إبراهيم اليوسف
دعوا جنازتي تسر وحدها
نورالدين ظاظا
وجدتني معنياً بكل ما يتعلق بالفنان سعيد يوسف، لاسيما في لحظة ما بعد مرضه، ومن ثم في فترة ما بعد رحيله إلى الآن، وما نقيمه له من مجالس عزاء وأربعين هنا في ألمانيا، عما قريب، وتابعت الترتيبات التي كانت تتم في الخارج: في تركيا- في كردستان- في الوطن، كأي صديق له- وما أكثر أصدقاءه وأنا أحدهم لا أكثر- إلا أنني كنت أسير أوهام كبيرة، كما يبدو، إذ رحت أظن أن مجرد تحرير جثمانه من أسر الجانب التركي، وعبوره حدود: شطري كردستان الشمالية والجنوبية، فإن كل شيء سيسير على ما يرام، وحقيقة كنت أتابع تحضيرات زاخو، وحركة موفد الرئاسة والمجلس والبارتي – وكل هذا من موقع علاقتي كمستقل بالفنان وكصحفي يمكنه فعل شيء ما – ومن خلال أصدقاء لي هنا وهناك، فقد اطمأننت للاستقبال المرضي عنه في كردستان، وهو ما أكده لي الفنان زورو سعيد يوسف- نجل فناننا الراحل- كما أكده الموفد، والفنانون الذين استلموا دفة التكريم.
وبعد أن وصلت جنازة الراحل – سيمالكا- بدأت أتصل بزملائنا في: الاتحاد العام للكتاب والصحفيين- في الداخل، ليعدوا العدة، ويستقبلوا الجنازة، وسوى ذلك، ولم يخطر في بالي أن تحدث المفاجأة، وذلك لأن ممثلة ب ي د كانت على اتصال دائم لاستقبال الجنازة، وتم الإعلان عن لجنة من الفنانين والكتاب – ولا علاقة لي بذلك- بمن يعملون على إعداد موكب لتشييع جنازة الفنان إلى مثواها الأخير، في قدوربك، وذلك بعد محاولات تشويش عدة:
سيدفن في باحة بيته في الحي الغربي
لا سيدفن في الهلالية
في العنترية
ب ي د تكفل
آرتا تتكفل؟
غداً يوم عاصف ماطر فلا كلمات على المقبرة والدفن رمزي وشكلي!!!
وتم الاستقرار على الدفن في الهلالية، بالرغم من إعلان أسرته أنه كان قد أوصى بدفنه في – مقبرة قدوربك- لاعتبارات عائلية، ورمزية، وإن كنت أذكر أننا- وكنا قلة مع الراحل الكبير حميد حج درويش والراحل فرهاد جلبي ومحمد ملول وآخرين ما عدت ـ أتذكرهم حقاً- وفي جنازة مخجلة لم تتجاوز الخمسين شخصاً رافقنا جنازة والدة سعيد. معلمته. إلى مثواها الأخير، حيث دفنت في مقبرة الهلالية، قبل سنوات بعيدة. ربع قرن ربما، وقيل: أكثر أسرته في قدوربك، ومولده هناك، وهو من حقه. من حق أسرته، بل إن لوصيته ما يسكتنا، إلا أن ثمة فوضى ما تمت من تعدد- الخطوط- فيما يتعلق بالتحضيرات، والاستعدادات، من أجل جنازة لائقة بالفنان الكبير.
