ابرمت معاهدتا باريس 1856 ولندن 1883
. والاتفاقية المبرمة بين مصر والسودان بشان مياه النيل سنة 1907 ، وكذلك الاتفاقية الموقعة بتاريخ 17 /12 1914 بين فرنسا وايطاليا بشأن نهر رينو وروافده ومعاهدة فرساى سنة 1919، والمعاهدة المبرمة سنة 1922بين روسيا وفنلندا وموضوعها عدم تحويل مجرى النهر او اقامة منشأت مائية تؤثر على تدفق المياه ، ومعاهدة لوزان سنة 1923 التى اوجبت على الدول المشتركة بالأنهار الحفاظ على الحقوق المكتسبة للدول المتشاطئة ، والاتفاقية المعقودة بين فرنسا وسويسرا بشان نهر الراين عام 1926 ، والمعاهدة الروسية الايرانية حول استغلال نهر اراكس الموقعة بتاريخ 11/ 8/ 1957 اضافة الى الاتفاقية الموقعة بين الهند وباكستان سنة 1960 بشان نهر الهندوس.
ثانيا – المؤتمرات الدولية والمواثيق:
ومنها: مؤتمر فينا المنعقد بتاريخ 1815 ، المتعلق بحرية الملاحة للأغراض التجارية للدول المتشاطئة وتنظيم ذلك ، وميثاق درسدن بشأن نهر الالب المؤرخ عام 1824 ، كذلك مؤتمر مدريد عام 1911 وهو المؤتمر الخاص بمعهد القانون الدولى والذى تم فيه البحث عن حقوق الدول المتشاطئة ، وفى سنة 1921 عقد فى برشلونة مؤتمر تناول مواضيع المساواة فى التعامل والامتناع عن عر قلة الملاحة والذى سمى بنظام برشلونة ، والذى بموجبه استبدلت مفردة الانهار الدولية الى المياه ذات الفائدة الدولية ، بعد ذلك عقد مؤتمر جنيف الثانى والمنبثقة عنه اتفاقية سنة 1939 حول استخدام القوى المائية فى الانهار الدولية ، واعلان الدول الامريكية الصادر سنة 1933 وموضوعه استخدام الانهر لغير الاغراض الملاحية وسواها من المواضيع الاخرى.
ثالثا – العرف:
يعتبر العرف واحداً من المصادر المهمة للقانون الدولي العام ما دامت احكامه جاءت على سبيل التكرار فى تصرف الدول وثبت فيها ان الدول تسير بوتيرة واحدة فى نوع معين من التصرفات الدولية ومن ذلك تستخلص القاعدة العرفية الدولية التي يشترط فيها قبول الدولة او الدول التصرف الموجه اليها ، وان تكرار الاعمال المتماثلة في تصرف الدول في امور معينة هو الركن المادي للعرف اما الركن المعنوي له فهو اعتقاد الدول بان التصرفات المادية التي تقوم بها او تطبقها ملزمة لها قانونا وهذا ما اشارت اليه المادة ) 38( من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية ، وفى هذا الصدد فأن القانون الإنجليزي اخذ بنظرية وحدة القانون الدولي والوطني حيث يقوم بإدراج القواعد القانونية العرفية المعترف بها والتي اكتسبت استقرارا في الممارسات الدولية في القانون الوطني من دون المرور بآلية تصديق السلطة التشريعية ، وبهذا المثل نقف على مدى الاهمية التي جاء بها العرف التي شكلت الكثير من قواعده جزءاً من النظام القانوني الدولي الذى ينظم العلاقات بين الدول المتشاطئة وبيان الحقوق والالتزامات لأطرافه.
الا ان واقع الحال ولكون القواعد العرفية غير مكتوبة ويكتنف بعضها الغموض ولكون قسم من الدول لم تلتزم بالاتفاقيات رغم كونها نصوصاً مكتوبة ومستوفية لألية التصديق مما يجعل القواعد العرفية الدولية هي الحلقة الاضعف فى النظام القانوني الدولي قدر تعلق الامر بالعرف الدولي.
رابعا – الاحكام القضائية:
تعتبر الاحكام القضائية الدولية واحدة من المصادر القانونية المهمة لهذا الموضوع وتعتبر من المصادر المساعدة وليست من المصادر الاساسية ، اضافة الى ان احكامها لا تلزم غير المتداعين ، الا انها بالرغم من ذلك فان المبادئ القانونية التي اصدرتها وتصدرها المحاكم تلك تعتبر مصدرا مهما من مصادر القانون الدولي ، وهناك امثلة كثيرة فى التطبيقات القضائية كحكم المحكمة الاتحادية السويسرية بشأن الخلاف حول سد يونباخ سنة 1878 ، وحكم المحكمة العليا الامريكية حول شكوى ولاية كنساس وولاية كولورادو بشان نهر اركانساس ،وقرار المحكمة الدولية الدائمة للعدل 1920 حول نهر الاودر ، وقرار محكمة العدل الدولية الدائمة بشان النزاع بين هولندا وبلجيكا حول مياه نهر الميزين 1937 ، وقرار محكمة العدل الدولية بشأن النزاع بين هنغاريا وتشيكوسلوفاكيا حول نهر الدانوب 1997.
خامسا – قرارات الامم المتحدة
تكتسب القرارات الصادرة عن الامم المتحدة اهمية خاصة كونها صادرة من اعلى مؤسسة تشريعية دولية والمصحوبة بعنصر الالزام عادة ،وهنالك العديد من ما اصدرته الامم المتحدة من قرارات ، على سبيل المثال : قرار الامم المتحدة الصادر بتاريخ 15/ 12/ 1980 المرقم 35 163 حول الاستغلال غير الملاحي لموارد المياه الدولية ، ومناقشة مبادى هلسنكي حول المحافظة على البيئة النهرية المطروح امام لجنة القانون الدولي لسنة 1983 ، ومؤتمر الامم المتحدة المنعقد فى السنغال سنة 1981للمجموعات المشتركة بحوض واحد ، وتقرير لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة حول استخدام مصطلح المياه العابرة للحدود سنة 1993 واعتماد مشروع قانون استخدام المجاري المائية الدولية من قبل لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة بتاريخ 17/ 6/1994 والميثاق الأوربي للمياه 1967.
اتفاقية برشلونة لعام 1921 حول نظام الأنهار القابلة للملاحة ذات الأهمية الدولية
ترسخت حرية الملاحة كقاعدة قانونية عامة بموجب وثيقة ڤيينا لعام 1815 ومعاهدة فرساي للسلام لعام 1919 بالنسبة إلى أنهر الراين والدانوب وإلب ، إلى أن تم التوصل بإشراف عصبة الأمم إلى عقد اتفاقية برشلونة في 20/4/1921 حول نظام الأنهار القابلة للملاحة، وفيما يأتي أهم ما ورد فيها:
1ـ مفهوم مجاري المياه الصالحة للملاحة وذات الأهمية الدولية: نصت المادة الأولى
من النظام الملحق بالاتفاقية على ما يعنيه مفهوم النهر الدولي حسبما هو متعارف عليه ذاك الوقت، والذي يشمل ضمن محتواه العام: مجاري المياه الصالحة بطبيعتها للملاحة والتي تفصل بين أراضي عدة دول أو تجري فيها، وكذلك مجاري المياه ذات الأهمية الدولية بمقتضى تصرفات وحيدة الطرف تصدر من الدول التي تجري فيها، أو بموجب اتفاق دولي تقره الدول المتشاطئة للنهر، ومجاري المياه التي تشرف عليها لجان دولية قد تضم دولاً أخرى إضافة إلى الدول المتشاطئة لمجرى المياه.
2ـ قاعدة حرية الملاحة والمساواة في المعاملة: نصت المادة الثالثة من الاتفاقية على تطبيق قاعدة حرية الملاحة لمصلحة مراكب جميع الدول الموقعة عليها، سواء أكانت من الدول التي يقع فيها المجرى المائي أم من الدول الأخرى، كما أوردت المادة الرابعة مبدأ المساواة في المعاملة بين جميع السفن، وألزمت المادة السابعة عدم فرض رسوم سوى ما يتعلق منها بالصيانة ومقابل خدمات فعلية. وأعلنت المادة الخامسة أنه يجوز للدولة التي يجري النهر في إقليمها أن تقصر التعامل في شواطئها المحلية لمصلحة مراكبها حصراً. ويحق للدول المتشاطئة بموجب المادة التاسعة الامتناع عن تطبيق القواعد العامة لنظام حرية الملاحة إذا ما تدخلت أحداث خطيرة تتعلق بالملاحة الإقليمية للدولة أو بمصالحها الحيوية، على أن تقدرَّ الضرورة بقدرها وأن تنتهي الظروف الاستثنائية بزوال أسباب وجودها. ومع أن عدد الدول التي ارتبطت باتفاقية برشلونة الذي تجاوز الأربعين عند ولادتها انحسر إلى 21 دولة بعد ذلك، لكن استمرار التعامل بموجب قواعدها من قبل الدول حتى اليوم جعل قواعدها عرفاً دولياً واجباً على الدول كافة.
اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 حول استخدامات المجاري المائية الدولية للغايات غير الملاحية
تميزَّ الوضع القانوني لاستخدام الأنهار الدولية لغايات غير الملاحة النهرية بالغموض والتشتت، وذلك منذ ان رفضت أغلبية الدول التصديق على اتفاقية جنيڤ المؤرخة في 9/12/1923 حول تجهيز الطاقة المائية التي تهم عدة دول، وبناء عليه، بادرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم 2669 تاريخ 8/1/1970 إلى دعوة لجنة القانون الدولي لدراسة مسألة تقنين القانون المتعلق باستخدام الأنهار الدولية للغايات غير الملاحية. وقد توصلت اللجنة بعد نحو سبعة وعشرين عاماً من المناقشات القانونية واستطلاع آراء عدد كبير من الدول إلى عرض النص النهائي لمشروعها على الجمعية العامة التي اعتمدته بقرارها رقم 229/51 تاريخ 21/7/1997 بعنوان «الاتفاقية العامة حول القانون المتعلق باستخدامات المجاري المائية الدولية لأغراض أخرى غير الملاحة». وفيما يأتي أهم ما تضمنته الاتفاقية من بنود مهمة:
1ـ مفهوم المجرى المائي الدولي: وعرَّفته المادة الثانية من الاتفاقية بأنه: نظام المياه السطحية والجوفية، المتواجدة في عدة دول، والتي تشكل بموجب روابطها الفيزيائية مجموعة موحدة تصل بشكل طبيعي إلى نقطة التقاء مشترك.
2ـ الاستخدام العادل والمنصف للمصادر المائية: نصت المادة الخامسة من اتفاقية عام
1997على هذا المبدأ الذي لا يمكن تطبيقه عملي اً إلا مع الأخذ في الحسبان ضرورة استبعاد أي أولوية بين الاستخدامات المختلفة للمياه، كما أشارت إلى ذلك المادة/ 10/ من الاتفاقية. وأضافت المادة السادسة أنه يجب التوفيق بين جميع العوامل والظروف الملائمة لتحديد معنى الاستخدام العادل للمياه ودرجة الاعتماد على المياه والاتفاقات المعقودة، ولا يعني هذا المبدأ تقسيم المياه كمياً أو نسبياً وإنما استخدامها استخداماً مثمراً ومتعقلاً لمصلحة الدول المتشاطئة كافة.
3ـ المسؤولية الدولية عن الإضرار بالغير: هذا المبدأ المعترف به كقاعدة عرفية منذ إعلانه في حكم محكمة العدل الدولية لعام 1949 في قضية مضيق كورفو، تم ترسيخه أيضاً في المادة السابعة من اتفاقية عام 1997 التي نصت على الامتناع عن التسبب بأضرار جسيمة للدول الأخرى عند استخدام المجرى المائي الدولي، مع التسامح بحصول بعض الأضرار غير الجسيمة التي يمكن التعويض عنها بموجب اتفاقيات خاصة. كما حظرت المادة/ 21/ من الاتفاقية الأعمال الهادفة إلى تحويل المجرى المائي الدولي أو تحويل وتخفيض جريان المياه ومنسوب المجرى.
4ـ التعاون والتفاوض بحسن نية: نصت المادة الثامنة من الاتفاقية على التزام التعاون على أساس المساواة السيادية للدول المتشاطئة لتحقيق الفوائد المتبادلة بقصد بلوغ الاستخدام الأمثل للمجرى المائي الدولي، بما في ذلك تبادل المعطيات والمعلومات حول حالة مجرى النهر)المادة 9( والوقاية من الكوارث الطبيعية )المواد 27 و28( وفيمجال ضبط المياه وتدفقها )المواد 25 و26( والتشاور فيما يتعلق بالمشروعات المخططلها )المواد 11 إلى 19( وأخيراً نصت المادة )33( على سلسلة من الإجراءات لتسويةالخلافات سلمياً بين الدول كالمفاوضات المباشرة والمساعي الحميدة والتوسط والتحقيقوالتوفيق والتحكيم واللجوء إلى محكمة العدل الدولية.
اتفاقيات لأنهار محددة
ترسخت قاعدة حرية الملاحة عرفياً وبموجب اتفاقيات خاصة، وتم عقد اتفاقيات خاصة ،ثنائية ومتعددة الأطراف، لتنظيم استخدامات كثير من المجاري المائية الدولية، كاتفاق 30/11/1963 للملاحة في نهر الدانوب، واتفاقية 9/12/1976 لحماية نهر الراين من التلوث الكيميائي، واتفاقية 11/3/1973 لتنظيم استغلال مياه نهر السنغال، واتفاق 5/4/1995 حول الاستغلال الأمثل لنهر الميكونج، واتفاق 19/9/1960 حول تقسيم مياه نهر الهندوس )السند(، واتفاق 3/7/1978 حول استغلال مياه حوض الأمازون. كما يشار بهذا الخصوص إلى القرار التحكيمي لعام 1975 حول استخدام بحيرة لانو بين فرنسا وإسبانيا، وحكم محكمة العدل الدولية لعام 1997 في قضية المشروعات المنفذة على نهر الدانوب بين المجر وسلوڤاكيا، وكذلك القرارات الصادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة لعام1977 حول المياه، ومؤتمرات أعوام 1972و1992و1997 حول البيئة والتنمية. وهذا ما يؤلف بمجمله محور قانون استخدام المجاري المائية الدولية.
القواعد القانونية لإدارة الأنهار الدولية
ـ الاتفاقية المعقودة أثناء مؤتمر جنيف الثاني للمواصلات في تشرين الثاني 1933 حول “استخدام القوى المائية في الأنهار الدولية”، والتي جاء فيها: أن على كل دولة تحتفظ في حدود قواعد القانون الدولي، بأن تقوم في إقليمها بجميع الأعمال التي تراها ملائمة لاستخدام القوى المائية ما لم تكن هذه الأعمال من شأنها أن تمس إقليم دولة أخرى، أو كان يترتب عليه أضرار جسيمة بدولة أخرى .
ـ إعلان الدول الأميركية في كانون الثاني 1933، والذي اشتمل على مبادئ تعكس التعاون بين الدول ذات الانهار المشتركة في مجال استخدام المياه الدولية في الأغراض غير الملاحية، وفي استغلال الموارد المائية الدولية لتوليد الطاقة الكهرومائية، وفي الأغراض الزراعية والصناعية. حيث تضمن الإعلان الحق لكامل الدول في استغلال ما يقع تحت سيادتها من مياه الأنهار الدولية للأغراض المشار إليها، مع التأكيد على أن لا يحق لأية دولة القيام بتغيير مجرى النهر الدولي لهذه الأغراض دون موافقة الدول ذات الانهر المشتركة، والتأكد من عدم الإضرار بمصالح هذه الدول. وكذلك عليها، وقبل القيام بأي مشروع، إخطار الدول الأخرى وإرفاق جميع الوثائق الفنية اللازمة لمعرفةصلاح المشروع. وفي حال تعذر الوصول إلى اتفاق بالطرق الدبلوماسية، يلُجأ إلى المعاهدات الجماعية والاتفاقيات السارية في القارة الأميركية.
ـ معاهدة بين الحكومتين البلجيكية والبريطانية في تشرين الثاني 1934 المتعلقة بحقوق المياه في نهر تنجانيغا ورافد رواندا الإفريقيين، وذلك في أثناء الفترة الاستعمارية لإفريقيا.
ـ المعاهدة الأميركية ـ المكسيكية في شباط 1943 لتنظيم استغلال مياه الأنهر المشتركة بينهما. وألحقت بالاتفاق الأميركي ـ المكسيكي في شباط 1944، والذي أوجب على الدولتين الوصول إلى اتفاق مسبق قبل إقامة مشاريع مائية.
ـ اتفاقية نهر درافا الموقعة في سنة 1954 بين يوغسلافيا والنمسا، والتي تضمنت إقرار مبدأ التشاور بين دولة المجرى الأعلى )النمسا( ودولة المجرى الأسفل )يوغسلافيا(، في حالة تفكير دولة المجرى الأعلى القيام بأي مشروع، والتعهد بإجراء مفاوضات قانونية بشأن الحقوق في المياه.
ـ المعاهدة الموقعة بين فرنسا وإسبانيا في عام 1957، والتي تنص على أن دولة أعالي النهر )المنبع( تخرق القانون الدولي إذا غيرت، أو خفضت كمية المياه المتدفقة إلى دولة المجرى الأسفل.
ـ اتفاقية نهر الهندوس بين الهند وباكستان في عام 1960، والتي أشارت مقدمتها إلى أنها استندت على مبادئ حسن النية وتحقيق أفضل استخدام لمياه نهر الهندوس فيما بينهما.
ـ اتفاقية حوض البلاتا ، الموقعة في نيسان 1967 بين حكومات خمس دول هي الأرجنتين وبوليفيا والبرازيل والبارغواي والأروغواي، والتي تضمنت أحكاماً تتعلق باستخدام الثروات المائية من خلال تنظيم المجاري المائية والاستغلال العادل.
ـ معاهدة الولايات المتحدة مع المكسيك في عام 1906 حول نهر ريوغراندي، إذ ذكرت المادة الخامسة منها، بأن الولايات المتحدة بإبرام هذه المعاهدة، لا تسلم على أي نحو بإرساء أي مبدأ أو إيجاد أية سابقة. علماً أن المعاهدة ذكرت في مقدمتها، بأن الدافع الرئيسي لإبرام المعاهدة، هو رغبة الدولتين في تنظيم توزيع مياه النهر بينهما بشكل منصف.
