الكرديُّ الذي يُلدغ من جُحرٍ مرّتين

زاغروس آمدي

من بديهيات السياسة المعروفة للجميع هو
التنبؤ بما يُمكن أن يحصل في المستقبل من أزمات ومشاكل ونكبات في الأوقات الصعبة
والعادية أيضاً، ومن ثم التحضير لمواجهتها والتغلب عليها بأقل الخسائر فيما إذا
حصلت. أما الانتظار إلى حين أن تقع الأزمة أو النكبة ومن ثم معالجتها فإنها تكلف
أثمان باهظة وباهظة جداً.
ما حدث في كوباني وشنكال مثلاً كان متوقعا، وأنا واحد
من بين الكثيرين الذين حذّروا من ذلك، لكن للأسف لم يتم التحضير لذلك مسبقاً، لذا
كان الثمن باهظاً جداً. وكان يُمكن أن تكون الخسارة أكثر لولا رحمة ربّك الذي أرسل
طيور أبابيل ورمت الدواعش الأوغاد من السماء بحجارةٍ من سجّيل.

تصورا معي عزيزي الكردي (ابن الأمة الكردية) وعزيزي الديمقراطي (ابن الأمة
الديمقراطية) لو أن أكراد سوريا وكذلك أكراد العراق إلى حد ما، اخترقوا القاعدة
العامة عند الكرد، ووضعوا خلافاتهم السياسية والأيديولوجية جانباً كما يحصل عادة
لدى الشعوب البدائية والمتحضرة على حد سواء وقت الأزمات وخاصة وقت الحروب وتوحدوا
وشكلوا قوة واحدة، هل كانت داعش ستغزو شنكال وكوباني وقراهما؟ وهل كان يمكن أن يحصل
ما حصل من مأساة؟
 
ومع أن إمكانية هجوم الدواعش والنصرة على المدن والبلدات
الكردية في سوريا ما يزال قائماً، ومع ذلك لا يتم التحضير لذلك كما يجب. وكأنّ
الأمور بألف خير وعلى ما يرام. وكأنّ الطيور الأبابلية تُزيّن سماء كردستان في جميع
فصول السنة.

لا أدري ما هو السبب تماماً، ولكن أُخمِّن أنه ربّما راقت لبعض
(القادة) الخارجين عن الجغرافيا والتاريخ فكرة إقامة متاحف حربية في كوباني من
مخلفات الدمار والخراب، ويريدون إقامتها أيضا في القامشلي وعامودا وعفرين لتحقيق
المساواة الكاملة بين الكانتونات.
فليرمني بحجر إذن من يُخطؤني القول إذا قلت
بأن الكرديّ يُلدغ من جحر عشر مرات أو ربما أكثر. وتاريخنا والحمدلله زاخرٌ
بالشواهد من هذا النوع.
صحيح أنّ الغباء نعمةٌ أو هِبة ربّانيّة بإعتبارها قوة
معطِّلة للتفكير وتريح العقل، لكن يبدو أنّ الله عندما وزَّع هذه النعمة على الأمم،
إنفتق كيسه عندما مرّ بسماء الكرد فكان نصيبهم من هذه النعمة الإلهية
وافراً.
فهل يجرؤ شخص ما أن يسألني بعد هذا التوضيح: لماذا لم ينجح الكرد في
تأسيس دولةٍ لهم كباقي الأمم؟

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

رياض علي* نظرا للظروف التاريخية التي تمر بها سوريا في الوقت الحالي، وانتهاء حالة الظلم والاستبداد والقهر التي عاشها السوريون طوال العقود الماضية، وبهدف الحد من الانتهاكات التي ارتكبت باسم القانون وبأقلام بعض المحاكم، وبهدف وضع نهاية لتلك الانتهاكات، يتوجب على الإدارة التي ستتصدر المشهد وبغض النظر عن التسمية، أن تتخذ العديد من الإجراءات المستعجلة، اليوم وليس غداً، خاصة وان…

ادريس عمر كما هو معروف أن الدبلوماسية هي فن إدارة العلاقات بين الدول أو الأطراف المختلفة من خلال الحوار والتفاوض لتحقيق المصالح المشتركة وحل النزاعات بشكل سلمي. المطلوب من الكورد دبلوماسيا في سوريا الجديدة بعد سقوط طاغية دمشق بشار الأسد هو العمل على تأمين حقوقهم القومية بذكاء سياسي واستراتيجية دبلوماسية مدروسة، تأخذ بعين الاعتبار الوضع الإقليمي والدولي، بالإضافة إلى التوازنات…

نشرت بعض صفحات التواصل الاجتماعي وبعض المراسلين ، معلومات مغلوطة، بشأن موقف المجلس الوطني الكردي حول الحوار الكردي الكردي ، فإننا نؤكد الآتي : ١- ما ورد في المناشير المذكورة لا يمت للواقع بأي صلة ولا يعكس موقف المجلس الوطني الكردي . ٢- المجلس الوطني الكردي يعتبر بناء موقف كردي موحد خياراً استراتيجياً، ويعمل المجلس على تحقيق ذلك بما ينسجم…

إبراهيم اليوسف ليس خافياً أن سوريا ظلت تعيش، بسبب سياسات النظام، على صفيح ساخن من الاحتقان، ما ظل يهدد بانفجار اجتماعي واسع. هذا الاحتقان لم يولد مصادفة؛ بل كان نتيجة تراكمات طويلة من الظلم، القمع، وتهميش شرائح واسعة من المجتمع، إلى أن اشتعل أوار الثورة السورية التي عُوِّل عليها في إعادة سوريا إلى مسار التأسيس ما قبل جريمة الاستحواذ العنصري،…