في مفاضلة المطالب الكردية

المحامية نالين عبدو

لطالما كان الكرد في الجسد السوري الخراج القابل  للالتهاب والفوران في أي لحظة ، والتعليل بديهي للغاية فهم الأكثر تعرضاً للمظلومية والظلامية والاستعباد والاستبعاد بشتى أنواعه ووسائله مقارنةً بكونهم ثاني أكبر قومية في البلاد.. 
– لم يذق الكرد في سوريا  لاحقوق الأقليات ولا المواطنة الحقيقية تأسيساً على ذلك وبإنطلاقة الثورة السورية بدأت الرهانات على دور الكرد في نصرة الثورة ودعمها ، ولم يكن المقابل الذي انتظره الكرد طويلاً سوى  دأب قيادات الحراك الثوري السياسي على التأكيد بأن الكرد وسواهم من باقي أطياف الشعب السوري كانوا ضحايا الطغمة الأمنية الحاكمة في سوريا وبزوالها سيأخذ كل ذي حق حقه بموجب القوانين الوطنية
 التي ستجعل كل السوريين سواسية دون نظر للونهم العرقي أو الطائفي ، ولا يعني هذا سوى رفض أكبر فصائل المعارضة تثبيت الكيان الكردي في سوريا دستورياً أما المواطنة الحقيقية فمن المستحيل طبعاً أن  تتحقق في أمد قصير ، بالنسبة لدولة شرق أوسطية نخرها الفساد، وهدتها الحرب الأهلية، ولن تحفظ تلك المواطنة حقيقية كانت أم صورية بما تفرض من واجبات وحقوق والتزامات والزامات ان سلمنا بها جدلاً الوجود القومي الكردي في سوريا بكل تجلياته بدءاً بالحقوق الثقافية وانتهاء بالحقوق السيادية الجغرافية ، فذلك لا يتحقق إلا بالاعتراف الدستوري بالكرد في سوريا كثاني قومية في البلاد، والرهان على غير ذلك ليس سوى رهاناً على فرس خائر.. 
لعل المغتربون الكرد بما فيهم النازحون إلى كردستان العراق وتركيا أكثر تبنياً للطرح القومي للقضية الكردية في سوريا ، قد لا يتبنى ذلك فئات لا يستهان بها من الكرد الذين لم يبرحوا أرض الوطن  فمن وجهة نظرهم صحيح أن ما لن يتحقق الآن لن يتحقق أبداً ويجب العمل ببراغماتية لصون المصلحة الكردية وجعل الكرد طرفاً لا يستهان به في المعادلة السورية ،لكن الواقع دوماً يفرض شروطه وأولوياته 
  فكما يقول المثل الشعبي الذي يده في الماء ليس كالذي يده في النار، ولا يحق لكل من اغترب ونأى بنفسه عن الظروف القاسية التي يعانيها الكرد في روجافا اليوم أن يطالب بما لن يشارك هو فيه ويتحمل مخاطره 
آخرون يرون ان المغالاة في المطالب القومية تعنت لا طائل منه ، فزمن النعرات القومية قد ولى، والطرح القومي للقضية الكردية متضمن في الحقوق الثقافية للكرد، وبإمكان الكرد تطوير مناطقهم من خلال ممارستهم لحقوقهم الوطنية السورية كسائر السوريين ، وتترك مسألة الاعتراف القومي أو الفدرالية لعهد آخر تنتعش فيه الحالة الكردية على الصعيد السياسي والاقتصادي، فالتشرذم صارخ في الوسط السياسي والفقر مدقع في المناطق الكردية من سوريا بسبب السياسات التي انتهجها النظام الحاكم لأكثر من خمسين عاماً ، وبنظر هؤلاء تمنح الادارة الذاتية اللامركزية الضيقة ما لا يستهان به من الحقوق والامتيازات للكرد  .
الرؤى متفاوتة من جهة أولوية المطلب الكردي في أي محفل دولي أو وطني لحل الازمة في سوريا، والظروف الاقليمية اليوم ربما تلعب دوراً في انتاج مفاضلة بين أكثر من سيناريو لحل المسالة الكردية في سوريا، جميعها تفضي إلى حصول الكرد بسوريا في المستقبل القريب على حقوقهم القومية نظراً لقدرتهم على ترجيح أحد كفتي الميزان لصالح احدى القوى المتصارعة في حال وقفوا لجانب أحدهم، ونظراً  لموقعهم الاستراتيجي حدودياً ونفطياً، الفرصة سانحة اذًاً، والتعويل هو على مدى نجاح الحركة الكردية في توحيد قراراتها وتوجيه أجندتها.. 
لآرائكم تواصلوا عبر ال
facebook.com : nalinabdo lawyer 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…