ـ معاهدة الهند وباكستان في عام 1960 حول نهر الهندوس، حيث جاءت إحدى فقراتها لتقول: أنه لا يجوز أن يفسر الأطراف أي حكم في هذه المعاهدة، على أنه يترتب بأي شكل كان مبدءاً قانونياً عاماً أو سابقة.
وفي سنة 1966 ذهبت قواعد هلسنكي إلى أن البحيرات والأنهار التي تعبر الحدود الدولية أو تعتبر محددة لها دن ان تحكمها اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف تخضع لاعتبارات سيادة الدول تسببت في عدم اعتماد الأمم المتحدة لقواعد هلسنكي 1993وأخرجتها من دائرة الالتزامات الدولية.
كانت قواعد هلسنكي تعني بمنابع الأنهار أكثر من مجراها، وقد كان من نتائج ذلك أنهااهتمت وأرست قاعدة الفرص المتساوية، ونصت قواعد هلسنكي بوجه خاص علي أنكل الدول المتشاطئة للأنهار أو البحيرات المائية من حقها الحصول علي قدر معقولومتوازن من المياه و لكن برز خلاف حول تفسير هذا المعيار، كما أن قاعد هلسنكيالقت أهمية علي ضرره تفادي أي أضرار جسيمة لدول المصب ولكن “اختلفتالتفسيرات الاجتماعية لهذا المصطلح إلا أن الجوانب الجغرافية والاقتصادية والديموغرافية والتاريخية قد وضعت في الحسبان في الصياغة الأصلية للقواعد دون كثير من الاهتمام بنوعية المياه أو البيئة.”
ولذلك أحيلت قواعد هلسنكي إلى لجنة القانون الدولي بالأمم المتحدة، وهناك اهتماما قانونيا بالمشاركة في الموارد المائية عبر تاريخ طويل في العلاقات الدولية .وهكذا يتبين أنه يجري من زمن طويل جهد في مجال القانون الدولي، ومن وثيقة الموزا b1993 تبرز خمسة عوامل حاكمة في تحديد مفهوم الفرص المتساوية والضرر الجسيم: طبيعة مكونات جزء النهر في كل دولة، واستخدامات المياه في الماضي والوقت الراهن ،واحتياجات السكان الاجتماعية الاقتصادية، والموارد البديلة، وتفادي الأضرار بالجزء التالي من مجري النهر، وتفادي الإضرار عبر الحدود.
وقد اهتم مؤتمر إستكهولم 1972علي البيئة الإنسانية. بحيث لا تتخطي الأضرار حدود دولة إلي أخري من الدول المتشاطئة. وبينما أكد مؤتمر مارا دي بلاتا في الأرجنتين 1977 على سيادة الدول فقد نادي أكثر من مؤتمر إستكهولم ببذل العناية بمبدأ المشاركة والتأثيرات الاجتماعية وعدم الأضرار بمياه وبيئة الغير، ولأول مرة يركز مؤتمر دولي نظمته الأمم المتحدة سنة 1993 هو مؤتمر مالطة على المياه فقط وعلاقتها بالقيم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بما في ذلك من مؤثرات سياسية وانتهي بإعداد خطة للعمل للحفاظ على البيئة، ووضع المؤتمر عدة مبادئ للاستهداء بها في التعامل مع قضية المياه هي:
1ـ الماء ضرورة ماسة للحفاظ على الحياة التنمية والبيئة تقتضي إدارتها مدخلا تاريخيا يربط بين الجوانب التنمية الاقتصادية بدواعي الحفاظ على الأنظمة الطبيعية
2ـ أن إدارة وتنمية المياه يجب ان تؤسس على شراكة مستخدمي المياه ومخططي تنميتها وواضعي القرار السياسي.
3ـ دور المرأة الهام في الحفاظ على المياه.
4ـ للماء قيمة اقتصادية وفي هذا السياق ينبغي الاعتراف بحاجة كل أنسان لاستهلاك المياه.
أما فيما يتعلق بالأخطار المسبق والذي مؤداه وجوب قيام الدولة المتشاطئة للنهر والتي قد تعتزم إنشاء مشروع عليه قد يسبب ضرراً لدولة مشاطئة أخرى بإخطار الأخيرةبالبيانات العلمية الدقيقة المتعلقة بذلك المشروع، وأن تمنحها فترة زمنية مناسبة لدراسةالمشروع وإبداء ملاحظاتها واعتراضاتها عليه إن وجدت، وذلك بهدف درء الأضرارالمحتملة أو تخفيضها إلى أدنى حد ممكن، أو السماح بها بالاتفاق بين الدول المعنية معالتزام الدولة المستفيدة بدفع التعويضات الأزمة.
ومن ثم فإنه لا يجوز لأية دولة متشاطئة أن تقوم أو تسمح بتنفيذ أية مشروعات مائيةعلى النهر إلا بعد أخطار الدول الأخرى المتشاطئة لذات النهر والتشاور معها إن كانلذلك مقتضي، إذ أن مبدأ الاشتراك في المياه الذي يحكم الانتفاع بمياه الأنهار الدولية لايمكن أن يكون فعالاً دون وجود واجب الإخطار والذي يؤدى إعماله إلى تجنب كثير من المنازعات التي قد تثور بين الدول المتشاطئة للأنهار الدولية.
ان معاهدة هلسنكي حول حماية واستخدام المجاري المائية العابرة والبحيرات الدولية لسنة 1992. وعلى الرغم من تلك الاتفاقية لم تدخل حيز التنفيذ حتى تاريخه إلا أن أهميتهما قد أكدتها محكمة العدل الدولية عام 1997م بعد أشهر فقط من تاريخ إجازتها.
اتفاقية قانون الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية
اتفاقية قانون الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية ، هي وثيقة أقرتها الأمم المتحدة في 21 ايار 1997 تتعلق باستخدامات والحفاظ على كل المياه العابرة للحدود الدولية، بما فيها المياه السطحية والمياه الجوفية. فقد وضعت الأمم المتحدة مسودة لتساعد على الحفاظ على الماء وادارة الموارد المائية للأجيال الحاضرة والمستقبلة. ولتدخل حيز التنفيذ، احتاجت الوثيقة تصديق 35 بلد، ولكن حتى 2008 تلقت أقل من نصف العدد المطلوب، بتصديقات 16 دولة. وبالرغم من عدم التصديق عليها، فإن الوثيقة تعتبر خطوة هامة نحو التوصل لقانون دولي يحكم المياه.
في خريف 2008، بدأت الأمم المتحدة مراجعة قانون اقترحته مفوضية القانون الدولي يؤدي غرضاً مماثلاً للوثيقة التي لم يتم التصديق عليها، ولكن الأمم المتحدة كانت تفكر في اقرار المقترح كخطوط عامة وليس لإقرارها فوراً كقانون.
في يوم ايار 2014، أصبحت دولة فيتنام الدولة الخامسة والثلاثين التي انضمّت إلى اتفاقية المجاري المائية الدولية. وقد أكملتْ دولةُ فيتنام بانضمامها العدد المطلو ب من التصديقات لدخول الاتفاقية حيز النفاذ. عليه فإن الاتفاقية دخلت حيز النفاذ في 17 آب عام 2014، اي بعد تسعين يوماً من تاريخ إيداع الصك الخامس والثلاثين للتصديق أو القبول أو الموافقة، كما تقضي بذلك المادة 36 من الاتفاقية.
تميزَّ الوضع القانوني لاستخدام الأنهار الدولية لغايات غير الملاحة النهرية بالغموض والتشتت، وذلك منذ رفض أغلبية الدول التصديق على اتفاقية جنيڤ المؤرخة في 9 كانون الاول 1923 حول تجهيز الطاقة المائية التي تهم عدة دول. وبناء عليه، بادرتالجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم 2669 تاريخ 8/1/1970 إلى دعوة لجنةالقانون الدولي أن ”تباشر دراسة القانون المتعلّق بوجوه استخدام المجاري المائية الدوليةللأغراض غير الملاحية، بقصد تطوّرِه التدريجي وتدوينه.“ وكانت في غايةٍ من التعقيدوالصعوبة. فقد تطلبّ الأمر ثلاثةً وعشرين عاماً، وخمسة مقررين، وخمسة عشرتقريراً قبل أن تتوصّل لجنة القانون الدولي إلى اتفاقٍ على المشروع النهائي لموادالاتفاقية في عام 1994، وتحيله إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في ذلك العام. وقدسمّت لجنة القانون الدولي الاتفاقية “اتفاقية الأمم المتحدة بشأن قانون استخداماتالمجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية”
مضت ثلاثة أعوام أخرى بعد انتهاء لجنة القانون الدولي من عملها في عام 1994، قبل أن تجيز الجمعية العامة للأمم المتحدة الاتفاقية في 21 آيار عام 1997. فبعد مناقشةٍ مطوّلة للمشروع الذي قدمّته لجنة القانون الدولي، بصيغته المعدلّة من جانب الفريق العامل، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 51/229 باعتماد الاتفاقية. بعنوان «الاتفاقية العامة حول القانون المتعلق باستخدامات المجاري المائية الدولية لأغراض أخرى غير ملاحية» وصوّت لصالح الاتفاقية مائةٌ وثلاث من الدول، وصوّتت ضدها ثلاثُ دولٍ )بوروندي وتركيا والصين( فقط، مع امتناع سبعٍ وعشرين دولة عن التصويت.
