بين جمعتين وأكثر، أي جمعة للكُرد ؟

 ابراهيم محمود

بين يوم
الجمعة الدامي، في 12 آذار 2004، ويوم الجمعة الدامي في 20 آذار 2015، وأيام جمعات
لم تمر في ذاكرات الكرد دون تنهيدات وتحسرات وآلام، وأيام جمعات وما بين الجمعة
والجمعة، ثمة حلقات تشهد على مدى إراقة دماء الكرد، لا بل والطلب المتزايد من
الأخوة المزعومين في الدين الواحد، إلى مدّعي الإنسانية خارج الدين الواحد، أي جمعة
يمكن للكرد أن يتنفسوا الصعداء فيها، وأي يوم يمكن للكرد أن ينالوا قسطاً من الراحة
فيه أمام زحف طغيان الأخوة المزعومين والملوّحين بالإنسانية المزعومة ؟
ربما لا يمكن للكتابة أن تنقل إلى كلماتها العمق الذي لا يُسبَر لصرخة أم على
وليدها المتشظي أشلاء في الهواء، أو أب مصدوم إذ يعاين ابنته الصغيرة وقد فقدت
معالمها الحية، أو أي كان إزاء قريب أو صاحب له من هول غفلة همجية، إزاء وليمة
القتل الجماعية والهمجية لأعداء الكرد الصرحاء والخفيين في الحسكة ، الجمعة مساء،
في 20 آذار 2015.
ربما هي حلقة من بين حلقات لا تنتهي من الترويع المسمّي لأعداء
الكرد والمنفّذ في الكرد أنى حلوا واستقروا، أنى تحركوا وعرَّفوا بأنفسهم، رغم أنهم
باتوا أشهر من أن يعرَّف بأنفسهم !
الأعداء هم الأعداء! ولكَم شدّد أولو أمر
الكرد على تسمية أعدائهم في الزمان والمكان وبأسمائهم الثلاثية في جهاتهم الجغرافية
الممزَّقة والممثَّل فيها، لكم أفصحوا عن ” غدر ” من فتحوا لهم أبواب بيوتهم، ومدوا
لهم قلوبهم وهي عامرة بأطايب القيم الإنسانية من طرف واحد غالباً، وبالكاد اكتشفوا
الخطأ المريب لا بل والقاتل، ولم يتداركوه حقيقة، وهو أن الذي يحذّرون منه، سرعان
ما يقعون في محظوره، بالكاد أدرك الكرد جرّاء طيبة في غير محلها، أنهم مغبونون، ولا
محل لهم من الإعراب الإنساني والوطني والأخلاقي الخاص بمن يجاورونهم .
لكم نال
من الكرد في المجمل، ما نال من طعان ” أعدائهم “، وسرعان ما تغدر بهم ذاكراتهم في
الزمان والمكان، سرعان ما ينسون أنهم كرد، وأن الكرد هؤلاء، بقدر ما يمضون في
التركيز على أنهم كانوا الهدف المرصود في التاريخ مذ وجِدوا حتى كتابة هذه اللحظة،
بقدر ما يفقدون صلاتهم بالزمان والمكان، وحس الجهات حيث يتكاثر أعداؤهم .
لكم
نسي وينسى الكرد أنهم أقسموا بالأيمان المغلَّظة ويقسمون بها تباعاً وتباعاً، بعدم
العودة إلى ما كانوا عليه، في الغفلة وعدم التنبه، سوى أنهم سرعان ما يعودون إلى ”
القياس ” السابق، كما لو أن استمرارهم في الغفلة هو القاعدة المشتهاة، والذاكرة هي
الاستثناء الملغى.
هل على الكرد، ومن يتحدثون باسمهم، أو يمثّلونهم، أن يؤكدوا
أنهم أمّة الشهداء التي لا تنافَس، أنهم الشعب الذي يدفع من الشهداء أكثر من طاقة
الأرحام والأصلاب التي تجهد استعداداً لولادة كردية جديدة، أنهم القومية الوحيدة في
التاريخ التي لا تدخر جهداً بالمقابل في تقديم المزيد من الشهداء، لتعرَف بهم، وهي
تحفّز أعداءها لأن يمضوا ما استطاعوا من قوة ومن شهوة القتل والإيغال في الدم
الكردي، لتأكيد حكمة القدر الكردي، وليكون من شأن أولي أمر الكرد التأكيد على أنهم
حقاً: أمّة الشهداء الأوَل في التاريخ، وأنهم سيدفعون بالمزيد من الشهداء ليتحدثوا
عن أنفسهم، وهم يواسون أهليهم، وأنهم مواظبون على إيجاد المزيد من السبل ليتكاثر
شهداؤهم، ليكون لهم الرقم القياسي عالمياً، كما لو أنهم يفعّلون الشهادة الكردية في
أمة كردهم، ليحسنوا البقاء وتدبير أمورهم في قيادات تستثير سخريات أعدائهم في
المجمل ؟!
تُرى ألم يبلغ أولو أمر الكرد ونبهاؤهم ووجهاؤهم وبلغاؤهم في السياسة
الكردايتية النصاب، ليكفُّوا عن ترداد : نحن شعب الشهداء بامتياز؟ أم إن شعب
الشهداء هذا لما يزل مطالباً في أن يوقع على ” بياض ” قرطاس الأعداء، ليشهد الكرد
غداً وبعد غد، وبعد بعد بعد غد، ما يبزُّ عدد الشهداء عدد الأحياء منهم ؟
ربما
هو الحد الأقصى من الوجع، وربما هو الحد الأمضى في التعبير عن إيلام الذات، وربما
هو الحد الأتم من القسوة التي تترجم ألماً لا يطاق، كردي النشأة والنمو والتسمية
إزاء هذه الغفلات عما يجري، إذ لا أسهل من القول: نعم، هناك من يتربصون بالكرد
الدوائر، وما أكثرهم أعداءً أعداء، وإزاء ذلك، كيف يمكن المصادقة على قول كهذا،
ويكون هناك التغافل عن فخاخ الأعداء المتحركة والموقوتة والمريعة، يكون هناك
الاستسلام لأفراح لم يحن أوانها بعد ؟
لنواجه أنفسنا قليلاً إذا كنا كرداً حقاً،
لنحسن التوقيت لجمعة ما تتكلم الكردية بسلام !
دهوك
22-آذار- 2015 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…