تحــدَّثوا عن اللاثورة السورية ولو قليلاً

 ابراهيم محمود

تحدثوا عن اللاثورة السورية يا أصحاب القيم
المثلى للثورة، ولو قليلاً. إن رأس الحكمة ” مخافة الضمير ” أيضاً، إذا كنتم
تعِيرون الضمير بعضاً من الوقت، بعضاً من الأهمية، لتروا إلى أي درجة باتت ”
الثورة  السورية ” سَوْرة أهواء!
تحدثوا قليلاً عن الثورة وما تعنيه واقعاً،
وكيف أن الذين ظهروا في البداية في مقام الثوريين، سرعان ما فوجئوا أن هناك من
انتظرهم ليحلّوا محلَّهم، ويضيع الثوريون، وما أقلهم في طوفان اللاثوريين الذين
ميَّعوا كل شيء له صلة بالثورة.
تحدثوا قليلاً عن الذين عاهدوا أنفسهم بالانتقام من جلّاد سوريا، ثم برز جلادون من
تحت ” راية الثورة السورية ” داخل سوريا التي لم تعد سوريا في تحالفات مغمسة بدماء
بعضها بعضاً، في دوامات عنف تجاوز ما هو معقول فيه، وهو معقول لأنه عرَّى من
تستَّروا بالضمير الحي فيهم، وحتى الآن يمدحونه، لتكون ” ثورتهم ضد جلاد سوريا،
دكتاتور سوريا الأوحد، مشروعة حتى إزاحته مشروعة “، حيث أزيحت جغرافيا كاملة عن
محورها، وخارجها، إذ ما أكثر الذين يزيدون ” نار الثورة ” أواراً، وهم وعائلاتهم
وأهلهم وأقربائهم وزُمراً من جيرانهم والمحسوبين عليهم مؤمَّن عليهم، ويعيشون أحلام
” الثورة ” وهي لم تعد تكتفي بـ” أكل أبنائها ” وإنما بتحويل سوريا الشعب الواحد
والمتعدد إلى أكثر من غابة ” الله أكبر ” التي اختلط فيها القاتل بالمقتول وخارج
غابة الله في مساحات ومساحات، وبرع فيها جلادون غير مسبوقين ينافسون في كثير مما
يجري على الأرض اللاأرض حتى جلاد سوريا الأكبر في سفكهم لدماء ” أبناء سوريا ”
وآبائها، وأجدادها وكل ما يصل بها من قريب وبعيد بمعنى ما.
تحدثوا عن اللاثورة
السورية ولو قليلاً، يا الراكبين الموجة، والمنتشين بالموجة، والراكضين مع الموجة،
فهي تكاد تغمر كل ثورة، فبعض من الاعتراف بحصول خطأ ما، يُري كيف أن ” الثورة
السورية ” أوجدت الكثير من أعداء للضمير  وللحقيقة والثورة الفعلية والمشروعة
وابتدعتهم، وفجَّرت من الأحقاد التي لا يجب محاسبة جلاد سوريا الأكبر في النظام، في
كل حديث عن ” الثورة السورية ” ما ليس معهوداً في غزوات عتاة همجيي التاريخ وسفاحي
الشعوب هنا وهناك .
تحدثوا عن اللاثورة السورية ولو قليلاً، يا أمناء المساعدات
المالية والنقدية وهي تحجب ما لم يعد يطاق في سوريا، وقد اشتهر فيها مرابو شعارات
ومتعهدو ألقاب ثورية وموجّهي المساعدات في الجهات التي تعِد البلد بالفناء، طالما
أن الضمير الذي يُتداول يسفح الضمير على وقْع هذه الهرولات خلف الطاولات، بجوارها،
أمامها، عليها، حباً في نجومية مريعة .
تحدثوا عن اللاثورة السورية ولو قليلاً،
يا أولي أمر الثورة من كل ” مكونات الشعب السوري ” حيث لم يعد الشعب الواحد ولا حتى
في مقام الجماعات القابلة للتسمية، إن تمعنا ولو قليلاً في مجريات ” الثورة ” التي
تسمّونها، وكيف كانت النشأة ومن كانوا المعنيين بها، وشهودعيانها، والضالعين في
تفجيرها، ومن تربصوا بها ومهَّدوا لأكثر من طريق لظهور من يحيلوا الثورة تدريجياً
إلى حراب تشتهي سفك دماء أهليها وغلابة البلد الذي لم يعد بلداً، وتلغيم البلد
وذاكرة كل مغلوب على أمره لأن ينسى أن هناك حكيماً واحداً قلبه على البلد وأهل
البلد وحتى على نفسه الفعلية جرّاء هذه الدماء الساخنة القانية التي صحَّرت جهات
غير محسوبة، وغطَّت أفق الرؤية هنا وهناك، وقد ضاقت أمم الأرض وهوام الأرض وجمادها
خارجاً برعب الجاري .
تحدثوا عن اللاثورة السورية ولو قليلاً، فهذا القليل
المرجو، ربما يُري فظائع تُرتَكَب، ومنذ حين محسوب من الدهر، إلى أكثر المتحدثين عن
الثورة ضد الجلاد الأكبر، ودفاعاً عن ” حقوق الشعب ” دفاعاً عن ” الديمقراطية ” وهي
تسخر من كل ما يُنسَب إليها، داخل البلد وخارجه، فظائع فعلية، لو تم التحري في
أمرها، لعرّي كثيرون ممن يهنأون بما لم يكن في الحسبان داخل البلد قليلاً وخارج
البلد كثيراً منظّري ثورة كتابة وممارسات محسوبة على السياسة وما هو بروتوكولي، وفي
عهدة ” ثورة حتى النصر “. على من ؟ حيث ينافس تجار الموت والدم المراق من هم حريصون
على الحياة في البلد ولازموا البلد، وصمتوا حباً بالبلد وبالضمير الذي روَّعهم فيما
رأوه ويشهدون رعبه ” الشعبي ” .
تحدثوا عن اللاثورة السورية، ولو قليلاً،
لتعيشوا فولكلوريات الأحقاد المتبناة وسماسرة القيم المستثمَرة والتي باتوا يملأون
شاشات التلفزة وهم ينظَرون للجاري، ويحرّكون أيديهم أكثر من تحريك شفاههم وضبط
كلماتهم، والقيّمين على أمن البلد و” شعوبهم “، لتروا المسافة الفاصلة التي صارت
تفصلكم عن البلد وشعب والضمير الذي يصلكم بالبلد، ولتدركوا لكم هم رائع ومتردّدٌ
صداه قول” فضيلة الخطأ ” حتى في ” الوقت الضائع “، حتى لا تضيّعونا معكم، وتضيعوا
أنتم ويتبرأ منكم الضمير نفسه وتاريخ كل ثورة فعلية!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…