ثم مضت سبعة عشر عامٍ أخرى قبل أن تكتمل التصديقات والموافقات المطلوبة لدخول الاتفاقية حيز النفاذ .وان الدول التي أصبحت أطرافاً في الاتفاقية، وهي:
من أوروبا: فنلندا، النرويج، المجر، السويد، هولندا، البرتغال، المانيا، اسبانيا، اليونان ،فرنسا، الدنمارك ،لكسمبورج، ايطاليا، الجبل الأسود، المملكة المتحدة، ايرلندا.
من أفريقيا: جنوب أفريقيا، ناميبيا، غينيا بيساو، بوركينا فاسو، نيجيريا، النيجر، بنين، تشاد، وساحل العاج.
من الشرق الأوسط: سوريا، لبنان، الأردن، العراق، ليبيا، تونس، قطر، المغرب.
من آسيا: أوزبكستان وفيتنام.
اهم بنود الاتفاقية:
وفيما يأتي أهم ما تضمنته الاتفاقية من بنود مهمة:
مفهوم المجرى المائي الدولي: استعرضت لجنة القانون الدولي جميع المفاهيم المستخدمة للأنهار الدولية، مثل: الحوض النهري والحوض المائي الدولي وحوض التصريف الدولي، وقررت أخيراً اعتماد مفهوم المجرى المائي الدولي الذي عرَّفته المادة الثانية من الاتفاقية بأنه: نظام المياه السطحية والجوفية، المتواجدة في عدة دول، والتي تشكل بموجب روابطها الفيزيائية مجموعة موحدة تصل بشكل طبيعي إلى نقطة التقاء مشترك.
الاستخدام العادل والمنصف للمصادر المائية: نصت المادة الخامسة من اتفاقيةعام 1997 على هذا المبدأ الذي لا يمكن تطبيقه عملياً إلا مع الأخذ في الحسبان
ضرورة استبعاد أي أولوية بين الاستخدامات المختلفة للمياه، كما أشارت إلىذلك المادة/ 10/ من الاتفاقية. وأضافت المادة السادسة أنه يجب التوفيق بينجميع العوامل والظروف الملائمة لتحديد معنى الاستخدام العادل للمياه ودرجةالاعتماد على المياه والاتفاقات المعقودة، ولا يعني هذا المبدأ تقسيم المياه كمياً أونسبياً وإنما استخدامها استخداماً مثمراً ومتعقلاً لمصلحة الدول المتشاطئة كافة.
المسؤولية الدولية عن الإضرار بالغير: هذا المبدأ المعترف به كقاعدة عرفية منذ إعلانه في حكم محكمة العدل الدولية لعام 1949 في قضية مضيق كورفو ،تم ترسيخه أيضاً في المادة السابعة من اتفاقية عام 1997 التي نصت على الامتناع عن التسبب بأضرار جسيمة للدول الأخرى عند استخدام المجرى المائي الدولي، مع التسامح بحصول بعض الأضرار غير الجسيمة التي يمكن التعويض عنها بموجب اتفاقيات خاصة. كما حظرت المادة/ 21/ من الاتفاقية الأعمال الهادفة إلى تحويل المجرى المائي الدولي أو تحويل وتخفيض جريان المياه ومنسوب المجرى.
التعاون والتفاوض بحسن نية: نصت المادة الثامنة من الاتفاقية على التزام التعاون على أساس المساواة السيادية للدول المتشاطئة لتحقيق الفوائد المتبادلة بقصد بلوغ الاستخدام الأمثل للمجرى المائي الدولي، بما في ذلك تبادل المعطيات والمعلومات حول حالة مجرى النهر) المادة 9( والوقاية من الكوارث الطبيعية )المواد 27 و28( وفي مجال ضبط المياه وتدفقها )المواد 25 و26( والتشاور فيما يتعلق بالمشروعات المخطط لها )المواد 11 إلى 19( وأخيراً نصت المادة )33( على سلسلة من الإجراءات لتسوية الخلافات سلمياً بين الدول كالمفاوضات المباشرة والمساعي الحميدة والتوسط والتحقيق والتوفيق والتحكيم واللجوء إلى محكمة العدل الدولية.
ان ما سبق يؤكد على المبادئ القانونية التالية:
اولا – من الضروري لدول المنبع الاقرار بحقوق دول المصب وعدم جواز اعتبار دول المنبع مالكة بشكل مطلق للنهر.
ثانيا – عدم جواز احداث منشآت او اعمال هندسية فى دولة المنبع من دون التباحث مع دول المصب او الدول المتشاطئة وحصول موافقة دول الحوض المسبقة قبل المباشرة بأي جهد هندسي.
ثالثا – عدم القيام بأي عمل من قبل دولة المنبع يؤدى الى تغيير مجرى النهر والحالة الطبيعية التي كان عليها النهر المذكور.
رابعا – استخدامات النهر الدولي يجب ان تتم على وفق الاتفاقيات والمعاهدات مع الاخذ بالمعايير الدولية وباتفاق الاطراف.
خامسا – عدم جواز قيام دولة المنبع بأي عمل يؤدى الى الحاق الضرر بالمصب اوالدول المتشاطئة وفى حالة حدوث ضرر وبأي شكل من الاشكال فان دولة المنبع يلزمهاالضمان.
سادسا – في حالة حدوث خلاف او نزاع حول تقسيم الحصص المائية فيجب اللجوء الىالمفاوضات والتشاور وتشكيل اللجان الفنية لمعالجة ذلك وفى حالة عدم التوصل الى حل يتم اللجوء الى التحكيم او المحاكم الدولية.
وتأسيسا لما سبق فإن نهر الفرات يعُد نهراً دولياً حيث تشترك به كل من تركيا وسوريا والعراق وفقاً لقواعد القانون الدولي والتي توجب تقاسم مياهه ما بين الدول المشتركة وذلك طبقاً لقواعد القانون الدولي ، إلا أن هذه الحقيقة لا تعترف بها تركيا حيث أنها تجد في نهري دجلة والفرات حوضا واحداً وتعتبرهما نهران وطنيان وتطلق على مياههما )مياه ما وراء الحدود ( ، وهذا ما لا يمكن لسورية والعراق الموافقة عليه حيث أن هذه الفكرة تعمل وبشكل كبير على إهدار حقوق سورية والعراق المائية بمياه النهرين.
القسم الثاني
التعريف بنهر الفرات
يعد نهر الفرات احد الموارد الطبيعية المهمة في سورية والعراق وبهذا فقد كانت سورية والعراق تعدان من البلدان الغنية بالمياه الداخلية مقارنة بالبلدان المجاورة .
وهو أحد الأنهار الكبيرة في جنوب غرب آسيا وأكبر نهر في الصفيحة العربية، وينبع النهر من جبال طوروس في تركيا ويتكون من نهرين في آسيا الصغرى هما مراد صو )أي ماء المراد( شرقاً، ومنبعه بين بحيرة وان وجبل أرارات في أرمينيا، وقره صو )أي الماء الأسود( غرباً ومنبعهُ في شمال شرقي الأناضول. والنهران يجريان في اتجاه الغرب ثم يجتمعان فتجري مياههما جنوبا مخترقة سلسلة جبال طوروس الجنوبية. ثم يجري النهر إلى الجنوب الشرقي وتنضم إليه فروع عديدة قبل مروره في الأراضي السورية ليجري في الاراضي العراقية ويلتقي بنهر دجلة في منطقة كرمة علي ليكون شط العرب الذي يصب في الخليج العربي ، ويدخل نهر الفرات في الأراضي السورية عند مدينة جرا بلس، وفي سوريا ينضم إليه نهر البليخ ثم نهر الخابور وثم يمر في محافظة الرقة ويتجه بعدها إلى محافظة دير الزور، ويخرج منها عند مدينة البو كمال. ويدخل أراضي العراق عند مدينة القائم في محافظة الأنبار ليدخل بعدها محافظة بابلويتفرع منه شط الحلة ثم يدخل نهر الفرات إلى محافظة كربلاء ثم إلى محافظة النجفومحافظة الديوانية ثم محافظة المثنى ثم محافظة ذي قار ليتوسع ليشكل الأهوار، ويتحدمعه في العراق نهر دجلة فيشكلان شط العرب الذي تجري مياهه مسافة120 كم ،
لتصب في الخليج العربي. ويبلغ طول نهر الفرات من منبعه في تركيا حتى مصبه في شط العرب في العراق حوالي 2940 كم منها 1176 كم في تركيا و610 كم في سوريا و1160 كم في العراق، ويتراوح عرضه بين 200 إلى أكثر من 2000 متر عند المصب.
ويمثل نهر الفرات لنسبة كبيرة من السوريين، الشريان الحيوي لحياتهم وبقائهم من حيث استخدام مياهه في حياتهم اليومية المعيشية وفي الزراعة والصيد وتربية الحيوانات …. الأمر الذي جعل لهم )حقوق ثابتة أصلية ( في مياه نهر الفرات.
