وليد حاج عبدالقادر / دبي
من المؤكد أن المنطقة وبدائرتها الكبرى التي اعتبرت مشروعا لمناطق نفوذ إيرانية بعد فتوى خميني الشهيرة في تصدير – الثورة – وبدأت بالخطوات التطبيقية التي تلزم مع توفير كل مستلزماتها اللوجسيتية والمادية ، والتي ساهمت بدورها في تأسيس كيانات سياسية وعسكرية ، اخذت تتحكم بمسارات وقرارات دول عديدة ، وبعضها أصبحت بمقام دولة ضمن دولتها كما حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن ، وفي العراق بعد سقوط صدام حسين ، كان من البديهي ان إيران ستسعى لبذل أقصى مساعيها التصديرية تلك ، مستفيدة من أجواء المنطقة عامة ، وخاصة ارتدادات ما بعد حربي الخليج الاولى والثانية ، وذلك كحالة اضطرارية ومتنفس لها ايضا امام الشعوب الإيرانية واستحقاقاتها بعد سنين الحرب الطويلة من جهة ، وحجم الخسائر والضحايا ، والتي كان يتوقع لها الإنكماش والتفرغ لاعادة بناء بلدها ،
ولكن ما حدث هو العكس تماما ، حيث إنفلت الغول الإيراني من عقاله ، وازدادت مخططاتها ومشاريعها التي تغلفت بشعارات مذهبية ما استطاعت بالمطلق ان تخفي وبزهو ماكان يصرح به رجالاتها عن الطموحات الفارسية من جهة ، واستخدام مناطق النفوذ تلك كأدوات ويد ضاربة حين الضرورة ، وهذا ما جاهر به صراحة – إمام مدينة مشهد – في واحدة من خطبه قبل شهور .. وهنا باختصار وفي العودة الى مقتل قاسم سليماني ، وظروف المنطقة التي تعيش في الأساس على صفيح تكتوني ساخن ، وهناك حزم لأوراق كثيرة متشابكة وستزداد عقدها ، مع ملاحظة انحسارات حقيقية لبعضها بفعل القوة الضاربة التي يستحيل ان تخفف من وطأتها تصريحات خامنئي أو جعجعات نصرالله وتهديدات ازلام ايران العراقيين بكافة توصيفاتهم وألقابهم ، تلك التهديدات التي لن تتجاوز في الواقع سوى غايات استعراضية وإن قامت باستهدافات أيضا ، فهي لن تتجاوز في سقفها ذلك ، لابل انها حتى في هذه سيفكر النظام الإيراني كثيرا قبل الإقدام عليها ، خاصة بعد تغيير ترامب لقواعد اللعبة بتأكيده على أن أي خطوة سيقابلها رد عملي على إيران مباشرة . هذا الامر الذي سيقابله جملة من الأسئلة المشفوعة بتصورات مشروعة : هل سيكون مقتل سليماني خطوة تقهقر لإيران فتعود الى خريطتها ؟ و .. هل ستمهد السبل بنيويا في ايران ويلتقط الإصلاحيون الحقيقيون الفرصة فيضعوا حدا لهيمنة الامن في علاقاتها بالمحيط ؟ والحالة هذه ! هل سيتجرأ عملائها في التخلص من مخالبها ؟ .. وهل ستكون العملية هذه القشة التي ستقصم ظهر البعير ! مع إدراكنا الكامل بأن العملية فيها ما فيها من خفايا ومعها تلك الجهود الحثيثة للنظام في سعيها للنجاة من الإنهيار ؟ .. أسئلة و امور عديدة لن تطول بها الوقت لتكشف ملفاتها المخفية ، خاصة انه ومع تباشير اليوم الأول من اغتيال سليماني أخذت بعض من البينيات داخل شلليات النظام الإيراني ذاتها تطفح مثل تيار روحاني التنفيذي ، الذين يصرون على الظهور كأنهم رجال دولة لا مذهب ، وعلى ذلك الأساس أعلنوا بأنهم سينقلون الملف إلى الأمم المتحدة ، هذه الحالة التي يرفضها وبحزم – خامنئي – لابل ويسعى بكل قوة لتأجيج الشارع الإيراني وتجييشه بدفعه لتنفيذ ثقافة الانتقام ، وعليه .. فأن التخطيط لضربة انتقامية في أية منطقة رخوة قد يراها صقور خامنئي مناسبة يمكن البناء عليها وترويج بروباغندا الثأر الذي لا يزال ركيزة في جذر ثقافتهم المذهبية أصلا منذ قرون عديدة ، على الرغم من حالة الرعب الذي تسرب وبعنف الى مفاصل هذه المنظومة الدموية ، وبات البحث عن مكان آمن لدرجة أن جحر صدام أصبحت منالا يصعب الحصول عليها . ومما يلاحظ حتى اللحظة أن كل الأخبار والتعليقات تسلط الضوء فقط على حدث مقتل سليماني وانعكاسه على مناطق نفوذ ايران ، وتتغاضى عن التذكير بالإرتدادات الداخلية المتوقعة ! حيث كل المؤشرات تدل على ان العملية في جانبها الأهم والمخفي ستنعكس وبوضوح في الداخل ، وتزيد في وتيرة صراع الاجنحة ، وستساهم أن تم تسخيرها في عملية تفكيك بنيوية لنظام الملالي ، خاصة ان – خامنئي – أصبح مسنا وقضية مرضه كما وترتيبات تهيئة بديل عنه ستشهد تصفيات كبيرة ، ولربما ابتدأت حسب بعض المراقبين منذ تصفية – موت رفسنجاني ، ومقتل سليماني سيساهم بقوة في فتح القمقم ، وستذهب إيران بكل منظومتها الى صراع بنيوي قاس والآفاق ستصبح مكشوفة ومتفرعة كأهدافها ! هذه الحالة التي بات التابعون والأذناب يتمنونها قبل الجميع ، وإن كان هوس ملفاتهم التي لاتزال في خزائن استخبارات خامنئي وزبانيته ترعبهم . نعم ! ان الإرتدادات الداخلية لمقتل سليماني هي الأكثر جذبا للإهتمام على المدى المنظور ومعها مستقبل النظام ككل ومصير كتله وتياراته ، وبتصوري ، ان لهذا البعد بعض من المفردات العملياتية والتي تدخل حتى في آلية إصطياد سليماني شخصيا ، فهل تلاقت جميع الخطوط في ضرورة ازاحته ؟ . واقصد بالخطوط صراع الاجنحة داخل المنظومة الإيرانية ، مع إدراكنا أن لكل هدفه الرئس في الأساس ؟ .. ولن نرتهن اطلاقا الى نظرية المؤامرة حينما نقول : أن اكثر ما سيتواتر الى الذهن بان العملية ستنعكس في الداخل الإيراني ، لابل وقد تصبح هي المدخل للتركيز على قضايا أساسية متراكمة أصلا ، وهنا ستدفعنا هذه القضايا للبحث عن اجوبة لهذه التساؤلات ، ولعل أهمها موضوعة من سيخلف خامنئي والجواب هنا تتشابك عليها الصراعات التي اجتهد فيها الإرث الإيراني من عمليات استهدافية على مر التاريخ لكل من يتوقع ان يحل محل رأس قربت ايامه ، ولا يحمل ذات صفات امامه السابق من شدة وتزمت ، وعليه ، فأنه يحق لنا أن نرى في هذه العملية ، التي لربما تكون له خيوط من داخل النظام الإيراني كمرحلة متقدمة وفي أضيق الحلقات حول خلافة خامنئي من جهة سيما بعد غياب رفسنجاني – كما أسلفنا أعلاه – بالتقاطع مع قرب نهاية رئاسة روحاني الثانية والأخيرة .. كل هذه الصراعات في الخفاء تذكرنا أيضا من جديد بحالة اغتيال د . آية الله محمد بهشتي رئيس الحزب الجمهوري والمتزعم كان لمؤسسات عديدة داخل منظومة خميني والمرشح الأكثر حظوظا لخلافته أيضا ، والذي تم اغتياله ومعها مهد الطريق لخامنئي .. وهنا – بتصوري – ان تشابك مصالح توجهات عديدة ، منها داخل منظومة الحكم والتي – ربما – ادت الى خرق امني وبالتالي فان إزاحته وفق نظرية الدسيسة المتعششة تاريخيا في عقلية حكام فارس هي تتقاطع في طباق تام مع ممارسات النظم الإيرانية بينيا .