إبراهيم محمود
البارحة مساء ” الأربعاء 26-2/ 2020 “، وقد نشرتُ مقالي المأهول بالحِداد على روح العالية روحه الفنان سعيد يوسف، وقد أسلَمها لباريها نهاراً، ليتلقى روحه الأخرى أبديةً، تكلمنا أخي وصديقي الباحث والقاص عبدالواحد علواني، المقيم في السويد الآن، منذ سنوات، وأنا، ليعلِمني أن خاله الدكتور جوان حقي، في وضع حرج صحّياً. فتضاعَف ثقْل الموت على روحي وخيالي، وتمنيت له السلامة، وبي وجع ممتد ومشتد، وبعد ساعات، أسلم هو بدوره، أسلَم هذا السياسي الكردي العتيد، والباحث الدقيق الدكتور جوان حقي روحه، ليتلقى هو بدوره روحه الأخرى، ليعيش ديمومة حياة أخرى .
بين التفكير في دَوار التفكير في وباء ” كورونا ” حيث أقيم في دهوك، والتفكير في الجراحات الكردية جرّاء عسْف الأعداء وقصفهم، ومآسي الكرد في جهات الأرض قاطبة، والموت المباغت هنا وهناك، الموت الذي بات يعرَف بأكثر من صفة كردية، يظهِر الموت سلطته وصدماته لنا، بين الحين والآخر، ليخطف روح هذا وذاك، ممن نعرفهم عن قرب مباشرة، ومن هم على بعد، وهم قريبون منا، في فنهم، في كتابتهم، في عملهم النضالي الكردي والإنساني طبعاً، لنعجز في زحمة هذا الموت عن القيام بواجبات الحِداد والعزاء، لكثرة ورود الموت، وخطف أرواح بني جلدتنا الكرد، نعجز أحياناً عن كفكفة دموعنا القلبية، نعجز أحياناً عن ضبط أنفسنا تجاه هذه الهزة الروحية التي نتعرض لها هنا وهناك بأكثر من قوة نفسية، وكل الذين يسلّمون أرواحهم في لحظة غير محتسبة، وهي أرواح قديرة ، كثيرة، أثيرة، ومنيرة، هم مأخوذون من قِبَلنا بالسلام والوداع في صمت. لكن يبقى من لهم حضور مضاعف بيننا، من نتابعهم فيما يعملون نضالياً، ومن نلتقي بهم فيما يواظبون على تأكيده، وتفعيل أثره نضالياً بكتاباتهم وفنونهم، ومن نقدّر جهودهم في ما يقومون به من طيب الأعمال ويُسمعوننا من طيب الأقوال، يبقى لهؤلاء ما يمنحهم جهتَنا حضوراً أكبر، يليق بظلال نضالهم، وظلال أفكارهم، وظلال أقوالهم وكتاباتهم وقاماتهم، ولا بد أن السياسي الكردي الدكتور جوان حقي، والذي قرأته هنا وهناك، وهو بشفافية رؤياه لواقع شعبه، ومن يؤْثرونه على حياته ومصيره، هذا الجامع بين كردية شفافة، وإنسانية شفافة، هذا المبدأي، كما يحق لي تسميته هكذا، وكما ينبغي علي الكتابة عنه هكذا، لا بد أنه في صحبة خفاقة، في نطاق هذه القافلة النضالية الكردية المقدَّرة، وهو بطلته اللافتة، ونظرته الدالة على تمسك بالحياة لمن يمتلىء بحضورهم كرداً وغير كرد .
أقولها، وأمام ناظري يرتدي كل من الليل والنهار ما يليق بهما من ثوب حداد، وما يتشابه به الليل والنهار في الحداد، وكيف يكون للموت حضور على مدار الساعة، وأنا مثقَل بالحزن، والتخوف من الآتي : من سيكون بعدهما، مثلما طُرِح سؤال سابق، من سيكون الآتي ؟ أي كردي سيأتي دوره الأخير في الحياة، أي منا، معَد للموت، في زماننا الصعب.
أقولها، وقلبي ماض إلى أحبتي من آل حقي وعلواني، من أهل الفقيد العتيد جون حقي، قلبي هناك في السويد، وهم في سويداء القلب، وأشعرني مصافحاً كلاً من العزيزين خالد وحسين، كلاً من العزيزين عبدالواحد ومحمد شفيق علواني وغيرهما، وهما في السويد الآن مشاركاً في حزن الموت الخاص، ورهبة الموت الخاص، ولسان حالي الخاص يقول: كان وسيبقى باسمه وروحه، كما قبله بساعات ” سعيدنا ” الكبير، وكل الذين سبقوهما، ومن سيلحقون بهما.
معكم قلبي في حزنكم المشروع، وفي صبركم الموفور، وفي إيمانكم المشروع، في لحظات ما بعد رحيل الفقيد الكبير، ودمتم حضوراً كبيراً، وأهلاً لحياة أخف ثقلاً، يا أحبتي من آل حقي وعلواني .
ولي إيمان آخر، أن هذا الموت الذي لا يهدأ في ” خطف الأرواح ” لن يكون له ذاك الجلَد، وتلك المقدرة في حصْد أرواح شعب كامل، وإضعاف إرادة شعب كامل، يرتقي في الحياة رغم كل الصعاب، رغم كل المنغّصات، وهو إيماني المؤكد، ولسان حاله بالحياة بالتأكيد.