كما ويتسم نهر الفرات بكونه نهر فيضاني غير منتظم الجريان ، ويتدفق حوالي نصف وارده السنوي خلال شهري )نيسان – أيار ( حاملاً معه كميات كبيرة من الطمي تبلغ تقريباً 100مليون طن، ويتغذى هذا النهر في تركيا من مياه الأمطار والثلوج ، أما فيما يتعلق بمعدله السنوي الذي يمكن الارتكاز إليه لتحديد حجم الجريان الطبيعي لنهر الفرات فإنه من غير الممكن تحديد ذلك ولاسيما أن تركيا ومنذُ بداية سبعينات القرن العشرين قامت بإنشاء سلسلة من السدود والمنشآت المائية والتي تتسم طاقتها التخزينية بكونها تفوق الطاقة الطبيعية لمياه نهر الفرات بما يزيد عن ثلاث مرات، كما أن مجموع المياه المخزونة بمشروع الكاب وحده تبلغ حوالي) 90( مليار متر مكعب أي ثلاث
أضعاف الوارد المائي للنهر ،وهذا ما يتعارض مع النظام القانوني الذي يحكم الاستخدام المشترك للأنهار الدولية والذي يفرض ان يكون استخدام المياه بصورة
عادلة ومنصفة غير ضارة بالغير؛ وعليه فإن تركيا تعتدي على حقوق الدول المتشاطئة معها دون اكتراث لحقوقهم الثابتة .
خصائص النهر
يستقبل نهر الفرات معظم مياهه من خلال هطول الأمطار، وذوبان الثلوج.
ترتفع مياه نهر الفرات بشكل خاص وكبير خلال الأشهر الممتدة من نيسان وحتى آيار.
وينخفض تدفق مياه نهر الفرات خلال الصيف والخريف.
المنبع الرئيسي لنهر الفرات في تركيا الشرقية، ثمّ تتدفق مياهه إلى الخليج العربي ،وهي في طريقها تمر عبر الأراضي السورية والعراقية. وازدهرت العديد من الحضارات على ضفاف نهر الفرات خلال العصور القديمة.
وكان نهر الفرات جزءاً من “طريق الحرير”، وهو طريق تجاري يمر عبر آسيا الوسطى وبلاد الرافدين، وكانت مدينة حلب السورية محطة رئيسية على طول الطريق التجاري الشهير.وبنيت مدينة بابل التي تعتبر أهم المدن في العالم القديم على طول نهرالفرات. بنيت العديد من السدود الكبيرة على طول نهر الفرات، وكان أهمها سد الفرات.
على الرغم من أنّ نهر الفرات لازال من أهم الأنهار حول العالم، إلا أنهّ واجه العديد منالمشكلات التي أثرت عليه بشكل سلبي.
نهر الفرات في التاريخ
كان يسمى من قبل شعوب المنطقة بالنهر الكبير أو النهر، كما كان الحد الفاصل بين الشرق والغرب بين بلاد آشور وبابل وبلاد شمال أفريقيا، وكانت كل من هاتين القوتين تسعيان لامتلاك الأراضي الواقعة بين وادي النيل والفرات. أيضا كان الفرات الحد الفاصل بين الشرق عن الغرب في عهد الفرس. كما كان أحد حدود المملكة السلجوقية وكان يعد الحد الشرقي للإمبراطورية الرومانية. وكانت بابل أعظم مدينة على شواطئه وكركميش المدينة الحثيّة شمال الجزيرة السورية )الفراتية(. وقد شهدت ضفاف هذا النهر معارك وحروب عديدة .
ما يلاحظ عند القاطنين على جانبي الفرات، أنهم خصوا نهر الفرات بنوع من التقديسوالتعظيم ، ويعود السبب في ذلك إلى دوره الكبير الحيوي في حياتهم فهو النهر العظيم الذي تركزت على ضفافه المدنية ومراكز النشاط الحضاري القديم ،مع طبيعة الأرض الزراعية الخصبة الموازية أو المحيطة بالمجرى .
كما أن مياه نهر الفرات كانت أساساً لحياة الشخص الاعتيادي، نظراً لكونها مرتبطة بمعتقداتهم الدينية، ومن المعتقدات المرتبطة بالديانة أجراء بعض الطقوس الدينية التي يكون الماء جزءاً رئيساً فيها حيث يستوجب على المرء للقيام بطقوسه الدينية ان يكون متطهراً وذلك من خلال استحمامه حيث تزيل مياه نهر الفرات كل الخطايا فضلا ً عن ذلك فان الحاجة إلى الاغتسال للمحافظة على الصحة و الراحة الشخصية . لذا كانت النظافة بالنسبة لأهالي الفرات تعد من مظاهر الورع ، وعليه فأن المياه مثلت الوسيلة الفضلى التي تبعدهم عن النجاسة والدنس والتي هي عنصر من عناصر الخطيئة لديهم وهذا ما توضحه شعائرهم الدينية التي ترتبط طقوسها بمياه الفرات ولاسيما ان هذه المياه مقدسة
لديهم ، لذا تزخر النصوص القديمة بقصص مخصصة بتقديس تلك المياه والمعروفة)بأدب الفرات ( والتي في الواقع تشغل حيزاً كبيراً بين أدبيات السوريين شأنها في ذلك شأن جميع الأمم القديمة التي سكنت أحواض الأنهار وأقامت على ضفافها أعظم الحضارات القديمة، كما أن أبناء الفرات يتغنون بقصائدهم وأغانيهم بوصف مياهنهر الفرات.
وهكذا يتبين لنا إن السوريين القدماء كانوا مهتمين بمياه نهر الفرات من خلال ربطهابمعتقداتهم الدينية إذ ان مياهه شكلت عصب الحياة النابض وركيزة للبناء الحضاري واساس الاستقرار والنماء ، وتبعاً لذلك وجبت عليهم العناية بالبيئة المائية لنهر الفرات، وعدم التجاوز عليها ،كما أن الرابطة امتدت بين سكان حوض الفرات ونهر الفرات إلى قيام أبناء تلك القرى والبلدات بإطلاق اسم الفرات على أبنائهم.
الجزر النهرية في الفرات
تدعى الجزر النهرية في الفرات غالباً باسم الحوائج )جمع” حويجة(. وتكثر في الفرات الحوائج متفاوتة المساحة والتي تتشكل من التربة التي ينقلها النهر أثناء فيضانات النهر ونمت فيها اشجار ونباتات طبيعة وتتميز هذه النباتات بكثافتها وأوراقها الطويلة والرفيعة كالحور الفراتي والصفصاف والطرفاء وعرق السوس والغ ربْ والحلفاء والزل والرز والكينا والزيزفون لأنها نباتات لا تنمو إلا في الأماكن التي تتوفر فيها المياه بشكل دائم. ولكون هذه الحوائج محاطة بالمياه من كل الجهات ويد الإنسان بعيدة عنها، بالإضافة لكثافة النباتات فيها، لذلك كانت الحيوانات التي تعيش فيها هي حيوانات مفترسة )الضبع والذئب وابن آوى( إضافة إلى حيوان النمر الفراتي وهو قط بري متوحش، وجميع هذه الحيوانات إما انقرضت أو هي في طريقها للانقراض في تلك المنطقة. كذلك تعُدّ الحوائج مستعمرات لأنواع من الطيور المستوطنة والمهاجرة، وتكثر فيها أعشاش الطيور، ولكنها بالرغم من ذلك لم تتحول إلى محميات طبيعية إلى الآن.
مسار نهر الفرات في سوريا
بمجرّد دخول نهر الفرات في الأراضي السورية فإنّه يمر من خلال جرابلس، ثمّ يمضي ليخترق محافظة الرقة، وفي الطريق ما بين جرابلس والرقة يتحّد معه كلٌّ من نهري البليخ و الخابور. بعد أن يمرّ من الرقة يمر من خلال دير الزور، ويخرج من البوكمال.
بعد دخوله جرابلس يتابع انحداره باتجاه الجنوب حتى مدينة مسكنة ومن ثم يتجه نحو الشرق في وادي الفيضي وصولا للرقة ومن ثم جنوباً وشرقاً الى دير الزور ، ويستمر سيره متعرجاً في الأراضي السورية ليخرج منها بالقرب من مدينة البوكمال قاطع اً 680 كم ضمن الأراضي السورية.
منذ فجر التاريخ، كانت ضفاف نهر الفرات )بالإضافة لضفاف نهر دجلة، وما بينهما( المهد الأساسي لابتكار الزراعة المروية قبل حوالي 12 ألف عام. كما مارست الشعوب المقيمة على ضفافه صيد الأسماك والنقل النهري والتجارة البينية، وتتابعت الأنشطة البشرية الاقتصادية وبنيت آلاف المدن والقرى عبر آلاف السنين على ضفافه، بعضها لايزال حياًّ إلى اليوم. مؤخراً، تزايدت وتيرة استثمار مع بناء عشرات السدود وتأسيس المزارع الجماعية الواسعة على ضفافه.
في تركيا، يوجد 22 سد و19 محطة كهرمائية ضمن مشروع جنوب شرق الأناضول لاستصلاح مساحة كبيرة تعادل بلجيكا. أكبر السدود التركية هو سد أتاتورك الواقع على مسافة قريبة من الحدود السورية، ويحجز خلفه بحيرة صناعية كبيرة جداً تصل مساحتها إلى 817 كم². ويلي سد أتاتورك من حيث الحجم سد كيبان حيث يحجز خلفه بحيرة صناعية بمساحة 675 كم².
في سورية، توجد 5 سدود على الفرات، أقيمت 3 منها )الكبيرة( في منتصف ستينيات القرن العشرين ضمن مشروع سد الفرات أو سد الثورة الذي شكل خلفه بحيرة اصطناعية كبيرة اسمها بحيرة الأسد تقع في محافظة الرقة قرب مدينة الثورة يحجز كمية من المياه تصل إلى 11.6 مليار متر مكعب قبل مدينة الرقة. واسم السد الآخر هو سد البعث ويقع في محافظة الرقة في مدينة المنصورة وأنشئ السدان الأخيران في أواخر الثمانينات للري السطحي .وكانت تنوي الحكومة السورية إنشاء سد كبير آخر في منطقة التبني شمال دير الزور.
