كُردستانيات 10- أمناء الودائع المالية من الكُرد

 ابراهيم محمود

” الصدق أمانة
والكذب خيانة “

بدعة الخيال

” الكذب أمانة والصدق خيانة

صنعة الواقع
ما أن تلمح عيني، أو تتناهى إلى مسمعي مفردة ”
حساب “، حتى ولو من خلال مرتاد ” رياض الأطفال “، تنتابني قشعريرة
تاريخية مأخوذة بعين الاعتبار طبعاً، وكالشريط السينمائي، تتشكل جمَل سريعة وهي
تومض كالمشهد الإعلاني: حسابات مالية، لجنة المشتريات، قسم الحسابات، قسم
العقود، صفقة المبيعات، عروض أسعار، مساعدات مالية، لجان توزيع المساعدات، خزينة
الدولة، الأرصدة المسجَّلة، التبرعات المختلفة، لجان التدقيق فيها
جميعاً…الخ
، وفي المتن مفهوم ” الودائع المالية ” التي
أصبحت زوادة القيل والقال الكرديين، ليس لأنها عدوى جائحة، وإنما لأن المهتمين بها،
على بيّنة من الفضائح العائدة إليها، كما يعلم ” أمناؤنا ” الكرد !
وهذا يذكّر بمنصب ” السكرتير ” العام وسواه للحزب وسواه” ضمن الدائرة- المنظمة-
التنظيم.. الخ “، إنه أمين السرّ في الترجمة الحرفية، وعلى صعيد الواقع يكون المدخل
إلى العالم الذي يفصل بينه وبين الذين يحاولون التعرف إليه.
في المتابعة، لا
أعتقد، ولا بأي شكل، أن تحرّي تاريخ أي ثورة، انتفاضة، حركة كردية تكون الانتكاسة
نتيجتها أو عاقبتها، إلا ويكون هناك من يكون بصفة ” أمين سرّها ” المعني بها، يكون
الحساب المالي داخلاً، بوصفه العصب المغذّي للجسم، في بنيتها.. ويظهر بالتالي، أن
لدى نسبة معلومة، لافتة من كردنا ” الأمناء ” أعني بهم المقربين مما يجري كردياً،
هذا الشغف بما هو مالي، إلى درجة إمكان القول بوجود حاسة سادسة موصولة بما هو مالي.
المال ليس مجرد نقود، إنما كل ما يقدّر بما هو مالي. ولا أدري، وبهذا الصدد من أين
جاءت أو انبثقت مفردة ” mal” بالكردية، وهي تعني ” البيت “، فتكون ” مال ” المرء ”
بيته “، وكأن المال حقيقة وجوده، وعلى قدر عظمة ” المال: البيت ” تكون إشارة البنان
إليه… وخلاف الكثيرين ممَّن يعرَفون لدى ” الآخرين ” لا يتوانى هؤلاء ” كردنا ”
عن تنسيب أنفسهم إلى الفئة الأكثر انتشاء بما هو مالي، إنما في الأزمات، كما يجري
الآن في إطار فجائع أحداث سوريا، والكرد فيها ضمناً، حيث تنفتح جهات دولية رسمية
وأهلية وهجينة، وحتى على مستوى الأفراد، لضخ مساعدات وبأسماء مختلفة، ويكون الوسطاء
هم من يُسمُّون بأمناء كرد، إنما، وهذا ما يجب التشديد عليه جداً، يتسابقون
ويتنافسون فيما بينهم في تسيير كل ذلك ..
إن مجتمعاً ضاجاً بالأقوال المأثورة،
والذي جرّاءها يضطرد ارتباطه بما هو ماض، مجتمع استهلاكي بكل المقاييس، ومن بينها
ما يصلها بقيمة النزاهة والصدق والاستقامة، وما يجري في الواقع هو النقيض إجمالاً ،
والكرد، مهما سعوا إلى التمايز يظلّون منتمين إلى ” التراث الشرقي الموغل في
القِدَم “، لا بل إن مفردة ” التراث ” ليست دقيقة، إن لم يتم التحفَّظ عليها، إذ إن
مجرد القول بـ” التراث ” يكون الإيحاء بوجود ماض نكون على مبعدة منه، وفي استقلالية
من تأثير من ينتمون إليه، والمعاش هو خلاف ذلك، فالذي يُلاحَظ هو زمن أحادي البعد،
وفي ضوء السلبيات الكبرى، يكون الأكثر صيتاً في السوء: شطارة أو عيّارة أو شقاوة أو
تقلبات….الخ، هو المعايَن مضربَ المثل .
لهذا، ليس أمام الكرد ممن يكابدون
منغصات الأحداث الجسام، إلا أن يكونوا في دور  المتلقين لأخبار متضاربة: ثمة من
يكذّب الآخر، وآخر يكذّب من يكذّبه، ومن يكذّب الاثنين، وفي المحصّلة نكون في
المجتمع الموطوء بالظلال الثقيلة لأصناف أو مقامات متفاوتة من الكذّابين، سوى أن
العلامة الفارقة التي توحّد ما بينهم، هي أنهم نزهاء لمبدأ تليد: الكذب، حتى إزاء
أكثر القضايا قدسية: قدسية الوطن، الشعب، الأمّة.. إذ من الناحية الأخلاقية
الفلسفية، حتى لو كان هناك ابتزاز بقيمة ” فلس واحد “، لعُد هذا خرقاً للقانون
الأخلاقي العام، بمعنى أن الساعي إلى سرقة فلس، يكون مستعداً لسرقة مبالغ ضخمة..
وأن هؤلاء المنتشرين من ” أمناء ” كردنا في مدن كبرى: عالمية، ترطن بلغات شتى، ولهم
معتمَدون، و” كلّو بحسابو “، من جامعي التبرعات العاديين إلى المعنيين بالإيصالات
الاسمية، والمحوّلين للمال والمحوَّلين إليهم، أي ما يخص الاستلام والتسليم، وما
يكون الرقم الفعلي والرقم الملعوب فيه، وما هو مقدَّر التقدير الخاص من أجور
مختلفة، وأتعاب، وسوى ذلك من العمليات المبتدعة في أسمائها، ودائماً تتردد عبارة ”
الإيصالات هي الحكَم “، والأيدي الأمينة هي التي تتكلم، والودائع كما هي تكون
الحَكَم…الخ، كما لو أن الكم الهائل من العاملين في هذا المقام، وهم في مشهديات
التفاني، يوحون إلى أنهم ساعون إلى تقديم الأفضل والأمثل للمحتاجين بالفعل، وأن
الثمن الوحيد الذي يحصلون عليه هو رؤيتهم لكردهم وقد أعيدت البسمة إلى شفاه صغارهم،
وتنفس كبارهم الصعداء تعبيراً عن شكر عميق، ودعاء متكرر: الله يزيد من أمثالكم
..
الودائع مشاريع فجائع..أو يريد الأمناء هؤلاء ومع منظّري الأمناء ممَّن
يؤكدون تجردهم من كل ما يصلهم بـ” المال الحرام “..أن أصدّق ما يقال بيانياً في ضوء
ما يجري ؟
لا أحتاج لمن يقدّم إثباتاً، ولست بمكلّف نفسي لأقدّم دليلاً، حسبي
الإشارة إلى تشرذمات الكرد ومن يمثّلونهم هنا وهناك.. ومن صدق ذلك هو حر، ومن كذب
ذلك، فهنيئاً له فيما هو عليه من يقين، ومن طمأنينة روح، وهو صحبة أمنائه متلمّظاً
إلى إشعار آخر… وآخر..
دهوك

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…