كردستانيات: 2- كُردستان أردوغان وتركيا أوجلان

 ابراهيم محمود
من خلال متابعة مسيرة
الكرد وكردستان وفي ” باكُري كردستان “، يجد الكردي نفسه أقرب راهناً، إلى أردوغان
التركي في إشاراته المباشرة وغير المباشرة إلى كردستان، من أوجلان الكردي الذي لم
تعد كردستان، كما يبدو، بمفهومها الجغرافي والسياسي متهجاة لديه ولدى الملتزمين
بنهجه . ربما يستفز هذا العنوان وبصيغته أخوة لي أعرفهم عن قرب من pkk، ومن pyd
أكثر، سوى أن الذي أتقدم به ليس ابتداعاً مني، إنما مستخلَص من أدبيات كل من pkk
وpyd، ومن الإعلام التركي الرسمي: الأردو- أوغلي خصوصاً، وهي مفارقة بين ما كان
محظوراً حتى مبتدأ تسعينيات القرن الماضي بشأن الكرد كردياً، وما كان يروَّج له من
داخل أدبيات pkk، ومنذ أكثر من ثلث قرن، وكما في توصيف أوجلان بمرشد كرد وكردستان .
على مدى قرابة قرن، كانت كردستان قارّة في اللاشعور التركي الجمعي: السياسي والأمني
منه تحديداً، وبالمقابل، كان الشعور الكردي في ” تركيا ” وإثر إعلان جمهورية
أتاتورك  سنة 1924، مقاوِماً، ولم يغب الاسم الكردي عن الساحة التركية رغم سيران
فعل الحديد والنار، والسجون التي عرِفت بها ” كردستانها “، وبقي ” أتراك الجبل ”
كرداً كما همو الآن، بقي الجبل المعرّف بالكرد هو نفسه شاهد عيان الكردي حتى خارج
حدوده، وكان مطلع تسعينيات القرن الآفل، وكما ألمح إلى ذلك تورغوت أوزال المهجَّن: 
نصف الكردي- نصف التركي، مشيراً إلى أنه لم يعد قادراً على كتمان نصفه الكردي لحساب
نصفه التركي المتغطرس، وهو نصف الجغرافيا التركية، نصفها الديموغرافي من جهة
الدقة.
وليس من وارد القول التنكر لدماء الكرد هنا: باسم pkk، ولا لعنصر الصدمة
الكردية الطابع للداخل التركي، إنما هو استغراب من هذا التحول المفصلي، كما لو أن ”
كردستان ” كانت، وحتى الأمس القريب في عُرف منظومةpkk خطأ مطبعياً، وبالطريقة هذه،
سيكون كل حديث عن الكرد في الدور ذاته، وهذا يطرح السؤال الذي لا يكون خطأ مطبعياً
بالتأكيد: هل يُعقَل أن يستمر الخطأ المطبعي ومن خلال ثلاثة عقود زمنية، وهو يستقطب
ملايين الكرد، مقابل مئات الألوف من الشهداء وضحايا السجون والذين اعتقِلوا وعذّبوا
وشوّهوا وحملوا بصمات السجن التركي طويلاً، وحتى الآن، ليجد الكردي نفسه إزاء من في
الهرم الأعلى وكأني به يقول: عفا الله عما مضى.. تركيا تسع الجميع، وديمقراطية
الأمم هي التي تشكل الحل الأفضل لكل مشاكلنا مع أخوتنا الترك ؟
ما يجري راهناً،
هو تصاعد خط التاريخ الكردي، وحتى بالنسبة للترك وساستهم، وأن أردوغان نفسه لا
ينسى، كما هي حيثيات سياسته في ضوء مستجدات ما عشناه منذ سنة ونيّف إثر الغزوة
الداعشية، ما تكونه كردستان، أردوغان صار مشدداً على حقيقة وجود كردستان مهما كان
نوع اعترافه بها، ولكنه اعتراف، حيث استعاد الجبل لقبه الكردي، مثلما أن الكردي
حُرّر من تسمية لبّست إياه طويلاً، وهو يكاد يعلمنا أن ثمة كردستان فعلية، في أربعة
أجزائها الفعلية، وأن الذي يحاول القيام به سيشكل حدثاً يحتفى به، وأن على الآخرين
الاقتداء به خارج حدود تركيا، ومعه، زميله، نظيره الحزبي الداهية: أحمد داود أوغلو،
ولا أظن أن أي كردي، مهما تنكَّر لكردستانه تسمية، بقادر على إيقاف صحوة الحقيقة
هذه، وهذا يحفّز على طرح السؤال مجدداً: ما الذي يفكّر فيه أوجلان وهو يطرح عن
ديمقراطية الأمم، كما تابعته مع غيري، طبعاً، من خلال ” رسالته ” في يوم نوروز 2015
في آمد، والناس بمئات ألوفهم ” مجكوكة في الأرض، وهي تتماوج بمظلاتها تحت
المطر؟
تتجلى المفارقة الكبرى في أن أردوغان ينام ويستيقظ، كما يظهر، وتمثُل
كردستان أمامه، بينما أوجلان، فيُستقرَأ في دعواه أن تركيا وطن الجميع، ولا بأس أن
تكون قاعدة لتحقيق الديمقراطية خارجاً، في عثمانية جديدة، وباسم تركيا .
هل تموت
الجغرافيا، ليُعلن عن سكتة قاعية، قلبية على مقياسها؟ هل تتوارى الأسماء ذات الصلة
بالتاريخ وثمة من يحملها بالسهولة هذه ؟ هل الكرد حقيقة لغوية شعرية، فلتة لسانية،
إزاء هذا التحول النوعي ؟
هل يمكن للشهداء الكرد” إن سايرنا أهل الميتافيزيقا ”
أن يتنازلوا عن حقوقهم، ويسقطوا دعوى مطالبتهم بما نزفوه من دماء باسم واحد ربما
كانت الكلمة الأخيرة التي لفظوها وهم في النزع الأخير ” كردستان ” ؟
هل شهدنا
انزياحاً جغرافيا، كما هو انزياح القارات، لتكون باكُري كردستان بصورتها المقتطعة
في روجآفا وغيرها ؟
من حيث المبدأ، ربما سأكون في صدارة من يهنئ أوجلان إذ يصبح
خارج سجن ” إيمرالي “، كأي كان حين يكون المعبّر عن قضية إنسانية واجتماعية وشعبية،
فكيف الحال في قضية شعب وجغرافيا ملأت دنيا وشغلت أمماً، سوى أنني سأكون في صدارة
من يتألمون على تجريد قضية تاريخية سمّيت لزمن طويل، من معناها الوحيد الأوحد
كردستانياً، ومن هذا التحول إلى موقع النقيض. تُرى هل الذي يجري في هذا السياق
يعلِمنا بما هو كارثي وهو أن الذين جسّدوا pkk، ويمثّلون pyd، وحاملها الرمزي :
أوجلان، يستحيل عليهم الاعتراض على هذا التحول، ربما لأن اعترافاً ما بهذا التحول
يوعيّهم بهول الكارثي تاريخياً، وبصدمة لا تبقي أحداً منهم حياً أو في وضع سوي
عقلياً، ليكون الاستمرار على خطأ ليس مطبعياً فضيلة كردية خاصة هنا ؟!
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…