تاريخيا، كان التدفق السنوي الطبيعي للفرات على الحدود السورية التركية حوالي 30 مليار متر مكعب ، ومع ذلك ، فإن سجلات البيانات على مدار السبعين عامًا الماضية تظهر اتجاهًا سلبياً ، يشير إلى انخفاض متوسط التدفق السنوي إلى حوالي 25 مليار متر مكعب.
ونظرا لاستخدامه لأغراض الزراعة والري ، أصبحت نوعية المياه قضية خطيرة على نهر الفرات: فتدفقات العودة من الصرف الزراعي سببت مشاكل الملوحة التي تفاقمت على طول مجرى النهر ، بالإضافة إلى ذلك ، فإن إلقاء مياه الصرف الصحي غير المعالجة في الفرات وروافده ساهم في أشكال أخرى من تلوث المياه. ازداد استخدام المياه للأغراض البشرية )وخاصة الري والطاقة الكهرومائية( زيادة حادة منذ النصف الثاني من القرن العشرين ،
مما أدى إلى انخفاض كبير في تدفق المجرى وتغييرات في النظام الهيدرولوجي الطبيعي للنهر.
المناخ المتغير للغاية أدى إلى توافر المياه المتغيرة ، في ظل نظام إدارة المياه الحالي ، وشكل الجفاف خطراً طبيعياً كبيراً وأثر على إمدادات المياه في الحوض ، كما شوهد في العقود الأخيرة في سورية والعراق.
الاعتداءات التركية على مياه الفرات
بدأت تركيا مع منتصف السبعينات من القرن الماضي بإنشاء سلسلة من السدود على مجرى نهر الفرات، وأصبحت قادرة على التحكم بكميات مياه النهر على حساب المصالح المائية السورية. ولعلّ أكثر المشاريع التركية خطورة على المصالح السورية والعراقية، هو مشروع غاب (GAP) المتعدد الأغراض، حيث يشمل مشاريع أساسية للري، وإنتاج الكهرباء. فضلاً عن مشروعات عدة في قطاعات أخرى.
تكمن أهمية هذا المشروع بالنسبة لتركيا، أنه يوفر المياه اللازمة لري الأراضي في المناطق الجنوبية، والشرقية لتركيا، والتي تعادل نحو خمس مساحة الأراضي الزراعية الموجودة في تركيا، كما يوفر إنتاج الطاقة الكهربائية، وتهيئة فرص عملٍ جديدة، من خلال المشروعات الزراعية، والصناعية، والخدمية التي ستقام في منطقة المشروع.
كذلك يتيح المشروع لتركيا إمكانية زيادة إنتاجها السمكي، في بحيرات المشروع، وزيادة الإنتاج الزراعي عند اكتماله، وإذا كان مشروع غاب هذا، سيحقق لتركيا فوائد كثيرة ،ويعزز من دورها الإقليمي المرتقب، فإن له آثاراً سلبية على سورية، لما س يلُحقه بها من أضرارٍ كبيرة، نتيجة لانخفاض حجم المياه التي تصل إليها من نهر الفرات، والتأثير السلبي لذلك على مياه الشرب ومشروعات الري والطاقة والبيئة وغيرها.
تتزايد الاتهامات لتركيا باستخدام المياه ورقة لابتزاز جيرانها، خاصة الأكراد السوريين ، فتلجأ إلى قطع مياه نهري دجلة والفرات بصفة متكررة وقد بنت عدة سدود على النهرين، وهو ما يؤثر على حصص المياه القليلة التي تصل إلى كل من سورية والعراق.
وفي سورية، أدت السدود التي بنتها وتبنيها تركيا على نهر الفرات إلى تراجع حصة السوريين من النهر، إلى أقل من ربع الكمية المتفق عليها دوليا، وهي مستويات غير مسبوقة.
وأبرز تلك السدود هو سد أتاتورك في محافظة أورفا التركية والذي يعد أكبر سد فيالبلاد، فيما لا يختلف الوضع كثيرا بالنسبة إلى العراق فقد ساهمت الممارسات التركيةفي تراجع مستوى نهر دجلة بشكل كبير عبر سد إليسو الضخم الذي بنته تركيا على النهر.
لقد أدى انخفاض منسوب مياه نهر الفرات الذي تتلاعب فيه الدولة التركية ،إلى حدوث كارثة طالت توفير مياه الشرب لسكان مناطق شمال وشرق سوريا، إلى جانب انخفاض ساعات توليد التيار الكهربائي وتهديد الإنتاج المحلي من الأراضي الزراعية على ضفاف النهر. فقد خفضّت الدولة التركية تدفق مياه نهر الفرات إلى الأراضي السورية منذ اكثر من شهرين، ما ينذر بكارثة قد تحل في الأشهر القليلة القادمة على كافة مناحي الحياة في شمال وشرق سوريا.
ومع ارتفاع درجات الحرارة وحلول الصيف حيث موسم زراعة البساتين والأراضي الزراعية، تتعمد الدولة التركية مرة أخرى إلى خفض معدل مياه نهر الفرات بنسبة 60% من إجمالي الكمية التي تضُخ إلى الأراضي السورية على مدى عقود بحسب إدارة السدود.
ويعدّ النهر شريان الحياة لملايين السوريين في إقليم الفرات شمالي البلاد ومناطق أخرى كالرقة ودير الزور بالإضافة إلى تزويد ثاني أكبر مدينة في البلاد وهي حلب بمياه الشرب.
وتحولت ضفاف النهر ـ الذي تضُخ منه مياه الشرب إلى عشرات المدن والبلدات ـ إلىأرضٍ قاحلة خلال الأيام الماضية، إذ تقلص عرض النهر من 4 كم إلى 2 كم فيغضون أسبوعين عند مدخل النهر للأراضي السورية بالقرب من مدينة جرابلس.
إن الأحواض التي كانت تزُود بها المدن بالمياه باتت فارغة الآن، بعد أن كانت تمتلئ تلقائياً عند ارتفاع منسوب النهر، إلا أنهم يعملون على تشغيل مضخات المياه التي تقع وسط المجرى لكن انعدام التيار الكهربائي الناتج أصلاً عن انخفاض المنسوب قد يؤثر كثيراً في ضخ المياه للأهالي.
وتضخ الدولة التركية حالياً المياه بمعدل أقل من 200 متر مكعب في الثانية، فيما وصل ضخ المياه إلى 100 متر مكعب في الثانية صيف عام 2017.
حيث أن السد بحاجة إلى ضخ المياه بمعدل 300 متر مكعب من المياه في الثانية، لتوليد الطاقة الكهربائية كأدنى معدل يمكن من خلاله تشغيل عنفة واحدة من سد تشرين ،أو سد الفرات وتوليد الكهرباء بسعة 105 ميغا واط ساعي.
ونصت اتفاقية حول نهر الفرات أبُرمت عام 1987 بين تركيا وسورية على حصول الأراضي السورية على 500 متر مكعب مياه في الثانية، أي ما يعادل 2500 برميل.
تثير الكمية الضئيلة القادمة من المياه من الأراضي التركية المخاوف من انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من 12 ساعة في اليوم على المناطق في شمال وشرق سورية.
وتغذي مناطق شمال وشرق سوريا ثلاثة سدود على نهر الفرات البالغ طوله 600 كم داخل الأراضي السورية، وهو سد تشرين جنوب شرق مدينة منبج، وسد الفرات أكبر السدود السورية بالقرب من مدينة الطبقة ببحيرة تتسع 14 مليار متر مكعب من المياه ،وسد الحرية بالقرب من مدينة الرقة.
وتحبس 6 سدودٍ تركية مياه نهر الفرات قبل تدفقها إلى سورية ، من بينها سد أتاتورك ثاني أكبر السدود في الشرق الأوسط، والذي يخزن 48 مليار متر مكعب من المياه.
وتسقي مياه نهر الفرات ما يقارب 400 ألف هكتار من الأراضي المزروعة بالحبوب أهمها القمح إلى جانب البساتين وأشجار الفاكهة المنتشرة على طول ضفاف النهر في حوض الفرات شمال شرق سورية.
وتعدّ المياه مورداً حيوياً يستخدم في شتى المجالات، وخلال الأعوام الـ 5 الأخيرة تتعمد تركية قطع المياه في كل صيف في سياق الحرب التي تخوضها ضد الشعب السوري.
ولا تتوفر إحصائيات دقيقة حول أعداد صيادي السمك على طول مجرى النهر في سورية ، إلا أن مئات الصيادين القرويين الذين يستخدمون طرقاً شرعية وغير شرعية في اصطياد الأسماك، يعانون من نفوق كميات هائلة من الأسماك بعد تقلص عرض مجرى النهر إلى 2 كم، وهو مصدر رزقهم الوحيد، فينقطعون عن العمل في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة، كما يلحق انخفاض منسوب المياه أضراراً بالثروة السمكية.
وخلال عام 2017، بالتحديد قطعت الحكومة التركية المياه بشكل شبه كامل عن الأراضي السورية، لينخفض منسوب المياه إلى أدنى مستوى له في غضون 17 عاماً، في كارثة مرعبة تقلصت فيه مياه نهر الفرات إلى 1 كم بعد أن كانت 4 كم، إذ تحول مجرى النهر إلى أرض قاحلة ما أدى إلى نفوق ملايين الأسماك.