الآن، ليس “وقت “أن أرافع عن الفنان سعيد، ومن هو؟ وما وزن تراثه؟، وما دوره؟. إنه أحد عظماء الموسيقا الكردية في القرن الماضي وبدايات القرن الجديد، فهذا ما يعرفه كل من موضع نفسه في موقع الخصم في مواجهة سعيد يوسف، وليس أهلوه، أصدقاؤه، وهل كان سعيد يوسف منزهاً عن أي خطأ- وهو ما سأتناوله في مقال لاحق عن طبيعة الفنان- إنه لأمر آخر. أمر يمكن تفسيره من خلال وجهات نظر نقاد الحداثة، وما بعدها، للإبداع، هؤلاء الذين يحاكمون النص لا الناص، ونحن هنا أمام أثر وصاحب أثر، إذ إن كثيرين راحوا يحاكمون روح الفنان فيه. تلك الروح التي ينحاز إليها المرء، لطالما هي غير مؤذية لسواه، إلا أن كل هذا لن يكون له أثر أمام عظمة التراث الإبداعي الذي تركه. التراث الذي لايزال يؤثر في مدرسة كاملة من تلامذته -اعترفوا أو لم يعترفوا بذلك- وهو أمر يحتاج إلى دراسات طويلة، وإن سارع بعضنا وراح يطبق أحكاماً دقيقة على أغنيته البسيطة التي لا تتوافر فيها شروط القصيدة ما بعد الحداثية، من دون معرفة مركزية الثقافة. البيئة التي انطلق منها سعيد، وكان نتاج هذه الحالة سيصمد، في منصات أوبرالية- كما في حمص- إذ بلغ التفاعل معه الذروة- وهذا هو المعيار لدي والذي يسقط دونه أي معيار آخر.
وكامتداد لهذه المرافعة، أقول للمشككين: فنان وصل إلى الإذاعة السورية. تم وضع صورة له على طابع بريدي سويدي” سيقول أحدنا أنه يستطيع وضع صورة خالته على هكذا طابع..!” لحن لفنانات وفنانين كبار- كانت له علاقات كبرى مع كبار الفنانين العرب والعالميين ومنهم: آل الرحباني. كان عضواً في نقابة الفنانين السوريين وله امتداده السوري الذي يصر عليه أغلب القوى السياسة الكردية – كما أن له اجتهاداته. اجتهاده الذي اختلفنا فيه معه إلى الصميم وكنت قد واجهته بصراحة شرسة في لقاء بعد سنوات طويلة على ذلك وكانت له مرافعته التي تقنع أو لا تقنع، لكنها كانت مقنعة بالنسبة إليه.
عامل الوقت كان له دور كبير، فبعد أن تم تحديد مقبرة حي قدوربك لمواراة جسد فناننا، كان الوقت عصراً:
أتذكر اتصلت بالصديق محمد إسماعيل، وقال لي: سنعلم محلية الشرقي لإنجاز المطلوب، وعندما اتصلت بالصديق شمدين نبي عما عملوه كان الوقت قبيل المغرب، وأصدروا بيانهم، ومع هذا كان على -البارتي- كان على المجلس أن يعملا أكثر، بالرغم من أن جهدهم كان جد كبير، قياساً لتقاعس سواهم، بل لعمل بعضهم ضد الجنازة، وإطلاق الشائعات المغرضة والخسيسة.
كان ثمة من وقفوا على جانبي الطريق، أثناء مرور الجنازة، ما بين: خانا سري وقامشلو، رافعين صور الفنان الكبير، أو العلم الكردستاني، إلا أن ذلك لم يرتق إلى مستوى روح سعيد يوسف و قامته الفنية السامقة، كما أن هناك موكباً مقبولاً رافق جنازة الفنان، وسار به محبوه، وبحضور المجلس الوطني الكردي ودائرة الثقافة ل: ب ي د” أو الإدارة الذاتية” وهكذا بالنسبة للكتاب، والفنانين. حتى بعض الكتاب العاملين لدى الإدارة الذاتية، ناهيك عن جمهور محبي الفنان، إلا أن هؤلاء الذين يخضعون ل” ب ي د” لم يظهروا البتة، وعلمت بمحاولات من قبل أسايش ب ي د بعرقلة السير، وتأخير الموكب قبل انطلاقته للاستقبال، في أكثر من مرة: ساعة ونصف مرة، وخمس وأربعين دقيقة مرة، وتسيير موكب جنازة شهيدين- ولعل ذلك لم يكن صحيحاً- بل غاب ب ي د، ولم يعمل إعلامه البتة من أجل تحشيد الجماهير، إن لم أقل أن عملاً مضاداً تم – وهوما قاله مقربون من ب ي د- وكانت الآية ستنقلب لو أن زورو نجل الراحل الكبير قال:
سلمتكم أمر الجنازة، وارفعوا علمكم وصور عبدالله أوجلان فك الله أسره من أيدي الطغاة!
