في النقد الاعلامي «روداوو» وهفوات الخط التحريري

عنايت ديكو 

عندما ظهرت فضائية ” روداوو ” على المسرح
الاعلامي الكوردي حدثت ضجة من العيار الثقيل في حقل الإعلام وكانت حقاً ظاهرة
إعلامية جريئة ، وجاءت إنطلاقتها أيضاً في وقتٍ تاريخي ومفصلي حساس حيث تعج الساحة
الكوردستانية بالفضائيات العشائرية والحزبية والقبيلة. ففي ظل هذه المعمعة تحول
جلَّ الاهتمام للإنسان الكوردي الى هذه العين الإعلامية الجديدة وتنفس الشعب
الكوردي قليلاً وإحتلت ” روداوو ” مركز الصدارة لدى الشارع الكوردي في الحصول على
المعلومة الصادقة وسماع الخبر اليقين وغير المبتور والمنقوص، وشَعَرَ الكوردي ولأول
مرّة بأن الرقيب والضابط الأمني في إجازة بلا راتب . 
فطرحت ” روداوو ” نفسها بقوة مع خلفياتٍ موسيقية ساحرة وبلونٍ برتقالي متميّز ،
وخرجت بأسلوبٍ شيق وجميل من بين ركامٍ عتيقٍ من التلفيق والكذب والخداع الإعلامي في
الساحة الاعلامية الكوردستانية، وواجهت ” روداوو ” جمهوراً كوردستانياً عريضاً فور
بشائر بثها قد ينتظرها في النشرات الإخبارية والبرامج التحليلية والحوارية بشوقٍ
ولهفة. ووجدت نفسها تتربع عرش الخبر الكوردي ، ليس فقط لأسلوبها المتميز واللائق بل
نتيجة للأخطاء القاتلة للفضائيات الكوردية الأخرى وخاصة الاعلام الآبوجي الذي لعب
الدور الغوبلزي المراوغ والمخادع في مقاومة ” روداوو ” وخلق الفتن والحجج
والاتهامات وأصبح كثورٍ جريح يترنح يميناً ويساراً نتيجة خطّهم التحريري الفاشل.
فلم تبق طريقة إلا ومارسها هذا الإعلام الأيكولوجي بحق ” روداوو ” ومؤسساتها
وموظفيها ومراسليها، الى أن وصل بهم الأمر الى إتهام شبكة ” روداوو ” بالعمالة
والخنوع واللا كوردوارية والى ما هنالك من كلمات وإتهامات بذيئة ومبتذلة ورخيصة
وسوقية . !
وعلى الطرف الآخر والحقُ يُقال ، لقد لعبت ” روداوو ” دوراً جيداً في
طرح المستور ومقاومة الاعلام الحزبي الكوردي المتزمت والمتخلف والمريض على الصعيد
الكوردستاني حتى أصبحت فضائية ” روداوو ” ماركة كوردية مسجلة وعالمية . لكن ما أن
تتالت السنوات والصراعات والحروب التي فُرضت علينا وإخفاق الثورات وآفاقها وتآكل
الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة وظهور داعش والراديكاليين الكورد في غرب كوردستان
تخبطت ” روداوو ” هي أيضاً كغيرها من الفضائيات في عدم تمكنها من طرح البدائل
وترنحت في الحفاظ على البوصلة الاعلامية الكوردستانية في النوعية والجودة والحيادية
في تبنيها للخط الاعلامي .؟ فكانت السياسات التحريرية لها ضبابية ورمادية الى حد
الخجل أحياناً، خاصة عندما كانت تتناول الأحداث الساخنة من غرب وشرق كوردستان .
مثالان على ذلك (( مجزرة عامودا من قبل البي يي دي والتخبط الروداووي وحادثة إنتحار
فريناز من كوردستان إيران والتأخر في التعامل مع هذا الخبر الثقيلٍ والبحث عن إيجاد
عمليات قيصرية ومخارجٍ اعلامية غير موفقة لهذه الحادثة .)) فهل هذا يرجع الى الدور
الإيراني والسوري في المنطقة … أم ماذا ..؟؟ 
فبعد سنواتٍ من العمل الإعلامي
المرهق والشاق من قبل ” روداوو ” لنا جملة تساؤلاتٍ لها : 
1 – هل إستطاعت ”
روداوو ” مقاومة الابتزاز السياسي والاتهامات الرخيصة ودافعت عن نفسها وعن جمهورها
العريض ، الحجة بالحجة والبراهين …. أمْ وَقَعَتْ في هفوات ومطبات فكرية وسياسية
قاتلة ما أدّى في الأخير الى فرملة نشاطها الاعلامي على الساحة
الكوردستانية.؟ 
2 – هل استطاعت ” روداوو ” خلق مؤسسة ومسرحٍ اعلامي كوردستاني
لتعبئة الرأي العام الكوردستاني في مواجهة الأخطار التي عصفت وتعصف بكل كوردستان
… أم سقطت في إمتحاناتها التحريرية وإنجرّت الى الضبابيات والهلاميات والترقيع
السياسي في طرحها للمشاكل المستعصية وآرآئها وخطها التحريري ؟. 
