إبراهيم اليوسف
أعتذر، من روح الكاتب الأمريكي جون ريد مؤلف كتاب” عشرة أيام هزت العالم”” 1849- 1920″ الذي تناول فيه ثورة أكتوبر الروسية، وتصادف هذه السنة ذكرى مرور مئة عام على وفاته، إذ إنه خيل إليه أن الأيام العشرة في حياة روسيا والتي تناولها قد هزَّت العالم، إلا أنها- في حقيقتها- لم تهزَّ إلا أجزاء من العالم، وإن كان لها أثرها إلى اليوم، بل وحتى في ثقافة شخص- يساري- مثلي كما أزعم، بات يحرر رؤاه من بعض أوهامها، وبخاصة تلك التي تتعلق بالموقف من انحراف الحزب الشيوعي السوفييتي عن مساره، لاحقاً- بعيداً عن رؤاه النظرية- لاسيما في ما يتعلق بقضايا حقوق الأمم والشعوب، وانطلاقه من مصالحه الخاصة في معياره التقويمي، مع إيماني بجوهرالعدالة الاجتماعية بمعناها الواسع، الذي لابدّ منه في هذا العالم.
وإذا كنت أستذكر هذا الكتاب، وعنوانه، الذي يجذبني منذ سنوات، وكنت أرغب باتخاذه عنواناً لماكتبته عن الثورة السورية، لاسيما عندما كانت في مظانها الأولى، بعيداً عمن حرفوها، وسعوا لذلك، حتى منذ البدايات، وكان ذلك نفسه نتيجة خذلان العالم للسوريين وترك الأمور بأيدي جهة ما، وحاضنتها، وسكوت هذا العالم. سكوت جميعنا، من دون أن نطلق أصواتنا، قائلين: لا، وإن قلناها بدورنا تدريجياً، ولاتزال هذه الأصوات التي رفضت النظام، ورفضت سرَّاق الثورة، وتجارها، مشتتة، بل إن هذا التشتت أمر طبيعي نتيجة طريقة تفكيركل طرف من هؤلاء المشتتين- بفتح التاء الأولى- وهوماجعل هذه الجبهة الأضعف، وهو ما رجح كفة الفاسدين.
وإذا كنت أرغب التحدث عن فيروس كورونا، أو:كوفيد19 ، ومضيت بعيداً للحديث عما عاناه السوريون، على يدي حفنة من الحكام وأخرى مقابلة من أمثالهم من المعارضين- ونقصد الفاسدين منهم فحسب- الذين بدوا غيرمختلفين عن المعارضة إلا على أمر واحد: امتلاك السلطة، للسرقة باسم الثورة، وعلى حساب دماء الضحايا، وخراب البلاد، شأن النظام نفسه الذي لاتهمه: لاسوريا ولاشعبها وإنما يهمه كرسي الحكم وديمومة ما دأب وسرقه باسم القيم التي لاينتمي هولها أصلاً: الوطن. الوطنية. …..إلخ!
لاضير، لأعد إلى كورونا، في ضوء عنوان النص: عشرة أيام هزت العالم. حيث إن هذا اسم هذا الفيروس يحتل الرقم” واحد” من حيث تداوله على ألسننا جميعاً، وبلغات العالم كلها، بل إنه لايمكن أن يكون هناك بيت لم يتردد فيه هذا اسم هذا الفيروس، بل هو الاسم الذي أرعب العالم كله، صغيرنا وكبيرنا، شجاعنا وجباننا، إذ غدوا سواسية أمام شبحه الذي خيم على قارات العالم كلها، لأن طبيعته غيرالمرئية. غيرالمحسوسة إلا بعد أن ينال من ضحيته هو الذي يجعله أشرس، وأخطر فيروس جائحي شامل، وما من امرىء إلا وهو ينتظر خبراً. أي خبر عن أي لقاح شاف مبرىء يخلص من يصاب به من بين براثنه، ولعلَّ خطورة الأمر باتت تبدو أمام التصريحات التي صدرت على ألسنة جهات صحية في بلدان عظمى، من قبيل:
لابدَّ من الكتشاف لقاح له في العام2021
وهو تصريح يبثُّ الذّعر، إذ إن لاأحد يصدق أنه سيتجاوز ضفة العام2020، هذا العام الذي دعت أرقامه المتكررة إلى التفاؤل، إلا أنه بات يضاعف حالة الرعب التي يعيشها العالم، ويدعو إلى اليأس والقنوط امام العلم الذي طوع الطبيعة للإنسان، وقدم هذا الأخير عملاقاً، قاهراً للمستحيلات، ولعل مازاد من حالة يأس الناس، على امتداد العالم هوأنهم رأوا بأمات اعينهم كيف أن قادة دول قد خضعوا لاختبارات هذا الفيروس، وهم مذعورون في ذواتهم، بل إن هناك من أعلن يأسه، وراح يذرف الدموع وهو يرى الوحش الكوروني يفترس بعض أبناء شعبه ويهدد بإبادة جماعية محدقة!
