قائد يرتهن الشعب ويجهض ثورة

دارا بهوري

معظم شعوب العالم الخاضعة للاحتلال، وهي في حالة
المقاومة تُفرز نخبة واعية نضالياً تتصدّر المشهد السياسي أو العسكريّْ في حالة
الكفح المسلح، فتمجّدُهم  وتدفعهم للمضي في طريقهم طالما وهبوا حياتهم من أجل حرية
شعوبهم، والشعب الكردي لم يتخلّف عن تلبية نداء قادته طالما ان الهدف هو السعي
لتحقيق آمالهم وأحلامهم.
ناضل الكُرد  وقاوموا محتليهم عبر العصور والأزمان
وتوالى على صدارة المشهد العديد من الأسماء التي تشرّفت بقيادة ثوراتهم حتَّى نُسجت
من حولهم أساطيرٌ  وذلك لدفعهم الى المضي قُدُماً في طريقٍ وعرٍ وشاقْ إختاروه
طواعيةً. 
لكن الشعب ذاته الذي يمجّد الأبطال يلفظ الخونة والمخادعين ويلفظهم الى مكان
يستحقونه .
في بدية الثمانيات انطلقت ثورة تحررية بقيادة عبدالله أوجلان في شمال
كردستان بعنوان عريضٍ ومغرٍ يسيل له لعاب أيِّ كرديٍّ يحلم بالحرية والاستقلال،
فكان شعار (توحيد وتحرير كُردستان) طاغيا على خطاباتهم وتحفيزهم  للشبّان والشابات
للالتحاق بهم ، حتى كانوا يصفون حينها أصحاب شعار (الحكم الذاتي) بالرجعيين
والمتهاونين بحق الشعب لضآلة أحلامهم.
نجحت دعايتهم الثورية في تجنيد الشباب
والشابات للانخراط في العمل المسلح فقط لأجل كُردستان، رغم أن معظم الدلائل على
الأرض كانت توحي الى عكس ما يقولون ، فما عدا إنكاره وجود جزءٌ ملحقٌ بسوريا ، ساهم
بقمع معارضيه بقطع آذانهم وجذع أنوفهم وتخريب ممتلكات معارضيه وذلك ليس في شمال
كردستان حيث معقل الثورة بل في غربها الذي لم يعترف بوجودها ، في عمليات نفذتها
مجموعات كانت في الأصل منبوذة اجتماعياً ولم تمتلك أيّ رصيد وطني أو أخلاقي.   
مضت السنين وُقبض على أوجلان بعد طرده من سوريا الأسد في عملية إستخبارية
معروفة ، حيث نقطة التحوّل الكبرى في مسيرة القائد الذي إعتذر من أمهات (شهداء)
الجنود الأتراك عارضاً خدماته لأجل تركيا ووحدة أراضيها داعماً إخلاصه بنصفه التركي
من طرف والدته ، دون أن يعترف بدموع أمهات الكرد التي ذُرفت لأجل فلذات أكبادها
الذين قتلوا مرتين.  
الحزب الذي عقد عدة مؤتمرات وفي كلَّ مرة يغير إسم الحزب
ويخفض من سقف أهدافه الى أن أوصلتنا عبقرية القائد آبو إلى عالم الخيال وطرح نظرية
المجتمع الديمقراطي والأمَّة الآيكولوجية التي بمختصرها الشديد تدعو الى نبذ الفكر
القومي ومحاربة المساس بخطوط سايكس-بيكو كون أيَّ مساس بها يعرّض المنطقة الى الخطر
وكأننا في آمانٍ دون ذلك ، أي الإنتقال من النقيض الى النقيض ومن الدعوة الى إقامة
كُردستان الكبرى, الى محاربة العمل لأجل ذلك الهدف.
دخل أوجلان في مفاوضات غير
متكافئة (لكونه سجيناً ) مع سجانيه وسجّاني شعبه، فوضع هو نفسه شروطا أو نقاط تفاوض
للحلّ النهائي ووقف الكفاح المسلح.
سأورد هنا أدناه تلك (الشروط- البنود) التي
لا ذكر فيها لكلمة  كُرد أو كُردستان . وليس فيها طلب إعادة إعمار آلاف القري التي
دمّرتها طائرات الترك وأحرقتها، ولا حديث عن تعويض أهالي الشهداء …   

البنود العشرة

أولا: السياسة
الديمقراطية، ماهيتها ومحتواها.
ثانيا: تحديد الأطراف الإقليمية والدولية التي
ستتابع تطبيق مرحلة الحل السياسي الديمقراطي.
ثالثا: الضمانات الديمقراطية
والقانونية لخلق المواطنة الحرة.
رابعا: علاقة السياسة الديمقراطية بالدولة
والمجتمع وآليات عمل هذه العلاقة.
خامسا: الجوانب الاجتماعية والاقتصادية للحل
السياسي الديمقراطي.
سادسا: حالة الأمن وشروطها في ظل تفعيل الحل السياسي
الديمقراطي.
سابعا: الضمانات القانونية لحقوق المرأة، توطيد الثقافة وحماية
البيئة. 
ثامنا: الضمانات القانونية على حماية الهوية الحرة، وتحقيق المساواة
والاعتماد على الديمقراطية في التعامل مع جميع المواطنين.
تاسعا: تعريف
الجمهورية الديمقراطية، الوطن المشترك، والقوانين الديمقراطية، وضمان كل ذلك في متن
الدستور الرسمي للدولة.
عاشرا: وضع دستور للدولة يتم ضمان كل البنود السابقة فيه
بشكل ديمقراطي واضح.
إذا توافق المفاوضون يترتب على ال PKK أن يلقي السلاح
ويستسلم مقاتلوه الى الدولة التي وعدت بالعفو العام بإستثناء المتهمين منهم بقتل
الجنود الاتراك يجب عليهم مغادرة الاراضي (التركية) وإن يطلق سراح آبو حيث كان
المفترض ان يحدث ذلك في 15 فبرير الفائت.
على تركيا أن تنفذ الشروط الديمقراطية
العشر.
فهل يحقُّ له أن يبادل حريته الشخصية بدماء وأحلام شعبٍ شُّرد منه
الملايين في الداخل والخارج وتهدمت أو أحرقت بيوتهم وتبعثرت آمالهم بين ثنايا
مفاوضاتٍ بين سجين يسعى الى الحرية متناسياً شعبه السجين وما بين دولةٍ محتلة
تستميت لأجل نصف فرصةٍ  لقمع ما تسميه تمرداً إرهابياً.
Dara Behwari

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…