3 – ما هو
المستور وغير القابل للنقاش عند ” روداوو ” ؟
4 – كيف حافظت ” روداوو ” على حركة
الصعود والهبوط في تعاملها مع سياسات الأمر الواقع غربي كوردستان وما هي الأدوات
الاعلامية والمعرفية التي إنتهجتها في خطها الإعلامي لمواجهة الآلة الاعلامية
الابوجية وفي تحريفها للحقائق الموجودة على الارض .؟ 
4 – فلماذا إنجرّت ”
روداوو ” الى الفخّ الذي نُصِبَ لها في غربِ كوردستان عبر ترديدها الببغائي لكل ما
تقوله ” روناهي تي ي .؟
ففي وقتٍ يرى المشاهد الكوردي في غرب كوردستان الحقائق
بأم عينيه من قتلٍ وتدمير وخنقٍ للحريات وبناء للسجون والمعتقلات وضرب العلاقات
الكوردية الكوردية وإتهام جنوب كوردستان بالعمالة والخيانة وبالصوت والصورة والتدخل
في شؤون كوردستان العراق وإنشاء كانتونٍ هنا وآخرٍ هناك والقيام بتهجير الشباب من
غرب كوردستان وفرض الضرائب والأتاوات والجبايات والتنكيل بهم ، كنا نرى التيار
الآبوجي يتصاعد ويظهر علناً ويومياً عبر شاشة ” روداوو ” ويلفظ جهاراً نهاراً
مهددين يميناً ويساراً غرباً وشرقاً متوعدين بأنهم سيضربون بيدٍ من حديد لكل من لا
يرضخ لقوانينهم الكانتوناتية وفرمانتهم القراقوشية العسكرية الراديكالية . ونرى
أيضاً ممثلي النظام السوري وشبيحتهم يخرجون على شاشة ” روداوو ” ويسوقون لسياساتهم
وجرائمهم . بينهما التيار الليبرالي والمثقف والثوري الكوردي والحقوقي والمدني في
غرب كوردستان كان غائباً تماماً عن التفاعل والحواريات وطرح مشروعة الديمقراطي
السلمي وكان هذا التيار يأن من آلامهِ ويسبح في دمائه نتيجة إلتقاء المصالح
والتقاطعات بين اللوبيات المختلفة . فما هو السرّ الذي أدى الى كل هذا الاهتمام
الروداووي بالمفاصل والمؤسسات الهلامية لروجآفا وكانتوناتها .؟
لقد تحولت ”
روداوو ” الى ماكينةٍ إعلامية لتحويل كل المفاهيم والمصطلحات الغريبة والمبهمة
واللا واقعية واللا عقلانية الى واقع ملموس ووضعها على الأرض في غرب كوردستان وما
على المشاهد الكوردي المسكين إلا أن يُسلم بالأمر وليس له حق الإعتراض على هذه
السياسات سواءً لروداوو أو لروناهي تي ي . لقد إستخدمت ” روداوو ” كل الأدوات
المعرفية والسياسية والحزبية الآبوجية في بناء خطّها التحريري وفي نشراتها
الإخبارية وبرامجها وتقاريرها الإعلامية . دون الوقوف على التبعات والمخاطر الفكرية
والسياسة لهذه المصطلحات الفضفاضة وتأثيرها السلبي على بنية التفكير وعلى سيكولوجية
المجتمع الكوردي والكوردستاني ، وكأن كل ما هو موجود في الاعلام الآبوجي هو حقيقة
ساطعة لا نقاش فيه وهو أمرٌ موجود وليس من حقِ ” روداوو ” طرح البديل الرصين أو
مناقضة السياسات المتبعة هناك وإن كانت متعارضة مع الرسالة الاعلامية الصادقة التي
تحملها ” روداوو ” نفسها . نعم ساهمت ” روداوو ” وعبر إنتهاجها لهذا المسلك للخبر
والبرامج والحواريات في نشر مفاهيم ديماغوجيةٍ هلامية ومبهمة ، ومصطلحاتٍ غريبة
وعجيبة بعيدة كل البعد عن الكورد والكوردوارية . مثل مفاهيم الأمة الأيكولوجية و
الأمة الديمقراطية والمجتمع الديمقراطي والكانتونات والگريللا والكتائب الأممية ،
إلى جانب الكثير من الكلمات والمفاهيم والمصطلحات الغامضة . فسقطت ” روداوو ” في
