المشروع الكردي الغائب الحاضر في سوريا

م. رشيد

تحت عنوان
الربيع العربيِّ وشعاراته، الدفاع عن الحرية والكرامة، والقضاء على الفساد
والاستبداد، بدأت الاعتصامات الجماهيريّة، ثم تصاعدت الأحداث وتفاقمت الأوضاع
وتعقدت الأزمة، فأصبحت تنتج القتل والدّمار والنزوح في أبشع صورها، وتخلّف المعاناة
والمأساة في أفظع أشكالها.
أجل! وبكلِّ حرقة ومرارة مازالت سوريا تدفع الثمن
باهظاً كوطن ومواطن بمختلف مكوناتها، والكرد الجزء الأصيل منها، فاتورتهم كبيرة
وأبرز عناوينها كوباني الضحية بدمائها ودموعها وأنقاضها..
أكّدت الحركة الكردية منذ بداية الاحتجاجات على الطّابع السلميِّ للنضال والحل
السياسيّ في إطاره الوطنيّ العام من أجل التغيير والإصلاح، وإبعاد شبح الطائفية
المقيتة ومن خلفها الأجندات الخارجية المختلفة في الغايات والأهداف، لكن أصحاب
العقليّة العروبية الشوفينية المريضة، وأرباب الذهنية الدينية الراديكالية
المتطرفة؛ عارضوها واتهموها بالتخاذل والتهاون، ودفعوا بالبلاد نحو محرقة
الانتقامات وتصفية الحسابات (السياسية والمذهبية) من خلال المواجهات العسكرية
واتباع سياسة كسر العظم، والتي أثبتت الأيام والوقائع عبثيتها ورعونتها وفشلها، لا
سيما بعد تدويلها في بورصة المساومات والصفقات بين تجّار الحروب والقوى العالميّة
المُتنفِّذة، لتنفيذ سياساتها الاقتصاديّة والأمنيّة وتحقيق مصالحها الاستراتيجية
والحيويّة في المنطقة.
اليوم وبعد مرور ما يقارب الخمس سنوات على الحرب الكونيّة
والأهليّة (المجنونة والمدمرة) على وفي سوريا، أصبحت سوريا منقسمة جغرافياً
وإدارياً وعسكرياً كأمر واقع بين القوى المُتحاربة على الأرض، والحالة مستمرة (ما
لم تتدارك) ومتجهة إلى نهايات غير معلومة في العواقب، وغير محدودة في المدد، وغير
مستقرة في السلطات، فالحروب تشتعل على جميع جنباتها في كامل الشرق الأوسط الحبلى
بالنزاعات والمليئة بالصراعات، بالرغم من محاولات المجتمع الدوليّ ومنظمات الأمم
المتحدة لمعالجتها وايجاد الحلول التوافقية المناسبة لها.
في ظل هذه الظروف
المتغيرة والمتقلبة تحاول الأطراف المتناحرة تعزيز مواقعها وتجميع قواها وترتيب
أوراقها كي تثبت حضورها وتفرض شروطها في الواقع الجديد ضمن المعطيات والتوقعات
القادمة، والتي سيخلقها ويفرزها مسلسل الصراع الدامي الدّائر حالياً، وكي يصبح
الكرد لاعبين أساسيين وشركاء حقيقيين وفاعلين في رسم خريطة سوريا المستقبل ينبغي
عليهم توحيد صفّهم وخطابهم، وحسم خياراتهم ضمن حدود مناطقهم وحمايتها وإدارتها
بالمشاركة مع باقي المكونات (عرب ومسيحيين وجاجان وتركمان..) شركاء الوطن، لتكون
أرضية مناسبة لتحقيق رؤيتهم السياسيّة نحو بناء سورية ديموقراطيّة تعدديّة علمانيّة
فدرالية، تؤمن لهم في إطارها حقوقهم القوميّة والوطنيّة والديموقراطيّة.. كما تقره
العهود والمواثيق الدولية أسوة بباقي الشّعوب في المنطقة والعالم.
إنّ اتفاقيات
هولير ودهوك – الموقعتين بين المجلس الوطنيّ الكرديّ وحركة المجتمع الديموقراطيّ
برعاية وإشراف السيد مسعود البارزاني رئيس إقليم كوردستان – هي تعبير واضح وصريح
لهذه الخيارات، وتجسيد عمليّ وحقيقيّ لمستلزمات الصمود وإثبات الوجود، تلك الخيارات
التي ينصح بها أصدقاء الكرد (محلياً وكردستانياً ودولياً) ويشجعونهم على تنفيذها
بسبب جدواها وضرورتها، وما تركيز ضربات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على
فلول داعش في المناطق الكردية إلا تأكيد لها ، لذلك تسعى بعض الأطراف الاقليمية
(المتضررة من تطبيقها) لتعطيلها أو إفشالها، من خلال وضع العصيّ في عجلات المشروع
الكردي المطروح والمطلوب، وللأسف تتبوأ قوى كوردية هذه المهمة فتوقع بنفسها في
أفخاخ تلك الأطراف المعادية لطموحات الكورد، مختلقة الذرائع والحجج لقاء مكاسب
حزبيّة ضيقة ومؤقتة، ومبالغ مالية زهيدة زائلة، ثمناً لجهودها السلبيّة المبذولة في
هذا المسار، وكذلك إشباعاً لأنانياتها وغرائزها التسلُّطية، وتصفية للخصومات
والخلافات البينية، وإرضاء لحلفائها واصطفافاتها وامتداداتها على الصعيدين
الكردستاني والإقليمي.
اليقظة والحذر ضروريان تجاه محاولات المتربصين بالكرد من
الشوفينيين والتكفيريين من القوميات السائدة والأنظمة الحاكمة، والتي تهدف إلى
إلغاء الهوية الكردية أرضاً وشعباً وتاريخاً وثقافة، فمن الأهمية بمكان العودة إلى
اتفاقية دهوك الأخيرة لتطويرها وتوسيعها والالتزام بتفعيلها وتنفيذ بنودها الثلاثة
نصاً وروحاً، لتكون مشروعاً كردياً عاماً وشاملاً لكل مكونات الحركة الكردية،
ومواكباً للمستجدات الراهنة والتطورات اللاحقة، لأنه الرهان والضمان والأمان لجميع
الكرد حاضراً ومستقبلاً، كما أنه النموذج السليم والصالح ليحتذى به في بناء سوريا
الجديدة.
10/06/2015
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…