مؤتمرات على شرف السّوريّين المغيّبين

نارين عمر

منذ بدءِ
الأزمة السّوريّة وحتّى تاريخ هذه المقالة تسارع الدّول والممالك والإمارات
والأقاليم والمنظّمات والجمعيّات ومثيلاتها بعقدِ مؤتمراتٍ وكونفراساتٍ وشبيهاتها
على شرف المواطنين السّوريّين “البؤساء والمظلومين والمغلوبين على أمرهم والمهجّرين
والمشرّدين” –على حدّ زعمهم- ويؤكّدون على تفاوضهم مع المعتدلين منهم والحريصين على
مصالح جماهير شعبهم, والمتفانين في خدمةِ مجتمعهم, والمضحّين بالرّوح والمال والولد
من أجل تراب وطنهم وصون أرضهم حتّى ظهر البعض منهم يذرف الدّموع تأثّراً عليهم
ورأفةً بهم.
يبدو أنّ هؤلاء ينسون أو يتناسون أنّهم ومنذ بدء المآسي السّوريّة وحتّى الآن
يوجّهون بطاقات دعواتهم إلى عناوين خاطئة لأشخاص وأناس لا تربطهم بشعبهم السّوريّ
ومواطنيهم سوى الجنسّية السّوريّة, وسوى الانتماء الاسميّ إلى
وطنهم “سوريّا”! ويتجاهلون عن قصدٍ وعمدٍ إلى أنّ
المساعدات الماديّة والإنسانيّة والإغاثيّة التي يتباهون بمنحها إلى
المواطنين السّوريّين لا تصل إليهم إلا “الأذن” فقط منها, أي أنّهم يحصلون على
الجمل, ويرسلون أذنه إلى مواطنيهم, ويبدو أنّهم يغضّون الطّرف على أنّ ما يُصْرف
على الموائد الدّسمة التي تُقام على شرف هؤلاء خلال أيّام هذه المؤتمرات تكفي
لإعالة آلاف العائلات السّوريّة خارج الوطن وداخله!
تحدّثوا كثيراً عن “جنيف 1”
وأكثر حول “جنيف 2” والآن يحضّرون لـ “جنيف” آخر, جنيف كثير العدة والعدد,
ويتحدّثون عن “مؤتمر في الرّياض” و”جلسات ماراثونيّة” في موسكو, ما عدا مؤتمرات
وجلسات استنبول وغيرها ممّا لا يعدّ ولا يحصى!!!
يتساءل الشّعب السّوريّ:
هل
حقّاً هؤلاء يجهلون أم يتجاهلون؟ ينسون أم يتناسون؟ يغضّون النّظر أم نطّت غشاوة
فوق عينيهم, فمنعتهم من البصر والإبصار؟
إلى متى سيظلّ مَنْ بيدهم مصير شعبنا
السّوريّ يتلاعبون بمصيرنا؟ إلى متى سيظلّون يتسلّلون إلى شرفة أحلامنا, ويخيفونها
بفزّاعات اخترعتها مصالحهم ومآربهم وأهدافهم اللامتناهية؟ إلى متى سيظلّ شعبنا يدفع
فواتير مزاجيتهم التي ما عادت تُطاق ولا عادت تُصْرَف في أروقة الإنسانيّة
الحقيقيّة والحقّة؟
يا جماعة! يا ناس! يا أهل النّجدة والإنقاذ!
لو ظللتم
تعقدون في اليوم الواحد مؤتمرات بعدد دول العالم وممالكها وإماراتها على شرف
السّوريّين فإنّكم تعلمون جيّداً أنّها ستؤول إلى الفشل والإحباط, لأنّكم تدعون
إليها مَنْ لا يعرف عن تاريخ وحضارة وماضي وحاضر شعبه شيئاً! لأنّكم تفاوضون مَن لا
تربطه أيّة علاقة لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ بواقع شعبهم الذي ما عاد يشبهه واقع لا
في الماضي ولا في الحاضر ولا حتى بالمستقبل القريب أو البعيد!
نداءات أخرى إليكم
للمرّة الثّانية والثّالثة والمئة والألف ولأبعد الأرقام والأعداد ألا تغيّبوا
جماهير الشّعب السّوريّ بكلّ أطيافه ومذاهبه ونظمه من موائدكم وطاولاتكم.  أن
تتعمّقوا في العمق السّوريّ الأصيل, لتستمعوا من خلاله إلى أنين الملايين, إلى آهات
وحسرات الملايين, إلى دعاء الملايين التي تمثّل هذا الشّعب لا أن تفاوضوا بضع أناسٍ
بعيدون عن روح التّفاوض والحوار والدّبلوماسيّة بُعْد حبّهم لشعبهم وحرصهم على
وطنهم وأرضهم.
نعم, ليكن تفاوضكم وحواركم وجهاً لوجهٍ مع الشّعب وحينها نضمن لكم
النّتائج التي تأملون في الوصول والتّوصّل إليها. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…