بوتقة هذه الفلسفات والمصطلحات الغوغائية الراقصة ، ولم تستطع الحفاظ على توازنها ،
فبدلاً من أن تشرح وتُعرّفَ ” روداوو ” مثلاً لجماهيرها العريضة بأن هذه المنطقة هي
” غرب كوردستان ” وهي ليست مناطقٌ كانتوناتية كما تدعي جماعة البي يي دي ، فذهبت
الى إستخدام ما يقوله الاعلام الغوبلزي الشهير المتمثل بروناهي تي ي نفسه دون
تغييرٍ أو تبديل . وراحت تستخدم نفس الكلمات والمبادئ والمصطلحات والتعاريف
والمعاني التي كانت تصدر من المكتب الاعلامي في كانتونات ” روجآا ” دون أن تعرف
بأن لهذه الاستخدامات تبعاتٌ سلبية كبيرة وخطيرة على ذهنية الانسان الكوردي وعلى
العقل الباطن للمتلقي الكوردي وعلى الطفل الكوردي والشارع الكوردي . فالطفل الكوردي
مثلاً عندما يأكل ويشرب ويلعب وينام على المصطلح الأيكولوجي والامة الديمقراطية
والكانتوناتية الروجآئية وبدون ذكر كلمة كوردستان ؟ يتكون عند هذا الطفل صورة
نمطية تأطيرية في تحويل الارض الكوردستانية التاريخية الى كانتونات ومقاطعات ملونة
تفتقر الى أية خصوصية كوردستانية . 
– فيا للأسف ياعزيزتنا ” روداوو ”
..!!! 
كان لكم دورٌ كبير ٌ في بث وترويج وتثبيت السياسات والمصطلحات والمفاهيم
والتعاريف الآبوجية المبهمة في قاع المخيلة الكوردية ، وجاء هذا عبر ضخكم الاعلامي
ليل نهار سواء كان ذلك بقصد أو من غير قصد. فكان بإستطاعتكم مثلاً التشبث والتمسك
بكلمة ” غرب كوردستان ” بدل إطلاقكم لكلمة (( كانتون الجزيرة وكانتون كوباني
وكانتون عفرين )) وكان بإستطاعتكم أن لا تنجرّوا وراء ما يُقال في الإعلام الآخر .
لقد شرعنتم مليشيات ” البي يي دي ” وإستخدمتم كلمة الحماية الشعبية بدلاً من كلمة ”
مليشيا ” لأن هذه هي مليشيا حزبية ، وبدوره أخذ الاعلام العالمي منكم أيضاْ ووقع هو
أيضاً في نفس الأخطاء والمطبات التي وقعتم فيها أنتم ، فمثلاً يُقالُ في الإعلام
العربي والأجنبي … قوات الحماية الشعبية الكوردية … أو الإتحاد الديمقراطي
الكوردي ، بالرغم من أن الجماعة أنفسهم قد تَرَكُوا كلمة الكوردي والكوردستاني ،
فالإعلام العربي والدولي لم يترك مناسبة إلا ويُلصق كلمة الكوردي بجماعة البي يي دي
ومليشياتها .، وهناك أمثلة بالعشرات والمئات . 
– أخيراً …. بعد أن وقع الفأس
بالرأس وقامت جماعة الأمة الأيكولوجية الديمقراطية بطرد مراسل ” روداوو ” من
مملكتها الكانتونية وإغلاق مكاتب ” روداوو ” بالشمع الأحمر وإتهامها باللا مهنية
واللا اعلامية والتبعية وبأنها قناةٌ مغرضة وفاسدة . فاقت ” روداوو ” من سباتها
العميق وأرادت أن تحافظ على ماء الوجه قدر المستطاع والقيام بخلق نوع التوازن في
خطها التحريري والإخباري وإستضافة الصقور من المعارضة الكوردية السورية في برامجها
ونشراتها الإخبارية وحواراتها لكي يقوموا بالردّ على ممارسات ومفاعيل وسياسات الأمة
الديمقراطية وممارسات البي يي دي في غرب كوردستان .
– فهل ستنجح ” روداوو ” برد
الاعتبار الى جمهورها الصادق والعريض والمُحب لها … وستكون رأس الحربة ضد أعداء
كوردستان… أم ستسبح في رمال التجاذبات السياسية والفكرية بين الأحزاب
الكوردستانية واللوبيات المالية الكبيرة التي تتكاثر هنا وهناك . 
نقطة
إنتهى
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…