هل ثمة أحد في هذا العالم تابع أثر حرب كورونا على البشر، في قارات العالم، ولم ترتعد فرائصه؟. هل من أحد في هذا العالم لم يبدأ بتغيير سلوكه اليومي، على صعيد اتخاذ تدابيرالوقاية، وإعادة النظر في وسائل وطرائق النظافة المنزلية، وحتى الشخصية، بل وحتى على صعيد تناول أنواع محددة من الفواكه والأطعمة والأشربة، بما يجعله في جبهة من هزته الأنباء المتداولة، عبروسائل الإعلام عن هذا الفيروس الإبادي الفتاك؟
أو ليس مايجري من إعادة نظر أي منا في علاقاته بمحيطه: بيته. زملائه في العمل. جيرانه. العامة. من نتاج حالة الرعب التي يعيشها؟ بل هل أصعب من ألا يزور ابن او ابنة أبويهما وهما في معتزلهما، لايكادان يتواصلان معهما إلا عبرالهاتف، أو وسائل التواصل الاجتماعي، أو من خلف زجاج النافذة، أو الحجرالصحي، كما شاهدنا ذلك عبربعض الفيديوات؟ أهوأعظم من الهزة الروحية أن يترك أحدنا جثة من هومقرب إليه وهي توضع في مغلف بلاستيكي وتدفن تحت رقم ما في مقبرة ما، من دون أن يكون من عداد مشيعيها.
ثمة كابوس عملاق خيَّم على العالم كله، ويريد تغييرالعالم كله: ثقافة. قيماً. سلوكاً، وليعيد صياغته من جديد، إلى ماقبل ومابعد 2020، أو مابعد وما قبل” كورونا”، وهناك من بات يخشى من محو كيانات. دول. خرائط من الوجود، بينما لايزال في شرقنا من لايزال يفكر بالحفاظ على سلطته، ودكتاتوريته، وتحكمه بشعبه. ثمة قطيعة ماتكرس، بين الأب والابن. الزوج والزوجة وهما يغيران طقوسهما. الشقيق وشقيقه. الجار وجاره. السلطة والرعية. ثمة خطر على غريزة الجنس والحياة الجنسية. ثمة خطر إبادي للوحة العالم، ترى هل من هزة في العالم أعظم من هذه؟
لكم هو مهم، أن نستثمر هذه الثقافة الجديدة، بالرغم من الضريبة الباهظة التي دفعناها وندفعها. نستثمرها في إطار إعادة بناء المنظومة القيمية لإنساننا، على نحو أكثرإيجابية، ولنشرثقافة مناهضة الحروب والدمار والقتل، والالتزام بالقيم الجمالية التي أعاد-كورونا- تذكيرنا بها، وفي مطلعها تطهيرنا من الداخل، بعد أن تبينت لنا بعض وسائل التطهيرالخارجي، لنعيد ثقتنا بأنفسنا بعد أن تبينت هشاشاتنا جميعاً.
شاعر كردي سوري مقيم في ألمانيا
elyousef@gmail.com