فيما تزداد مخاوف المدنيين ممن تقع منازلهم على ضفاف نهر الفرات من ارتفاع منسوب المياه فجأة وغمر منازلهم، إذ غمرت المياه سابقا عشرات المنازل في القرى الغربية لمدينة كوباني إلى جانب إلحاق الأضرار بالأراضي الزراعية إثر تلاعب الدولة التركية بمنسوب المياه.
قطع المياه عن سورية، حرب تركية جديدة تنتهك فيها المواثيق الدولية
استخدمت تركية السدود والمياه سلاحا جديدا في حروبها المستمرة على سورية والعراق، عبر تحكمها بضخ كميات المياه التي تنبع من أراضيها من خلال عدد من السدود أكبرها في تركيا هو سد أتاتورك على الفرات الذي يعد ثاني اكبر سد في الشرق الأوسط، وأحدثها هو سد اليسو الذي تم افتتاحه في العام 2018، على نهر دجلة وذكرت تقارير إعلامية ان بناء السد ادى الى انخفاض حصة العراق من مياه النهر بنسبة 60.% بينما تكفل سد أتاتورك بتراجع حصة السوريين من مياه الفرات الى مستويات غير مسبوقة وتنذر بالأسوأ مع تراجعها الى اقل من ربع الكمية المتفق عليها دوليا.
وتناقلت وسائل إعلام محلية سورية ورواد وسائل التواصل الاجتماعي مشاهد وصفتبالـ «مفزعة» تظهر انخفاضًا قياسياً في منسوب نهر الفرات تصل إلى حد الجفاف نتيجةقيام تركيا ببناء سدود، وبسبب سد «اليسو» العملاق.
واظهرت الصور والفيديوهات الملتقطة على ضفاف النهر، تقلص عرض مجرى النهر مئات الأمتار، بالقرب من مدينة جرا بلس وصولًا إلى سد تشرين، لمجرى أكبر نهر في البلاد، وذلك بعد مضي حوالي الثلاثة أشهر على خفض تركيا لمعدل المياه المتدفقة إلى الجانب السوري.
وهددت المشكلة المائية التي استخدمتها تركيا «كسلاح ضد السوريين منذ أعوام»، مسألة توفير مياه الشرب لسكان مناطق شمال وشرق سورية، إلى جانب انخفاض ساعات توليد التيار الكهربائي، وتهديد الإنتاج المحلي من الأراضي الزراعية على ضفاف النهر.
ومنذ ان بدأت تركيا بخفض كميات المياه القادمة الى سورية منذ أكثر من شهرين، بدأت تنطلق تحذيرات من ازمة في توافر مياه الشرب، ومن التأثير على الطاقة الكهربائية، وعلى القطاع الزراعي، والتسبب بالجفاف، الا ان تلك التحذيرات بقيت ضمن نطاق محدود.
ومؤخرا، قامت تركيا “ب اغلاق بوابات عبور مياه الفرات الى سورية، ما ادى الىانخفاض منسوب المياه الى حد كبير، الأمر الذي انعكس سلبا على توليد الكهرباء من سدالفرات وتضرر القطاع الزراعي.”
وأن استمرار حبس تركيا لمياه نهر الفرات داخل أراضيها ،انعكس سلبا على اقتصاد المجتمع والأمن الغذائي العام، وعلى توفر مياه الشرب للمواطن .وان مناسيب بحيرات السدود تراجعت بنسب كبيرة )بلغ منسوب بحيرة تشرين 322.42 متر مطلق عن سطح البحر، بتاريخ 23/6/2020، وبلغ منسوب بحيرة الفرات 301.29 متر في نفس التاريخ(، وهو منسوب منخفض جدا في مثل هذه الفترة من العام.
وتم تقليص ساعات توليد الطاقة الكهربائية من محطتي الفرات وتشرين بدءا من منتصف شهر حزيران، لتولد السدود الطاقة الكهربائية 10 ساعات فقط، بعدما كانت 18 ساعة يوميا، توزع على مناطق شمال وشرق سورية.
وطالبت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية في وقت سابق، الأمم المتحدة والحكومتين السورية والعراقية «بالضغط على تركيا، حيال ما تنفذه من خرق واضح للمواثيق والقوانين الدولية، تجاه التعامل مع المياه الإقليمية».
ووجدت مدينة الحسكة نفسها أمام مخاطر العطش، حين خرجت محطة علوك مجددا من الخدمة، وذلك بعدما أقدمت تركيا على إيقاف ضخ المياه من المحطة في ريف مدينة سري كانييه” راس العين”، وهو ما يعني تهديد أكثر من مليون شخص بالعطش.
وان “الجانب التركي يستخدم عبارة “المياه العابرة للحدود”، بدلا من الأنهر الدولية،” وتركيا “لا تعترف بالفرات ودجلة على انهما نهرين دوليين اصلا، و انما تعتبرهما نهرينعابرين للحدود”، وذلك كي يخضعا للسيادة المطلقة للدولة التي ينبع منها ،وعليه تفترض ان “من حقها ان تتصرف في كمية المياه التي تمنحها للدولة الحوضية الأخرى، بينما تستخدم هي ما تشاء لسد حاجتها من مياه النهرين حاضرا ومستقبلا” وهو ما يعني “تتريك النهرين.”
ان السياسة المائية التركية “تقوم على حق السيادة المطلقة لتركيا على مواردها المائية في “حوض” دجلة والفرات داخل أراضيها، ولذلك تصرفت بشكل مطلق بمياه النهرين ،ومن خلال تشييد السدود والمشاريع ا لاروائية والزراعية، ولا تزال مستمرة بنهج مقارب، من دون “مراعاة” حقوق الدول المتشاطئة معها.”
في مقابل الموقف التركي من المجاري المائية، ف ان الموقف السوري يؤكد على ان دجلة والفرات “مجار مائية دولية، وبالتالي تنطبق عليهما مبادئ القانون الدولي من حيث تقاسم المياه”، وان “مبدأ تقسيم مياه دجلة والفرات، هو حق من الحقوق، ويجب ان يتم ذلك من خلال اتفاقيات ثنائية او ثلاثية” فما يصل حدودها او حدود العراق من مياه دجلة والفرات “ليس منةّ من احد، بل حق شرعي وفق الأعراف الدولية، ووفق بروتوكول عام 1987 الموقع بين تركيا وسورية”. وان سوريا “مستمرة بحقها في تقاسم المياه وفقا للقانون الدولي، وليس وفقا للنظرة التركية وتعريفها للأنهار.”
انحسار المياه يشكل خطراً على الأسماك ويهددها بالانقراض
يعتمد أهالي حوض الفرات في سورية على صيد الأسماك، والتي تلعب دوراً كبيراً في المجال الاقتصادي، والغذائي ،ومع انحسار منسوب نهر الفرت سيشكل خطراً على الأسماك ويهددها بالانقراض، ان الصيد الجائر وانحسار المياه وانخفاض منسوب نهر الفرات جراء حجب تدفق نهر الفرات إلى الاراضي السورية يهدد بالانقراض لمعظم أنواع الاسماك التي تتكاثر في نهر الفرات.
وان نسبة انخفاض النهر لعبت دورا كبيرا في التأثير على الثروة السمكية ، فانحسار المياه أدى إلى انكماش الأسماك وانحسارها في منطقة معينة إضافة إلى تهديد نسبة التكاثر والذي سيؤدي الى انقراض العديد من أنواع الاسماك في نهر الفرات.
تعد مياه الأنهار عنصراً هاماً من عناصر الثروة الوطنية وهي بذلك ستخضع لمبدأ سيادة الدولة على أراضيها ومياهها الإقليمية؛ على أن يتفق هذا مع الحق المماثل لكل دولة متشاطئة مشتركة معها.
كما أن الماء ذي خصائص ذاتية كاملة النفع فلا يحتاج كغيره من الموارد الطبيعية إلى تدخل العمل البشري لتحويره كي يتغير ويعد جاهزاً للانتفاع، لذلك فان مياه نهر الفرات يتوجب اعتبارها )إرث اً طبيعياً مشتركاً ما بين الدول المتشاطئة( فهو غير مملوك لأقوام مخصوصين، بل هو إرثا مشترك اً.
اما فيما يتعلق بالطبيعة الخاصة لنهر الفرات فإن التوصيفات السابقة سوف تنطبق عليه
فضلاً عن ان نهر الفرات نهر دولي وليس نهر وطني عابر للحدود كما ترغب تركيا بتوصيفه ، فهو ثروة طبيعية متحركة وجارية ومشتركة ما بين الدول المتشاطئة،
فضلاً عن ان هذه الثروة تختلف عن الثروة الطبيعية الثابتة الموجودة تحت سطح الأرض والتي تحتاج إلى جهد بشري لاستخراجها كــ)النفط( ، وعليه فإن الأخيرة تعد ثروة وطنية صرفة لا تجري عبر الحدود وبذلك فهي تخضع للسيادة الوطنية ، وهذا ما يتعارض مع التوجه التركي الذي يرى بكونه يملك حق السيادة )المطلقة( على مياه نهر الفرات الذي ينبع ويتغذى على أراضيها ، وبذلك فقد اعتبرته مصدراً وطني اً مثل النفط ، في الواقع إن الثوابت التي تم الإشارة إليها سابقاً تؤكد عدم إمكانية إجراء المقارنة ما بين تلك الثروتين، وعليه فإن نهر الفرات يعُد من )الموارد الطبيعية المشتركة ما بين الدول المتشاطئة(.