سيقول بعضهم:
والمجلس الوطني: لم قصر؟
لست مرافعاً عنه، ولكن حقاً، فإنني لن أقول إلا ماكنت شاهداً عليه، فهو كان يفكر في تسيير أمور الجنازة. الطائرة. بطاقات السفر. الفيز. مؤازرة الأسرة، وكل هذا ما أنجز، على ما يرام، وذكرت أسماء من وجدتهم معنيين، وأضيف إليهم اسم: أ. محسن طاهر في الداخل، إلا أن المجلس- وللتاريخ- لم يفكر بأمر استثمار الجنازة، وفي الاجتماع الذي دعيت إليه على السكايب وكان فيه: أ. سعود الملا- زورو- عبدالقادر خليل وكان في تركيا عبدالباسط حمو على تواصل، وسعيد سوري في أربيل، فكانت كلمة سعود الملا:
ما نعمل إليه إيصال الجنازة إلى- قامشلو- وأنتم يا زورو افعلوا ما تريدون، لتؤد الإدارة الذاتية دورها. لن نتدخل.
ثمة نقطة مهمة، سأعلنها هنا:
لم أعترض على تصريحات ب ي د التي لم ينفذها، فيما يتعلق بالإشراف على تسيير أمور موكب الجنازة، إلا أنها كانت خطيرة، وكان من شأنها أن تجعل الأتراك يمنعون خروج الجنازة من- تركيا- لأن سعيداً كان يحمل جواز سفر تركياً، منحه له وزير كردي/ تركي، هو الآن، من معارضي أردوغان!
وتابعت صياغة بيان العائلة الذي كتب بحيادية، ولم يذكر فيه اسم المجلس، إلا أن شائبة واحدة حدثت، وتم التركيز عليها من قبل بعض، وهي توقيع: اسم المجلس على لافتة وضعت في مقدمة سيارة الإسعاف التي نقلت الجنازة، وعندما أعلمنا أ. سعيد سوري قال:
سنزيلها، وطرح ذلك على نجل الفنان زورو ولم أتابع ما حدث بعدها…!
ثمة ثأريات قديمة: سعيد يوسف كان متعالياً. سعيد يوسف كان يتحدث- دجاً- بلا كلفة. يتحدث بروح ساخرة حتى من” نفسه” كما أعلن نجله على روداو، وكان زمن الحملة التي سبقت دخوله المشفى- مجرد أسابيع- كما أن الثأرية الأخيرة: ثأرية الانتقام من العلم الكردستاني، ومن عدم دفنه في مقبرة الهلالية، ومن حضور المجلس.
خطر في بالي:
إذا كان هناك خطان سياسيان. المجلس وأتباعه وب ي د وأتباعه، فأين جماهير الخط الثالث؟، فلو أنهم خرجوا -وحدهم- لكنا أمام جنازة أكبر من الجنازة الحالية؟
ملاحظة:
مقولة الراحل الكبير ظاظا أخذتها من حديث شفهي دار بيني وإبراهيم محمود
التزام الكاتب كوني رش باستقبال الجنازة واستقبال المعزين لفت نظري، ويشكر عليه، وكانت علاقته بالراحل الكبير جد مميزة، ولكن أين من كانوا ادعوا ذلك من الآخرين؟