يخضع نهر الفرات لاتفاقين ثنائيين: اتفاق بين سورية وتركيا يحدد الحد الأدنى لمتوسط التدفق على الحدود السورية التركية ؛ والاتفاق بين العراق وسورية يحدد توزيع مياه الفرات بين هذين البلدين.
فى عام 1987 وقعت سورية – تركيا ، بروتوكول التعاون الاقتصادي عبارة عن اتفاقية مؤقتة بشأن كمية المياه تنص على إصدار 16 مليار متر مكعب سنوياً )500 متر مكعب / ثانية( على الحدود السورية التركية.
وفى عام 1990 ، وقعت العراق – سورية ، اتفاقية المياه السورية العراقية تخصص مياه نهر الفرات وفقاً لنسبة ثابتة تبلغ 42٪ إلى سورية و 58٪ للعراق.
فى عام 2009 ، تناولت اتفاقية مجلس التعاون الاستراتيجي السوري التركي الأنشطة المشتركة في مجال المياه مثل تحسين نوعية المياه ، وبناء محطات ضخ المياه والسدود المشتركة ، وكذلك تطوير سياسات مشتركة للمياه.
اننا في جميع المنظمات والهيئات والمراكز وجميع الناشطات والناشطين والمفكرين والمثقفين والأكاديميين والشخصيات الاجتماعية والدينية المنضويين في إطار الهيئات المنتجة لهذا التقرير ،نتوجه بهذه التوصيات المطالب الى جميع الهيئات والمؤسسات والمنظمات المعنية والمنضوية في اطار هيئة الأمم المتحدة والى الدول الأعضاء الدائمين في محلس الامن، والى جميع الهيئات المدافعة عن حقوق الانسان.
التوصيات:
نناشد جميع الأطراف المعنية الإقليمية والدولية بتحمل مسؤولياتها تجاه شعب سوريا ومستقبل المنطقة ككل، ونطالبها باستمرار العمل الجدي والاسراع بخطواته من اجل التوصل لحل سياسي سلمي دائم للازمة السورية، والعمل والضغط من أجل الانسحاب الفوري وغير المشروط للقوات التركية المحتلة والمسلحين المتعاونين معهم، من عفرين وريف الحسكة وريف الرقة وادلبوريفها وجميع الأراضي السورية التي قاموا باحتلالها. وفضح مخاطر الاحتلالالتركي وما نجم عن العمليات العسكرية التركية في الأراضي السورية، من انتهاكات في حق المدنيين السوريين وتعريضهم لعمليات نزوح واسعة ومخاطر إنسانية جسيمة.
مطالبة المجتمع الدولي والأمم المتحدة التدخل والضغط على الحكومة التركية من اجل ضخ كميات المياه الكافية في نهر الفرات الداخلة على الأراضي السورية ،وعدم استخدام مياه نهر الفرات كسلاح ضد المدنيين العزل.
اقامة مجموعة إقليمية للمياه تضم الدول المشتركة بمياه نهر الفرات، تعمل على وجوب التنسيق ما بين تلك الدول وإيجاد الحلول الفضلى لحل المشاكل الناجمة من المشاريع المائية التركية على سورية والعراق.
التوصل إلى أتفاق ما بين الدول المتشاطئة على نهر الفرات وذلك لتنظيم استغلال المياه وبالطريقة المثلى وليس بتقسيمها.
الرفض وبشكل قاطع فكرة توصيف نهر الفرات بكونه نهر قومي تركي ، لإن حقوق سورية في مياه نهر الفرات تعُد حقوق أصلية موغلة بالقدم تمتد جذورها إلى الالاف السنين.
التأكيد على عدم السيادة المطلقة لتركيا على نهر الفرات فهذا المبدأ تراجع دولياً ، ليحل محله مبدأ السيادة المقيدة ولاسيما إن القانون الدولي العام ينص على عدم الإضرار بالآخرين.
ضرورة الالتزام بتبادل المعلومات التفصيلية المتعلقة بهذا المورد المائي المشترك كالمعلومات عن أسباب تردي نوعية مياه نهر الفرات ، وانقراض أو التهديد بانقراض العديد من الأحياء المائية التي كانت تحيى في مياهه ولاسيما بعد مشروع جنوب شرق الأناضول والذي يضم عدداً كبيراً من السدود.
ضرورة تثبيت حقيقة غير قابلة للناقش أن لسورية واللعراق حقوق أصلية في مياه نهر الفرات وان هذه الحقوق ليست منحة من أحد.
ضرورة الاتفاق على تشكيل لجنة قانونية وفنية تعمل على دراسة كل المواضيع المتعلقة بهذا الموضوع ومن كل الجوانب على سبيل المثال : نوعية مياه النهر ومدى جودتها منسوب المياه درجة حرارتها …الخ من المواضيع الفنية الهامة.
يتوجب على الدول المتشاطئة على نهر الفرات ان تعتبر جميع الدول المتشاطئة شركاء في النهر ، وهذا ما يستلزم الارتكاز إلى القواعد القانونية والأعراف الدولية العامة الملزمة لجميع الدول والقابلة للتطبيق على المجاري المائية الدولية كمبدأ حسن الجوار وحسن النية وبخاصة الاتفاقية الأخيرة لعام 1997الخاصة بقانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غيرالملاحية .
يعد ملف المياه من الملفات الهامة فهو ملف أمن غذائي واقتصادي واجتماعي وحياتي، لكل السوريين، لذا يتوجب أن يحتل هذا الملف مركز الصدارة من ضمن القضايا الوطنية الهامة في سورية ، مع التأكيد على أنه ملف غير قابل للمساومات ومن غير المسموح لأي دولة من الدول المتشاطئة بإنقاص حقوق سورية المائية أو المساس بها.
مراجع ومصادر التقرير
تقارير حقوقية سابقة للفيدرالية السورية لحقوق الانسان.
مجموعه المعاهدات و الاتفاقيات و العادات الدولية التي تنظم العلاقات بين الدول فيما يخص المجاري المائية العذبة المشتركة بي الدول.
القانون الدولي للأنهار الدولية
نتائج المؤتمر الدولي الثاني للمياه بالقاهرة الذي جاء تحت عنوان «قضايا المياه في الشرق الأوسط الواقع والمستقبل».
القانون الدولي للمياه والاتفاقيات الدولية
القانون الدولي وملكية موارد المياه .
ميثاق الأمم المتحدة للحقوق والواجبات الاقتصادية للدول لعام 1974م .
مواقع الكترونية كوردية وعربية ومنها على سبيل المثال: وكالة انباء هاوار ،موقع كورد ستريت، موقع روداو،ومواقع أخرى.
مجموعة أبحاث ومقالات لمفكرين معروفين، ولباحثين كورد وعرب مختصين بموضوعات المياه والانهار والقانون الدولي .
دمشق في 2082020
المنظمات والهيئات الحقوقية السورية الموقعة :
الفيدرالية السورية لمنظمات وهيئات حقوق الانسان)وتضم 92منظمة ومركز وهيئة بداخل سورية(
منظمة حقوق الإنسان في سورية – ماف
المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سورية
اللجنة الكردية لحقوق الإنسان في سوريا )الراصد.(
المنظمة العربية لحقوق الإنسان في سورية
منظمة الدفاع عن معتقلي الرأي في سورية-روانكة
المنظمة الكردية لحقوق الإنسان في سورية) DAD (.
لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية ) ل.د.ح(.
منظمة كسكائي للحماية البيئية
المؤسسة السورية لرعاية حقوق الارامل والأيتام
التجمع الوطني لحقوق المرأة والطفل.
التنسيقية الوطنية للدفاع عن المفقودين في سورية
سوريون من اجل الديمقراطية
رابطة الحقوقيين السوريين من اجل العدالة الانتقالية وسيادة القانون
مركز الجمهورية للدراسات وحقوق الإنسان
الرابطة السورية للحرية والإنصاف
المركز السوري للتربية على حقوق الإنسان
مركز ايبلا لدراسات العدالة الانتقالية والديمقراطية في سورية
المركز السوري لحقوق الإنسان
سوريون يدا بيد
جمعية الاعلاميات السوريات
مؤسسة زنوبيا للتنمية
مؤسسة الصحافة الالكترونية في سورية
شبكة افاميا للعدالة
الجمعية الديمقراطية لحقوق النساء في سورية
التجمع النسوي للسلام والديمقراطية في سورية
جمعية النهوض بالمشاركة المجتمعية في سورية
جمعية الأرض الخضراء للحقوق البيئية
المركز السوري لرعاية الحقوق النقابية والعمالية
المؤسسة السورية للاستشارات والتدريب على حقوق الانسان
مركز عدل لحقوق الانسان
المؤسسة الوطنية لدعم المحاكمات العادلة في سورية
جمعية ايبلا للإعلاميين السوريين الاحرار
مركز شهباء للإعلام الرقمي
مؤسسة سوريون ضد التمييز الديني
اللجنة الوطنية لدعم المدافعين عن حقوق الانسان في سورية
رابطة الشام للصحفيين الاحرار
المعهد السوري للتنمية والديمقراطية
رابطة المرأة السورية للدراسات والتدريب على حقوق الانسان
رابطة حرية ا